حرف الميم / مالك

           

مالك مشتق من المُلك، وهو القوة والشدة[1]. قال ابن فارس: «الميم واللام والكاف أصلٌ صحيح يدلُّ على قوّةٍ في الشيء»[2]. وقال ابن القيم: «مالك هو اسم مشتق من الملك، وهو القوة والشدة حيث تصرفت حروفه»[3].


[1] ينظر: لسان العرب (10/491) [دار صادر].
[2] مقاييس اللغة (5/351) [دار الفكر، 1399هـ].
[3] حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح (1/222) [دار عالم الفوائد، ط2، 1432هـ].


هو خازن النار المؤتمن عليها، الحافظ لها بأمر الله تعالى، والموكل هو والخزنة بإيقاد النار وتعذيب أهلها[1].


[1] ينظر: معتقد فرق المسلمين واليهود والنصارى والفلاسفة والوثنيين في الملائكة المقربين (46، 47، 151 ـ 153).


القيام بأمر النار يحتاج إلى قوة وشدة، ولذا كان من معاني (مالك) في اللغة: القوة والشدة، يشهد له قول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ *} [التحريم] .



يجب الإيمان بمالك عليه السلام كما ورد به النص، والإيمان به يدخل في عموم وجوب الإيمان بالملائكة عليهم السلام.



الإيمان بمالك عليه السلام يدخل في الإيمان بالملائكة عليهم السلام، والإيمان بالملائكة هو الركن الثاني من أركان الإيمان الستة، وأصل من أصوله العظيمة.



ورد ذكره عليه السلام في قول الله تعالى: {وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ *} [الزخرف] ، وقد جاء في السُّنَّة ذكر مالك وأنه خازن النار ورؤية النبي صلّى الله عليه وسلّم له، فعن سمُرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «رأيت الليلة رجلين أتياني قالا: الذي يوقد النار مالك خازن النار، وأنا جبريل، وهذا ميكائيل» [1]، وعن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «رأيت ليلة أسري بي موسى،... ورأيتُ مالكًا خازن النار»[2].


[1] أخرجه البخاري (كتاب بدء الخلق، رقم 3236).
[2] أخرجه البخاري (كتاب بدء الخلق، رقم 3239)، ومسلم (كتاب الإيمان، رقم 165).


المسألة الأولى: أعوان خازن النار:
لمالك خازن النار أعوان من الملائكة عليهم السلام، وهم خزنة النار، قال تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ *} [الزمر] ، وقال عزّ وجل: {تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ *} [الملك] ، وقال سبحانه: {وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ *} [غافر] .
وخزنة النار عليهم السلام موصوفون بالشدة والغلظة، كما قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ *} [التحريم] ، قال ابن كثير: «أي: طباعهم غليظة، قد نزعت من قلوبهم الرحمة بالكافرين بالله، {شِدَادٌ} أي: تركيبهم في غاية الشدة والكثافة، والمنظر المزعج»[1]. ووصف النبي صلّى الله عليه وسلّم مالكًا في رؤياه التي ذكرها للصحابة رضي الله عنهم: «فانطلقنا فأتينا على رجل كريه المرآة كأكره ما أنت راء رجلاً مرآةً، وإذا عنده نار يحشها ويسعى حولها قال: قلت لهما: ما هذا؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق» ، وفيه: «وأما الرجل الكريه المرآة الذي عند النار يحشها ويسعى حولها فإنه مالك خازن جهنم»[2].
المسألة الثانية: أسماء خزنة النار:
من أسماء خزنة النار: الزبانية، كما قال تعالى: {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ *سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ *} [العلق] ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلي عند المقام فمر به أبو جهل بن هشام فقال: يا محمد، ألم أنهك عن هذا؟ ـ وَتَوعَّده ـ فأغلظ له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وانتهره، فقال: يا محمد، بأي شيء تهددني؟ أما والله إني لأكثر هذا الوادي ناديًا! فأنزل الله: {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ *سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ *} [العلق] ، قال ابن عباس: لو دعا ناديه لأخذته الزبانية»[3].
المسألة الثالثة: عدد خزنة النار:
خزنة النار كُثر، لا يعلم عددهم إلا الله تعالى، يشهد له حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يُؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها» [4]. ورؤساؤهم تسعة عشر، قال تعالى: {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ * وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلاَّ مَلاَئِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا} [المدثر] .


[1] تفسير ابن كثير (8/168) [دار طيبة، ط4].
[2] أخرجه البخاري (كتاب التعبير، رقم 7047).
[3] أخرجه الترمذي (أبواب تفسير القرآن، رقم 3349) وقال: حسن صحيح، وأحمد (5/167) [مؤسسة الرسالة، ط2، 1428هـ]، وصحح الألباني إسناده في تعليقه على جامع الترمذي.
[4] أخرجه مسلم (كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، رقم 2842).


1 ـ «البحور الزاخرة في علوم الآخرة» (ج1)، للسفاريني.
2 ـ «البداية والنهاية» (ج1)، لابن كثير.
3 ـ «البدور السافرة في أمور الآخرة»، للسيوطي.
4 ـ «البعث»، لأبي داود السجستاني.
5 ـ «البعث والنشور»، للبيهقي.
6 ـ «حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح» (ج1)، لابن القيم.
7 ـ «الحبائك في أخبار الملائك»، للسيوطي.
8 ـ «شرح العقيدة الطحاوية»، لابن أبي العز.
9 ـ «عالم الملائكة الأبرار»، للأشقر.
10 ـ «معارج القبول» (ج2)، للحكمي.
11 ـ «معتقد فرق المسلمين واليهود والنصارى والفلاسفة والوثنيين في الملائكة المقربين»، للعقيل.
12 ـ «يقظة أولي الاعتبار مما ورد في ذكر النار»، لصدّيق حسن خان.