حرف الألف / الإلحاد

           

قال ابن فارس رحمه الله: «اللام والحاء والدال أصلٌ يدل على مَيل عن استقامة، يقال: ألْحَد الرجل، إذا مَال عن طريقة الحق والإيمان»[1]، ويقول الجوهري: «ألْحَد في دينِ الله؛ أي: حَادَ عنه وعَدَل، ولَحِد لغةٌ فيه... والْتَحَد مثله. وألْحَد الرجل؛ أي: ظَلم في الحرم، وأصله من قوله عزّ وجل: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ} [الحج: 25] »[2]. واللَّحد الشق الذي يكون في جانب القبر مَوضِع الميت؛ لأنه قد أُميل عن وسطه إلى جانبه[3]. وعلى هذا فلفظ الإلحاد في اللغة؛ يعني: الميل، والظلم، والعدول عن الاستقامة أو الدين أو الحق.


[1] مقاييس اللغة (5/236) [دار الجيل، ط1].
[2] الصحـاح (2/534) [دار العلم للملايين، ط3]، وانظر: العين (3/182 ـ 183) [دار مكتبة الهلال]، ولسان العـرب (3/388 ـ 389) [دار صادر].
[3] لسان العرب (3/388 ـ 389).


لفظ الإلحاد يقتضى ميلاً عن شيء إلى شيء بباطل[1]، فهو «الميل عما يجب اعتقاده، أو عمله»[2]، ويقول الطبري معرفًا الإلحاد: «الإلحاد في الدين وهو المعاندة بالعدول عنه والترك له»[3]. والإلحاد المصطلح عليه في هذا العصر هو إنكار وجود الله، والقول بأن الكون وجد بلا خالق، وأن المادة أزلية أبدية، واعتبار تغيرات الكون قد تمت بالمصادفة، أو بمقتضى طبيعة المادة وقوانينها، واعتبار ظاهرة الحياة، وما تستتبع من شعور وفكر عند الإنسان، من أثر التطور الذاتي في المادة[4].
أما الإلحاد في أسماء الله عزّ وجل فيقول الإمام ابن القيم في تعريفه: «والإلحاد في أسمائه هو العدول بها وبحقائقها ومعانيها عن الحق الثابت لها»[5]، وقال أيضًا في بيان معنى هذا اللفظ: «الإلحاد في أسماء الله تارة يكون بجحد معانيها وحقائقها، وتارة يكون بإنكار المسمى بها، وتارة يكون بالتشريك بينه وبين غيره فيها»[6].


[1] انظر: مجموع الفتاوى (12/124) [مكتبة النهضة الحديثة، 1404هـ].
[2] فتاوى الشيخ ابن عثيمين (4/23).
[3] تفسير الطبري (15/233) [دار الفكر، 1408هـ].
[4] كواشف زيوف في المذاهب الفكرية المعاصرة لعبد الرحمن الميداني (409) [دار القلم]، وانظر: مذاهب فكرية معاصرة لمحمد قطب (605) [دار الشروق].
[5] بدائع الفوائد (1/169) [مكتبة الرياض الحديثة].
[6] الصواعق المرسلة (1/217) [دار العاصمة، ط1].


الإلحاد في اللغة؛ يعني: الميل، والعدول عن الحق، ومعناه الشرعي كذلك؛ يعني: الميل عن الدين، وتركه، أو عن بعضه.



الزندقة.



الإلحاد كفر وجحود للرب.



من الأدلة التي تنهى عن الإلحاد:
قوله عزّ وجل: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ *} [الأعراف] .
وقوله عزّ وجل: {إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لاَ يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ *} [فصلت] .



الإلحاد قسمان:
الأول: إلحاد كلي، وهو إنكار وجود الله عزّ وجل، وهو كفر ظاهر.
والثاني: إلحاد جزئي، وهو الإلحاد في أسمائه عزّ وجل، وصفاته. وهو خمسه أقسام[1]:
أحدها: أن تسمى الأصنام بها؛ كتسميتهم اللات من الإلهية، والعزى من العزيز، وتسميتهم الصنم إلهًا، وهذا إلحاد حقيقة، فإنهم عدلوا بأسمائه إلى أوثانهم، وآلهتهم الباطلة.
الثاني: تسميته بما لا يليق بجلاله؛ كتسمية الفلاسفة له موجبًا بذاته، أو علة فاعلة بالطبع، ونحو ذلك، مما حقيقته الكفر[2].
وثالثها: وصفه بما يتعالى عنه ويتقدس من النقائص؛ كقول أخبث اليهود: إنه فقير، وقولهم: إنه استراح بعد أن خلق خلقه، وهذا كفر[3].
ورابعها: تعطيل الأسماء عن معانيها وجحد حقائقها؛ كقول من يقول من الجهمية وأتباعهم: إنها ألفاظ مجردة لا تتضمن صفات ولا معاني. وهذا كفر بالله عزّ وجل[4].
وخامسها: تشبيه صفاته بصفات خلقه ـ تعالى الله عما يقول المشبهون علوًّا كبيرًا ـ وهذا كفر[5].


