اللَّفظ : اللام والفاء والظاء كلمةٌ صحيحة تدلُّ على طرح الشَّيء، وغالب ذلك أن يكون من الفم. تقول: لَفَظَ بالكلام يَلفِظ لَفْظًا، ولفظتُ الشّيءَ من فمي[1]. واللَّفظ يُطلق على: المصدر الذي هو فِعْل اللافظ من صوته وحركة لسانه، ويُطلق على: الملفوظ الذي لفظه اللافِظ، مثل ما يُعبَّر بالتلاوة والقراءة عن: المتلو والمقروء[2].
القرآن : مصدر للفِعل (قرأ) يقرأ قراءةً وقرآنًا؛ أي: تلا وجمعَ وضمَّ بعضَه إلى بعضٍ، سُمي القرآن بذلك لأنه يجمع السور فيضمها[3].
[1] انظر: مقاييس اللغة (5/259) [دار الفكر، ط2].
[2] انظر: خَلْق أفعال العِباد للبخاري (105) [دار المعارف الرياض، 1398هـ]، ومجموع الفتاوى (12/170، 197، 567)، ودَرء التعارض (1/264) [جامعة الإمام، ط2، 1411هـ]، والعقيدة السلفية في كلام ربِّ البريَّة لعبد الله الجديع (209) [دار الصميعي، ط2، 1415هـ]، والقرآن الكريم ومنزلته بين السلف ومخالفيهم لمحمد هشام بن لعل محمد طاهري (1/124) [دار التوحيد، ط1، 1426هـ].
[3] انظر: الصحاح (1/66)، والقاموس المحيط (62).
يجب على المسلم أن يتقيد بالألفاظ الشرعية، مع اجتناب كلّ محدث من القول. ومسألة اللفظ بالقرآن: من المسائل المحدثة المبتدعة، التي لم يتكلم بها السلف الصالح.
وقد حكم الأئمة على من قال: لفظي بالقرآن مخلوق ـ وأراد باللفظ: الكلام الملفوظ به، المتلو المقروء ـ بأنه جهمي.
ومن قال: لفظي بالقرآن غير مخلوق فقد وقع في البدعة؛ لأن السلف من أهل السُّنَّة لم يتكلموا في باب اللفظ، ولم يحوجهم الحال إليه، وإنما حدث الكلام في اللفظ من أهل البدع، ولأنه يدخل في هذه العبارة أفعال المخلوقين وحركاتهم وأصواتهم وهذه مخلوقة، والقول بأنها غير مخلوقة من الإحداث في الدين[1].
[1] انظر: صريح السُّنَّة للطبري (25، 26) [دار الخلفاء، ط1، 1405هـ]، وعقيدة السلف وأصحاب الحديث للصابوني (172، 173) [دار العاصمة، ط2، 1419هـ]، ومختصر الصواعق (4/1351 ـ 1352) [مكتبة أضواء السلف، ط1، 1425هـ]، ومجموع الفتاوى (12/238).
لفظ القارئ بالقرآن وتلاوته وقراءته له وكتابته، أو قوله: لفظي بالقرآن وتلاوتي له وقراءتي له وكتابتي له؛ فهذه ألفاظ مجملة لا يصح إطلاق القول بها؛ فهي تطلق على معنيين:
المعنى الأول: الملفوظ به والمتلو والمقروء والمكتوب، وهو القرآن الكريم، وهو كلام الله، ليس فعلاً للعبد ولا مقدورًا له.
والمعنى الثاني: التلفّظ والتلاوة والقراءة والكتابة، وكلّها من فعل العبد وكسبه وسعيه.
فاللّفظ والتلاوة والقراءة والكتابة إذا أضيفت إلى القرآن؛ صارت معاني مشتركة بين الملفوظ والمتلو والمقروء والمكتوب وهو كلام الله، والتلفّظ والتلاوة والقراءة والكتابة التي هي فعل العبد.
وهذا بخلاف صوت القارئ، فلا محذور في إطلاق القول بأنَّه مخلوق؛ لأنَّ الصَّوت معنى خاص بفعل العبد لا يتناول المتلو المؤدى بالصوت ألبتة؛ فالكلام كلام الباري عزّ وجل والصّوت صوت القارئ.
فظهر بهذا أن من أطلق هذا القول نفيًا أو إثباتًا فقال: (لفظي بالقرآن مخلوق)، أو قال: لفظي بالقرآن غير مخلوق؛ فقد وقع في المحذور لا محالة؛ لأنَّه لو أطلق لفظ (الخلق) وقصد به المعنى الثاني شمل المعنى الأول وهذا قول الجهميَّة، ولو قال: (غير مخلوق) شمل المعنى الثاني، وهو أن أفعال العباد غير مخلوقة، وهذا باطل.
