حرف اللام / اللطف

           

اللام والطاء والفاء، أصل يدل على رفق، فاللطف: الرفق في العمل، يقال: هو لطيف بعباده؛ أي: رؤوف رفيق[1].
ومعانيه دائرة حول العديد من المعاني، منها:
الأول: الرِّفق والرأفة والرحمة، يقال: لَطَف الله لك، إذا أوصل إليك مرغوبك برفق، وأمٌّ لطيفة بولدها رحيمة به، ومنه اللَّطَف: البر والتكرمة، والملاطفة المبارَّة، والتلطف للأمر الرفق له، واستلطف الشيء قرَّبه منه وألصقه بجنبه.
الثاني: الصغر والخفاء والدقة والرِّقة، والحركة الخفيفة، وتعاطي الأمور الدقيقة، واللطيف من الكلام ما غمض معناه وخفي[2].


[1] انظر: مقاييس اللغة (5/250).
[2] انظر: تهذيب اللغة (13/347) [الدار المصرية]، ومقاييس اللغة (954) [دار الفكر، ط2، 1418هـ]، والصحاح (4/1426، 1427) [دار العلم للملايين، ط4، 1990م]، ومفردات ألفاظ القرآن للراغب (740) [دار القلم، ط2، 1418]، والمعجم الوسيط (2/826) [دار الدعوة، ط2، 1972م].


لطف الله تعالى له معنيان:
الأول: أنه لا تخفى عليه الأشياء وإن دقت ولطفت وتضاءلت.
الثاني: أنه البر بعباده، الموصل إليهم مصالحهم بلطفه وإحسانه من طرق لا يشعرون بها[1].


[1] انظر: توضيح المقاصد لابن عيسى (2/228).


المعنى الشرعي لِلطف الله تعالى لا يخرج عن بعض المعاني اللغوية، إلا أن ذلك مختص بالله تعالى، فالله سبحانه وتعالى باللطف الذي هو غاية ما يكون من الجلال والكمال، وهو منزه عن كل نقص وعيب.



وجوب إثبات اللطيف اسمًا لله تعالى على غاية الكمال والجلال، بلا تكييف ولا تمثيل، وإثبات اسمه اللطيف كما ثبت ذلك في النصوص.



وصف الله عزّ وجل باللطف يأتي على معنيين:
الأول: أنه لا تخفى عليه الأشياء وإن دقت ولطفت وتضاءلت، ومن هذا المعنى قوله تعالى: {يَابُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ *} [لقمان] .
وهذا المعنى مأخوذ من اللطف الذي هو الدقة والغموض، فلا يخفى على الله شيء مهما صغر ودق وخفي.
الثاني: أنه البر بعباده، الموصل إليهم مصالحهم بلطفه وإحسانه من طرق لا يشعرون بها، ومن هذا المعنى قوله تعالى: {اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ *} [الشورى] .
وفي بيان هذين المعنيين، يقول ابن القيم:
«وهو اللطيف بعبده ولعبده
واللطف في أوصافه نوعان
إدراك أسرار الأمور بخبرة
واللطف عند مواقع الإحسان
فيريك عزته ويبدي لطفه
والعبد في الغفلات عن ذا الشان»[1]


[1] انظر: توضيح المقاصد لابن عيسى (2/228)، وراجع: الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى (1/232)، وشفاء العليل (1/147)، وتفسير أسماء الله الحسنى للسعدي (225)، والنهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى للنجدي (1/261).


قال الله تعالى: {لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ *} [الأنعام] .
قوله تعالى: {أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ *} [الملك] .
وفي حديث عائشة رضي الله عنها لما كان النبي صلّى الله عليه وسلّم عندها ثم خرج إلى البقيع ثم خرجت على أثره دون أن يشعر، وفيه أنه قال لها: «ما لك يا عائش حشيًا رابية؟» قالت: قلت: لا شيء. قال: «لتخبريني أو ليخبرني اللطيف الخبير» الحديث[1].


[1] أخرجه مسلم (كتاب الجنائز، رقم 974).


