حرف الميم / المثل الأعلى

           

المثل : قال ابن فارس: «الميم والثاء واللام أصل صحيح يدل على مناظرة الشيء للشيء، وهذا مثل هذا؛ أي: نظيره، والمِثل والمِثال في معنى واحد»[1].
المثل : في اللغة يطلق على عدة معان؛ أحدها: الصفة، فمثل الشي: صفته. الثاني: الشبيه والنظير. الثالث: المثل المضروب، وهو القول السائر، الممثل مضربه بمورده غالبًا[2].
الأعلى : قال ابن فارس: «العين واللام والحرف المعتل ـ ياء كان أو واوًا أو ألفًا ـ أصل واحد يدل على السمو والارتفاع لا يشذ عنه شيء، ومن ذلك: العلاء والعلو، ويقولون: تعالى النهار؛ أي: ارتفع»[3].
الأعلى : أفعل تفضيل، وهو مشتق من الفعل علا، والأعلى: ذو العلاء والعُلا، والعلا: جمع اسم الأعلى، وهو بمعنى العالي، والعلاء: الشرف، وذو العلاء صحاب الصفات العلا[4].


[1] مقاييس اللغة (5/296) [دار الجيل، 1420هـ].
[2] انظر: تهذيب اللغة (15/95) [الدر المصرية للتأليف]، ومقاييس اللغة (5/339)، والصحاح (5/1816) [دار العلم للملايين، ط4، 1407هـ].
[3] مقاييس اللغة (4/112).
[4] انظر: تهذيب اللغة (3/118، 119) [دار إحياء التراث العربي، ط1، 2001م]، ولسان العرب (9/387) [دار إحياء التراث العربي، ط3، 1419هـ].


المثل الأعلى : هو الصفة العليا، وهو الكمال المطلق، المتضمن للأمور الوجودية، والمعاني الثبوتية.
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: «فإن مثل السوء هو العدم وما يستلزمه، وضده المثل الأعلى: وهو الكمال المطلق، المتضمن للأمور الوجودية، والمعاني الثبوتية، التي كلما كانت أكثر في الموصوف وأكمل، كان أعلى من غيره»[1].
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله: «ولله المثل الأعلى؛ أي: الكمال المطلق من كل وجه، وهو منسوب إليه»[2].


[1] مختصر الصواعق المرسلة (2/395) [أضواء السلف، ط1، 1425هـ]
[2] تفسير ابن كثير (2/574) [دار الفكر، 1401هـ].


يجب إثبات المثل الأعلى لله عزّ وجل، والإيمان به، وأنه مختص به، دون ما سواه، مع تنزيهه عن النقص والعيب، والتمثيل بالمخلوقات[1].


[1] مجموع الفتاوى (3/30) [مكتبة ابن تيمية، ط2].


قال ابن القيم رحمه الله: «فإن قلت: ما حقيقة المثل الأعلى؟ قلت: قد أشكل هذا على جماعة من المفسرين، واستشكلوا قول السلف فيه، قلت: المثل الأعلى يتضمن الصفة العليا، وعلم العالمين بها، ووجودها العلمي، والخبر عنها وذكرها، وعبادة الرب سبحانه بواسطة العلم والمعرفة القائمة بقلوب عابديه وذاكريه»[1].


[1] مختصر الصواعق المرسلة (2/396 ـ 398).


معرفة المثل الأعلى من مُهِمَّات العقيدة؛ لأن الرب تبارك وتعالى تمدح بالتفرد به، وجعله طريقًا لمعرفته، وبرهانًا على توحيده، وأدلة التوحيد دائرة مع المثل الأعلى وجودًا وعدمًا، ولهذا جعل الله مثل السوء المتضمن لكل عيب ونقص للمشركين، وآلهتهم المزعومة، وأخبر أن المثل الأعلى المتضمن لجميع صفات الكمال لله وحده، وهذا التلازم يدل على بطلان الشرك، وصحة التوحيد ضرورة[1].


[1] انظر: حقيقة المثل الأعلى لعيسى السعدي (120، 121) [دار ابن الجوزي، ط1، 1427هـ].


وصف الله تعالى نفسه بأن له المثل الأعلى، فقال عزّ وجل: {لِلَّذِينَ لاَ يؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ *} [النحل] ، وقال تعالى: {وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ *} [الروم] .