ولهذا اشتدّ نكير الأئمّة ـ كالإمام أحمد بن حنبل وغيره ـ على إطلاق هذا القول نفيًا أو إثباتًا؛ فقالوا: «من قال: لفظي بالقرآن مخلوق؛ فهو جهميّ، ومن قال: غير مخلوق؛ فهو مبتدع»[1]؛ لما في هذا الإطلاق من الإجمال والإيهام والتباس الحقِّ بالباطل، ولكونها من المسائل المحدثة المبتدعة التي لم يؤثر فيها القول عن أحد من سلف الأمّة، ولكونها ذريعة إلى قول أهل البدع بخلق القرآن؛ فأرادوا حسم المادة وصون القرآن أن يوصف بذلك.
فاللفظ المجمل مردود على صاحبه على كل حال[2].
[1] أخرجه عن الإمام أحمد: ابن جرير الطبري في صريح السُّنَّة (37) [مكتبة غراس، ط2، 1426هـ]، وعنه: اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السُّنَّة (2/392) [دار طيبة، ط4، 1416هـ]. وانظر: السُّنَّة لعبد الله بن أحمد (163) [دار ابن القيِّم بالدمام، ط1، 1406هـ]، ومجموع الفتاوى (3/171، 197، 12/74، 325، 423، 573)، والجواب الصَّحيح لمن بدَّل دين المسيح (4/348) [دار العاصمة، ط1، 1414هـ].
[2] انظر: السُّنَّة لعبد الله بن أحمد (163)، والاختلاف في اللَّفظ لابن قُتيبة (57) [دار الراية بالرياض، ط1، 1412هـ]، والسُّنَّة للخلال (7/63) [دار الراية بالرياض، ط1، 1415هـ]، وشرح أصول اعتقاد أهل السُّنَّة (2/385)، والحُجَّة في بيان المحجَّة (1/329) [دار الراية بالرياض، ط1، 1419هـ]، ومجموع الفتاوى لابن تيميَّة (6/527، 12/53، 74، 79، 170، 237، 421، 432، 534، 567، 573، 582)، والجواب الصَّحيح (4/345)، ودَرء التعارض (1/256)، ومختصر الصواعق (4/1351، 1352)، ومعارج القبول (1/292) [دار ابن القيِّم بالدَّمَّام، ط1، 1410هـ]، والعقيدة السلفية في كلام ربِّ البريَّة للجديع (205)، والقرآن الكريم ومنزلته بين السلف ومخالفيهم (1/119، 565)، والمسائل العقديَّة التي حكى فيها ابن تيميَّة الإجماع لعلي بن جابر العلياني (714) [دار الفضيلة بالرياض، ط1، 1428هـ].
قال الله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللَّهِ} [التوبة: 6] ؛ وجه الدَّلالة من الآية: أنَّ الله تعالى أثبت أنَّ المسموع من الرسول صلّى الله عليه وسلّم أو من المؤمنين ـ وهو المتلو والملفوظ بألسنتهم ـ هو كلام الله، وكلام الله غير مخلوق.
وتوعَّد سبحانه بالنار من قال عن المسموع من النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم الملفوظ منه: إنّه قول البشر؛ فقال تعالى مخبِرًا عنهم: {فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ *إِنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ *سَأُصْلِيهِ سَقَرَ *} [المدَّثر] ؛ فدلَّ هذا على أنَّ الملفوظ المسموع كلام الله تعالى لا كلام البشر ـ وإلا لما توعَّدهم على ذلك ـ، وكلامه جلّ جلاله غير مخلوق.
وثبت في «الصحيحين» من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أنَّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «استذكروا القرآن؛ فلهو أشدُّ تفصِّيًا من صدور الرجال من النَّعَم بعُقُلِها» [1]؛ فأثبت صلّى الله عليه وسلّم أنّ المحفوظ في صدور الرجال هو القرآن الكريم، وهو كلام الله غير مخلوق.
وفي السنن عن جابر رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعرض نفسه على الناس في الموقف؛ فيقول: «ألا رجل يحملني إلى قومه؟ فإنّ قريشًا قد منعوني أن أبلّغ كلام ربي» [2]؛ فبيَّن صلّى الله عليه وسلّم أنَّ الكلام الذي يبلِّغه ويتلوه هو كلام الله تعالى لا كلامه، وكلام الله غير مخلوق، وإن كان يبلّغه بأفعاله وصوت نفسه؛ كما قال صلّى الله عليه وسلّم: «زيِّنوا القرآن بأصواتكم» [3]؛ فبيَّن أنّ الأصوات التي يقرأ بها القرآن هي أصوات العباد وهي مخلوقة، وفرَّق بينها وبين القرآن المتلو الذي هو كلام الله تعالى؛ فالقرآن كلام الباري عزّ وجل والصّوت صوت القارئ. إلى غير ذلك من الأدلَّة الكثيرة[4].
