المصدر : من مادة (صَدَرَ)، وهو أصل يدل على خلاف الوِرْد، يُقال: صَدَرَ عن الماءِ، وصَدَرَ عن البِلاد، إذا كان وَرَدَها ثمَّ شَخَصَ عنها[1].
ويسمَّى الموضع الذي صُدِرَ عنه: مَصْدَرًا، ومنه سمِّيت مصادر الأفعال بذلك؛ لأَن المصادر كانت أَول الكلام، كقولك: الذّهاب والسَّمْع والحِفْظ، وإِنما صَدَرَتِ الأَفعال عنها[2].
التلقِّي : بمعنى الاستقبال، وفلان يتلقَّى فلانًا؛ أي: يستقبله[3].
[1] انظر: مقاييس اللغة (3/337) [دار الجيل، ط2].
[2] انظر: لسان العرب (4/449) [دار صادر، ط1].
[3] انظر: تهذيب اللغة (9/228) [دار إحياء التراث العربي، ط1، 2001هـ]، ولسان العرب (15/256).
يقصد بمصادر التلقي عند أهل السُّنَّة ـ في مجال العقيدة ـ: الأصول التي يرجع إليها أهل السُّنَّة في استمداد المسائل والأحكام الاعتقادية، ويردُّون القول إليها عند النزاع، وهي: الكتاب، والسُّنَّة، والإجماع[1].
[1] انظر: الإحكام لابن حزم (1/95) [دار الحديث، ط1، 1404هـ]، وذم التأويل لابن قدامة (22) [الدار السلفية، ط1، 1406هـ]، وشرح الصدور بتحريم رفع القبور للشوكاني (593) [مكتبة العبيكان، ط3، 1408هـ]، ومصادر الاستدلال على مسائل الاعتقاد لعثمان علي حسن (7) [دار الوطن، ط1، 1413هـ].
الأصول المعتبرة عند أهل السُّنَّة والجماعة في علم الاعتقاد هي: القرآن، والسُّنَّة، والإجماع.
فالقرآن : هو كلام الله تعالى، المنزل على نبيِّه محمد صلّى الله عليه وسلّم بلفظه ومعناه بواسطة جبريل، المُعجز، المتعبد بتلاوته، المبدوء بسورة الفاتحة، والمختوم بسورة الناس.
والسُّنَّة : هي كل ما نقل عن النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خَلقِيَّة، أو خُلُقيَّة.
والسُّنَّة المحتج بها : ما كانت صحيحة، متواترة كانت أو آحادًا، دون ما كان ضعيفًا، فالعقيدة لا يحتج فيها بالضعيف.
والمراد بالإجماع : إجماع السلف الصالح دون من عداهم.
والرجوع إلى الكتاب والسُّنَّة في العقيدة لا بد أن يكون منضبطًا بأصول؛ من أهمها[1]:
1 ـ أن يكون الفهم للكتاب والسُّنَّة على وفق ما فهمه السلف الصالح، من الصحابة والتابعين، فلا يخرج عن أقوالهم فيما اتفقوا عليه[2].
2 ـ أن يكون الفهم للكتاب والسُّنَّة موافقًا لقواعد اللغة العربية؛ وذلك أن القرآن قد نزل بلسان عربي مبين، وكان إنزاله بهذا اللسان المبين سبيلاً لتدبره وفهم معانيه، كما قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ *} [يوسف] . وعامة الشبه والبدع إنما دخلت على أصحابها من قِبَل جهلهم بلسان العرب[3].
ولا بدَّ من التنبُّه إلى أن دلالة الشرع قد تخصص دلالة اللغة وتقيدها، فلا يرجع إلى دلالة اللغة رجوعًا مجردًا عن النظر للقائل، وبيان النبي صلّى الله عليه وسلّم لذلك النص، وتفاسير الصحابة والسلف.
وقد بيَّن شيخ الإسلام ابن تيمية أن أكثر ما يقع الخطأ في التفسير من جهتين:
« إحداهما: قوم اعتقدوا معاني ثمّ أرادوا حمل ألفاظ القرآن عليها.
والثّانية: قوم فسّروا القرآن بمجرّد ما يسوغ أن يريده بكلامه من كان من الناطقين بلغة العرب، من غير نظر إلى المتكلم بالقرآن والمنزل عليه والمخاطب به»[4].
