حرف اللام / اللوح المحفوظ

           

اللوح : قال ابن فارس رحمه الله: «اللام والواو والحاء أصل صحيح معظمه مقاربة باب اللَّمعان، يقال: لاح الشيء يلوح؛ إذا لمح ولمع، والمصدر اللوح»[1].
اللوح : الذي يكتب فيه، وهو صفيحة من صحائف الخشب، والكتف إذا كتب عليه سمي لوحًا، واللوح: كل عريض، ولهذا يقال: الألواح من الجسد كل عظم فيه عرض[2].
المحفوظ : قال ابن فارس رحمه الله: «الحاء والفاء والظاء أصل صحيح واحد يدل على مراعاة الشيء؛ يقال: حفظت الشيء حفظًا»[3].
والمحفوظ : من حفظت الشيء؛ أي: حرسته، وحفظته بمعنى: استظهرته، والمحافظة: المراقبة، والحفظ: نقيض النسيان، وهو التعاهد، وقلة الغفلة[4].


[1] مقاييس اللغة (6/131) [دار الجيل، 1420هـ].
[2] انظر: تهذيب اللغة (5/248) [الدار المصرية للتأليف والترجمة]، ومقاييس اللغة (6/131)، والصحاح للجوهري (1/402) [دار العلم للملايين، ط3].
[3] مقاييس اللغة (2/87).
[4] انظر: الصحاح للجوهري (3/1172)، ولسان العرب (3/242).


هو الذي كتب الله فيه مقادير الخلائق، وأثبت فيه كل شيء، وما هو كائن، قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة[1]. قال ابن تيمية رحمه الله: «فإن اللوح المحفوظ الذي وردت به الشريعة كتب الله فيه مقادير الخلائق، قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة»[2].


[1] انظر: تفسير الطبري (17/134) [دار ابن حزم، ط1، 1423هـ]، وشفاء العليل (1/163) [دار العبيكان، ط1، 1420هـ].
[2] الرد على المنطقيين (518) [مؤسسة الريان، ط1، 1426هـ].


سمي باللوح المحفوظ؛ لأن الشياطين لا يمكنهم التنزُّلُ به؛ لأن محله محفوظ أن يصلوا إليه، وهو في نفسه محفوظ أن تقدر الشياطين على الزيادة فيه والنقصان، فالله سبحانه وتعالى حفظ محلَّه، وحفظه من الزيادة والنقصان، والتبديل[1].


[1] انظر: تفسير البغوي (4/592) [دار طيبة الرياض، ط1، 1423هـ]، والتبيان في أيمان القرآن (156) [دار عالم الفوائد، ط1، 1429هـ].


أمُّ الكتاب، الكتاب، الذكر، إمام مبين، الزبر[1]، الكتاب المكنون، الكتاب المسطور.
وكل هذه الأسماء دلَّ عليها القرآن الكريم في غير ما آية.


[1] انظر: شفاء العليل (1/163)، والمباحث العقدية المتعقلة باللوح المحفوظ لعادل بن حجي (132 ـ 148) [رسالة ماجستير، الجامعة الإسلامية بالمدينة].


يجب الإيمان باللوح المحفوظ، وأن الله كتب فيه مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة[1].


[1] انظر: الرسالة الوافية للداني (61) [دار ابن الجوزي، ط1، 1419هـ].


حقيقة اللوح المحفوظ هو مما استأثر الله بعلمه، فلا يعلم حقيقته وكيفيته إلا الله عزّ وجل.
قال ابن عثيمين رحمه الله: «اللوح المحفوظ لا نعرف ماهيته من أي شيء، أمن خشب، أم من حديد، أم من ذهب، أم من فضة، أم من زمردة؟ فالله أعلم بذلك، إنما نؤمن بأن هناك لوحًا كتب الله فيه مقادير كل شيء، وليس لنا الحق في أن نبحث وراء ذلك، لكن لو جاء في الكتاب والسُّنَّة ما يدلنا على شيء، فالواجب أن نعتقده»[1].


[1] شرح العقيدة الواسطية (3/148، 149) [دار ابن الجوزي، ط4، 1417هـ].


