حرف الألف / أفعال الله

           

الأفعال: جمع فعل، وهو إحداث الشيء وإيجاده، قال ابن فارس رحمه الله: «الفاء العين واللام أصلٌ صحيح يدلُّ على إحداث شيء من عملٍ وغيره. من ذلك: فَعَلْتُ كذا أفعلُه فَعْلاً. وكانت مِن فُلانٍ فَعْلةٌ حَسَنَةٌ أو قبيحة. والفِعَال جمع فِعْل. والفَعَال، بفتح الفاء: الكَرَم وما يُفْعَل من حَسَن»[1].


[1] مقاييس اللغة (4/511) [دار الجيل، ط2]، وانظر: تهذيب اللغة (2/245) [دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط1].


أفعال الله: هي الصفات الفعلية المتعلقة بمشيئة الله وقدرته إن شاء فعلها وإن لم يشأ لم يفعلها[1].
أو هي: الصفات التي تنفك عن الذات[2].


[1] انظر: شرح العقيدة السفارينية لابن عثيمين (155) [دار الوطن، ط1]، والصفات الإلهية تعريفها وأقسامها للتميمي (69) [أضواء السلف، ط1، 1422هـ]. والقواعد المثلى لابن عثيمين (34) [مكتبة السُّنَّة، ط2، 1414هـ].
[2] الصفات الإلهية للتميمي (69).


الصفات الفعلية، وتسمى أيضًا[1]: «الصفات الاختيارية، وهي الأمور التي يتصف بها الرب عزّ وجل فتقوم بذاته؛ بمشيئته وقدرته؛ مثل كلامه وسمعه...»[2].


[1] انظر: موقف ابن تيمية من الأشاعرة لعبد الرحمن بن صالح المحمود (1/418) [مكتبة الرشد، ط1].
[2] جامع الرسائل لابن تيمية (2/3) [دار العطاء، الرياض، ط1، 1422هـ].


يجب إثبات ما أثبته الله لنفسه وما أثبته له رسوله صلّى الله عليه وسلّم من الأفعال اللازمة والمتعدية على ما يليق به سبحانه من غير تمثيل ولا تكييف، ومن غير تحريف ولا تعطيل.



أفعال الله تقوم به، فهو سبحانه يفعل ما يشاء متى شاء كيف شاء، كما قال تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ *} [هود] .



دلَّت النصوص من الكتاب والسُّنَّة على إثبات أفعال الله عزّ وجل وعلى اتصافه تعالى بها على الوجه اللائق به جلّ جلاله، من ذلك قول الله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بَأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ *} [الأعراف] وقوله سبحانه وتعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا *} [الفجر: 22] ، وقوله تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ *} [يونس] .
فخلق السماوات والأرض وما فيهما وما بينهما، واستواؤه على العرش، ومجيئه تعالى وإتيانه يوم القيامة، وتدبيره أمور خلقه، هذه كلها أفعال الله وهي من صفاته، وبها أوجد الله المفعولات.
وجاءت في السُّنَّة أحاديث كثيرة في بيان اتصاف الله بأفعال عديدة كما يليق بجلاله وعظمته، منها ما ثبت في «الصحيحين» من حديث أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له»[1].
ففي هذه النصوص بيان اتصاف الله بجملة من أفعاله اللازمة؛ كالاستواء على العرش والإتيان والمجيء ونحوها، وبعض أفعاله المتعدية؛ كالخلق والرزق والإحياء والإماتة وغيرها.


[1] أخرجه البخاري (كتاب التهجد، رقم 1145)، ومسلم (كتاب صلاة المسافرين وقصرها، رقم 758).


قال الإمام البخاري رحمه الله: «ففعل الله صفة الله، والمفعول غيره من الخلق»[1].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «الصفات الاختيارية: وهي الأمور التي يتصف بها الرب عزّ وجل فتقوم بذاته؛ بمشيئته وقدرته، مثل كلامه وسمعه وبصره وإرادته ومحبته ورضاه ورحمته وغضبه وسخطه، ومثل خلقه وإحسانه وعدله، ومثل استوائه ومجيئه وإتيانه ونزوله ونحو ذلك من الصفات التي نطق بها الكتاب العزيز والسُّنَّة»[2].
وقال الشيخ ابن عثيمين في الحديث القدسي من رواية أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم فيما يرويه عن ربه سبحانه: «من تقرَّب مني شبرًا تقرَّبت منه ذراعًا، ومن تقرَّب مني ذراعًا تقرَّبت منه باعًا، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة»[3] : «وهذا الحديث كغيره من النصوص الدالة على قيام الأفعال الاختيارية بالله تعالى، وأن سبحانه فعال لما يريد، كما ثبت ذلك في الكتاب والسُّنَّة، مثل قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 186] ، وقوله: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا *} [الفجر] ، وقوله: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلاَئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} [الأنعام: 158] ، وقوله: {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} [طه] ، وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «ينزل ربنا إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر» [4]، وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «ما تصدق أحد بصدقة من طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، إلا أخذها الرحمن بيمينه»[5] ، إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث الدالة على قيام الأفعال الاختيارية به تعالى»[6].