3 ـ جمع النصوص الواردة في الباب الواحد.
وهذا الجمع هو السبيل لفهم المسألة الشرعية على وجهها، ولذا يقول الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: «الحديث إذا لم تجمع طرقه لم تفهمه، والحديث يفسر بعضه بعضًا»[5].
[1] انظر: منهج التلقي والاستدلال بين أهل السُّنَّة والمبتدعة لأحمد الصويان (45 ـ 54) [المنتدى الإسلامي، ط2، 1999م].
[2] انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (17/353) [مكتبة ابن تيمية، ط2]، ورسالة في علم الباطن والظاهر له ضمن مجموعة الرسائل المنيرية (1/236) [المطبعة المنيرية، ط1، 1343هـ]، وشرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز (212) [مؤسسة الرسالة، ط2، 1411هـ].
[3] انظر: الرسالة للشافعي (50) [دار الكتب العلمية]، وجامع بيان العمل وفضله لابن عبد البر (2/168) [دار الكتب العلمية، 1398هـ].
[4] مجموع الفتاوى لابن تيمية (13/335). وانظر منه: (19/236).
[5] الجامع لأخلاق الراوي (2/212) [مكتبة المعارف، ط2]. وانظر: مجموع الفتاوى (27/316 ـ 317)، والموافقات للشاطبي (1/245 ـ 246) [دار المعرفة].
لقد كان التزام أهل السُّنَّة والجماعة بمصادر التلقي في مسائل الاعتقاد (الكتاب والسُّنَّة والإجماع) على وفق فهم السلف الصالح هو الفارق الأساس الذي فارقوا به سائر الطوائف المبتدعة، وكان هذا الالتزام هو الضابط الذي يميز أهل السُّنَّة والجماعة عمَّن عداهم من فرق الضلال.
كما دلَّ على ذلك حديث الافتراق الذي قال فيه صلّى الله عليه وسلّم: «... وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النّار إلا واحدة، وهي الجماعة» [1]، وفي رواية: «كلها في النار إلا ملة واحدة . فقيل له: ما الواحدة، قال: ما أنا عليه وأصحابي»[2].
فمن فرَّط في هذه المصادر الثلاثة، أو زاد عليها العقل ونحوه فقد فارق مذهب أهل السُّنَّة.
قال ابن تيمية في شرحه لحديث الافتراق: «وشعار هذه الفرق ـ يعني: الخارجة عن أهل السُّنَّة ـ مفارقة الكتاب والسُّنَّة والإجماع، فمن قال بالكتاب والسُّنَّة والإجماع كان من أهل السُّنَّة والجماعة»[3].
[1] أخرجه أبو داود (كتاب السُّنَّة، 4597)، وأحمد (28/134) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وابن أبي عاصم في السُّنَّة (1/76) [المكتب الإسلامي، ط1]، وحسنه الحافظ ابن حجر، كما في السلسلة الصحيحة (1/405)، وله عدة شواهد أشار إليها الألباني في السلسلة الصحيحة، في الموضع السابق.
[2] أخرجه الترمذي (أبواب الإيمان، رقم 2641)، والحاكم (كتاب العلم، رقم 444)، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي (2/334، رقم 2129) [المكتب الإسلامي، ط 1، 1408هـ].
[3] شرح حديث الافتراق ضمن مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام (3/346).
قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَومِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً *} [النساء] .
وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ *وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ *} [الأنفال].
وقال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُبِيناً *} [الأحزاب] .
ودلَّ على الإجماع قوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا *} [النساء] .
وروى مالك في الموطأ؛ أنه بلغه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسُنَّة نبيه»[1].
[1] الموطأ (كتاب القدر، رقم 3338) [مؤسسة زايد بن سلطان، ط1]، وفي سنده انقطاع ظاهر بين مالك والنبي صلّى الله عليه وسلّم. لكن له شاهد من حديث ابن عباس عند الحاكم (كتاب العلم، رقم 318)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1/10) [مكتبة المعارف، ط5].
عقد اللالكائي لكتابه في العقائد بابًا بعنوان: (شرح أصول اعتقاد أهل السُّنَّة والجماعة من الكتاب والسُّنَّة وإجماع الصحابة والتابعين ومن بعدهم).
