حرف الميم / ملَك الموت

           

الملَك بفتح اللام: مفرد ملائك وملائكة، أصله مألك بتقديم الهمزة من الألوك وهي الرسالة، ثم قلبت وقدمت اللام فقيل: ملأك ثم تركت همزته لكثرة الاستعمال، فقيل: ملك، فلما جمعوه ردوها إليه فقالوا: ملائكة وملائك[1].
والموت : ضد الحياة، وهو مفارقة الروح للبدن[2].


[1] ينظر: لسان العرب (10/481) [دار صادر]، والقاموس المحيط (1229) [مؤسسة الرسالة، ط2].
[2] ينظر: لسان العرب (2/89)، والقاموس المحيط (206).


ملك عظيم من الملائكة موكل بقبض أرواح العباد[1].


[1] ينظر: معتقد فرق المسلمين واليهود والنصارى والفلاسفة والوثنيين في الملائكة المقربين (187) [أضواء السلف، ط1، 1422هـ].


سمي بهذا الاسم لقيامه بقبض أرواح العباد بأمر الله تعالى.



عزرائيل.



يجب الإيمان بملك الموت على ما وردت به النصوص، والإيمان به يدخل في عموم وجوب الإيمان بالملائكة.



الإيمان بملك الموت يدخل في الإيمان بالملائكة عليهم السلام، والإيمان بالملائكة هو الركن الثاني من أركان الإيمان الستة، وأصل من أصوله العظيمة.



قال الله تعالى: {قُلْ يَتَوفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ *} [السجدة] .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فذكر أحاديث منها: وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «جاء ملك الموت إلى موسى عليه السلام، فقال له: أجب ربك» [1]، الحديث. وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فلما قضي عمر آدم، جاءه ملك الموت فقال: أولم يبق من عمري أربعون سنة؟ قال: أولم تعطها ابنك داود؟» الحديث[2].
وفي حديث البراء بن عازب رضي الله عنه مرفوعًا إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ثم يجيء ملك الموت عليه السلام حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الطيبة! اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان»[3].


[1] أخرجه البخاري (كتاب الجنائز، رقم 1339)، ومسلم (كتاب الفضائل، رقم 2372)، واللفظ له.
[2] أخرجه الترمذي (أبواب تفسير القرآن، رقم 3076)، وقال: حسن صحيح، والحاكم في المستدرك (كتاب التفسير، رقم3257) وصححه، وصححه الألباني في صحيح الجامع (رقم 5208).
[3] أخرجه أبو داود (كتاب السُّنَّة، رقم 4753)، والنسائي (كتاب الجنائز، رقم 2001) مختصرًا، وابن ماجه (كتاب الجنائز، رقم 1549) مختصرًا، وأحمد (30/499) [مؤسسة الرسالة، ط2، 1428هـ] واللفظ له، والحاكم (كتاب الإيمان، رقم 107) وصححه، وصححه ابن القيم في إعلام الموقعين (1/137) [دار الكتب العلمية، ط1]، والألباني في أحكام الجنائز (159) [المكتب الإسلامي، ط4].