قال البغوي رحمه الله: «ولله المثل الأعلى الصفة العليا، وهي التوحيد، وأنه لا إله إلا هو، وقيل: جميع صفات الجلال، والكمال من العلم والقدرة والبقاء وغيرها من الصفات، قال ابن عباس: مَثَل السوء: النار، والمثل الأعلى: شهادة أن لا إله إلا الله»[1].
وقال ابن تيمية رحمه الله: «قد علمنا بطريق خبر الله عزّ وجل عن نفسه، بل وبطريق الاعتبار أن لله المثل الأعلى، وأن الله عزّ وجل يوصف بصفات الكمال، موصوف بالحياة والعلم والقدرة، وهذه صفات كمال، والخالق أحق بها من المخلوق، فيمتنع أن يتصف المخلوق بصفات الكمال دون الخالق»[2].
وقال ابن القيم رحمه الله: «ولما كان الرب هو الأعلى، ووجه الأعلى، وكلامه الأعلى، وسمعه الأعلى، وسائر صفاته عليا، كان له المثل الأعلى، وهو أحق به من كل ما سواه، بل يستحيل أن يشترك في المثل الأعلى اثنان؛ لأنهما إن تكفآ لم يكن أحدهما أعلى من الآخر، وإن لم يتكافآ فالموصوف بالمثل الأعلى أحدهما وحده، فيستحيل أن يكون لمن له المثل الأعلى مثل ونظير، وهذا برهان قاطع من إثبات صفات الكمال، على استحالة التمثيل والتشبيه، فتأمله فإنه في غاية الظهور والقوة»[3].
وقال السعدي رحمه الله في تفسير قوله تعالى: {وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}: «وهو كل صفة كمال، والكمال من تلك الصفة، والمحبة، والإنابة التامة الكاملة في قلوب عباده المخلصين، والذكر الجليل، والعبادة منهم، فالمثل الأعلى: هو وصفه الأعلى، وما يترتب عليه»[4].


[1] تفسير البغوي (3/73) [دار المعرفة].
[2] مجموع الفتاوى (5/350).
[3] مختصر الصواعق المرسلة (2/396 ـ 398).
[4] تفسير السعدي (751) [دار السلام، ط2، 1422هـ]، وانظر منه: (514).


معرفة الرب وعبادته هي الثمرة العظمى للمثل الأعلى، وهي ثمرة فطرية عقلية، فالإيمان بها مستقر في قرارة القلوب، وأدلتها ظاهرة في الأنفس والآفاق.
وكمال العلم بمثل الرب الأعلى وصفات كماله يثمر في حياة المؤمن صدق العبادة والاستعانة، وهما أصلا السعادة في الدنيا والآخرة، وكل نوع من صفات الكمال يثمر عبادات قلبية خاصة تدفع الجوارح لفعل الطاعة وترك المعصية، وتصونها عن الشرك بمظاهره وأنواعه[1].


[1] انظر: حقيقة المثل الأعلى وآثاره (120، 121).


1 ـ «الأدلة العقلية النقلية على أصول الاعتقاد»، لسعود بن عبد العزيز العريفي.
2 ـ «بدائع الفوائد»، لابن القيم.
3 ـ «التدمرية»، ابن تيمية.
4 ـ «التحفة المهدية شرح التدمرية»، لفالح آل مهدي.
5 ـ «الجواب الصحيح» (ج4)، لابن تيمية.
6 ـ «حقيقة المثل الأعلى وآثاره»، لعيسى بن عبد الله السعدي.
7 ـ «القواعد المثلى»، لابن عثيمين.
8 ـ «مختصر الصواعق المرسلة» (ج2)، لابن القيم.
9 ـ «منهج ودراسات لآيات الأسماء والصفات»، لمحمد الأمين الشنقيطي.
10 ـ «المقارنة بين المثل الأعلى لله عزّ وجل وبين قياس الأولى في حقه سبحانه وتعالى»، لمحمد أبو سيف الجهني.
11 ـ «النفي في باب صفات الله عزّ وجل بين أهل السُّنَّة والجماعة والمعطلة»، لأرزقي سعيداني.