قال ابن فارس: «الميم والقاف والتاء كلمة واحدة تدل على شناءة وقبح، ومقته مقتًا فهو مقيت وممقوت»[1]. وقال الجوهري: «مَقَتَه مقتًا، أبغضَه»[2]. وقال ابن الأثير: «المقت في الأصل: أشد البغض»[3]. فالمقت: هو البغض الشديد من أجل أمر قبيح.
[1] مقاييس اللغة (2/518) [دار الكتب العلمية، ط 1420هـ].
[2] الصحاح (1/266) [دار العلم للملايين، ط4].
[3] النهاية في غريب الحديث والأثر (4/346) [المكتبة العلمية، بيروت].
المَقت : صفة من الصفات الفعلية الخبرية الاختيارية ثابتة لله كما يليق بجلاله وعظمته، وقد جاء بيان ذلك وإثباته في كتاب الله تعالى وسُنَّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم[1].
[1] انظر: صفات الله عزّ وجل للسقاف (321) [دار الهجرة، ط3، 1426هـ]، وصفات الله عزّ وجل للمسند (116 ـ 120) [دار المدني، جدة، ط2، 1412هـ]، ومعجم ألفاظ العقيدة (399، 400) [مكتبة العبيكان، ط2، 1420هـ].
قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ} [غافر: 10] ، وقال تعالى: {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ *} [الصف] .
عن عياض بن حمار المجاشعي؛ أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال ذات يوم فى خطبته: «ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا، كل مال نحلته عبدًا حلال، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرّمَت عليهم ما أحللتُ لهم، وأمرَتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانًا، وإن الله نظر إلى أهل الأرض؛ فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب» الحديث[1].
[1] أخرجه مسلم (كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، رقم 2865).
قال ابن تيمية: «إنّ الله لا يُحبّ الشرك، ولا تكذيب الرسل، ولا يرضى ذلك، بل هو يُبغض ذلك ويمقته ويكرهه؛ كما ذكر الله في سورة بني إسرائيل ما ذكره من المحرّمات، ثمّ قال: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا *} [الإسراء] »[1].
وقال أيضًا: «وكذلك وصف نفسه بأنه يمقت الكفار، ووصفهم بالمَقْت، فقال: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ *} [غافر] ، وليس المَقْت مثل المَقْت»[2].
وقال ابن القيم: «إن ما وصف الله سبحانه به نفسه من المحبة، والرضا، والفرح، والغضب، والبغض، والسخط من أعظم صفات الكمال؛ إذ في العقول أنا إذا فرضنا ذاتين:
إحداهما: لا تحب شيئًا، ولا تبغضه، ولا ترضاه، ولا تفرح به، ولا تبغض شيئًا، ولا تغضب منه، ولا تكرهه، ولا تمقته.
والذات الأخرى: تحب كل جميل من الأقوال والأفعال والأخلاق والشيم، وتفرح به، وترضى به، وتبغض كل قبيح يسمى، وتكرهه، وتمقته، وتمقت أهله، وتصبر على الأذى، ولا تجزع منه، ولا تتضرر به، كانت هذه الذات أكمل من تلك الموصوفة بصفات العدم والموات والجهل الفاقدة للحس؛ فإن هذه الصفات لا تسلب إلا عن الموات أو عمن فقد حسه أو بلغ في النهاية والضعف والعجز والجهل إلى الغاية التي لم تدع له حبًّا ولا بغضًا ولا غضبًا»[3].
وقال الشيخ محمد خليل هرَّاس عن هذه الآية وغيرها: «تضمنت هذه الآيات إثبات بعض صفات الفعل لله من الرضا، والغضب، واللعن، والكره، والسخط، والمقت والأسف، وهي عند أهل الحق صفات حقيقية لله عزّ وجل على ما يليق به، ولا تشبه ما يتصف به المخلوق من ذلك، ولا يلزم منها ما يلزم في المخلوق»[4].