قال البغوي: «وحقيقة اللطيف: الذي يوصل الإحسان إلى غيره بالرفق»[1].
وقال أبو سليمان الخطابي: «اللطيف: هو البر بعباده، الذي يلطف بهم من حيث لا يعلمون، ويسبب لهم مصالحهم من حيث لا يحتسبون»[2].
وقال السعدي: «اللطيف الذي يدرك بواطن الأشياء، وخفياتها، وسرائرها، الذي يسوق إلى عبده الخير، ويدفع عنه الشر بطرق لطيفة تخفى على العباد، ومن لطفه، أنه يُري عبده عزته في انتقامه وكمال اقتداره، ثم يظهر لطفه بعد أن أشرف العبد على الهلاك»[3].


[1] تفسير البغوي (4/281).
[2] شأن الدعاء (62).
[3] تفسير السعدي (5/318).


لطف الله عزّ وجل بعباده له أوجه كثيرة ومتعددة[1]:
فهو الذي خلقهم من غير حول لهم ولا قوة، وتكفل بأرزاقهم وجميع ما يحتاجون في معاشهم ومصالح دنياهم.
ومن لطفه الخاص بعباده المؤمنين هدايتهم إلى الحق وتوفيقهم إليه وتثبيتهم على الطاعة والاستقامة، ونصرهم على عدوهم ابتداء من أنفسهم الأمّارة بالسوء، وأعداءهم من الجن والإنس وغير ذلك من أوجه اللطف.
فيجب على العبد أن يعلم أن الله هو اللطيف على الكمال، وأن كل لطف إنما هو من عنده سبحانه وتعالى، وكما يحب أن يلطف الله به فعليه أن يكون لطيفًا بإخوانه المؤمنين، وأن يوصل إليهم بقدر طاقته ما عليه من بر وإحسان[2].
كم هو نافع للعبد أن يعرف معاني هذا الاسم العظيم ودلالاته، وأن يجاهد نفسه على تحقيق الإيمان به والقيام بما يقتضيه من عبودية الله عزّ وجل به، متحريًا في جميع الأحوال الفوز بالعواقب الحميدة والمآلات الرشيدة، واثقًا بربه اللطيف الخبير، الذي بيده الخير وحده، والله ذو الفضل العظيم.


[1] انظر في هذه الأوجه بالتفصيل: تفسير أسماء الله الحسنى للسعدي (225 ـ 234)، وفقه الأسماء الحسنى (139 ـ 141) [دار التوحيد، ط1، 1429].
[2] انظر: الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى (1/236).


1 ـ دعاء المؤمن ربه تبارك وتعالى باسمه اللطيف، فيوقن في دعائه أن الله تعالى أرحم به، وأعلم بمصالحه، لا يخفى عليه ما يغيب، ولا يعزب عنه مثقال ذرة، فيكون المؤمن بذلك أسعد بالدعاء، وأيقن بالإجابة، حاضر القلب لا غافلاً ولا لاهيًا.
2 ـ ما يورثه التفكر في اسم الله اللطيف من زيادة محبة لله تعالى؛ فهو الرحيم بعباده، الموصل لهم كل خير من حيث لا يحتسبون.
3 ـ توكل المؤمن على ربه تبارك وتعالى ؛ لعلمه ويقينه بلطف الله تعالى به، وأنه الهادي إلى أحسن الأحوال وأهدى السبل.
4 ـ الرضا بقضاء الله تعالى وقدره؛ ففي قدره اللطف والحكمة، ولا يكون للمؤمن قضاء من ربه إلا وهو له خير.
5 ـ التعبد لله تعالى بعلمه بكل شيء، وأنه لا تخفى عليه خافية، ولا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأراضين، فيظل المؤمن مراقبًا لربه في جميع أحواله.



1 ـ «الأسماء والصفات»، للبيهقي.
2 ـ «الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى»، للقرطبي.
3 ـ «توضيح المقاصد وتصحيح القواعد في شرح قصيدة الإمام ابن القيم»، لابن عيسى.
4 ـ «الحق الواضح المبين»، للسعدي.
5 ـ «شأن الدعاء»، للخطابي.
6 ـ «شفاء العليل»، لابن القيم.
7 ـ «صفات الله عزّ وجل الواردة في الكتاب والسُّنَّة»، لعلوي السقاف.
8 ـ «فقه الأسماء الحسنى»، لعبد الرزاق البدر.
9 ـ «كتاب النعوت، الأسماء والصفات»، للنسائي.
10 ـ «مجموع الفتاوى»، لابن تيمية.
11 ـ «النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى»، للنجدي.