حرف الميم / المتكبر

           

المتكبِّر : (متفعِّل) من صيغ اسم الفاعل من الكِبْر. والكاف والباء والراء أصلٌ صحيح يدلُّ على خِلاف الصِّغَر. يقال: هو كَبيرٌ، وكُبَار، وكُبَّار. والكِبْر العظَمة، وكذلك الكِبرياء[1].
يقال: كَبُر يَكْبُر؛ أي: عَظُم يعظم من العظمة، فهو كبير وكُبَار وكُبَّار، وجمعه: كِبار، ويقال: ورثوا المجد كابرًا عن كابر؛ أي: كبيرًا عن كبير في الشرف والعزّ. والمتكبّر من اتصف بالكبرياء، وأصله الامتناع والترفُّع[2].


[1] مقاييس اللغة (883) [دار الفكر].
[2] انظر: تفسير أسماء الله الحسنى للزجاج (35) [دار الثقافة العربية، ط1، 1974م]، وتهذيب اللغة (10/209 ـ 215) [الدار المصرية للتأليف]، ومقاييس اللغة (915، 916)، والصحاح (4/801، 802) [دار العلم للملايين، ط2]، ومفردات ألفاظ القرآن (697، 698) [دار القلم، ط2]، والقاموس المحيط (601، 602) [مؤسسة الرسالة، ط5]، والمعجم الوسيط (2/772، 773) [دار الدعوة، ط2].


اسم المتكبِّر يدل على وصف الله عزّ وجل بالكبرياء الدال على العظمة والامتناع والترفع، فالله عزّ وجل مترفع عن الاتصاف بكل نقص وعيب وسوء، ومترفع عن مماثلة ذاته لذوات المخلوقين، وصفاته لصفات المخلوقين، وأفعاله لأفعالهم، وهذا متضمن لثبوت الكمال له سبحانه وتعالى في ذاته، وصفاته، وأفعاله[1].
ولذلك نجد الآثار في تفسير هذا الاسم تدور حول الإشارة إلى تكبُّره؛ أي: ترفعه وتعاظمه وامتناعه عن كل سوء ونقص وعيب[2].


[1] انظر: شأن الدعاء (48) [دار الثقافة، ط3، 1412هـ]، والحجة في بيان المحجة (1/147) [دار الراية، ط1، 1411هـ]، وتفسير أسماء الله الحسنى للسعدي (235) [مجلة الجامعة الإسلامية، عدد 112، 1423هـ]، وفقه الأسماء الحسنى (262) [دار التوحيد، ط1، 1429].
[2] انظر: تفسير الطبري (23/304، 305) [مؤسسة الرسالة، ط1، 1420هـ]، وتفسير البغوي (8/88) [دار طيبة، ط4، 1417هـ]، وزاد المسير (8/227، 228) [المكتب الإسلامي، ط3]، وتفسير القرطبي (18/47) [دار عالم الكتب، 1423هـ]، وتفسير ابن كثير (8/80) [دار طيبة، ط2، 1420هـ]، وتفسير السعدي (946) [مؤسسة الرسالة، ط1، 1420هـ].


العلاقة بين المعنى اللغوي والمعنى الشرعي لاسم المكتبِّر تتضح من خلال اتفاق المعنى الشرعي لهذا الاسم مع المعنى اللغوي المأخوذ منه، فمن المعاني الشرعية لهذا الاسم أنه ذو الكبرياء، الذي يدل في اللغة على الامتناع والترفع، فالله عزّ وجل ـ لعظمته وجليل صفاته وأفعاله ـ قد امتنع عن كل نقص وترفّع عنه، والتاء في المتكبِّر ليست تاء التعاطي والتكلف كما هي في الأصل اللغوي للكلمة، وإنما هي تاء التفرد والاختصاص؛ لهذا جاءت تفاسير هذا الاسم كلها بالإشارة إلى اختصاص الله عزّ وجل بهذه الصفة وانفراده بها، وعدم استحقاق غيره لها إلا على الوجه المذموم، وأنها لا تُحمد إلا في حق الله عزّ وجل وحده لا شريك له[1].


[1] انظر: تفسير أسماء الله الحسنى للزجاج (35)، وشأن الدعاء (48)، وفقه الأسماء الحسنى (262).


اسم (المتكبر) من الأسماء الحسنى الثابتة بنص القرآن الكريم وإجماع أهل العلم، وهو دالٌّ على وصف الله تعالى بالكبرياء، كما يليق بالله تعالى، دون تحريف، ولا تعطيل، ولا تمثيل.



ورد اسم المتكبر في القرآن الكريم مرة واحدة في قوله تعالى: {الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ} [الحشر: 23] .
وعن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما في الحديث القدسي: «العز إزاره، والكبرياء رداؤه، فمن ينازعني عذبته»[1].


[1] أخرجه مسلم (كتاب البر والصلة والآداب، رقم 2620).


