حرف الميم / المسح

           

قال ابن فارس: «الميم والسين والحاء أصل صحيح، وهو إمرار الشيء على الشيء بسطًا، ومسحته بيدي مسحًا»[1] .


[1] مقاييس اللغة (2/510) [دار الكتب العلمية، ط1420هـ].


ورد في الحديث الصحيح أن الله تعالى لما خلق آدم عليه السلام مسح ظهره، وعلى هذا يعتبر المسح من الصفات الفعلية الخبرية[1].


[1] انظر: صفات الله عزّ وجل للسقاف (315) [دار الهجرة، الرياض، ط3، 1426هـ]، ومعجم ألفاظ العقيدة (390) [مكتبة العبيكان، ط2، 1420هـ] .


يجب الإيمان بهذه الصفة؛ لدلالة الحديث النبوي عليها، ويجب إثباتها لله تعالى كما يليق بجلاله وكبريائه وعظمته سبحانه، من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل.



هو إمرار الله عزّ وجل يده المباركة بسطًا على ظهر آدم عليه السلام.



عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لما خلق الله آدم مسح ظهره، فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة» الحديث[1].
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سئل عن هذه الآية: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ} [الأعراف: 172] فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن الله عزّ وجل خلق آدم، ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية، فقال: خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون، ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية، فقال: خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون...» الحديث[2].


[1] أخرجه الترمذي (أبواب تفسير القرآن، رقم 3076) وقال: «هذا حديث حسن صحيح»، والحاكم (كتاب التفسير، رقم 3257) وصححه، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (3/239) [مكتبة المعارف، ط1].
[2] أخرجه أبو داود (كتاب السُّنَّة، رقم 4703)، والترمذي (أبواب تفسير القرآن، رقم 3075) وحسَّنه، وأحمد (1/399) [مؤسسة الرسالة، ط1]، ومالك في الموطأ (كتاب القدر، رقم 3337)، وابن حبان (كتاب التاريخ، رقم 6166)، والحاكم (كتاب التفسير، رقم 3256) وصححه، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (رقم 3071).


قال ابن سريج: «وقد صحَّ وتقرر واتضح عند جميع أهل الديانة والسُّنَّة والجماعة من السلف الماضين، والصحابة والتابعين من الأئمة المهتدين الراشدين المشهورين إلى زماننا هذا أن جميع الآي الواردة عن الله تعالى في ذاته وصفاته والأخبار الصادقة الصادرة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الله وفي صفاته التي صحَّحها أهل النقل، وقبِلها النقاد الأثبات، يجب على المرء المسلم المؤمن الموفق، الإيمان بكل واحد منه كما ورد، وتسليم أمره إلى الله سبحانه وتعالى كما أمر، وذلك مثل قوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلاَئِكَةُ} [البقرة: 210] وغير ذلك من صفاته المتعلقة به المذكورة في الكتاب المنزل على نبيِّه صلّى الله عليه وسلّم. وجميع ما لفظ به المصطفى صلّى الله عليه وسلّم من صفاته كغرسه جنة الفردوس بيده[1]، وخط التوراة بيده[2]... وأن كلتا يديه يمين[3]، واختيار آدم قبضة اليمنى[4]، وحديث القبضة وأنه يوم القيامة يحثو ثلاث حثيات من جهنم فيدخلهم الجنة[5]، ولما خلق آدم عليه الصلاة والسلام مسح ظهره بيمينه فقبض قبضة فقال: هؤلاء للجنة ولا أبالي أصحاب اليمين، وقبض قبضة أخرى وقال هذه للنار ولا أبالي أصحاب الشمال، ثم ردَّهم في صلب آدم»[6].
وقال أبو الحسن الكرجي: «فلنعتقد أن لله أسماء وصفات قديمة غير مخلوقة جاء بها كتابه وأخبر بها الرسول أصحابه، فيما رواه الثقات وصححه النقاد الأثبات، ودلَّ القرآن المبين والحديث الصحيح المتين على ثبوتها... ونحو قوله: «ثلاث حثيات من حثيات الرب» [7]، وقوله: «لما خلق الله آدم مسح ظهره بيمينه»»[8].
وقال ابن القيم: «ورد لفظ اليد في القرآن والسُّنَّة وكلام الصحابة والتابعين في أكثر من مائة موضع ورودًا متنوعًا متصرفًا فيه مقرونًا بما يدل على أنها يد حقيقة، من الإمساك والطي والقبض والبسط وأنه مسح ظهر آدم بيده، ثم قال له ويداه مقبوضتان: اختر. فقال: اخترت يمين ربي، وكلتا يديه يمين مباركة»[9].


