حرف الميم / المضاف إلى الله تعالى

           

المضاف : من مادة (ض ـ ي ـ ف)، والضاد والياء والفاء أصلٌ واحدٌ صحيح، يدلُّ على مَيل الشيء إلى الشيء. يقال: أَضَفْتُ الشَّيءَ إلى الشَّيء: أمَلْتهُ إليه، وأنزلته عليه، وأضفته إلى كذا: ألجأته[1].
والمضاف في الكلام: هو كل اسم أضيف إلى اسم آخر، فإن الأول يجر الثاني، ويسمى الجار مضافًا، والمجرور: مضافًا إليه[2].


[1] انظر: تهذيب اللغة للأزهري (12/113)، مقاييس اللغة لابن فارس (3/298)، الصحاح للجوهري (4/1392، 1393).
[2] انظر: التعريفات للجرجاني (101).


المضاف إلى الله تعالى : على نوعين وردا في النصوص الشرعية؛ أحدهما: إضافة الصفة إلى الموصوف، والثاني: إضافة المخلوق إلى الخالق.
أما إضافة الوصف إلى الله فهي: ما كان صفة قائمة بغيرها ليس لها محل تقوم به.
وأما إضافة المخلوق إلى الله تعالى: فهي كل ما يضاف إلى الله، ويكون عينًا قائمة بنفسها، أو حالاً في ذلك القائم بنفسه[1].


[1] انظر: الصفات الإلهية للتميمي (25).


يجب على المسلم أن يعتقد أن المضاف إلى الله تعالى منه ما هو إضافة الصفة إلى الموصوف، ومنه ما هو إضافة المخلوق إلى الخالق، ويفرق بينهما كما ورد ذلك في نصوص الكتاب والسُّنَّة[1].


[1] الجواب الصحيح (2/155 ـ 157). وانظر: مجموع الفتاوى (17/151).


إن ما ذُكِر في القرآن الكريم من الإضافة إلى الله تعالى، إن كان عينًا قائمة بنفسها، أو أمرًا قائمًا بتلك العين كان مخلوقًا؛ كقول الله تعالى في عيسى: {وَرُوحٌ مِنْهُ} [النساء: 171] ، وقوله تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} [الجائية: 13] ، وقوله تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النحل: 53] .
وأما ما كان صفة لا تقوم بنفسها، ولم يذكر لها محل غير الله كان صفة له، مثل: القول، والعلم. وبهذا يفرق بين كلام الله سبحانه، وعلم الله، وبين عبد الله وبيت الله وناقة الله.
وهذا أمر معقول في الخطاب، فإذا قلت: علم فلان وكلامه ومشيئته لم يكن شيئًا بائنًا عنه، والسبب في ذلك أن هذه الأمور صفات لما تقوم به، فإذا أضيفت إليه كان ذلك إضافة صفة لموصوف، إذ لو قامت بغيره لكانت صفة لذلك الغير لا لغيره[1].


[1] انظر: شرح الأصفهانية لابن تيمية (66، 67)، مجموع الفتاوى (17/151).


النصوص الدَّالة على إضافة الصفة إلى الموصوف كثيرة، منها قوله سبحانه وتعالى: {وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيءٍ مِنْ عِلْمِهِ} [البقرة: 255] ، وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ *} [الذاريات] ، وقوله : {فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللَّهِ} [التوبة: 6] .
وفي الحديث الصحيح: «اللَّهُمَّ إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك»[1].
والنصوص الدَّالة على إضافة المخلوق إلى الخالق كثيرة؛ منها: قوله تعالى: {وَرُوحٌ مِنْهُ} [النساء: 171] ، وقوله تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} [الجاثية: 13] ، وقوله سبحانه: {نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا *} [الشمس] ، وقوله : {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ *} [الحج] .


[1] أخرجه البخاري (كتاب الدعوات، رقم 6382).