الإيمان باللوح المحفوظ هو من الإيمان بالقدر؛ لأن من مراتب الإيمان بالقدر: الإيمان بأن الله كتب كل شيء عنده في اللوح المحفوظ، فلا يتم إيمان العبد إلا بالإيمان بالقدر ومراتبه التي دلَّ عليها القرآن والسُّنَّة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «وتؤمن الفرقة الناجية من أهل السُّنَّة والجماعة بالقدر خيره وشره، والإيمان بالقدر على درجتين، كل درجة تتضمن شيئين: فالدرجة الأولى: الإيمان بأن الله عزّ وجل عليم بالخلق، وهم عاملون بعلمه القديم، الذي هو موصوف به أزلاً وأبدًا، وعلم جميع أحوالهم من الطاعات والمعاصي، والأرزاق والآجال، ثم كتب الله في اللوح المحفوظ مقادير الخلق وهذا التقدير التابع لعلمه سبحانه يكون في مواضع جملة وتفصيلاً: فقد كتب في اللوح المحفوظ ما شاء»[1].


[1] العقيدة الواسطية ضمن مجموع الفتاوى (3/148، 149) [مجمع الملك فهد لطباعة المصحف، ط2].


قال الله تعالى: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ *فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ *} [البروج] ، وقال تعالى: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ *} [الرعد] ، وقال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ *} [يس] ، وقال تعالى: {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ *وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ *} [القمر]
ومن السُّنَّة : حديث عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كان الله تبارك وتعالى قبل كل شيء وكان عرشه على الماء وكتب في اللوح ذكر كل شيء»[1].
وفي لفظ آخر: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء وخلق السماوات والأرض»[2].
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة. قال: وعرشه على الماء»[3].


[1] أخرجه بهذا اللفظ: أحمد (33/107) [مؤسسة الرسالة، ط1، 1420هـ]، وقال ابن القيم رحمه الله في اجتماع الجيوش الإسلامية (68) [دار البيان، ط4]: «حديث صحيح، أصله في البخاري».
[2] أخرجه البخاري (كتاب بدء الخلق، رقم 3191).
[3] أخرجه مسلم (كتاب القدر، رقم 2653).


قال الإمام أحمد رحمه الله: «واللوح المحفوظ حق، تستنسخ منه أعمال العباد، مما سبقت فيه المقادير والقضاء»[1].
وقال أبو عمرو الداني رحمه الله: «ومن قولهم: إن الإيمان باللوح المحفوظ وبالقلم واجب، على ما أخبر به تعالى في قوله: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ *فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ *} [البروج] »[2].
وقال النووي رحمه الله: «قال العلماء: وكتاب الله تعالى ولوحه، وقلمه، والصحف المذكورة في الأحاديث كل ذلك يجب الإيمان به، وأما كيفية ذلك، وصفته فعلمها إلى الله تعالى، ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء»[3].


[1] السُّنَّة للإمام أحمد (47) [مكتبة السُّنَّة المحمدية القاهرة، ط1375هـ]
[2] الرسالة الوافية (61).
[3] شرح صحيح مسلم للنووي (16/413، 414) [دار المعرفة، ط10، 1425هـ].


قال ابن جرير رحمه الله: «فإن قال قائل: وما وجه إثباته في اللوح المحفوظ، والكتاب المبين ما لا يخفى عليه، وهو بجميعه عالم لا يخاف نسيانه؟
قيل له: لله تعالى فعل ما شاء، وجائز أن يكون كان ذلك منه امتحانًا منه لحفظته، واختبارًا للمتوكلين بكتابة أعمالهم؛ فإنهم ـ فيما ذكر ـ مأمورون بكتابة أعمال العباد، ثم بعرضها على ما أثبته الله من ذلك في اللوح المحفوظ، حتى أثبت فيه ما أثبت كل يوم، وقيل: إن ذلك معنى قوله: {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ *} [الجاثية] ، وجائز أن يكون ذلك لغير ذلك، مما هو أعلم به، إما بحجة يحتج بها على بعض ملائكته، وإما على بني آدم، وغير ذلك»[1].


[1] تفسير الطبري (7/267، 268).


