حرف الميم / المُصوِّر

           

المُصَوِّر : اسم فاعل من التصوير، مشتق من الأصل الثلاثي (صور) الدال على إمالة الشيء إليك، هذا القول الأول، وعليه تكون الصورة هي الشكل المائل إلى الأحوال المطابقة للمصلحة والمنفعة.
وقيل: إنه مشتق من صار يصير، وعليه تكون الصورة هي منتهى الأمر ومصيره[1].
وفعله: صوَّر يصوِّر تصويرًا وصورة فهو مصَوِّر ومُصَوَّر، إذا جعل له هيئة وصورة، والصورة الهيئة والخِلْقة والشكل، وما يُنتقش به الأعيان، والتصوير: نقش صورة الأشياء أو الأشخاص على لوح أو حائط ونحوه بالقلم أو بآلة التصوير[2].


[1] انظر: مقاييس اللغة (580) [دار الفكر، ط2]، ولوامع البينات شرح أسماء الله تعالى والصفات (217) [دار الكتاب العربي، ط2، 1410هـ].
[2] انظر: تهذيب اللغة (12/227 ـ 229) [الدار المصرية]، والصحاح (2/716، 717) [دار العلم للملايين، ط4، 1990م]، ومفردات ألفاظ القرآن (497) [دار القلم، ط2، 1418]، والمعجم الوسيط (1/28) [دار الدعوة، ط2، 1972].


المصور له معنيان:
1 ـ أن الله عزّ وجل هو الذي أمال خلقه وعدّلهم إلى الأشكال والهيئات التي توافق تقديره وعلمه ورحمته، والتي تتناسب مع مصالح الخلق ومنافعهم[1].
2 ـ أن الله عزّ وجل هو الذي أنشأ خلقه على صور مختلفة، وهيئات متباينة، على غير مثال سابق، كل أحد بصورته الخاصة التي صار وانتهى إليها[2].


[1] هذا باعتبار إرجاع اشتقاقه إلى إمالة الشيء. انظر: تفسير الطبري (24/269) [مؤسسة الرسالة، ط1، 1420هـ]، تفسير البغوي (8/356) [دار طيبة، ط4، 1417هـ]، النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى (1/168، 169) [مكتبة الذهبي، ط2، 1417هـ].
[2] هذا باعتبار اشتقاقه من المصير والمنتهى. انظر: تفسير أسماء الله الحسنى للزجاج (37) [دار الثقافة العربية، ط1، 1974م]، شأن الدعاء (51) [دار الثقافة، ط3، 1412هـ]، الحجة في بيان المحجة (1/131) [دار الراية، ط1، 1411هـ]، أحكام القرآن لابن العربي (2/348) [دار الكتب العلمية، ط1]، تفسير ابن كثير (8/80) [دار طيبة، ط2، 1420هـ]، تفسير أسماء الله الحسنى للسعدي (170) [مجلة الجامعة الإسلامية، ع: 112، 1423هـ].


يجب الإيمان بأن من أسماء الله سبحانه: المصوِّر، وما دلَّ عليه من صفة التصوير، ويكون إثبات ذلك لله تعالى كما يليق بجلاله وكبريائه وعظمته سبحانه، من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل، وقد دلَّت النصوص الشرعية على ذلك.



إن الله سبحانه وتعالى أعطى كل شيء صورة معينة، وهذه الصور توافق تقديره سبحانه وعلمه ورحمته، وهي متناسبة مع مصالح الخلق ومنافعهم، فالله سبحانه وتعالى صوّر جميع الموجودات، وأعطى كل شيء منها صورة خاصة وهيئة خاصة يتميز بها عن غيره من الموجودات مع كثرتها وتعدد أنواعها.



ورد اسم المصوِّر مرة واحدة في القرآن الكريم، في قوله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِىءُ الْمُصَوِّرُ} [الحشر] .
وأما صفة التصوير فقد وردت في نصوص عدة؛ منها قوله سبحانه وتعالى: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ *} [التغابن] ، وقوله: {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ} [آل عمران] .
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ أنه كان إذا سجد قال: «اللَّهُمَّ لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت، سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره، تبارك الله أحسن الخالقين»[1].


[1] أخرجه مسلم (كتاب صلاة المسافرين وقصرها، رقم 771).


قال ابن جرير: «يقول تعالى ذكره: هو المعبود الخالق، الذي لا معبود تصلح له العبادة غيره، ولا خالق سواه، البارئ الذي برأ الخلق، فأوجدهم بقدرته، المصوّر خلقه كيف شاء، وكيف يشاء»[1].
وقال البغوي: ({الْخَالِقُ} المقدِّرُ والمقلب للشيء بالتدبير إلى غيره، كما قال: {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ} [الزمر: 6] ، {الْبَارِىءُ}: المنشئ للأعيان من العدم إلى الوجود، {الْمُصَوِّرُ}: الممثل للمخلوقات بالعلامات التي يتميز بعضها عن بعض، يقال: هذه صورة الأمر؛ أي: مثاله، فأولاً يكون خلقًا ثم برءًا ثم تصويرًا»[2].
وقال السعدي: «{الْخَالِقُ الْبَارِىءُ الْمُصَوِّرُ}: الذي خلق جميع الموجودات، وبرأها، وسواها بحكمته، وصوَّرها بحمده وحكمته، وهو لم يزل ولا يزال على هذا الوصف العظيم»[3].