[1] أخرجه البخاري (كتاب فضائل القرآن، رقم 5033)، ومسلم (كتاب صلاة المسافرين، رقم 790) واللَّفظ له.
[2] أخرجه أبو داود (كتاب السُّنَّة، رقم 4734)، والترمذي (أبواب فضائل القرآن، رقم 2925) وقال: «حديث حسن صحيح»، وابن ماجه (المقدمة، رقم 201)، وأحمد (23/370) [مؤسسة الرسالة، ط1]، والدارمي (كتاب فضائل القرآن، رقم 3397)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (رقم 1947).
[3] أخرجه أبو داود (كتاب الوتر، رقم 1468)، والنسائي (كتاب الافتتاح، برقمَي 1015، 1016)، وابن ماجه (كتاب إقامة الصَّلاة والسُّنَّة فيها، رقم 1342)، وأحمد (30/451) [مؤسسة الرسالة، ط1]، والدارمي (كتاب فضائل القرآن، رقم 3543)، من حديث البراء بن عازِب رضي الله عنه، وجوَّد إسناده ابن كثير في تفسيره (1/62) [دار طيبة، ط2]، وصحَّحه الألباني في صحيح أبي داود (رقم 1320) [مؤسسة غراس، ط1].
[4] انظر: صريح السُّنَّة (37)، والسُّنَّة للخلال (7/63)، والحُجَّة في بيان المحجَّة (1/329)، ومجموع الفتاوى لابن تيمية (12/53، 136، 258، 462، 534، 582)، والجواب الصحيح (4/348)، ودَرء التعارض (1/258)، والتسعينيَّة (3/971) [مكتبة المعارف بالرياض، ط1]، والعقيدة السلفية في كلام ربِّ البريَّة للجديع (240)، والقرآن الكريم ومنزلته بين السلف ومخالفيهم (1/571).
قال ابن جرير الطبري: «وأما القول في ألفاظ العباد بالقرآن فلا أثر فيه نعلمه عن صحابي مضى، ولا تابعي قضى، إلا عمن في قوله الغناء والشفاء، وفي اتباعه الرشد والهدى، ومن يقوم قوله لدينا مقام قول الأئمة الأولى: أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل رضي الله عنه، فإن أبا إسماعيل الترمذي حدثني قال: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول: «اللفظية جهمية لقول الله جلَّ اسمه: {حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللَّهِ} [التوبة: 6] فممن يسمع»؟ ثم سمعت جماعة من أصحابنا ـ لا أحفظ أسماءهم ـ يذكرون عنه أنه كان يقول: «من قال: لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي، ومن قال: هو غير مخلوق فهو مبتدع». ولا قول في ذلك عندنا يجوز أن نقوله غير قوله، إذ لم يكن لنا إمام نأتم به سواه، وفيه الكفاية والمقنع، وهو الإمام المتبع»[1].
وقال ابن تيمية: «كان أحمد وغيره من السّلف ينكرون على من يقول: لفظي بالقرآن مخلوق أو غير مخلوق؛ يقولون: من قال: هو مخلوق فهو جهميّ، ومن قال: غير مخلوق فهو مبتدع. فإنَّ (اللَّفظ) يراد به: مصدر لفظ يلفظ لفظًا، ويراد باللَّفظ: الملفوظ به، وهو: نفس الحروف المنطوقة. وأما أصوات العباد ومداد المصاحف؛ فلم يتوقف أحد من السلف في أنَّ ذلك مخلوق. وقد نصَّ أحمد وغيره على أنَّ صوت القارئ صوت العبد، وكذلك غير أحمد من الأئمّة. وقال أحمد: من قال: لفظي بالقرآن مخلوق، يريد به القرآن؛ فهو جهمي. فالإنسان وجميع صفاته مخلوق: حركاته وأفعاله وأصواته مخلوقة، وجميع صفاته مخلوقة، فمن قال عن شيء من صفات العبد: إنَّها غير مخلوقة أو قديمة؛ فهو مخطئ ضال، ومن قال عن شيء من كلام الله أو صفاته: إنّه مخلوق؛ فهو مخطئ ضال»[2].