خالف فلاسفة الصوفية في حقيقة اللوح المحفوظ، وادعوا أنه النفس الفلكية، وقالوا: إن العارف قد يطلع على اللوح المحفوظ، ونحو ذلك مما يعلم بطلانه بدلالة الشرع والعقل.
قال ابن تيمية رحمه الله: «فإن ابن سينا وأمثاله يدعون أن ما يحصل للنفوس البشرية من العلم، والإنذارات، والمنامات إنما هو فيض العقل الفعال، والنفس الفلكية، وإذا أرادوا أن يجمعوا بين الشريعة والفلسفة قالوا: إن النفس الفلكية هي اللوح المحفوظ، كما يوجد مثل ذلك في كلام أبي حامد في كتاب الإحياء[1]، والمضنون، وغير ذلك من كتبه، وكما يوجد في كلام من سلك سبيله من الشيوخ المتفلسفة المتصوفة، يذكرون اللوح المحفوظ، ومرادهم به النفس الفلكية، ويدعون أن العارف قد يقرأ ما في اللوح المحفوظ، ويعلم به»[2].
وهذا ظاهر البطلان بما تقدم تقريره في المفهوم الشرعي للوح المحفوظ من أدلة القرآن، وأقوال أهل العلم.
قال ابن تيمية: «وهذا باطل مخالف لدين المسلمين، وغيرهم من أتباع الرسل»[3].
وتفرع عن هذا القول ما ادعاه البوصيري في بردته من أن النبي صلّى الله عليه وسلّم يعلم ما في اللوح المحفوظ، فقال:
«فإن من جودك الدنيا وضرتها
ومن علومك علم اللوح والقلم»[4]
وتبعه أحمد شوقي في هذا الغلو فقال:
«خططت للدين والدنيا علومهما
يا قارئ اللوح بل يا لامس القلم»[5]
وهذا ظاهر البطلان، بل هو كفر صريح، لا يقره النبي الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم، والأدلة على بطلان هذه الأقوال كثيرة.
قال تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ} [آل عمران: 179] ، وقال تعالى: {قُلْ لاَ يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ} [النمل: 65] ، وقال تعالى في حق نبيّه صلّى الله عليه وسلّم: {قُلْ لاَ أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ} [الأنعام: 50] ، وقال تعالى: {قُلْ لاَ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ *} [الأعراف]
قال ابن تيمية: «فإن اللوح المحفوظ الذي وردت به الشريعة كتب الله فيه مقادير الخلائق، قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، واللوح المحفوظ لا يطلع عليه غير الله»[6].
وقال سليمان بن عبد الله معلِّقًا على كلام البوصيري: «فجعل الدنيا والآخرة من جوده، وجزم بأنه يعلم ما في اللوح المحفوظ وكل ذلك كفر صريح»[7].
وقال ابن باز: «اللوح المحفوظ لا يطّلع عليه إلا الله سبحانه وتعالى، وهذا من كلام مخرفي الصوفية، الذين يلبّسون على الناس ويغشونهم، نسأل الله العافية، فاللوح المحفوظ لا يطلع عليه إلا الله عزّ وجل، هو الذي جعله، وهو الذي يطلع عليه، ومن زعم أنه يعلم ما فيه فهو كافر يستتاب من ولاة الأمور، فإن تاب، وإلا وجب قتله؛ حماية للمسلمين من شره وفتنته»[8].


[1] انظر: إحياء علوم الدين (3/23) [دار الكتب العلمية].
[2] درء تعارض العقل والنقل (9/398).
[3] الرد على المنطقيين (519).
[4] قصيدة البردة (8) [دار الفكر].
[5] الإبريز من كلام سيدي عبد العزيز الدباغ (8) [دار الكتب العلمية، ط1، 1418هـ].
[6] الرد على المنطقيين (518، 519).
[7] تيسير العزيز الحميد (263) [المكتب الإسلامي، ط1، 1423هـ].
[8] فتاوى نور على الدرب لابن باز (1/241) [دار الوطن، ط1، 1418هـ].


1 ـ «إكمال المعلم بفوائد مسلم» (ج8)، للقاضي عياض.
2 ـ «تيسير العزيز الحميد»، لسليمان بن عبد الله.
3 ـ «الحجة في بيان المحجة»، لأبي القاسم التيمي.
4 ـ «الرد على المنطقيين»، لابن تيمية.
5 ـ «شفاء العليل»، لابن القيم.
6 ـ «شرح العقيدة الواسطية»، لابن عثيمين.
7 ـ «العقيدة الواسطية»، لابن تيمية.
8 ـ «العقيدة الطحاوية مع شرحها»، لابن أبي العز.
9 ـ «معارج القبول»، لحافظ بن أحمد حكمي.
10 ـ «المباحث العقدية المتعقلة باللوح المحفوظ والقلم»، لعادل بن حجي.