[1] خلق أفعال العباد للبخاري (1/300) [دار أطلس الخضراء، ط1، 2005م].
[2] جامع الرسائل لابن تيمية (2/3).
[3] أخرجه مسلم (كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، رقم 2677)، وأخرجه البخاري (كتاب التوحيد، 7405)، من حديث أبي هريرة.
[4] تقدم تخريجه في الصفحة السابقة.
[5] أخرجه مسلم (كتاب الزكاة، رقم 1014).
[6] القواعد المثلى (126 ـ 127).


تنقسم أفعال الله من جهة تعلقها بمتعلقاتها إلى قسمين:
القسم الأول: الأفعال اللازمة؛ وهي ما قام بالله ولم يتعد أثره إلى المخلوق؛ كالنزول والاستواء والمجيء والضحك والرضا والغضب.
القسم الثاني: الأفعال المتعدية؛ وهي ما قام بالله وتعدى أثره إلى المخلوق؛ كالخلق والرزق والإحياء والإماتة ونحوها. كما يدل عليه كلام شيخ الإسلام ابن تيمية والعلامة ابن القيم.
قال ابن تيمية رحمه الله: «والأفعال نوعان: متعد ولازم. فالمتعدي مثل: الخلق والإعطاء ونحو ذلك، واللازم: مثل الاستواء والنزول والمجيء والإتيان.
قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الفرقان: 59] ، فذكر الفعلين: المتعدي واللازم، وكلاهما حاصل بقدرته ومشيئته وهو متصف به»[1].
وقال ابن القيم: «فأفعاله نوعان: لازمة ومتعدية، كما دلت النصوص التي هي أكثر من أن تحصر على النوعين»[2].


[1] جامع الرسائل لابن تيمية (2/22) [دار العطاء، الرياض، ط1، 1422هـ].
[2] مختصر الصواعق المرسلة لمحمد بن محمد الموصلي (449) [دار الحديث القاهرة، ط1، 1422هـ].


ـ قيام الأفعال بالله تعالى:
الفعل هو إحداث الشيء وتخليقه كما تقدم في تعريفه اللغوي، وهذا الإحداث والتخليق صفة للفاعل، والشيء المحدَث والمخلوق مفعول للفاعل، وهو مخلوق محدث، فينبغي إذن أن نعرف أن هناك ثلاثة أشياء؛ وهي: الفعل والفاعل والمفعول، مثل قولك: خلق الله السماوات والأرضَ، فهنا عندنا الفعل وهو الخلْق، وعندنا الفاعل الذي قام بالفعل وهو الله تعالى، وعندنا المفعول وهو السماوات والأرض، إذن الخلْق غير المخلوق فالأول صفة للفاعل، والثاني مخلوق وهو غير الخالق. فالفعل إذن: كان من الله فهو من صفاته، وأما إذا كان من العباد فإنه ينسب إليهم كسبًا وينسب إلى الله خلقًا.
ومن هنا فرّق أهل السُّنَّة بين الفعل وبين المفعول، وبين الخلْق وبين المخلوق، فالأول عندهم صفة للذات والثاني مخلوق وهو غيرها.
وقد دلَّت النصوص على ذلك، قال الله تعالى: {مَا أَشْهَدْتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ} [الكهف: 51] ، ففرّق تعالى بين فعله وهو الخلق، وبين مفعوله وهو السماوات والناس، ففعله من ربوبيته، والسماوات والناس من مفعولاته، فالأول من صفاته، والثاني من مفعولاته ومخلوقاته.
ويذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن هذا «هو المأثور عن السلف، وهو الذي ذكره البخاري... وجماهير الطوائف، وهو قول جمهور أصحاب أحمد؛ متقدميهم كلهم وأكثر المتأخرين منهم، وهو أحد قولي القاضي أبي يعلى. وكذلك هو قول أئمة المالكية والشافعية وأهل الحديث وأكثر أهل الكلام؛ كالهشامية أو كثير منهم، والكرامية كلهم، وبعض المعتزلة وكثير من أساطين الفلاسفة، متقدميهم ومتأخريهم»[1].


[1] شرح حديث النزول (401 ـ 402) [دار العاصمة، ط1]، وانظر: شرح الطحاوية لابن أبي العز (2/652) [مؤسسة الرسالة، ط10، 1417هـ].


الفرق بين الفعل والمفعول:
الفعل صفة من صفات الله، وأما المفعول فهو مخلوق، كما هو مبيَّن في الفقرة السابقة.



