حرف الميم / المغيرة بن شعبة رضي الله عنه

           

المغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود بن معقب[1] بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن قيس الثقفي، أبو عيسى، أو أبو محمد، أو أبو عبد الله[2].


[1] في طبعة دار هجر [تحقيق التركي]: (معتّب). انظر: الإصابة في تمييز الصحابة (10/300) [دار هجر، ط1].
[2] تاريخ بغداد للخطيب البغدادي (1/549) [دار الغرب الإسلامي، ط1]، وسير أعلام النبلاء (3/21) [مؤسسة الرسالة، ط3]، والبداية والنهاية (11/220) [دار هجر، ط1] والإصابة في تمييز الصحابة (6/197) [دار الجيل، بيروت، ط1، 1412هـ].


مات المغيرة بن شعبة رضي الله عنه سنة خمسين من الهجرة، وجزم به ابن كثير وذكر أنه المشهور[1]، وعزاه ابن حجر إلى أكثر أهل العلم[2]، وحكى الخطيب البغدادي الإجماع عليه بقوله: «المغيرة مات سنة خمسين، أجمع العلماء على ذلك، ولم يختلفوا أن وفاته كانت بالكوفة»[3]. وقيل: توفي المغيرة رضي الله عنه سنة تسع وأربعين، وقيل: سنة إحدى وخمسين[4]، وقيل: سنة ثمان وخمسين[5]، عن سبعين سنة[6]، ودفن بموضع يقال له: الثوية[7].


[1] انظر: البداية والنهاية (11/220).
[2] انظر: الإصابة في تمييز الصحابة (10/301) [دار هجر].
[3] تاريخ بغداد للخطيب البغدادي (1/549).
[4] انظر: البداية والنهاية (11/220)، والإصابة في تمييز الصحابة (10/301) [دار هجر].
[5] انظر: البداية والنهاية (11/220).
[6] انظر: تاريخ بغداد للخطيب البغدادي (1/551)، والبداية والنهاية (11/220).
[7] انظر: تاريخ بغداد للخطيب البغدادي (1/551).


أسلم قبيل الحديبية[1]، وشهد المغيرة رضي الله عنه أيضًا اليمامة، وفتوح الشام، واليرموك، والقادسية. وولاّه عمر رضي الله عنه البصرة، فافتتح ميسان، وافتتح دستميسان، وأبزقباذ، وسوق الأهواز، وهمذان، وشهد فتح نهاوند[2].


[1] انظر: المعارف لابن قتيبة (295) [الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط2]، وتاريخ بغداد (1/549)، والإصابة في تمييز الصحابة (6/198).
[2] انظر: المعارف (29)، والبداية والنهاية (11/221)، والإصابة في تمييز الصحابة (6/198) [دار الجيل].


ـ أنه ممن شهد بيعة الرضوان التي وقعت في الحديبية[1]، وقد جاء في فضل أهلها قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يدخل النار إن شاء الله من أصحاب الشجرة أحد، الذين بايعوا تحتها»[2].
قال ابن كثير: «وشهد الحديبية، وكان واقفًا يوم الصلح على رأس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالسيف صلتًا»[3]، ويدل على ذلك ما جاء في حديث صلح الحديبية الطويل من رواية المسور بن مخرمة ومروان، وفيه: «فقام عروة بن مسعود... فكلما تكلم أخذ بلحيته، والمغيرة بن شعبة قائم على رأس النبي صلّى الله عليه وسلّم ومعه السيف وعليه المغفر، فكلما أهوى عروة بيده إلى لحية النبي صلّى الله عليه وسلّم ضرب يده بنعل السيف وقال له: أخّر يدك عن لحية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فرفع عروة رأسه فقال: من هذا؟ قالوا: المغيرة بن شعبة، فقال: أي غُدَر ألست أسعى في غدرتك؟ وكان المغيرة صحب قومًا في الجاهلية فقتلهم وأخذ أموالهم ثم جاء فأسلم، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أما الإسلام فأقبل، وأما المال فلست منه في شيء»» [4]. قال ابن هشام: «أراد عروة بقوله هذا: أن المغيرة بن شعبة قبل إسلامه قتل ثلاثة عشر رجلاً من بني مالك، من ثقيف، فتهايج الحيَّان من ثقيف: بنو مالك رهط المقتولين، والأحلاف رهط المغيرة، فودى عروة المقتولين ثلاث عشرة دية، وأصلح ذلك الأمر»[5].
وقال ابن كثير: «أسلم عام الخندق بعد ما قتل ثلاثة عشر رجلاً من ثقيف مرجعهم من عند المقوقس، وأخذ أموالهم، فغرم دياتهم عروة بن مسعود»[6].


[1] انظر: المعارف (295)، وتاريخ بغداد (1/549)، والإصابة في تمييز الصحابة (6/198).
[2] أخرجه مسلم (كتاب فضائل الصحابة، رقم 2496).
[3] البداية والنهاية (11/220) [دار هجر].
[4] أخرجه البخاري (كتاب الشروط، رقم 2731).
[5] سيرة ابن هشام (2/313، 314) [مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، ط2، 1375هـ].
[6] البداية والنهاية (11/220).