[1] تفسير الطبري (22/555) [دار هجر، ط1].
[2] معالم التنزيل (5/220) [دار الفكر، ط1].
[3] تفسير السعدي (5/624)، ملحق في آخر الجزء بعنوان: أصول وكليات من أصول التفسير [مركز صالح الثقافي بعنيزة، ط2، 1412هـ].


ـ حكم التصوير:
وردت أحاديث كثيرة تدلُّ على تحريم التصوير من حيث العموم، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إن أشد الناس عذابًا عند الله يوم القيامة المصوِّرون»[1].
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما؛ أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة، يقال لهم: أحيوا ما خلقتم»[2].
وعن ابن عباس رضي الله عنهما فقال: سمعت محمدًا صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من صوَّر صورة في الدنيا كُلِّف يوم القيامة أن ينفخ فيها الروح، وليس بنافخ»[3].
وعن سعيد بن أبي الحسن قال: جاء رجل إلى ابن عباس فقال: إني رجل أصور هذه الصور، فأفتني فيها. فقال له: ادن مني. فدنا منه. ثم قال: ادن مني. فدنا حتى وضع يده على رأسه، قال: أنبئك بما سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «كل مصور في النار، يجعل له بكل صورة صوَّرها نفسًا فتعذبه في جهنم» وقال: إن كنت لا بد فاعلاً، فاصنع الشجر، وما لا نَفْسَ له[4].
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل عليَّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقد سترت سهوة لي بقرام فيه تماثيل، فلما رآه هتكه، وتلون وجهه، وقال: «يا عائشة! أشد الناس عذابًا عند الله يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله» . قالت عائشة: فقطعناه، فجعلنا منه وسادة أو وسادتين[5].
وللعلماء تفصيلات عدة في أحكام التصوير، إلا أنهم يرون أن نحت التماثيل محرم شرعًا.
وكثير من أهل العلم على تحريم الصور عمومًا إلا ما دعت الضرورة إليه؛ كالصور اللازمة للتعريف بالشخص في الرخص والبطاقات وجوازات السفر وغير ذلك من المستجدات، أما تصوير ما لا روح فيه كالشجر والجبل والسيارات ونحو ذلك فلا حرج فيه، والله أعلم[6].


[1] أخرجه البخاري (كتاب اللباس، رقم 5950)، ومسلم (كتاب اللباس والزينة، رقم 2109).
[2] أخرجه البخاري (كتاب اللباس، رقم 5951)، ومسلم (كتاب اللباس والزينة، رقم 2108).
[3] أخرجه البخاري (كتاب اللباس، رقم 5963)، ومسلم (كتاب اللباس والزينة، رقم 2110).
[4] أخرجه مسلم (كتاب اللباس والزينة، رقم 2110).
[5] أخرجه البخاري (كتاب اللباس، رقم 5954)، ومسلم (كتاب اللباس والزينة، رقم 2107).
[6] انظر: القول المفيد على كتاب التوحيد (3/252 ـ 256) [دار ابن الجوزي، الدمام، ط1، 1418هـ]، وفتاوى كبار العلماء في التصوير [مكتبة الرضوان، ط3، 1429هـ].


الفرق بين الخالق، والبارئ، والمصوّر:
هذه الأسماء الحسنى الثلاثة وردت في سياق واحد في قوله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِىءُ الْمُصَوِّرُ} [الحشر: 24] ، وكلها متقاربة في المعنى، إلا أن أهل العلم تكلموا في الفرق بينها، ومدار كلامهم ينصب حول الترتيب الذي بين هذه الأفعال الدالة عليها هذه الأسماء، فالله عزّ وجل هو الخالق بمعنى: أنه المقدِّر للأشياء بمقتضى حكمته، البارئ بمعنى: أنه أوجدها بعد العدم، المصوِّر بمعنى: مشكِّل ومهيئ ما أوجده على هذه الأشكال والهيئات التي صارت إليها وفق تقديره وحكمته، فإن اسمي الجلال: (البارئ المصوِّر) هما تفصيل لمعنى اسمه: (الخالق)[1].


[1] انظر: شفاء العليل لابن القيم (1/366)، وتفسير ابن كثير (8/80)، وفقه الأسماء الحسنى (95).


1 ـ «تفسير أسماء الله الحسنى»، للزجاج.
2 ـ «تفسير أسماء الله الحسنى»، للسعدي.
3 ـ «الحجة في بيان المحجة»، لقوام السُّنَّة الأصبهاني.
4 ـ «شأن الدعاء»، للخطابي.
5 ـ «شرح أسماء الله الحسنى»، لسعيد بن القحطاني.
6 ـ «شفاء العليل»، لابن القيم.
7 ـ «صفات الله عزّ وجل الواردة في الكتاب والسُّنَّة»، لعلوي بن عبد القادر السقاف.
8 ـ «فتاوى كبار العلماء في التصوير»، جمع وإعداد: عبد الرحمن بن سعد الشثري.
9 ـ «فقه الأسماء الحسنى»، لعبد الرزاق البدر.
10 ـ «معتقد أهل السُّنَّة والجماعة في أسماء الله الحسنى»، للتميمي.
11 ـ «معجم ألفاظ العقيدة، لعالم عبد الله فالح.
12 ـ «النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى»، للنجدي.