المسألة الأولى: عزرائيل:
ورد في بعض الآثار أن اسم ملك الموت: عزرائيل؛ ولكنها لا تثبت، قال ابن كثير رحمه الله: «وأما ملك الموت فليس بمصرَّحٍ باسمه في القرآن، ولا في الأحاديث الصحاح»[1].
المسألة الثانية: أعوان ملك الموت:
دلَّت نصوص القرآن والسُّنَّة على أن لملك الموت أعوانًا؛ فمنها:
قول الله عزّ وجل: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ *} [الأنعام] ، وقوله جلّ جلاله: {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلاَئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ *} [الأنفال] ، وقوله تعالى: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلاَمٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ *} [النحل] ، وقوله: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلاَئِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمْ} [الأنعام: 93] ، وقوله: {فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ *} [محمد] ، وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا *} [النساء] .
كما أن ظاهر النصوص يدل على أن أعوان ملك الموت قسمان: ملائكة الرحمة الذين يتلقفون روح المؤمن من ملك الموت، وملائكة العذاب الذين يتلقفون روح الكافر.
ويدل عليه حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن المؤمن إذا قُبض أتته ملائكة الرحمة بحريرة بيضاء، فيقولون: اخرجي إلى رَوح الله» الحديث، وفيه: «وأما الكافر فيأتيه ملائكة العذاب بمسح فيقولون: اخرجي إلى غضب الله» [2]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «إذا خرجت روح العبد المؤمن، تلقاها ملكان يصعدانها»[3].
وقال ابن عباس وغير واحد من السلف: «لملك الموت أعوان من الملائكة، يخرجون الروح من الجسد، فيقبضها ملك الموت إذا انتهت إلى الحلقوم»[4].
وقد أسند الله قبض الأنفس إليه سبحانه في قوله: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} [الزمر: 42] ، وأسنده تعالى إلى الملائكة في قوله: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا} [الأنعام: 61] ، وفي قوله: {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلاَئِكَةُ} [الأنفال: 50] ، وأسنده إلى ملك الموت في قوله: {قُلْ يَتَوفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} [السجدة: 11] ، ولا تعارض بين الآيات، فالله هو الذي قضى بالموت وقدره وأمر به، فأضيف إليه التوفي لأجل ذلك، وملك الموت يتولى قبضها واستخراجها من البدن، ثم تأخذها منه ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب، ويتولونها بعده[5].
المسألة الثالثة:وجود ملائكة ـ غير ملك الموت ـ تقبض أرواح بني آدم:
ذهب بعض الصحابة والتابعين، وبعض أهل العلم إلى أن هناك ملائكة آخرون يقبضون أرواح بني آدم مع ملك الموت، وملك الموت هو الذي يرسلهم، ويستدلون بقول الله تعالى: {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا *وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا *} [النازعات] . قال ابن كثير: «قال ابن مسعود وابن عباس، ومسروق، وسعيد بن جبير، وأبو صالح، وأبو الضحى، والسُّدِّي: {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا *}: الملائكة، يعنون حين تنزع أرواح بني آدم، فمنهم من تأخذ روحه بعُنف فَتُغرق في نزعها، ومنهم من تأخذ روحه بسهولة وكأنما حَلَّته من نشاط، وهو قوله: {وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا *}، قاله ابن عباس»[6]. قال القرطبي: «تارة يضاف إلى ملك الموت لمباشرته ذلك، وتارة إلى أعوانه من الملائكة؛ لأنهم قد يتولون ذلك أيضًا»[7]. وقال: «فخلق الله ملك الموت وخلق جندًا يكونون معه يعملون عمله بأمره»[8]. وقال ابن القيم: «وأكثر المفسرين على أنها الملائكة التي تنزع أرواح بني آدم من أجسامهم، وهم جماعةٌ، كقوله: {تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا} [الأنعام] ، وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ} [النساء: 97] »[9].
المسألة الرابعة: هل ملك الموت يقبض أرواح جميع الأحياء؟
ذهبت طائفة من أهل العلم منهم القرطبي، وابن حجر الهيتمي، والآلوسي وغيرهم إلى أن قول الله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ} [الزمر: 42] ، عام في كل ذي روح، فملك الموت يقبض أرواح الأحياء كلهم، من بني آدم وغيرهم[10]. قال الآلوسي: «والذي ذهب إليه الجمهور أن ملك الموت لمن يعقل وما لا يعقل من الحيوان واحد»[11].


[1] البداية والنهاية (1/106) [دار هجر، ط1].
[2] أخرجه النسائي (كتاب الجنائز، رقم 1833)، وابن حبان (كتاب الجنائز، رقم 3014)، والحاكم (كتاب الجنائز، رقم 1302) وصححه، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (رقم 1309).
[3] أخرجه مسلم (كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، رقم 2872).
[4] أخرج أثر ابن عباس رضي الله عنهما: الطبري في التفسير (11/410) [مؤسسة الرسالة، ط1]. وقد ذكر ابن كثير أن الأحاديث تشهد بصحة ما نقل عنه. تفسير ابن كثير (3/267) [دار طيبة، الإصدار الثاني، ط4، 1428هـ].
[5] ينظر: التذكرة للقرطبي (1/248) [دار المنهاج، ط1، 1425هـ]، والإرشاد إلى صحيح الاعتقاد (294) [دار ابن خزيمة، ط2، 1417هـ].
[6] تفسير ابن كثير (8/312).
[7] التذكرة للقرطبي (1/248)، والإرشاد إلى صحيح الاعتقاد (294).
[8] التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة (1/261).
[9] التبيان في أيمان القرآن (207) [عالم الفوائد، ط1، 1429هـ].
[10] ينظر: التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة (1/257)، والفتاوى الحديثية (6) [البابي الحلبي، ط2].
[11] روح المعاني (21/165) [دار الحديث، 1426هـ].


1 ـ «الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد»، للفوزان.
2 ـ «أصول الإيمان في ضوء الكتاب والسُّنَّة»، لنخبة من العلماء.
3 ـ «أصول السُّنَّة»، لابن أبي زمنين.
4 ـ «البحور الزاخرة في علوم الآخرة» (ج1)، للسفاريني.
5 ـ «البداية والنهاية» (ج1)، لابن كثير.
6 ـ «التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة» (ج1)، للقرطبي.
7 ـ «تفسير القرآن العظيم» (ج3، ج8)، لابن كثير.
8 ـ «الحبائك في أخبار الملائك»، للسيوطي.
9 ـ «الرسالة الوافية»، لأبي عمرو الداني.
10 ـ «معارج القبول» (ج2)، للحكمي.