قال ابن فارس رحمه الله: «القاف واللام والباء أصلان صحيحان؛ أحدهما: يدل على خالص شيء وشريفه، والآخر: على ردِّ شيء من جهة إلى جهة»[1].
مقلّب : اسم فاعل من التقليب مأخوذ من أصله الثلاثي قَلَبَ، والقلوب: جمع قَلْب وهو أيضًا مأخوذ من الأصل الثلاثي قَلَبَ، والقاف واللام والباء أصلان صحيحان يدل أحدهما على خالص شيء وشريفه، وإليه يرجع معنى القلب والقلوب، ويدل على رد شيء من جهة إلى جهة وإليه يرجع معنى مقلّب. وقيل: سُمي القلب قلبًا؛ لكثرة تقلبه، فيرجع إلى الأصل الثاني، وتقليب الأمور: تصريفها وتدبيرها والنظر فيها، ومنه القليب: البئر قبل أن تطوى، والقلوب والقُلَّب: المتقلِّب وكثير التقلّب[2].
[1] مقاييس اللغة (5/17) [دار الجيل، ط 1420هـ].
[2] انظر: تهذيب اللغة (9/172 ـ 176) [الدار المصرية، ط1، 1387هـ]، والصحاح (1/204 ـ 206) [دار العلم للملايين، ط4، 1990م]، ومفردات ألفاظ القرآن (681، 682) [دار القلم، ط2، 1418]، والقاموس المحيط (162، 163) [مؤسسة الرسالة، ط5]، والمعجم الوسيط (2/753) [دار الدعوة، ط2، 1972م].
مقلب القلوب : مصرفها ومغيرها من حال إلى حال، من الطاعة إلى المعصية، ومن الإيمان إلى الكفر، والعكس، وفق إرادته سبحانه وتعالى ومشيئته، وقلوب العباد كلها بين إصبعين من أصابعه، كقلب واحد، يصرفها حيث يشاء، بقدرته سبحانه وتعالى، ولا يتوهم في ذلك تمثيل ولا تشبيه، الذي يؤدي إلى التعطيل، فهو القادر على كل شيء، وصفاته كلها صفات كمال، تليق بجلاله وعظمة سلطانه.
قال الله تعالى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ} [الأنعام: 110] .
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: أكثر ما كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يحلف: «لا ومقلب القلوب»[1].
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يكثر أن يقول: «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك»[2].
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما؛ أنه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء» ، ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللَّهُمَّ مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك»[3].
[1] أخرجه البخاري (كتاب التوحيد، رقم 7391).
[2] أخرجه الترمذي (أبواب القدر، رقم 2140) وحسَّنه، وأحمد (19/160) [مؤسسة الرسالة، ط1، 1416هـ]، والحاكم (كتاب الدعاء، رقم 1927)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (رقم 7987).
[3] أخرجه مسلم (كتاب القدر، رقم 2654).
قال ابن منده رحمه الله ـ ضمن أسماء الله عزّ وجل المضافة إلى صفاته وأفعاله ـ: «ذو القوة المتين، ذو العرش المجيد مقلب القلوب»[1].
وقال ابن تيمية: «ومن أسمائه التي ليست في هذه التسعة والتسعين اسمًا: السبُّوح، وكذلك أسماؤه المضافة مثل: أرحم الراحمين، وخير الغافرين، ورب العالمين، ومالك يوم الدين، وأحسن الخالقين، وجامع الناس ليوم لا ريب فيه، ومقلب القلوب، وغير ذلك مما ثبت في الكتاب والسُّنَّة»[2].
[1] انظر: التوحيد (2/203) [مكتبة الغرباء الأثرية، ط2، 1414هـ].
[2] مجموع الفتاوى (22/484).
من آثار الإيمان بهذا الاسم هو المبادرة إلى الطاعات، واجتناب المعاصي والمحرمات، والخوف من العاقبة، وسوء الخاتمة، واللجوء إلى الله في كل وقت وحين، وسؤاله الثبات على الدين إلى الممات، وبخاصة عند ظهور الفتن وكثرتها وغلبتها.
وكذلك البعد عن تزكية النفس، ومجاهدتها في ترك الغرور، والاعتداد بالأعمال وحدها؛ بل على المرء أن يحرص على أن يكون ممن قال الله فيهم: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ *أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ *} [المؤمنون] .
1 ـ «أحكام القرآن»، لأبي بكر ابن العربي.
2 ـ «الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى»، للقرطبي.
3 ـ «أسماء الله الثابتة في الكتابة والسُّنَّة»، للرضواني.
4 ـ «كتاب التوحيد» (ج2)، لابن منده.
5 ـ «تفسير السعدي».
6 ـ «شرح رياض الصالحين»، لابن عثيمين.
7 ـ «مجموع الفتاوى» (ج22)، لابن تيمية.
8 ـ «معتقد أهل السُّنَّة والجماعة في أسماء الله الحسنى»، للتميمي.