انحرف المخالفون في أفعال الله في باب الصفات من جهة عدم تفريقهم بين الفعل والمفعول حيث جعلوهما شيئًا واحدًا مخلوقًا، وبالتالي جعلوا ما اتصف الله به من صفات الأفعال مخلوقة.
قال الإمام البخاري رحمه الله: «واختلف الناس في الفاعل والمفعول والفعل... قالت الجهمية: الفعل والمفعول واحد، لذلك قالوا: لـ(كن) مخلوق»[1].
فالمخالفون؛ كالجهمية «المحضة من المعتزلة ومن وافقهم، يجعلون هذا كله مخلوقًا منفصلاً عن الله تعالى.
والكلابية ومن وافقهم، يثبتون ما يثبتون من ذلك: إما قديمًا بعينه لازمًا لذات الله، وإما مخلوقًا منفصلاً عنه.
وجمهور أهل الحديث وطوائف من أهل الكلام، يقولون: بل هنا قسم ثالث قائم بذات الله متعلق بمشيئته وقدرته، كما دلت عليه النصوص الكثيرة.
ثم بعض هؤلاء قد يجعلون نوع ذلك حادثًا، كما تقوله الكرامية، وأما أكثر أهل الحديث ومن وافقهم فإنهم لا يجعلون النوع حادثًا، بل قديمًا، ويفرقون بين حدوث النوع وحدوث الفرد من أفراده»[2].
وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن نزاع الناس في أفعال الله اللازمة؛ كالاستواء والنزول والمجيء والأفعال المتعدية؛ كالخلق والإحسان والعدل مبني على نزاعهم في هذه المسألة هنا[3].
الرد عليهم:
لا شكَّ أن هذا ضلال وانحراف عن هدي الكتاب والسُّنَّة وإجماع سلف الأمة على أن الخلق غير المخلوق، وأن الفعل غير المفعول، قال الله تعالى: {مَا أَشْهَدْتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ} [الكهف: 51] ، ففرق بين فعل السماوات والسماوات، وكذلك فعل جملة الخلق[4].
وعلى هذا التفريق يدل أيضًا صريح المعقول، كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «وإذا كان الخلق فعله والمخلوق مفعوله وقد خلق الخلق بمشيئته دل على أن الخلق فعل يحصل بمشيئته ويمتنع قيامه بغيره، فدل على أن أفعاله قائمة بذاته مع كونها حاصلة بمشيئته وقدرته، وقد حكى البخاري إجماع العلماء على الفرق بين الخلق والمخلوق وعلى هذا يدل صريح المعقول؛ فإنه قد ثبت بالأدلة العقلية والسمعية أن كل ما سوى الله تعالى مخلوق محدث كائن بعد أن لم يكن، وأن الله انفرد بالقدم والأزلية؛ وقد قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} [الفرقان: 59] . فهو حين خلق السماوات ابتداء؛ إما أن يحصل منه فعل يكون هو خلقًا للسماوات والأرض وإما أن لا يحصل منه فعل؛ بل وجدت المخلوقات بلا فعل، ومعلوم أنه إذا كان الخالق قبل خلقها ومع خلقها سواء وبعده سواء لم يجز تخصيص خلقها بوقت دون وقت بلا سبب يوجب التخصيص»[5].


[1] خلق أفعال العباد للبخاري (1/300).
[2] درء تعارض العقل والنقل (2/147) [جامعة الإمام، ط2]، وانظر: شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار (218، و229) [مكتبة وهبة، ط3، 1416هـ]، والإنصاف فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به للقاضي أبي بكر الباقلاني (16) [المكتبة الأزهرية للتراث، ط2، 1421هـ]، والإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد للجويني (44) [مكتبة الخانجي، مصر، 1369هـ].
[3] انظر: شرح حديث النزول (401 ـ 402).
[4] انظر: دعاوى المناوئين لشيخ الإسلام للغصن (248) [دار ابن الجوزي، ط1]، شرح حديث النزول لابن تيمية (401 ـ 402).
[5] مجموع الفتاوى (6/230) [مجمع الملك فهد لطباعة المصحف، عام 1416هـ].


1 ـ «جامع الرسائل» (ج2)، لابن تيمية.
2 ـ «خلق أفعال العباد» (ج1)، للبخاري.
3 ـ «درء تعارض العقل والنقل» (ج2)، لابن تيمية.
4 ـ «دعاوى المناوئين لشيخ الإسلام ابن تيمية»، لعبد الله بن صالح الغصن.
5 ـ «شرح العقيدة الطحاوية» (ج2)، لابن أبي العز الحنفي.
6 ـ «شرح حديث النزول»، لابن تيمية.
7 ـ «الصفات الإلهية في الكتاب والسُّنَّة النبوية في ضوء الإثبات والتنزيه»، لمحمد أمان الجامي.
8 ـ «القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى»، لابن عثيمين.
9 ـ «مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين»، جمع وترتيب: فهد بن ناصر السليمان.
10 ـ «مختصر الصواعق المرسلة»، للموصلي.