وقال الذهبي ـ تعليقًا على قول الإمام أحمد بن صالح: «من قال: لفظي به مخلوق فهو كافر» ـ: «إن قال: لفظي، وعنى به: القرآن؛ فنعم. وإن قال: لفظي، وقصد به: تلفُّظي وصوتي وفعلي أنّه مخلوق؛ فهذا مصيب؛ فالله تعالى خالقنا وخالق أفعالنا وأدواتنا. ولكن الكفّ عن هذا هو السُّنَّة، ويكفي المرء: أن يؤمن بأنّ القرآن العظيم كلام الله ووحيه وتنزيله على قلب نبيِّه صلّى الله عليه وسلّم، وأنَّه غير مخلوق»[3].
[1] صريح السُّنَّة (25، 26).
[2] مجموع الفتاوى (12/567).
[3] سير أعلام النُّبلاء (12/177). وانظر: ميزان الاعتدال (1/544).
المسألة الأولى: حقيقة قول الإمام أحمد والبخاري في مسألة اللفظ، والفرق بينهما:
المتواتر عن الإمام أحمد أنَّه كان ينكر إطلاق هذا اللَّفظ نفيًا وإثباتًا. وإنما كان يقول: القرآن كلام الله غير مخلوق كيف تصرف[1].
وأما ما نسب إلى الإمام محمد بن إسماعيل البخاريّ رحمه الله بأنه قال بقول اللفظية، فهو غلط عليه وحسد من بعض أقرانه، وإنما غاية ما قال رحمه الله: «سمعت عبد الله بن سعيد يقول: سمعت يحيى بن سعيد، يقول: ما زلت أسمع من أصحابنا يقولون: إن أفعال العباد مخلوقة.
قال أبو عبد الله البخاري: حركاتهم وأصواتهم واكتسابهم وكتابتهم مخلوقة، فأما القرآن المتلو المبين المثبت في المصاحف المسطور المكتوب الموعى في القلوب فهو كلام الله ليس بخلق»[2].
وقال رحمه الله رادًّا على من نسب إليه القول باللفظ: «من نقل عنّي أني قلت: لفظي بالقرآن مخلوق؛ فقد كذب! وإنَّما قلت: إنَّ أفعال العباد مخلوقة»[3]، فنجد أن الإمام البخاري كان يفرق في هذه المسألة بين ما كان متعلِّقًا بكلام الله وبين ما كان من فعل العبد، فالقراءة عنده غير المقروء، وقد ثبت عنده عن الإمام أحمد أنه قال: ما سمعت عالمًا يقول: لفظي بالقرآن غير مخلوق.
فكلا الإمامين ينكران أن يقال: لفظي بالقرآن مخلوق أو غير مخلوق، فالإمام أحمد سدَّ الذريعة حيث منع إطلاق لفظ (المخلوق) نفيًا وإثباتًا على اللفظ، والبخاري فصل مقالته؛ لئلا تستغل ممن يقول بأنَّ أفعال العباد غير مخلوقة[4]. فلا تعارض حقيقة بين القولين، فكلام الإمام أحمد أسدّ وأصلح من جهة عموم أهل الإيمان وتثبيت جمل الاعتقاد، وكلام الإمام البخاري أوضح وأمتن من جهة أهل العلم والتحقيق[5].
المسألة الثانية: حقيقة مذهب (اللفظية المثبتة): حقيقة قولهم أنهم يقولون: إن ألفاظنا بالقرآن غير مخلوقة، والتلاوة هي المتلو والقراءة هي المقروء.
وهذا مخالف لقول السلف وسائر الأئمة، فهم لا يقولون: مخلوقة ولا غير مخلوقة ولا يقولون التلاوة هي المتلو مطلقًا ولا غير المتلو مطلقًا.
وذلك أن التلاوة والقراءة كاللفظ؛ قد يراد به مصدر تلا يتلو تلاوة، وقرأ يقرأ قراءة، ولفظ يلفظ لفظًا، ومسمى المصدر هو فعل العبد وحركاته، وهذا المراد باسم التلاوة والقراءة، واللفظ مخلوق وليس ذلك هو القول المسموع الذي هو المتلو. وقد يراد باللفظ الملفوظ، وبالتلاوة المتلو، وبالقراءة المقروء، وهو القول المسموع، وذلك هو المتلو، ومعلوم أن القرآن المتلو الذي يتلوه العبد ويلفظ به غير مخلوق، وقد يراد بذلك مجموع الأمرين. فلا يجوز إطلاق الخلق على الجميع ولا نفي الخلق عن الجميع[6].
