حرف الميم / المؤمن

           

قال ابن فارس رحمه الله: «الهمزة والميم والنون أصلان متقاربان؛ أحدهما: الأمانة، التي هي ضد الخيانة، ومعناها سكون القلب، والآخر: التصديق، والمعنيان كما قلنا متدانيان»[1].
المُؤمن اسم فاعل من الإيمان، ومن معانيه التصديق والثقة والاطمئنان الذي هو ضد الخوف، يقال: آمَن يُؤْمِن إيمانًا فهو مؤمن، ومنه قوله تعالى: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ *} [يوسف] ؛ أي: بمصدّق لنا التصديق الذي يكون معه أمن[2].


[1] مقاييس اللغة (1/133) [دار الجيل، ط1420هـ].
[2] انظر: تهذيب اللغة (15/510 ـ 516) [الدار المصرية]، ومقاييس اللغة (86، 87) [دار الفكر، ط2، 1418هـ]، والصحاح (5/2071، 2072) [دار العلم للملايين، ط4، 1990م]، ومفردات ألفاظ القرآن (90، 91) [دار القلم، ط2، 1418]، والقاموس المحيط (1518) [مؤسسة الرسالة، ط5، 1416هـ]، والمعجم الوسيط (1/28) [دار الدعوة، ط2، 1972هـ].


المؤمن : هو المصدِّق لرسله وأنبيائه بما جاؤوا به بالآيات البينات، والبراهين القاطعات، والمؤمِّن خلقه من أن يظلمهم، والمؤمِّن عباده المؤمنين من عذابه يوم القيامة[1].
وكل هذه الأقوال قد جاءت بها الآثار عن السلف الصالح من الصحابة والتابعين وأئمة التفسير[2].


[1] انظر: شأن الدعاء (45، 46) [دار الثقافة، ط3، 1412هـ]، وتفسير البغوي (8/87) [دار طيبة، ط4، 1417هـ]، وتفسير السعدي (1007) [دار السلام، ط2، 1422 هـ]، ومعارج القبول (1/36) [دار ابن الجوزي، ط6، 1430هـ]، وعقيدتنا عقيدة القرآن والسُّنَّة لمحمد هراس (160) [دار الكتاب والسُّنَّة، ط1، 1427هـ].
[2] انظر: تفسير الطبري (23/302 ـ 304) [مؤسسة الرسالة، ط1]، والتوحيد لابن منده (2/68) [مكتبة الغرباء الأثرية، ط2]، وتفسير البغوي (8/87)، وزاد المسير (8/225 ـ 226) [المكتب الإسلامي، ط3، 1404هـ]، وتفسير القرطبي (18/45) [دار عالم الكتب، 1423هـ]، وتفسير ابن كثير (8/81) [دار طيبة، ط2، 1420هـ]، وفقه الأسماء الحسنى (180، 181) [دار التوحيد، ط1، 1429].


يشترك مدلول اسم المؤمن الشرعي مع العديد من معانيه في اللغة، فالله عزّ وجل هو المؤمن الذي أعطى الأمن والأمان لعباده المؤمنين، وأمّنهم في الدنيا والآخرة، وهو الذي صدّق رسله وأنبيائه بالحجج والأدلة والبراهين القاطعات، والمؤمّن في اللغة: واهب الأمن.



يجب الإيمان بثبوت اسم المؤمن لله تعالى، وأنه من أسمائه الحسنى، وأنه متضمن لمعانٍ جليلة، تليق بجلاله وعظمة سلطانه.



حقيقة المؤمن تتضمن معانيَ عظيمة وجليلة، تتلخص فيما يأتي:
المؤمن : هو الذي أثنى على نفسه بصفات الكمال، وبكمال الجلال، ومن هذا قول مجاهد بن جبر رحمه الله: «المؤمن: هو الذي وحّد نفسه بقوله: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ} [آل عمران: 18] »[1].
والمؤمن : تصديقه سبحانه للشاهدين له بالتوحيد، والشهادة لهم بأن ما قالوه حق وصدق، وهذا معنى قول قتادة رحمه الله: «المؤمن: آمن لقوله أنه حق»[2].
والمؤمن : من أمّن خلقه من أن يظلمهم، وأمن عباده المؤمنين من عقابه وعذابه، وهذا معنى قول ابن عباس رضي الله عنهما: «هو الذي أمّن الناس من ظلمه، وآمن من آمن به من عقابه»[3].
والمؤمن : تصديقه لأنبيائه ورسله بالحجج والبراهين، لما جاؤوا به من البينات والهدى.
والمؤمن : أن يصدق عباده ما وعدهم من التمكين، والنصر في الدنيا، وأن يصدق ما وعد عباده المؤمنين من الثواب في الآخرة.


