قال ابن فارس رحمه الله: «حسن: الحاء والسين والنون أصل واحد، فالحُسن ضد القبح؛ يقال: رجل حَسَن، وامرأة حسناء، وحسَّانة»[1].
المُحسن : اسم فاعل من الفعل: أحسن يحسن إحسانًا فهو محسن، والحُسن عبارة عن كل مبهج مرغوب فيه، والحسنة والحسنى: يعبّر بها عن كل ما يسرّ من نعمة تنال الإنسان في نفسه وبدنه وأحواله، وضدها السيئة، وجمعها حسنات ومحاسن. والإحسان: يطلق على الإنعام على الغير، ويطلق على إتقان الفعل وتجويده، والإحسان أعمّ من الإنعام؛ لأنه دالٌّ على إعطاء أكثر مما عليه، فالمحسن: المنعم على غيره، والمتقن المجوّد لفعله[2].
[1] مقاييس اللغة (2/57) [دار الجيل، ط 1420هـ].
[2] انظر: تهذيب اللغة (4/314 ـ 317) [الدار المصرية]، والصحاح (5/2099 ـ 2100) [دار العلم للملايين، ط4، 1990م]، ومفردات ألفاظ القرآن للراغب (235، 236) [دار القلم، ط2، 1418]، والقاموس المحيط (1535) [مؤسسة الرسالة، ط5]، والمعجم الوسيط (1/174) [دار الدعوة، ط2، 1972].
المحسن : هو المنعم، والمكرم، والإحسان وصف لازم له سبحانه وتعالى، لا يخلو موجود عن إحسانه وإنعامه، وجوده، وكرمه، ومنّه وعطائه[1]، وهو مع كونه وصفًا لازمًا له، فهو من الصفات الفعلية المتعدية، كالخلق، ونحوه.
[1] انظر: الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى (2/512، 513) [دار الصحابة، ط1، 1416هـ]، وفيض القدير شرح الجامع الصغير (2/335) [دار الكتب العلمية، ط1، 1415هـ]، وفقه الأسماء الحسنى (272) [دار التوحيد، ط1، 1429].
قال تعالى: {وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ} [يوسف: 100] ، وقال تعالى: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ *} [السجدة] ، ونحوها من الآيات.
ومن السُّنَّة : حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا حكمتم فاعدلوا، وإذا قتلتم فأحسنوا، فإن الله محسن يحب الإحسان»[1].
وحديث شداد بن أوس رضي الله عنه قال: حفظت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اثنتين، قال: «إن الله محسن يحب الإحسان إلى كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحدّ أحدكم شفرته، وليُرح ذبيحته» الحديث[2].
[1] أخرجه ابن أبي عاصم في كتاب الديات (56) [مطبعة التقدم، ط1، 1323هـ]، والطبراني في المعجم الأوسط (6/40) [دار الحرمين، ط1، 1415هـ]، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (2/75، 76) [دار الكتب العلمية، ط1، 1410هـ]، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/356) [دار الفكر، 1412هـ]: «رجاله ثقات»، وجوَّد إسناده الألباني في السلسلة الصحيحة (رقم 469) [مكتبة المعارف، ط1، 1412هـ].
[2] أخرجه عبد الرزاق في المصنف (كتاب المناسك، رقم 8603)، ومن طريقه الطبراني في المعجم الكبير (7/275) [مكتبة العلوم والحكم، ط2، 1404هـ]، وقال الهيثمي في المجمع (5/197) [مكتبة القدسي]: (رجاله ثقات)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (رقم 1824).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «وكان شيخ الإسلام الهروي قد سمَّى أهل بلده بعامة أسماء الله الحسنى، وكذلك أهل بيتنا غلب على أسمائهم التعبيد لله؛ كعبد الله، وعبد الرحمن، وعبد الغني، والسلام، والقاهر، واللطيف، والحكيم، والعزيز، والرحيم، والمحسن»[1].
وقال ابن القيم رحمه الله: «فتأمل هذه الجلالة وهذه العظمة التي تضمنتها هذه الألفاظ الثلاثة على أبدع نظام وأحسن سياق: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ *مَلِكِ النَّاسِ *إِلَهِ النَّاسِ *} [الناس] ، وقد اشتملت هذه الإضافات الثلاث على جميع قواعد الإيمان وتضمَّنت معاني أسمائه الحسنى، أما تضمُّنها لمعاني أسمائه الحسنى فإن الرب هو القادر الخالق البارئ المصور الحي القيوم العليم السميع البصير المحسن... إلى غير ذلك من معاني ربوبيته التي له منها ما يستحقه من الأسماء الحسنى»[2].
وقال ابن القيم في نونيته[3]:
«صدرت عن البر الذي هو وصفه
فالبر حينئذ له نوعان
وصف وفعل فهو بر محسن
مولى الجميل ودائم الإحسان»
[1] مجموع الفتاوى (1/379) [مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، ط 1425هـ].
[2] بدائع الفوائد (2/782) [دار عالم الفوائد، ط1، 1428هـ].
[3] الكافية الشافية (4/181) [دار عالم الفوائد، ط1، 1428هـ].