ومما ذكره في مقدمته قوله: «فإن أوجب ما على المرء: معرفة اعتقاد الدين، وما كلف الله به عباده من فهم توحيده وصفاته وتصديق رسله بالدلايل واليقين، والتوصل إلى طرقها، والاستدلال عليها بالحجج والبراهين، وكان من أعظم مقول وأوضح حجة ومعقول: كتاب الله الحق المبين، ثم قول رسول الله وصحابته صلّى الله عليه وسلّم الأخيار المتقين، ثم ما أجمع عليه السلف الصالحون»[1].
وقال ابن عبد البر: «ليس في الاعتقاد كله في صفات الله وأسمائه إلا ما جاء منصوصًا في كتاب الله، أو صحَّ عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أو أجمعت عليه الأمة»[2].
وبيَّن ابن تيمية الميزان الذي توزن به أقوال الناس وأعمالهم، مشيرًا إلى العلاقة بين اعتمادهم الإجماع في الاستدلال، وبين تسميتهم بأهل الجماعة، فقال: «وسموا أهل الجماعة؛ لأن الجماعة هي الاجتماع، وضدها الفرقة، والإجماع هو الأصل الثالث الذي يعتمد عليه في العلم والدين، وهم يزنون بهذه الأصول الثلاثة جميع ما عليه الناس من أقوال وأعمال باطنة أو ظاهرة، مما له تعلق بالدين، والإجماع الذي ينضبط هو ما كان عليه السلف الصالح، إذ بعدهم كثر الاختلاف وانتشرت الأمة»[3].
[1] شرح أصول اعتقاد أهل السُّنَّة والجماعة (1/9) [دار طيبة، 1402هـ].
[2] جامع بيان العلم (2/96) [دار الكتب العلمية، 1398هـ].
[3] العقيدة الواسطية ضمن مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام (3/157). وانظر: المرجع السابق (11/437)، الإبانة للأشعري (29) [دار الأنصار، ط1، 1397هـ]، الحجة في بيان المحجة لقوام السُّنَّة الأصبهاني (1/210) [دار الراية، ط2، 1419هـ]، درء التعارض (7/105) [دار الكتب العلمية، 1417هـ]، الصواعق المرسلة (3/833 ـ 835) [دار العاصمة، ط3، 1418هـ]، المسائل العقدية التي حكى فيها ابن تيمية الإجماع (52) [دار الفضيلة، ط1، 1428هـ].
لقد كان لمنهج أهل السُّنَّة والجماعة في التزامهم بالمصادر الشرعية للتلقي آثار حميدة، يجمل أهمها فيما يلي[1]:
1 ـ التحقيق التام لما أمر به الشرع من الردِّ إلى الكتاب والسُّنَّة، والقبول لما فيهما، قولاً وعملاً واعتقادًا، والاستغناء بهما عما سواهما.
2 ـ عصمة الأصول التي بنوا عليها عقائدهم، فكانت عقائدهم يقينية الثبوت، سالمة من الاختلاف والتناقض، في مقابل الاختلاف والتناقض والتنقل والشك الذي كان لازمًا لأهل البدع.
3 ـ تعظيم نصوص الكتاب والسُّنَّة، وإجماع السلف الصالح.
4 ـ توقفهم عن إثبات ما لم يأت في النصوص من الأمور العقدية، فكانت طريقتهم أسلم وأعلم وأحكم.
5 ـ التزام منهج أهل السُّنَّة ـ بتوحيد المرجعية إلى الكتاب والسُّنَّة ـ كفيل بجمع كلمة المسلمين، وتوحيد صفوفهم، فالوحي قد ضمن فيه الهدى، ونفى عنه الاختلاف، وأما العقول المجردة والأهواء، فمن شأنها الاضطراب والاختلاف مما ينتج عنه الافتراق. قال الله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا} [آل عمران] .
قال السمعاني: «السبب في اتفاق أهل الحديث أنهم أخذوا الدين من الكتاب والسُّنَّة وطريق النقل، فأورثهم الاتفاق والائتلاف، وأهل البدعة أخذوا الدين من المعقولات والآراء، فأورثهم الافتراق والاختلاف، فإن النقل والرواية من الثقات والمتقنين قلما يختلف، وإن اختلف في لفظ أو كلمة فذلك اختلاف لا يضر الدين ولا يقدح فيه، وأما دلائل العقل فقلما تتفق؛ بل عقل كل واحد يري صاحبه غير ما يري الآخر، وهذا بَيِّنٌ والحمد لله»[2].