وقال الشيخ عبد العزيز السلمان: «تضمنت هذه الآيات الكريمات إثبات بعض الصفات الفعلية من الرضا والغضب واللعن والكره والسخط والأسف والمقت، وهذه الصفات يثبتها أهل السُّنَّة والجماعة حقيقة على ما يليق بجلاله وعظمته يفعلها متى شاء»[5].
وقال الشيخ عبد الرزاق عفيفي: «وعقوبته للعصاة والظلمة وأعداء رسله بأنواع العقوبات المشهودة تدلُّ على صفة الغضب والسخط، والإبعاد والطرد والإقصاء يدل على المقت والبغض»[6].
[1] كتاب النبوات (1/288) [أضواء السلف، ط1].
[2] مجموع الفتاوى (3/13) [مجمع الملك فهد لطباعة المصحف، 1416هـ].
[3] الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة (4/1451) [دار العاصمة الرياض، ط3، 1418هـ].
[4] شرح العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية (72 ـ 74) [الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، ط13، 1420هـ].
[5] مختصر الأسئلة والأجوبة الأصولية على العقيدة الواسطية (53) [مطابع المدينة، ط13، 1421هـ].
[6] فتاوى ورسائل عبد الرزاق عفيفي (2/54) [دار الفضيلة، الرياض، ط1، 1418هـ].
المقت صفة من صفات الله الفعلية، وقد اتفق أهل السُّنَّة والجماعة على إثباتها لله عزّ وجل، وخالف في ذلك غلاة المعطلة الذين ينكرون جميع الأسماء والصفات، وهم الفلاسفة والجهمية وغلاة الصوفية، ووافقهم على ذلك المعتزلة الذين ينفون عن الله عزّ وجل قيام الصفات بذاته سبحانه، والكلابية يثبتون هذه الصفة ونحوها من الصفات الفعلية ولكنهم جعلوها صفة ذاتية واحدة أزلية، وبذلك خالفوا مذهب السلف، والأشاعرة والماتريدية لا يثبتون هذه الصفة، ويؤولونها بالإرادة أو يفوضونها[1]، ولكن من تأويلهم لها بالإرادة يلزمهم مثل ما يلزمهم من إثبات صفة المقت، فإن المخلوق أيضًا عنده إرادة، فالمعنى الذي صرفوا إليه ألفاظ النصوص مثل المعنى الذي صرفوا عنه، فإن جاز هذا جاز ذلك، وإن امتنع هذا امتنع ذاك، ونصوص الكتاب والسُّنَّة ترد على من أوَّل هذه الصفة بغيرها أو نفاها عن الله جلّ جلاله، والحق الذي لا ريب فيه أنه يجب إثبات هذه الصفة لله كما يليق بجلال الله وعظمته، لدلالة الكتاب والسُّنَّة على ذلك، والله الموفق والهادي إلى سواء الصراط.
[1] انظر: الأسماء والصفات للبيهقي (2/469، 470) [مكتبة السوادي، ط1، 1413هـ]، وشرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز (684 ـ 689) [مؤسسة الرسالة، بيروت، ط2، 1413هـ]، ومن كتب المعتزلة: شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار (182، 183) [مكتبة وهبة، ط2، 1408هـ].
1 ـ «الأسماء والصفات» (ج2)، للبيهقي.
2 ـ «شرح العقيدة الطحاوية»، لابن أبي العز الحنفي.
3 ـ «شرح العقيدة الواسطية»، لمحمد خليل هراس.
4 ـ «صفات الله عزّ وجل الواردة في الكتاب والسُّنَّة»، لعلوي بن عبد القادر السقاف.
5 ـ «الصواعق المرسلة» (ج4)، لابن القيم.
6 ـ «صفات الله عزّ وجل»، لصالح علي المسند.
7 ـ «مجموع الفتاوى» (ج3)، لابن تيمية.
8 ـ «مختصر الأسئلة والأجوبة الأصولية على العقيدة الواسطية»، لعبد العزيز المحمد السلمان.
9 ـ «معجم ألفاظ العقيدة»، لعالم عبد الله فالح.
10 ـ «النبوات» (ج1)، لابن تيمية.