إحسان الله لخلقه نوعان[1]:
إحسان عام لجميع الخلق: وهو المذكور في قوله تعالى: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا} [غافر: 7] ؛ فإنه يشترك فيه البر والفاجر، وأهل السماء وأهل الأرض، والمكلفون، وغيرهم.
وإحسان خاص بالمتقين: كما قال تعالى: {إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ *} [الأعراف] .
[1] انظر: شرح القصيدة النونية للهراس (2/108) [دار الكتب العلمية، ط2، 1424هـ].
ـ أوجه إحسان الله لخلقه التي يقتضيها اسمه: المحسن، وهذه الأوجه كثيرة ومتعددة لا تقع تحت الحصر، ومنها:
أعظمها وأفضلها وأكثرها نفعًا للعبد: أن وفقه الله عزّ وجل وهداه للإسلام، وشرح صدره لعبادته وطاعته.
ومنها: إخراجه من العدم، في أحسن صورة، وأكمل خلقة، وضمن له رزقه، قال تعالى: {وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ *} [غافر] .
وفي بيان بعض أوجه إحسان الله عزّ وجل إلى عباده التي يقتضيها اسم الجلال: المحسن، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «وأهل السُّنَّة يقولون: هو محسن إلى العبد، متفضل عليه، بأن أرسل إليه الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وأن جعل له السمع والبصر، والفؤاد الذي يعقل به، وأن هداه للإيمان، وأن أماته عليه، فكل هذا إحسان منه إلى المؤمن وتفضل عليه، وإن كان هو قد كتب على نفسه الرحمة، وكان حقًّا عليه نصر المؤمن، وحق العباد عليه إذا وحَّدوه ألا يعذبهم، فذاك حق أوجبه بنفسه، بكلماته التامات، وبما تستحقه نفسه المقدسة من حقائق الأسماء والصفات، لا أن شيئًا من المخلوقات أوجب عليه شيئًا، أو حرم عليه شيئًا»[1].
ـ إن الله عزّ وجل يحب من عباده أن يتقربوا إليه بمقتضى أسمائه، فلما كان هو المحسن فإنه يحب المحسنين، قال تعالى: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ *} [البقرة] .
ـ ولمّا كان الربُّ تعالى هو (المحسن): كان التوسُّل إليه بإحسانه من أحبِّ الوسائل، كما قال ابن القيم: «أحبُّ الوسائل إلى المحسن: التوسّل إليه بإحسانه، والاعتراف له بأن الأمر كلَّه محض فضله وامتنانه»[2].
ـ كما امتدح الله عزّ وجل من عباده من وصل إلى مرتبة الإحسان التي هي أعلى مراتب الدين، وجاء تفسيرها في حديث النبي صلّى الله عليه وسلّم لما سأله جبريل عليه السلام ما الإحسان؟ فقال: «أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك»[3].
وهذا الإحسان في عبادة الله عزّ وجل، والنوع الآخر من الإحسان الذي يحبه الله عزّ وجل ويرضاه، ويجزل عليه المثوبة والعطاء، إحسان العبد إلى غيره، بإيصال جميع أنواع الخير لهم، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ *} [التوبة] ، وهذا الإحسان إلى الغير من أعظم أسباب انشراح الصدر، وطمأنينة القلب[4].
ومن أعظم الإحسان إلى الخلق: تعليمهم ما ينفعهم في دينهم ودنياهم، من علوم الكتاب والسُّنَّة، والعلوم النافعة.
[1] درء التعارض (7/460). وانظر: مجموع فتاوى ابن تيمية (8/32) (10/115) (18/202 ـ 204)، ومنهاج السُّنَّة النبوية (2/310، 311). وانظر: الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى (1/513 ـ 517)، فقد نقل القرطبي كلامًا مطولاً للإقليشي توسع في بيان الجود والفضل والإحسان وأنواعه على الخلق.
[2] هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى (230) [دار القلم، ط1، 1416هـ].
[3] أخرجه البخاري (كتاب الإيمان، رقم 50)، ومسلم (كتاب الإيمان، رقم 9)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وأخرجه مسلم (كتاب الإيمان، رقم 8)، من حديث عمر رضي الله عنه.
[4] انظر: زاد المعاد (2/25، 26) [مؤسسة الرسالة، ط/27، 1415هـ]، وفقه الأسماء الحسنى (273).
1 ـ «الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى»، للقرطبي.
2 ـ «بدائع الفوائد»، لابن القيم.
3 ـ «درء تعارض العقل والنقل»، لابن تيمية.
4 ـ «مدارج السالكين»، لابن القيم.
5 ـ «شرح القواعد المثلى»، لابن عثيمين.
6 ـ «فقه الأسماء الحسنى»، لعبد الرزاق البدر.
7 ـ «إثبات أن المحسن من أسماء الله الحسنى»، لعبد الرزاق البدر.
8 ـ «معتقد أهل السُّنَّة والجماعة في أسماء الله الحسنى»، للتميمي.
9 ـ «النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى»، لحمود النجدي.
10 ـ «شرح أسماء الله الحسنى»، للقحطاني.