قال ابن خزيمة: «فما أضاف الله إلى نفسه على معنيين:
أحدهما: إضافة الذات، والآخر: إضافة الخلق، فتفهَّموا هذين المعنيين»[1].
وقال ابن تيمية: «والمضاف إلى الله نوعان؛ فإن المضاف إما أن يكون صفة لا تقوم بنفسها كالعلم والقدرة والكلام والحياة، وإما أن يكون عينًا قائمة بنفسها:
فالأول: إضافة صفة كقوله: {وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيءٍ مِنْ عِلْمِهِ} [البقرة: 255] ، وقوله: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ *} [الذاريات] ، وقوله: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} [فصّلت: 15] .
والثاني: إضافة عين؛ كقوله تعالى: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ} [الحج] ، وقوله: {نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا *} [الشمس] ، وقوله: {عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا *} [الإنسان] .
فالمضاف في الأول صفة لله قائمة به ليست مخلوقة له بائنة عنه، والمضاف في الثاني مملوك لله مخلوق له بائن عنه، لكنه مفضل مشرف لما خصَّه الله به من الصفات التي اقتضت إضافته إلى الله تبارك وتعالى ، كما خص ناقة صالح من بين النوق، وكما خص بيته بمكة من البيوت، وكما خص عباده الصالحين من بين الخلق»[2].
وقال ابن القيم: «المضاف إلى الله عزّ وجل نوعان:
صفات لا تقوم بأنفسها؛ كالعلم، والقدرة، والكلام، والسمع، والبصر، فهذه إضافة صفة إلى الموصوف بها، فعلمه، وكلامه، وإرادته، وقدرته، وحياته، صفات له غير مخلوقة، وكذلك وجهه ويده سبحانه.
والثاني: إضافة أعيان منفصلة عنه؛ كالبيت، والناقة، والعبد، والرسول، والروح، فهذه إضافة مخلوق إلى خالقه، ومصنوع إلى صانعه، لكنها إضافة تقتضي تخصيصًا وتشريفًا يتميز به المضاف عن غيره؛ كبيت الله، وإن كانت البيوت كلها ملكًا له، وكذلك ناقة الله، والنوق كلها ملكه وخلقه، لكن هذه إضافة إلى إلهيته تقتضي محبته لها، وتكريمه وتشريفه، بخلاف الإضافة العامة إلى ربوبيته حيث تقتضي خلقه وإيجاده، فالإضافة العامة تقتضي الإيجاد، والخاصة تقتضي الاختيار، والله عزّ وجل يخلق ما يشاء ويختار مما خلقه»[3].


[1] التوحيد (1/92).
[2] الجواب الصحيح لابن تيمية (2/155 ـ 157)، ومختصر الصواعق (2/422).
[3] الروح (154) [دار الكتب العلمية، 1395هـ].


