حرف الميم / المجيد

           

قال ابن فارس: «الميم والجيم والدال أصل صحيح يدلُّ على بلوغ النهاية، ولا يكون إلا في محمود، منه المجد: بلوغ النهاية في الكرم، والله الماجد والمجيد، لا كرم فوق كرمه»[1]. وقال الجوهري: «المجد: الكرم، والمجيد: الكريم»[2].
والمجيد : بوزن (فعيل) صيغة مبالغة من الثلاثي (مَجُدَ) الدالُّ على بلوغ النهاية والغاية في الشيء، ولا يكون إلا في المحمود، يقال: مَجُد يمجُد مَجدًا وتمجيدًا فهو ماجد ومجيد، وفلان ماجَدَ فلانًا في المجد فمَجَدَه؛ إذا غلبه في المجد، وهو: الشرف والنبل والسعة في المكارم والجلال، وتماجد القوم: إذا تفاخروا وأظهروا المجد فيما بينهم، وأمجد عطاءه ومجَّد؛ إذا كثَّره، والماجد والمجيد: الشريف الكثير الخير[3].


[1] مقاييس اللغة (2/499) [دار الكتب العلمية، 1420هـ].
[2] الصحاح (2/536) [دار العلم للملايين، ط4].
[3] انظر: تهذيب اللغة (10/682، 683) [الدار المصرية]، والصحاح (2/536، 537) [دار العلم للملايين، ط4]، ومفردات ألفاظ القرآن للراغب (760، 761) [دار القلم، ط2، 1418]، والقاموس المحيط (406) [مؤسسة الرسالة، ط5]، والمعجم الوسيط (2/854) [دار إحياء التراث العربي].


المجيد : من الأسماء الدَّالة على أوصاف كثيرة، ومعناه: ذو المجد، وهو السعة في الشرف والكرم والجود، فالله عزّ وجل هو المجيد في أوصافه وأفعاله وأقواله، فالمجد يرجع إلى عظمة أوصافه وكثرتها وسعتها، وإلى عظمة ملكه وسلطانه، وإلى تفرده بالكمال المطلق، والجلال المطلق، والجمال المطلق، ولا يمكن للعباد أن يحيطوا بشيء من ذلك كله[1].


[1] انظر: تفسير أسماء الله الحسنى للسعدي (236، 237) [مجلة الجامعة الإسلامية، عدد 112، 1423هـ]، وفقه الأسماء الحسنى (202) [دار التوحيد، ط1، 1429]، النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى (1/431) [مكتبة الذهبي، ط2، 1417هـ].


وجوب الإيمان بأن المجيد من أسماء الله الحسنى، وأن المجد صفة ذاتية ثابتة لله كما يليق بجلاله وعظمته، وقد جاء بيان ذلك وإثباته في الكتاب والسُّنَّة[1].


[1] انظر: صفات الله عزّ وجل للسقاف (310) [دار الهجرة الرياض، ط3، 1426هـ] ومعجم ألفاظ العقيدة (381) [مكتبة العبيكان، ط2، 1420هـ].


اسم الله المجيد يتضمن عظمة الصفات وسعتها، فكل وصف من أوصافه عظيم شأنه، فهو العليم الكامل في علمه، الرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء، القدير الذي لا يعجزه شيء، الحليم الكامل في حلمه، الحكيم الكامل في حكمته، إلى بقية أسمائه وصفاته[1].


[1] انظر: الحق الواضح المبين للسعدي (228) [مركز صالح بن صالح الثقافي بعنيزة، ط2، 1412هـ].


ورد اسم المجيد في موضعين من القرآن الكريم، في قوله تعالى: {قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ *} [هود] ، وفي قوله تعالى: {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ *ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ *} [البروج] .
وعن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: سألنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقلنا: يا رسول الله، كيف الصلاة عليكم أهل البيت؟ فإن الله قد علَّمنا كيف نسلم عليكم، قال: «قولوا: اللَّهُمَّ صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. اللَّهُمَّ بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد»[1].


[1] أخرجه البخاري (كتاب أحاديث الأنبياء، رقم 3370)، ومسلم (كتاب الصلاة، رقم 406). وانظر: معتقد أهل السُّنَّة والجماعة في أسماء الله الحسنى (79 ـ 82) [أضواء السلف، ط1، 1419].


قال ابن قتيبة: «مجد الله: شرفه، وكرمه»[1].
وقال ابن الأثير: «المجد في كلام العرب: الشرف الواسع»، وقال عن اسم الله المجيد بأنه «يجمع معنى الجليل والوهاب والكريم»[2].
وقال ابن القيم: «وأما المجد فهو مستلزم للعظمة والسعة والجلال؛ كما يدل عليه موضوعه في اللغة؛ فهو دالٌّ على صفات العظمة والجلال، والحمد يدل على صفات الإكرام، والله سبحانه ذو الجلال والإكرام، وهذا معنى قول العبد: (لا إله إلا الله، والله أكبر)؛ فـ (لا إله إلا الله) دال على ألوهيته وتفرده فيها، فألوهيته تستلزم محبته التامة، و(الله أكبر) دالٌّ على مجده وعظمته، وذلك يستلزم تمجيده وتعظيمه وتكبيره؛ ولهذا يقرن سبحانه بين هذين النوعين في القرآن كثيرًا؛ كقوله: {رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ *} [هود] »[3].
وقال السعدي: «(المجيد) الذي له المجد العظيم، والمجد هو عظمة الصفات وسعتها، فكل وصف من أوصافه عظيم شأنه، فهو العليم الكامل في علمه، الرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء، القدير الذي لا يعجزه شيء، الحليم الكامل في حلمه، الحكيم الكامل في حكمته، إلى بقية أسمائه وصفاته»[4]. وقال أيضًا: «هو الموصوف بصفات المجد والكبرياء والعظمة والجلال»[5].