[1] انظر: بدائع الفوائد (1/169 ـ 170)، ومدارج السالكين (1/29 ـ 30) [دار الكتاب العربي]، والمفردات للأصفهاني (737).
[2] انظر: الصفدية (1/8 ـ 9، 2/251 ـ 252) [مكتبة ابن تيمية، ط2]، وبغية المرتاد (357) [مكتبة العلوم والحكم، ط1]، ومنهاج السُّنَّة (1/342) [مؤسسة قرطبة، ط1].
[3] انظر: التدمرية (132 ـ 133) [مكتبة العبيكان، ط6].
[4] انظر في حكمهم: شرح الطحاوية (1/85) [مؤسسة الرسالة، ط1، 1408هـ]، الإنصاف (10/284) [دار الكتب العلمية، ط1، 1418هـ]، الفروع (10/186) [مؤسسة الرسالة، ط1، 1424هـ].
[5] انظر: شرح الطحاوية (1/85).


لم يكن الإلحاد في التاريخ الإنساني ظاهرة بارزة، ذات تجمع بشري، أو مذهبًا مدعمًا بمنظمات ودول، وإنما كان ظاهرة فردية شاذة، وربما اجتمع عليه فئات قليلة، وانتشر الإلحاد منذ القرن التاسع عشر، حيث صيغت العلوم الإنسانية، وجذور العلوم البحتة، على أسس الإلحاد بالله، والتفسيرات المادية[1]، وانتشر انتشارًا لا سابق له في الجاهليات القديمة. إلا أنه في أواخر القرن العشرين وأوائل الحادي والعشرين، وجد شيء من التدين في الأوساط الغربية الملحدة، وشهد العالم سقوط الشيوعية، ثم بدأنا نشاهد عودة ما يسمى باليمين المسيحي المتطرف، كل ذلك بعد أن ذاقوا ويلات البعد عن الدين، والعيش في ظلمة الإلحاد. ومع وجود هذه الظواهر الجزئية فقد ظل الإلحاد متغلغلاً في تلك الأوساط، مرتديًا عباءة العلم، والحضارة. وأئمة الإلحاد من الفلاسفة كثيرون، منذ عهد الإغريق، حتى عصرنا الحاضر، وهم الذين كانت لهم آراء ظاهرة، حاولوا فيها تفسير الوجود، والكون، وظاهراته، والتغيرات التي تجري فيه، تفسيرات تستبعد استبعادًا كليًّا فكرة وجود خالق، ومن هؤلاء:
1 ـ ديموقريطس، وهو فيلسوف إغريقي (470 ـ 361 ق.م).
2 ـ أبيقور، وهو فيلسوف إغريقي (341 ـ 270 ق.م).
3 ـ توماس هوبز، فيلسوف إنجليزي، وهو أول الماديين المحدثين (1588 ـ 1679م).
4 ـ دافيد هيوم، فيلسوف اسكتلندي (1711 ـ 1776م).
5 ـ شوبنهور، فيلسوف ألماني (1788 ـ 1860م)
6 ـ كارل ماركس، يهودي ألماني مؤسس الشيوعية (1818 ـ 1883م).
7 ـ بخنر، فيلسوف ألماني (1824 ـ 1899م).
8 ـ نيتشه، فيلسوف ألماني (1844 ـ 1900م).
9 ـ سبنسر، فيلسوف إنجليزي (1820 ـ 1903م).
10 ـ برتراند رسل، فيلسوف إنجليزي (1873 ـ 1970م)[2].


[1] انظر: كواشف زيوف (411).
[2] انظر: كواشف زيوف (419 ـ 420)، قصة الفلسفة لوُل ديورانت (388) وما بعدها [مكتبة المعارف، ط6]، قضية العناية والمصادفة في الفكر الغربي لسارة بنت عبد المحسن (37، 173، 763) [مكتبة العبيكان، ط1].


1 ـ «بدائع الفوائد» (ج1)، لابن القيم.
2 ـ «تاريخ الإلحاد»، لعبد الرحمن بدوي.
3 ـ «تطهير الاعتقاد من أدران الإلحاد»، للصنعاني.
4 ـ «التعريفات الاعتقادية»، لسعد آل عبد اللطيف.
5 ـ «تلبيس إبليس»، لابن الجوزي.
6 ـ «الصفدية» «(ج1)، لابن تيمية.
7 ـ «قضية العناية والمصادفة في الفكر الغربي»، لسارة بنت عبد المحسن آل سعود.
8 ـ «مذاهب فكرية معاصرة»، لمحمد قطب.
9 ـ «الملل والنحل» (ج2)، للشهرستاني.
10 ـ «الموسوعة الفلسفية»، لعبد المنعم الحفني.
11 ـ «كواشف زيوف في المذاهب الفكرية المعاصرة»، لعبد الرحمن حسن حبنّكة الميداني.
12 ـ «نواقض الإيمان القولية والعملية»، لعبد العزيز آل عبد اللطيف.