كان المغيرة من كبار الصحابة رضي الله عنهم، أولي الشجاعة والسياسة والحنكة والدهاء والمهابة[1]، وله منزلة كبيرة، يدل عليها إسناد النبي صلّى الله عليه وسلّم إليه بعض المهام، وكذا من بعده الخلفاء الراشدون، فمن ذلك: إرسال النبي صلّى الله عليه وسلّم إياه مع أبي سفيان بن حرب إلى الطائف لهدم اللات[2]، وبعثه أبو بكر الصديق إلى البحرين، وولاَّه أمير المؤمنين عمر الفاروق فتوحًا كثيرة، وجعله سعد بن أبي وقاص رسوله إلى رستم.
قال ابن كثير: «كان المغيرة من دهاة العرب، وذوي آرائها... وبعثه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعد إسلام أهل الطائف هو وأبو سفيان بن حرب، فهدما اللات، وقد قدمنا كيفية ذلك، وبعثه الصديق إلى البحرين، وشهد اليمامة واليرموك، فأصيبت عينه يومئذ، وقيل: بل نظر إلى الشمس وهي كاسفة، فذهب ضوء عينه. وشهد القادسية، وولاّه عمر فتوحًا كثيرة، منها همذان وميسان، وهو الذي كان رسول سعد إلى رستم، فكلمه بذلك الكلام البليغ، فاستنابه عمر على البصرة... وولاه الكوفة، واستمر به عثمان حينًا، ثم عزله، فبقي معزولاً حتى كان أمر الحكمين، فلحق بمعاوية، فلما قتل علي وصالح الحسن معاوية ودخل الكوفة، ولاّه معاوية عليها، فلم يزل أميرها حتى مات»[3].
ومما يدل على فطنة المغيرة وذكائه ما ساقه الحافظ ابن عساكر بسنده عن زيد بن أسلم عن أبيه: «أن عمر بن الخطاب استعمل المغيرة بن شعبة على البحرين، فكرهوه وأبغضوه، قال: فعزله عنهم، قال: فخافوا أن يرده عليهم، قال: فقال دهقانهم: إن فعلتم ما آمركم به لم يرد علينا، قالوا: مرنا بأمرك، قال: تجمعوا مائة ألف، حتى أذهب بها إلى عمر، فأقول: إن المغيرة اختان هذا ودفعه إلي، قال: فدعا عمر المغيرة، فقال: ما يقول هذا؟ قال: كذب ـ أصلحك الله ـ إنما كانت مائتي ألف، قال: فما حملك على ذلك؟ قال: العيال والحاجة، قال: فقال عمر للعلج: ما تقول؟ قال: لا والله لأصدقنك ـ أصلحك الله ـ والله ما دفع إلي قليلاً ولا كثيرًا، قال: فقال عمر للمغيرة: ما أردت إلى هذا؟ قال: الخبيث كذب علي، فأحببت أن أخزيه»[4].


[1] انظر: سير أعلام النبلاء (3/21).
[2] أخرجه ابن سعد في الطبقات (1/313) [دار صادر، ط1]، الطبري في التاريخ (3/100) [دار التراث، ط2]، والبيهقي في الدلائل (5/303) [دار الكتب العلمية، ط1]، من عدة طرق، وكلها مرسلة أو معضلة.
[3] انظر: البداية والنهاية (11/220، 221).
[4] تاريخ دمشق لابن عساكر (60/31) [دار الفكر].


الرافضة : وجَّه الروافض إلى المغيرة بن شعبة رضي الله عنه جملة من الطعون[1]، فذكروا أنه هامان الأمة، وأنه من المنافقين ومن رؤوس الضلال[2].


[1] انظر: موقف الشيعة الاثني عشرية من الصحابة لعبد القادر عطا صوفي (1404 ـ 1407).
[2] انظر: الإيضاح للفضل بن شاذان (66) [مؤسسة انتشارات]، والحدائق الناضرة للبحراني (4/144) [مؤسسة النشر الإسلامي].


لا شكَّ أن اتهامات الروافض للمغيرة رضي الله عنه بتلك الطامات العظمى خالية تمامًا عن الدليل والبرهان، فهم عندما أطلقوا هذه التهم لم يذكروا مستندًا، لا صحيحًا ولا واهيًا، وإنما عمدتهم الكذب والافتراء النابعين عن الحقد والكراهية لهذا الصحابي الجليل رضي الله عنه، وما كان كذلك فهو في غاية الفساد والبطلان؛ بل إن هذا الصنيع الشائن يناقض صريح الكتاب الكريم والسُّنَّة النبوية الشريفة، لما هو معلوم من أن المغيرة بن شعبة هو ممن شهد بيعة الرضوان، وقد أخبر الله في كتابه بأنه رضي عن أهل بيعة الرضوان كما قال سبحانه: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا *} [الفتح] . وثبت من حديث أم مبشر؛ أنها سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول عند حفصة: «لا يدخل النار إن شاء الله من أصحاب الشجرة أحد الذين بايعوا تحتها»[1].
فالطعن في هذا الصحابي رضي الله عنه بتلك الطامات الكبرى تكذيب صريح لله عزّ وجل ورسوله صلّى الله عليه وسلّم فيما أخبرا به في هذين النصين وما في معناهما، وهو كفر لا يشوبه إيمان، وأمارة ظاهرة على الخذلان والعياذ بالله.


[1] تقدم تخريجه.


1 ـ «الإصابة في تمييز الصحابة» (ج6)، لابن حجر.
2 ـ «البداية والنهاية»» (ج11)، لابن كثير.
3 ـ «تاريخ بغداد» (ج1)، للخطيب البغدادي.
4 ـ «تاريخ دمشق» (ج60)، لابن عساكر.
5 ـ «تفسير محمد بن مسعود العياشي» (ج2).
6 ـ «سير أعلام النبلاء» (ج3)، للذهبي.
7 ـ «سيرة ابن هشام» (ج2).
8 ـ «فتح الباري» (ج5)، لابن حجر.
9 ـ «المعارف»، لابن قتيبة.
10 ـ «موقف الشيعة الاثني عشرية من الصحابة»، لعبد القادر عطا صوفي.