[1] انظر: منهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد عند أهل السُّنَّة والجماعة، د. عثمان علي حسن (2/730).
[2] الانتصار لأصحاب الحديث (47).
الفِرق المخالفة المبتدعة لم يحققوا الأصل الشرعي في مسألة مصادر التلقي؛ بل إنهم ضلوا فيه طردًا وعكسًا، فضلالهم من ناحيتين:
الناحية الأولى: ضلالهم فيما يتعلق بالمصادر المعتبرة للاستدلال العقدي (الكتاب، والسُّنَّة والإجماع).
فإنهم قد فرَّطوا في هذه الأصول الثلاثة، تفريطًا يخرجها عن أن تكون مصادر للتلقي في العقيدة.
ومن أوجه ضلالهم في ذلك:
1 ـ الإيمان ببعض الكتاب والكفر ببعض، فيؤمنون بما يظنونه مؤيدًا لبدعتهم، ويغضون الطرف عما كان صريحًا في إبطالها، فيكتمونه ويكرهون روايته[1].
2 ـ تحريف النصوص وصرفها عن معانيها الظاهرة، إما تحريف لفظٍ أو معنى[2].
فما خالف اعتقادهم مما جاء في كتاب الله فإنهم قد سلطوا عليه: طاغوت التأويل، وطاغوت المجاز[3]، وطاغوت تقديم العقل على النقل[4].
3 ـ اتباع المتشابهات، وضرب بعض النصوص ببعض، وهجر النصوص الواضحة المحكمة، واتباع النصوص المشكلة.
4 ـ تصريح غلاتهم بأن نصوص الكتاب والسُّنَّة ظنية الدلالة، ولا تفيد اليقين، فلا يحتج بها في أبواب الاعتقاد[5].
بل إن من الفرق المبتدعة من صرح بأن الأخذ بظواهر الكتاب والسُّنَّة أصل من أصول الكفر ـ وبعضهم خففها، فقال: هو أصل الضلالة[6]، عياذًا بالله من قولهم.
5 ـ عدم اعتبار بعضهم للسُّنَّة في الاستدلال على مسائل الاعتقاد، كما حكي ذلك عن بعض الخوارج وغلاة المعتزلة[7].
6 ـ الكذب على النبي صلّى الله عليه وسلّم لتأييد البدعة، وقد وقع في ذلك كثير من الرافضة وغيرهم[8].
7 ـ الاعتماد على الأحاديث الضعيفة والموضوعة لتأييد البدعة، وهذا منهج قلَّ أن يسلم منه أحد من أهل الأهواء والبدع[9].
8 ـ عدم الاحتجاج بأحاديث الآحاد في مسائل الاعتقاد، وإنما يحتج بالمتواتر فقط[10].
وهم يُعَرِّفون المتواتر بتعريف يجعل عامة سُنَّة المصطفى صلّى الله عليه وسلّم من قسم الآحاد، ولا يدخل في تعريفهم للمتواتر إلا أحاديث معدودة على الأصابع[11]، فهذا موقفهم من المصدر الثاني من مصادر الاعتقاد.
9 ـ مخالفة أهل البدع لكثير من إجماعات السلف في غالب أبواب العقيدة من الصفات والقدر والوعد والوعيد وغيرها مما لا يتسع المجال لتفصيله.
ومن هذه الأوجه وغيرها يتبين للناظر مقدار الانحراف الذي بلغه هؤلاء في مصادر التلقي الشرعية[12].
الناحية الثانية: ضلالهم في إحداث مصادر بدعية للتلقي في العقيدة.
فإن الفرق المبتدعة لم يُقَصِّروا في تحقيق هذه الأصول الثلاثة فحسب (الكتاب والسُّنَّة والإجماع)؛ بل إنهم قد ابتدعوا أصولاً أخرى للتلقي في أبواب الاعتقاد ما أنزل الله بها من سلطان، وجعلوها مقدمة على ما سواها[13].
وأشهر ما ابتدعوه في هذا الباب: تلك القوانين والأدلة الكلامية الفلسفية، المولَّدة من أصول الفلاسفة القدماء ـ كدليل الأعراض والحوادث والتركيب ـ هذه القوانين التي سموها زورًا وبهتانًا: دليل العقل، أو: القواطع العقلية، والتي أبطلوا بها نصوص الوحيين، وكذا ما أحدثه أهل التصوف ونحوهم من الرجوع إلى الكشف والإلهام والرؤى والمنامات في إثبات أحكام الدين[14].