[1] معاني القرآن وإعرابه للزجاج (5/150) [عالم الكتب، ط1، 1408هـ]، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي (20/391) [مؤسسة الرسالة، ط1، 1427هـ].
[2] تفسير الطبري (22/552) [دار إحياء التراث العربي، ط1، 1419هـ]، وتفسير ابن كثير (13/503) [مؤسسة قرطبة، ط1، 1421هـ].
[3] تفسير البغوي (8/87) [دار طيبة، ط1412هـ]، وتفسير ابن كثير (13/503).


قال الله تعالى: {الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلاَمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ} [الحشر: 23] .
وورد في السُّنَّة ما يدل على معناه، منه ما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الرجل الذي قتل نفسه وفيه أنهم قالوا: «يا رسول الله صدَّق الله حديثك»[1].
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: «وقلّما تكلمت وأحمد الله بكلام إلا رجوت أن يكون الله يصدق قولي الذي أقول»[2].


[1] أخرجه البخاري (كتاب المغازي، رقم 4203) واللفظ له، ومسلم (كتاب الإيمان، رقم 111).
[2] أخرجه البخاري (كتاب المظالم والغصب، رقم 2468)، ومسلم (كتاب الطلاق، رقم 1479)، واللفظ له.


قال ابن جرير الطبري رحمه الله: «وقوله: {الْمُؤْمِنُ}: يعني بالمؤمن: الذي يؤمِّن خلقه من ظلمه»[1].
وقال ابن القيم رحمه الله: «من أسمائه المؤمن: وهو في أحد التفسيرين: المصدِّق، الذي يصدق الصادقين، بما يقيم لهم من شواهد صدقه، فهو صدَّق رسله وأنبياءه فيما بلغوا عنه، وشهد لهم بأنهم صادقون بالدلائل التي دلَّ بها على صدقهم، قضاء وخلقًا»[2].
وقال السعدي رحمه الله: «المؤمن الذي أثنى على نفسه بصفات الكمال، وبكمال الجلال والجمال، الذي أرسل رسله وأنزل كتبه بالآيات، والبراهين وصدق رسله بكل آية وبرهان، يدل على صدقهم وصحة ما جاؤوا به»[3].
وقال حافظ الحكمي رحمه الله: «المؤمن: الذي آمن أولياءه من خزي الدنيا، ووقاهم في الآخرة عذاب الهاوية، وآتاهم في الدنيا حسنة، وسيحلهم دار المقامة في جنة عالية»[4].


[1] تفسير الطبري (22/552).
[2] مدارج السالكين (3/344) [دار إحياء التراث العربي، ط1، 1419هـ].
[3] تفسير أسماء الله الحسنى للسعدي (239) [مجلة الجامعة الإسلامية، عدد 112، 1423هـ].
[4] معارج القبول (1/36) [دار ابن الجوزي، ط6].


من آثار الإيمان بهذا الاسم أن العبد المؤمن إذا أحسن لا يخاف لديه سبحانه وتعالى ظلمًا ولا هضمًا، أو أن يضيع له مثقال ذرة؛ لأن الله عزّ وجل وعد ـ وهو الصادق في وعده ـ بتوفية العاملين المحسنين أجورهم، وإن كان مثقال ذرة؛ بل يضاعف الحسنات ويجزل المثوبات، كما أن المسيء لا يجازى إلا بمثل إساءته، ووعده إن هو تاب وأناب واستغفر بمحو السيئات والتجاوز عن الزلات، فسبحانه من جواد محسن كريم وهاب.
وعلى المؤمن أن يكون صادقًا في أقواله وأفعاله، ويتحرى الصدق والتصديق، حتى يكتب عند الله صدِّيقًا مصدقًا.
وإذا وفى العبد بالأمانة التي حُمّلها وأداها على أكمل وجه، فيكون بذلك قد آمن واستحق أن يسمى بالمؤمن[1].


[1] انظر في هذه الآثار: الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى (1/241، 242)، وفقه الأسماء الحسنى (182).


1 ـ «التوحيد»، لابن منده.
2 ـ «تفسير أسماء الله الحسنى»، للسعدي.
3 ـ «شأن الدعاء»، للخطابي.
4 ـ «شرح أسماء الله»، للقحطاني.
5 ـ «عقيدتنا عقيدة القرآن والسُّنَّة»، لمحمد هراس.
6 ـ «القواعد المثلى»، لابن عثيمين.
7 ـ «فقه الأسماء الحسنى»، لعبد الرزاق البدر.
8 ـ «الطريقة المثلى لإحصاء أسماء الله الحسنى»، لغريب بن محمد.
9 ـ «مدارج السالكين» (ج3)، لابن القيم.
10 ـ «معتقد أهل السُّنَّة والجماعة في أسماء الله الحسنى»، لمحمد خليفة التميمي.