حرف الميم / المُنْعِم

           

قال ابن فارس رحمه الله: «النون والعين والميم فروعه كثيرة، وعندنا أنها على كثرتها راجعة إلى أصل واحد، يدل على ترفُّه، وطيب عيش، وصلاح؛ منه النعمة: ما ينعم الله تعالى على عبده به من مال، وعيش»[1].
المُنْعِم : اسم فاعل من الإنعام، مأخوذ من: (نَعِم) الدَّال على الترفه وطيب العيش وصلاحه، والنِّعمة: ما ينعم الله به على عباده من مال وعيش وحالة حسنة، والنَّعمة التنَّعُم، ونِعَم الله وأنْعُمه: عطاياه، وأنعم ينْعِم إنعامًا فهو منعم: أوصل الإحسان إلى غيره، والمنَعَّم: كثير المال حسن الحال[2].


[1] مقاييس اللغة (5/446) [دار الجيل، ط1420هـ].
[2] انظر: تهذيب اللغة (3/9 ـ 11) [الدار المصرية، ط1، 1387هـ]، ومقاييس اللغة (1035) [دار الفكر، ط2، 1418هـ]، والصحاح (5/2041 ـ 2043) [دار العلم للملايين، ط4]، ومفردات ألفاظ القرآن (814، 815) [دار القلم، ط2، 1418]، والقاموس المحيط (1500، 1501) [مؤسسة الرسالة، ط5]، والمعجم الوسيط (2/935) [دار الدعوة، ط2، 1972م].


المنعم : المتفضل والمحسن إلى عباده، بجميع النعم، بواسطة، وبغير واسطة[1].


[1] انظر: مجموع الفتاوى (8/32، 10/84) [مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، ط1425هـ].


لم يثبت أن المنعم من أسماء الله عزّ وجل، لكن يخبر عن الله عزّ وجل أنه هو المنعم، المتفضل على عباده، فلا تسوغ تسمية الله عزّ وجل بالمنعم، أو دعاؤه به، أو التعبيد به فيقال: عبد المنعم؛ لعدم ثبوت النص في كونه اسمًا لله عزّ وجل.



المنعم : هو الله تعالى وحده لا شريك له، وهو المتفضل المحسن على عباده، ويمتنع أن يكون المخلوق مكافئًا له، أو متفضلاً عليه؛ بل ولا يزال الله هو المنعم المتفضل، وما من نعمة في الخلق فمنه وحده تعالى فضلاً وجودًا[1].


[1] انظر: مجموع الفتاوى (1/41، 42).


قال الله تعالى: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: 7] ، وقال تعالى: {وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ} [النمل: 19] ، وقال تعالى: {فَأَمَّا الإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاَهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ} [الفجر: 15] .
وأما في السُّنَّة فقد ورد بصيغة الفعل؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألم تروا إلى ما قال ربكم؟ قال: ما أنعمت على عبادي من نعمة إلا أصبح فريق منهم بها كافرين يقولون: الكواكب وبالكواكب»[1].
وقد ورد في اسم المنعم حديث لا يصح: عن التابعي حبيب بن أبي ثابت، قال: حدثنا شيخ لنا: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا جاءه شيء يكرهه قال: «الحمد لله على كل حال، وإذا جاءه شيء يعجبه قال: الحمد لله المنعم المفضل الذي بنعمته تتم الصالحات»[2].


[1] أخرجه مسلم (كتاب الإيمان، رقم 72).
[2] أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (كتاب الدعاء، رقم 29554)، وأبو داود في المراسيل (357) [مؤسسة الرسالة، ط1]، والطبراني في كتاب الدعاء (501) [دار الكتب العلمية، ط1، 1413هـ]، والبيهقي في الأسماء والصفات (1/215) [مكتبة السوادي، ط1، 1413هـ]، وقال أبو داود: روي متصلاً، وفيه أحاديث ضعاف، ولا يصح.


قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «فإن العبد يدعوه إلى عبادة الله داعي الشكر، وداعي العلم؛ فإنه يشهد نعم الله عليه، وذاك داع إلى شكرها، وقد جبلت النفوس على حب من أحسن إليها، والله تعالى هو المنعم، المحسن، الذي ما للعباد من نعمة فمنه وحده»[1].
وقال أيضًا: «والله سبحانه وتعالى هو المنعم، المحسن إلى عبده بالحقيقة، فإنه المتفضل بجميع النعم، وإن جرت بواسطة؛ إذ هو ميسر الوسائط، ومسبب الأسباب»[2].
وقال العلامة ابن القيم رحمه الله: «فيقال: {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: 7] ؛ أي: أنت وحدك المنعم، المحسن، المتفضل بهذه النعمة»[3].


[1] مجموع الفتاوى (8/32).
[2] مجموع الفتاوى (10/84).
[3] بدائع الفوائد لابن القيم (2/426، 427) [دار عالم الفوائد، ط2، 1427هـ].


إنعام الله تعالى على خلقه ينقسم إلى قسمين ظاهرين[1]:
القسم الأول: الإنعام المطلق : وهو مختص بأهل الإيمان، لا يشركهم فيه سواهم، وهو المتصل بسعادة الأبد، وبالنعيم المقيم، ودليله قوله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا *} [النساء] .
القسم الثاني: مطلق الإنعام : وهو النعمة العامة المشتركة للخليقة كلهم، برّهم وفاجرهم، ومؤمنهم، وكافرهم، ودليلها قوله تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا} [النحل: 18] ، وقوله: {يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ *} [النحل] .


[1] انظر: بدائع الفوائد لابن القيم (2/426، 427).


إن هذا الاسم مستلزمٌ لتتابع نعم الله تعالى على عباده؛ بحيث لا يستطيع أحدٌ منهم أن يُكافىء نعمه أبدًا، لا أقلَّها؛ ولا أدنى نعمةٍ من نِعَمِه، فإنه تعالى هو (المُنعم) المتفضِّل الخالق للشكر والشاكر وما يشكر عليه.
وصنوف نِعَمِ الربِّ المُنعم سبحانه وتعالى لا يُحصيها أهلُ سماواته ولا أهلُ أرضه.
فعلى العبد أن يجتهد في شكر هذه النعم، وذلك بامتثال ما أمر الله عزّ وجل به، واجتناب ما نهى عنه وزجر[1].


[1] انظر: مدارج السالكين (2/262، 263) [دار الكتب العلمية، ط2، 1408هـ]، وشفاء العليل (1/345) [مكتبة العبيكان، ط1]، ورسالة في وجوب اختصاص الخالق بالعبادة لابن تيمية ـ ضمن مجموع الفتاوى (1/42، 43)، وقاعدة جليلة في التوسل والوسيلة (105) [مكتبة لينة، ط1، 1412هـ]، وتفضيل الناس على سائر الأجناس لابن تيمية ـ ضمن مجموع الفتاوى (4/361)، ومجموع الفتاوى له (8/224، 225)، والتحفة العراقية له (450) [مكتبة الرشد، ط1، 1421هـ]، واقتضاء الصراط المستقيم له (2/785، 786) [مكتبة الرشد، ط4، 1414هـ].


1 ـ «الأسماء والصفات» (ج1)، للبيهقي.
2 ـ «اقتضاء الصراط المستقيم» (ج2)، لابن تيمية.
3 ـ «بدائع الفوائد» (ج1)، لابن القيم.
4 ـ «التحفة العراقية في الأعمال القلبية»، لابن تيمية.
5 ـ «التوحيد» (ج2)، لابن منده.
6 ـ «شفاء العليل» (ج1)، لابن القيم.
7 ـ «فتح الباري» (ج11)، لابن حجر.
8 ـ «قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة»، لابن تيمية.
9 ـ «مجموع الفتاوى» (ج1، 4، 8)، لابن تيمية.
10 ـ «مدارج السالكين» (ج2)، لابن القيم.
11 ـ «معتقد أهل السُّنَّة والجماعة في أسماء الله الحسنى»، للتميمي.