المسألة الثالثة: أول من تكلم بمسألة اللفظ:
أوَّل من ابتدع هذه المسألة[7] هو: حسين الكرابيسي ـ وتابعه: تلميذُه داود بن علي الأصبهاني الظاهريّ وطائفة ـ، وبدّعه الإمام أحمد بن حنبل، ووافقه على تبديعه علماء الأمصار؛ مثل: الإمام إسحاق بن راهويه، وأبو عبيد القاسم، وأحمد بن صالح المصري، وابن منده، وغيرهم كثير رحمهم الله .
وهذه المقالة المحدثة أتوا بها ليتذرعوا بها إلى القول بخلق القرآن، فكانت هذه المقالة أضر على الناس مما فيه تصريح بالقول بخلق القرآن، فصارت اللفظية شرًّا من الجهمية كما قرر ذلك أئمة السلف وعلى رأسهم الإمام أحمد بن حنبل[8].
[1] انظر: السُّنَّة للخلال (7/93 ـ 96).
[2] خلق أفعال العباد (2/70) [دار أطلس الخضراء، ط1، 1425هـ].
[3] انظر: فتح الباري لابن حجر (13/503، 535).
[4] وهم القدرية.
[5] انظر: مجموع الفتاوى (12/364 ـ 266، 373، 395، 421، 430)، ومختصر الصواعق (512) [دار الحديث، ط1، 1422هـ].
[6] انظر: مجموع الفتاوى لابن تيميَّة (12/373، 421).
[7] انظر: مقالات الإسلاميِّين للأشعري (602) [دار إحياء التراث العربي، ط3]، والحُجَّة في بيان المحجَّة (1/340)، ومجموع الفتاوى (6/177، 12/573)، وسير أعلام النُّبلاء (11/289، 510، 13/100)، وفتح الباري لابن حجر (13/492).
[8] انظر: السُّنَّة للخلال (7/84)، وطبقات الحنابلة لأبي يعلى (1/173، 328) [دار المعرفة]، ومجموع الفتاوى لابن تيميَّة (8/407).
الفرق بين قول أهل السُّنَّة ممن يرى التفريق بين اللفظ والملفوظ وبين قول الأشاعرة:
أهل السُّنَّة الذين يفرقون بين اللفظ والملفوظ وبين التلاوة والمتلو، أرادوا بذلك أن أفعال العباد ليس هي كلام الله، ولا أصوات العباد هي صوت الله، وهذا مقصود صحيح.
أما الأشاعرة فيقولون: اللفظ غير الملفوظ وهو مخلوق، يريدون باللفظ: القرآن العربي، وبالملفوظ: المعنى القائم بالذات. فالله تعالى عندهم لم يتكلم بالقرآن العربي بل عندهم أن القرآن العربي مخلوق[1].
[1] انظر: مجموع الفتاوى (12/374)، ومختصر الصواعق المرسلة (509) [دار الحديث، ط1، 1422هـ].
خالف في المعتقد الحقّ في هذه المسألة: الجهمية القائلون بخلق القرآن؛ فكانوا يقولون: ألفاظنا بالقرآن مخلوقة، ويعنون: أنَّ كلام الله مخلوق؛ تسترًا واحتماء بهذا القول عن إظهار بدعتهم![1].
وخالف في هذا أيضًا: اللّفظية النافية (الخَلقيَّة)، الذين يقولون: ألفاظنا بالقرآن مخلوقة غير قديمة، والتلاوة غير المتلو، والقراءة غير المقروء، والكتابة غير المكتوب. ويقولون: المنزل إلى الأرض من الحروف والمعاني ليس هو نفس كلام الله؛ بل ربما سموها حكاية عن كلام الله كما يقوله ابن كُلاب أو عبارة عن كلام الله كما يقوله الأشعري. وقالوا: ليس كلام الله إلا مجرد المعنى وإن الحروف ليست من كلام الله[2].
[1] انظر: مجموع الفتاوى لابن تيميَّة (7/655، 12/206)، ودَرء التعارض (1/260).
[2] انظر: مجموع الفتاوى (12/375، 376).
1 ـ «الاختلاف في اللّفظ»، لابن قتيبة.
2 ـ «الحجة في بيان المحجة» (ج1)، للتيمي.
3 ـ «خلق أفعال العباد»، للبخاري.
4 ـ «السُّنَّة» (ج7)، للخلال.
5 ـ «السُّنَّة»، لعبد الله بن أحمد.
6 ـ «شرح أصول الاعتقاد» (ج2)، للالكائي.
7 ـ «الشريعة»، للآجري.
8 ـ «صريح السُّنَّة»، لابن جرير الطبري.
9 ـ «مجموع الفتاوى» (ج3، 6، 7، 8، 12)، لابن تيمية.
10 ـ «مختصر الصواعق المرسلة»، لابن القيم.