حرف الميم / المُبِين

           

قال ابن فارس رحمه الله: «الباء والياء والنون أصل واحد؛ وهو بعد الشيء وانكشافه، فالبيْن: الفراق وبان الشيء وأبان؛ إذا اتضح وانكشف، وفلان أبين من فلان؛ أي: أوضح كلامًا منه»[1].
المبين (فعيل) من صيغ اسم الفاعل، من الفعل الثلاثي: بان، وهو من الأضداد التي تطلق على الوصل والفراق، يقال: بان يبين بينًا وبينونة، وأبان يبين إبانة؛ إذا اتضح وانكشف، ومبين بمعنى بيِّن[2].


[1] مقاييس اللغة (1/327، 328) [دار الجيل].
[2] انظر: تهذيب اللغة (15/495 ـ 500) [الدار المصرية]، والصحاح (5/2082، 2083) [دار العلم للملايين، ط4]، ومفردات ألفاظ القرآن للراغب (157، 158) [دار القلم، ط2، 1418]، والقاموس المحيط (1525، 1526) [مؤسسة الرسالة، ط5]، والمعجم الوسيط (1/79، 80) [دار الدعوة، ط2، 1972].


المُبِين : هو البيِّن أمره، البيِّن في ربوبيته، وملكوته، الذين أبان للخلق ما احتاجوا إليه، المبين للناس يوم القيامة حقائق ما كان يعدهم في الدنيا وكذلك الله عزّ وجل بائن عن خلقه مفارق لهم بذاته مستو على عرشه عال على جميع مخلوقاته[1].


[1] انظر: تفسير الطبري (19/141) [مؤسسة الرسالة، ط1، 1420هـ]، والحجة في بيان المحجة (1/143، 144) [دار الراية، ط1، 1411هـ]


تتجلى العلاقة بين المعنى اللغوي لاسم المبين ومعناه الشرعي في الارتباط الواضح بين العديد من معاني (المبين) في اللغة ومعناه الشرعي، فهو في اللغة دال على الجلاء والوضوح والانكشاف وكذلك الله عزّ وجل بيّن لعباده لا يخفى على ذوي الفطر السليمة، والمبين في اللغة الذي يُبيّن، والله عزّ وجل أبان لعباده سبل النجاة والفلاح وطرق الوصول إلى مرضاته، وجزاء كل من التزم بذلك أو خالفه غاية البيان والوضوح.



يجب الإيمان بثبوت اسم الله المبين، على ما يليق بجلاله تعالى، وعظمة سلطانه.



المبين هو الذي لا يخفى ولا ينكتم، والباري جلّ جلاله ليس بخاف ولا منكتم؛ لأن له من الأفعال الدالة عليه ما يستحيل معها أن يخفى[1]، وهو سبحانه وتعالى المبين الذي أبان لعباده سبيل الرشاد، والموضح لهم الأعمال التي يستحقون الثواب على فعلها والأعمال التي يستحقون العقاب عليها، وبيَّن لهم ما يأتون، وما يذرون[2]، وهو تعالى البيّن أمره في الوحدانية، في ألوهيته وربوبيته وملكوته، فهو الإله الحق المبين لا شريك له[3].


[1] انظر: المنهاج في شعب الإيمان (1/189) [دار الفكر، ط1، 1399هـ]، والأسماء والصفات للبيهقي (1/46) [مكتبة السوادي، ط1، 1413هـ]،
[2] انظر: اشتقاق أسماء الله (181) [مؤسسة الرسالة، ط2، 1406هـ]، وشرح أسماء الله الحسنى (204) [دار الإيمان]، وفقه الأسماء الحسنى (214) [دار التوحيد، ط1، 1429هـ].
[3] انظر: شأن الدعاء (102) [دار الثقافة، ط3، 1412هـ]، والحجة في بيان المحجة (1/143، 144) [دار الراية، ط1، 1411هـ]، وفقه الأسماء الحسنى (214).


قال تعالى: {يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ *} [النور] ، وقال تعالى في غير ما آية: {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ} [البقرة: 242] ، وقال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ} [النساء: 26] .



قال ابن جرير في تفسير قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ *} [النور] : «ويعلمون يومئذ أن الله هو الحق الذي يبين لهم حقائق ما كان يعدهم في الدنيا من العذاب، ويزول حينئذٍ الشكُّ فيه عن أهل النفاق، الذين كانوا فيما كان يعدهم في الدنيا يمترون»[1].
وقال أبو القاسم التيمي: «ومن أسمائه تعالى: المبين: وهو البيِّن أمره، وقيل: البيِّن الربوبية، والملكوت، يقال: أبان الشيء معنى تبين، وقيل: أبان للخلق ما احتاجوا إليه»[2].


[1] تفسير الطبري (19/141) [مؤسسة الرسالة، ط1].
[2] الحجة في بيان المحجة (1/143، 144).


ـ اسم الله الحق المبين:
يظهر من صنيع بعض أهل العلم أنهم أثبتوا اسم الله الحق المبين؛ أي: جعلوهما من الأسماء المقترنة؛ لورود النص بذلك، فلم يفصلوا بين الحق والمبين، وعلى ذلك يدل صنيع ابن عثيمين رحمه الله.
قال ابن عثيمين: «وقد جمعنا بين الحق المبين، والحي القيوم، والأول والآخر، والظاهر والباطن، لوردوه هكذا في كتاب الله»[1].


[1] شرح القواعد المثلى لابن عثيمين (94) [دار الآثار، ط1، 1423هـ].


1 ـ «الأسماء والصفات» (ج1)، للبيهقي.
2 ـ «اشتقاق أسماء الله»، للزجاجي.
3 ـ «الحجة في بيان المحجة» (ج1)، للتيمي.
4 ـ «شأن الدعاء»، للخطابي.
5 ـ «شرح أسماء الله الحسنى»، للقحطاني.
6 ـ «فقه الأسماء الحسنى»، لعبد الرزاق البدر.
7 ـ «المنهاج في شعب الإيمان» (ج1)، للحليمي.
8 ـ «النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى»، لحمود النجدي.
9 ـ «معتقد أهل السُّنَّة والجماعة في أسماء الله الحسنى»، للتميمي.
10 ـ «أسماء الله الحسنى الثابتة في الكتاب والسُّنَّة»، للرضواني.