قال ابن خزيمة: «وربنا الجبار المتكبر، فقال: {السَّلاَمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ} [الحشر: 23] »[1].
وقال السعدي عند تفسير الآية: «اشتملت على أسماء الله الحسنى وأوصافه العلا»، وذكر منها: المتكبر، وقال: «الذي له الكبرياء والعظمة المتنزه عن جميع العيوب والظلم والجور»[2].
وقال قوَّام السُّنَّة الأصبهاني: «أثبت الله العِزَّة والعَظَمَة والقدرة والكِبر والقوة لنفسه في كتابه»[3].
وقال ابن تيمية: «فالكبرياء والعظمة له بمنزلة كونه حيًّا قيومًا قديمًا واجبًا بنفسه، وأنه بكل شيء عليم وعلى كل شيء قدير، وأنه العزيز الذي لا ينال، وأنه قهار لكل ما سواه»[4].


[1] التوحيد لابن خزيمة (1/63).
[2] تفسير السعدي (854).
[3] الحجة في بيان المحجة (2/196).
[4] مجموع فتاوى ابن تيمية (6/138).


المسألة الأولى: التكبّر من الصفات المختصة بالله عزّ وجل ولا تليق بأحد سواه:
فالله عزّ وجل هو وحده الملك وما سواه مملوك، وهو وحده الرب وما سواه مربوب، وهو الخالق وحده وما سواه مخلوق، المتفرّد سبحانه وتعالى بصفات الكمال والجمال والعظمة والجلال، لا يلحقه فيها نقص بحال من الأحوال.
وأما العبد فهو كاسمه عبد مملوك مربوب مخلوق، مقامه الذل والخضوع والعبودية لربه وحده لا شريك له.
وأعظم ما قد يتكبر عنه العبد تكبره عن عبادة الله عزّ وجل وحده لا شريك له، والخضوع والإذعان لأوامره تبارك وتعالى ، كما هو شأن إمام المتكبرين إبليس، قال تعالى: {إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ *} [البقرة] .
فكان ذلك سببًا في هلاكه وشقائه في الدنيا والآخرة، وكان سبب في هلاك وشقاء كل من استكبر عن عبادة الله عزّ وجل وطاعته من الأمم والطغاة والعتاة الذين جاء ذكرهم في القرآن الكريم.
وقد توعّد الله كل مستكبر عن عبادته وطاعته، بالخلود في العذاب، فقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ *} [غافر] ، وقال تعالى: {ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ *} [غافر] .
وفي الحديث القدسي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «يقول الله تعالى: الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحدًا منهما عذبته»[1].
المسألة الثانية: معنى قوله صلّى الله عليه وسلّم: «يقول الله تعالى: الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري»:
لمّا كانت العظمة والكبرياء من خصائص الربوبية، والكبرياء أعلى من العظمة، لذلك جعلها بمنزلة الرداء ـ وهو أشرف ـ، كما جعل العظمة بمنزلة الإزار.
كما أن الكبرياء لمّا كانت أعظم وأوسع من العظمة كانت أحق باسم الرداء، فإنه سبحانه الكبير المتعال[2].


[1] أخرجه أبو داود (كتاب اللباس، رقم 4090)، وابن ماجه (كتاب الزهد، رقم 4174)، وأحمد (14/473) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وابن حبان (كتاب البر والإحسان، رقم 328)، بلفظ: (فمن نازعني واحدًا منهما قذفته في النار)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (رقم 4311). وقد جاء الحديث عند مسلم (كتاب البر والصلة والآداب، رقم 2620) بلفظ: «العز إزاره والكبرياء رداؤه، فمن ينازعني عذبته».
[2] انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (10/196، 253)، والفوائد لابن القيم (182).


من علم أن الله عزّ وجل هو وحده المستحق لصفة التكبّر وآمن بمقتضى هذا الاسم تواضع لله عزّ وجل، ونفى عن نفسه أوصاف التعاظم والتعالي، فأخلص في عبادته لله، وتواضع لخلقه، ولم ير نفسه إلا عبدًا ذليلاً لخالقه وموالاه، وليس له على خلقه مزية ولا فضل إلا بما فضله عزّ وجل به من العلم أو الإيمان، أو الجاه والسلطان، فكل ذلك يرجع في حقيقته إلى ربه المنعم المتفضل وحده جلّ جلاله.
ومن أثر الإيمان بهذا الاسم أيضًا تحقق الخوف من حصول الوعيد الشديد الذي توعّد الله عزّ وجل ورسوله صلّى الله عليه وسلّم كل متكبّر، كما مرّ في بعض الآيات السابقة، وفي قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر»[1] ، فيبتعد العبد العاقل عن هذا الوصف المذموم.


[1] أخرجه مسلم (كتاب الإيمان، رقم 91).


1 ـ «تفسير أسماء الله الحسنى»، للزجاج.
2 ـ «تفسير أسماء الله الحسنى»، للسعدي.
3 ـ «التوحيد»، لابن خزيمة.
4 ـ «الحجة في بيان المحجة»، للأصبهاني.
5 ـ «شأن الدعاء»، للخطابي.
6 ـ «شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري»، لعبد الله بن محمد الغنيمان.
7 ـ «فقه الأسماء الحسنى»، لعبد الرزاق البدر.
8 ـ «الفوائد»، لابن القيم.
9 ـ «مجموع الفتاوى»، لابن تيمية.
10 ـ «معتقد أهل السُّنَّة والجماعة في أسماء الله الحسنى»، للتميمي.