المضاف إلى الله تعالى أنواع:
أحدهما: إضافة الصفة إلى الموصوف.
ويكون المضاف في هذا القسم صفة لا تقوم بنفسها؛ كقدرة الله، وعزة الله، وعلم الله، وهذا في النصوص كثير جدًّا.
والثاني: إضافة المخلوق إلى الخالق.
ويكون المضاف عينًا قائمة بنفسها، أو قائمة بغيرها، وهذه الإضافة إضافة مخلوق إلى خالقه، وهي على مرتبتين:
أ ـ أن تضاف إليه من جهة كونه سبحانه خلقها وأبدعها، وهذا شامل لجميع المخلوقات.
ب ـ أن تضاف إليه لما خصَّه الله بها مما يحبه ويرضاه ويأمر به، والله لا يضيف إليه شيئًا من المخلوقات إضافة تخصيص إلا لاختصاصه بأمر يوجب الإضافة، وإلا فمجرد كونه مخلوقًا مملوكًا لا يوجب أن يخص بالإضافة.
ومثال المرتبة الأولى: قوله تعالى: {إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ} [العنكبوت: 56] .
ومثال المرتبة الثانية: قوله تعالى: {نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا *} [الشمس] ، وقوله : {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ *} [الحج] .
وضابط هذا الباب : أن المضاف إذا كان معنى لا يقوم بنفسه ولا بغيره من المخلوقات وجب أن يكون صفة لله تعالى قائمًا به، وامتنع أن تكون إضافته إضافة مخلوق مربوب، وإن كان المضاف عينًا قائمة بنفسها؛ كعيسى وجبريل وأرواح بني آدم، امتنع أن تكون صفة لله تعالى؛ لأن ما قام بنفسه لا يكون صفة لغيره[1].
ج ـ وقد يضيف الله إليه بعض ما يقوم بخلقه كما في قوله: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ} [الأنفال: 17] قال ابن القيم: «فأضاف قتل المشركين يوم بدر إليه، وملائكته هم الذين باشروه، إذ هو بأمره»[2].
ومن خلال السياق والقرائن المحتفة به يتبين ما يقوم بالله ويكون صفة له سبحانه، وما يكون من صفات خلقه أضافه إليه من باب إضافة المخلوق إلى خالقه.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: «فمن تدبر ما ورد في باب أسماء الله تعالى وصفاته، وإن دلالة ذلك في بعض المواضع على ذات الله، أو بعض صفات ذاته لا يوجب أن يكون ذلك هو مدلول اللفظ، حيث ورد حتى يكون ذلك طردًا للمثبت ونقضًا للنافي؛ بل ينظر في كل آية وحديث بخصوصه وسياقه وما يبين معناه من القرآن والدلالات، فهذا أصل عظيم مهم نافع في باب فهم الكتاب والسُّنَّة والاستدلال بهما مطلقًا»[3].


[1] انظر: مجموع الفتاوى (6/144 ـ 151، 9/290 ـ 291)، درء تعارض العلل والنقل (7/265 ـ 270)، والجواب الصحيح (2/155 ـ 163)، ومختصر الصواعق المرسلة (2/422)، وبدائع الفوائد (2/183)، شرح العقيدة الطحاوية (442)، ومجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين (1/166)، والصفات الإلهية للتميمي (25).
[2] مختصر الصواعق (3/1250) [دار أضواء السلف 1425هـ].
[3] مجموع الفتاوى (6/18).


أنكر المعطلة من الجهمية والمعتزلة صفات الله عزّ وجل كلها، ولذلك جعلوا الإضافة إلى الله تعالى هنا كلها من باب إضافة المخلوق إلى الخالق، ولم يعترفوا بالنوع الآخر منها، وهو إضافة الصفة إلى الموصوف.
وأما الكُلابية وقدماء الأشاعرة وغيرهم، فإنهم لم يثبتوا الصفات الاختيارية المتعلقة بالمشيئة؛ كصفة الكلام، والغضب، والرضا ونحوها، بل إما أن يجعلوها من الصفات القديمة الواجبة، وإما أن يكون مخلوقًا منفصلاً عنه، ويمتنع أن يقوم به نعت أو حال أو فعل أو شيء ليس بقديم[1].
وقد دلَّت نصوص الكتاب والسُّنَّة على إثبات ما أثبته الله لنفسه وما أثبته له رسوله صلّى الله عليه وسلّم، وعليه إجماع سلف هذه الأمة وأئمتها.


[1] انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية (3/335، 6/144 ـ 151)، والجواب الصحيح (2/161)، شرح القصيدة النونية لهراس (1/120، 138، 139)، والقول المفيد لابن عثيمين (1/414)، والصفات الإلهية (35).


1 ـ «بدائع الفوائد»، لابن القيم.
2 ـ «التوحيد»، لابن خزيمة.
3 ـ «الجواب الصحيح»، لابن تيمية.
4 ـ «درء تعارض العقل والنقل»، لابن تيمية.
5 ـ «الروح»، لابن القيم.
6 ـ «شرح الأصفهانية»، لابن تيمية.
7 ـ «شرح القصيدة النونية» لمحمد خليل هراس.
8 ـ «الصفات الإلهية»، للتميمي.
9 ـ القول المفيد، لابن عثيمين.
10 ـ «مجموع الفتاوى»، لابن تيمية.
11 ـ «مختصر الصواعق المرسلة»، لابن القيم.