[1] غريب القرآن (19) [دار الكتب العلمية، 1398هـ].
[2] النهاية في غريب الحديث والأثر (4/298) [المكتبة العلمية، بيروت].
[3] جلاء الأفهام (367) [دار عالم الفوائد، ط1، 1425هـ].
[4] الحق الواضح المبين (228) [مركز صالح بن صالح الثقافي بعنيزة، ط2، 1412هـ].
[5] تفسير السعدي (5/622)، ملحق في آخر الجزء بعنوان: أصول وكليات من أصول التفسير [مركز صالح بن صالح الثقافي بعنيزة، ط2، 1412هـ].


المسألة الأولى: اسم الماجد.
استدل من أثبت هذا الاسم من أهل العلم بالحديث القدسي الذي فيه: «يقول الله تعالى: إني جواد ماجد واجد، إنما أمري إذا أردت شيئًا أن أقول له كن فيكون»[1].
وممن أورد هذا الاسم ابن منده، والأصبهاني، وابن تيمية[2].
والصحيح: أن الاسم لا يثبت لعدم صحة إسناد الرواية التي ورد فيها ذكر هذا الاسم، والله أعلم.
المسألة الثانية: اقتران المجيد باسم الحميد:
ورد في بعض النصوص اقتران اسم الجلال المجيد باسمه الحميد. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «فالحمد يتناول جنس المحامد، والثناء يقتضي تكريرها وتعديدها والزيادة في عددها، والمجد يقتضي تعظيمها وتوسيعها والزيادة في قدرها وصفتها، فهو سبحانه مستحق للحمد والثناء والمجد، ولا أحد يحسن أن يحمده كما يحمد نفسه، ولا يثني عليه كما يثني على نفسه، ولا يمجّده كما يمجّد نفسه»[3].
المسألة الثالثة: ختم التشهد باسم المجيد:
أشار الإمام ابن القيم إلى المعنى اللطيف الذي من أجله خُتم التشهد باسمه تعالى: المجيد، فقال: «وتأمَّل كيف جاء هذا الاسم مقترنًا بطلب الصلاة من الله على رسوله؛ كما علَّمناه صلّى الله عليه وسلّم؛ لأنه في مقام طلب المزيد؛ والتعرُّض لسعة العطاء وكثرته ودوامه، فأتى في هذا المطلوب باسمٍ يقتضيه»[4].
لأن المجد يدلُّ على كثرة أوصاف الكمال، وكثرة أفعال البر والخير، وتعدد العطايا والنوال، فناسب أن يكون ذلك ختامًا لأحد أعظم المطالب.


[1] أخرجه الترمذي (أبواب صفة القيامة والرقائق والورع، رقم 2495) وحسنه، وابن ماجه (كتاب الزهد، رقم 4257)، وأحمد (35/294) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة رقم (5375)، والحديث أصله في صحيح مسلم، وليس فيه جملة: (إني جواد ماجد).
[2] انظر: التوحيد لابن منده (2/178) [مكتبة الغرباء الأثرية، ط2]، والحجة في بيان المحجة (1/162) [دار الراية، ط1، 1411هـ]، ودرء التعارض (4/18) [جامعة الإمام محمد بن سعود، ط2، 1411هـ].
[3] درء التعارض (4/17، 18)، وانظر: التبيان في أقسام القرآن (125، 126) [دار إحياء العلوم، ط1، 1409هـ]، وأسماء الله الحسنى لماهر مقدم (90) [مكتبة الإمام الذهبي، الكويت، ط4، 1431هـ].
[4] بدائع الفوائد (1/144) [دار الخير، ط1، 1414هـ].


الفرق بين الماجد والمجيد:
الفرق بين الماجد والمجيد حصول المبالغة في معنى المجيد الذي هو مطابق لمعنى الماجد، لغة.



أثر هذا الاسم على العبد يتجلى في أن يَعْظُم الله عزّ وجل في قلبه، بما استحقه تعالى من كمال الصفات وجلال النعوت وجمال الفعال والخصال.
وعلى العبد أن يكون في قوله وفعله مترفعًا عن النقائص والعيوب؛ طلبًا لحصول الكمال، وحتى يصل بتوحيده إلى الفردوس الأعلى في درجة الأنبياء والصدِّيقين والشهداء والأبرار والصالحين.



1 ـ «درء تعارض العقل والنقل» (ج4)، لابن تيمية.
2 ـ «بدائع الفوائد» (ج1)، لابن القيم.
3 ـ «جلاء الأفهام»، لابن القيم.
4 ـ «تفسير السعدي».
5 ـ «الحق الواضح المبين في شرح توحيد الأنبياء والمرسلين»، للسعدي.
6 ـ «شرح القصيدة النونية المسمَّاة الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية»، للسعدي.
7 ـ «صفات الله عزّ وجل الواردة في الكتاب والسُّنَّة»، لعلوي بن عبد القادر السقاف.
8 ـ «الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية»، لابن القيم.
9 ـ «معتقد أهل السُّنَّة والجماعة في أسماء الله الحسنى»، لمحمد بن خليفة التميمي.
10 ـ «النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى»، لمحمد بن حمود النجدي.