[1] انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (7/172، 173) (12/15) (20/161)، ودرء التعارض (5/172، 173) [دار الكتب العلمية، 1417هـ]، والاعتصام للشاطبي (1/222) [دار المعرفة، 1402هـ].
[2] انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (3/67) (4/69)، وشرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز (182، 232) [المكتب الإسلامي، ط4، 1391هـ].
[3] انظر: درء التعارض (1/5)، ومختصر الصواعق المرسلة (2/690) وما بعدها [دار أضواء السلف، ط1، 1425هـ]، ومنهج الأشاعرة في العقيدة للحوالي.
[4] انظر: قانون التأويل للغزالي (10) [المكتبة الأزهرية للتراث، ط1، 2006م]، وأساس التقديس للرازي (172، 173)، والمطالب العالية له (1/337) [دار الكتب العلمية، ط1، 1420هـ]،
[5] انظر: المحصول للرازي (1/547 ـ 576)، ومحصل أفكار المتقدمين والمتأخرين له (143).
[6] انظر: شرح الكبرى للسنوسي (82، 83)، وشرح أم البراهين له، مـطـبـوع مـع حـاشـيـة الدسوقي (380 ـ 383).
[7] انظر: أصول الدين للبغدادي (11) [مطبعة الدولة، إستانبول، ط1، 1346]، والصارم المسلول (184) [دار ابن حزم، ط1، 1417هـ]، ومجموع الفتاوى (19/73).
[8] انظر: الجامع لأخلاق الراوي (1/138)، ومنهاج السُّنَّة النبوية (1/59) [مؤسسة قرطبة، ط1، 1406هـ].
[9] انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (4/95، 96)، الاعتصام للشاطبي (1/224، 225).
[10] انظر: إعجاز القرآن للباقلاني (386)، وتمهيد الأوائل له (445)، والتفسير الكبير للرازي (25/17)، والمحصول له (1/285) (2/156) (4/230) [جامعة الإمام، ط1، 1400هـ]، وأساس التقديس له (127 ـ 129) [دار الجيل، ط1، 1413هـ]، والإحكام للآمدي (2/47 ـ 55) [دار الكتاب العربي، ط1، 1404هـ]، وغاية المرام له (349) [طبعة المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، ط 1390هـ]، وشرح المواقف (1/148، 150) [دار الجيل، ط1]، والتقرير والتحبير لابن أمير الحاج (1/377) (2/313) [دار الكتب العلمية، ط1، 1419هـ].
[11] انظر: مقدمة ابن الصلاح (267)، والغاية في شرح الهداية للسخاوي (140)، وفتح المغيث له (3/42) [دار الكتب العلمية، ط1، 1403هـ]، وتدريب الراوي للسيوطي (2/178) [مكتبة الرياض الحديثة].
[12] انظر: منهج التلقي والاستدلال بين أهل السُّنَّة والمبتدعة لأحمد الصويان (55 ـ 77).
[13] انظر: الاعتصام للشاطبي (1/134).
[14] انظر: الانتصار لأصحاب الحديث للسمعاني (44، 82)، مجموع الفتاوى لابن تيمية (10/355) (13/143)، منهاج السُّنَّة النبوية (7/37).
1 ـ «الاعتصام»، للشاطبي.
2 ـ «اعتقاد أهل السُّنَّة»، للإسماعيلي.
3 ـ «جامع بيان العلم وفضله»، لابن عبد البر.
4 ـ «خصائص أهل السُّنَّة والجماعة»، لصالح الدخيل.
5 ـ «ذم الكلام»، للهروي.
6 ـ «شرح أصول اعتقاد أهل السُّنَّة»، للالكائي.
7 ـ «شرح العقيدة الطحاوية»، لابن أبي العز.
8 ـ «الفرق المنهجي بين أهل السُّنَّة وأهل الأهواء»، لعبد الله بن عبد العزيز العنقري.
9 ـ «مجموع الفتاوى»، لابن تيمية.
10 ـ «منهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد»، لعثمان حسن
11 ـ «منهج التلقي والاستدلال بين أهل السُّنَّة والمبتدعة»، لأحمد الصويان.