[1] أخرجه مسلم (كتاب الإيمان، رقم 189).
[2] أخرجه البخاري (كتاب القدر، رقم 6614)، ومسلم (كتاب القدر، رقم 2652).
[3] أخرجه مسلم (كتاب الإمارة، رقم 1827).
[4] أخرجه الترمذي (أبواب تفسير القرآن، رقم 3368) وحسَّنه، وابن حبان (كتاب التاريخ، رقم 6167)، والحاكم (كتاب الإيمان، رقم 214) وصححه، وصححه الألباني في صحيح الجامع (رقم 5209).
[5] سيأتي تخريجه قريبًا.
[6] ذكره ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية (127، 128) [مكتبة دار البيان، دمشق، ط3، 1421هـ].
[7] أخرجه الترمذي (أبواب صفة القيامة والرقائق والورع، رقم 2437) وحسَّنه، وابن ماجه (كتاب الزهد، رقم 4286)، وأحمد في المسند (36/639) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وذكره ابن كثير في تفسيره (1/513) [مؤسسة الريان] من طريقين: وقال في الأول منهما: «وهذا إسناد جيد»، وقال في الآخر: «وهذا أيضًا إسناد حسن»، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (رقم 3614) [مكتبة المعارف، ط5].
[8] نقله عنه ابن تيمية في مجموع الفتاوى (4/175 ـ 184) [مجمع الملك فهد لطباعة المصحف، 1416هـ].
[9] مختصر الصواعق المرسلة (2/171) [مكتبة الرياض الحديثة، ط 1349هـ].


يعتبر المسح صفة من الصفات الفعلية الاختيارية، فهي من جملة الصفات التي أنكرتها الفلاسفة والجهمية والمعتزلة الذين ينكرون الصفات بالكلية، ومن جملة الصفات التي أنكرتها الكُلابية ومن وافقهم الذين ينكرون صفات الأفعال الاختيارية[1].
ولكن جاء ذكرها وبيانها ووصف رب العالمين بها على لسان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لما خلق الله آدم مسح ظهره، فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة» الحديث[2].
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سئل عن هذه الآية: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ} [الأعراف: 172] فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن الله عزّ وجل خلق آدم، ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية، فقال: خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون، ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية، فقال: خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون...» الحديث[3]. والنبي صلّى الله عليه وسلّم أعرف الناس بالله وأكثرهم تعظيمًا وتقديسًا وتسبيحًا له سبحانه، فالأخذ بما جاء وثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم هو الواجب المتعيّن، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.


[1] انظر من كتب المعتزلة: تنزيه القرآن عن المطاعن للقاضي عبد الجبار (153) [دار النهضة الحديثة، بيروت]، والكشاف للزمخشري (2/529 ـ 531) [مكتبة العبيكان، ط1، 1418هـ]، ومن كتب الماتريدية: مدارك التنزيل للنسفي (1/616، 617) [دار الكلم الطيب، بيروت، ط1، 1419هـ].
[2] تقدم تخريجه.
[3] تقدم تخريجه.


1 ـ «اجتماع الجيوش الإسلامية»، لابن القيم.
2 ـ «شرح العقيدة الطحاوية» (ج1)، لابن أبي العز.
3 ـ «شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري»، لعبد الله بن محمد الغنيمان.
4 ـ «صفات الله عزّ وجل الواردة في الكتاب والسُّنَّة»، لعلوي بن عبد القادر السقاف.
5 ـ «مجموع الفتاوى» (ج4)، لابن تيمية.
6 ـ «مختصر الصواعق المرسلة» (ج2)، لابن القيم.
7 ـ «المسائل العقدية المتعلقة بآدم عليه السلام» (ج1 ـ 3)، لألطاف الرحمن بن ثناء الله.
8 ـ «معارج القبول» (ج1، 3)، لحافظ الحكمي.
9 ـ «معجم ألفاظ العقيدة»، لعالم عبد الله فالح.