منكر ونكير : النَّكْرُ والنَّكارَةُ والنَّكْراءُ، بالفتح في الكل، والنُّكْرُ بالضم: الدّهاء والفطنة، ونعت للأمر الشديد، والنَّكيرُ: اسم للإنكار الذي معناه: التغيير، والنَّكِير: الإنكار، وهو الجحود[1].
[1] انظر: تهذيب اللغة (9/210) [دار إحياء التراث العربي، ط1، 2001م]، والصحاح (3/401) [دارالعلم للملايين، ط4]، والقاموس المحيط (627) [مؤسسة الرسالة، ط2، 1407هـ]، وتاج العروس (14/287) [دار الهداية]، والنهاية في غريب الحديث والأثر (5/240) [دار الفكر].
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إذا قبر الميت أتاه ملكان أسودان أزرقان، يقال لأحدهما: المُنْكَرُ، والآخر: النكيرُ، فيقولان: ما كنت تقول في هذا الرجل؟..»[1].
وعن سلمان رضي الله عنه قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم في المرابط يموت: «رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله، وأجري عليه رزقه، وأمن الفَتَّان»[2].
وقد نقل أهل العلم إجماع أهل السُّنَّة على ذلك، قال ابن عبد البر: «وأما قوله: «إنكم تفتنون في قبوركم»[3] فإنه أراد فتنة الملكين منكر ونكير حين يسألان العبد: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فالآثار بذلك متواترة، وأهل السُّنَّة والجماعة وهم أهل الحديث والرأي في أحكام شرائع الإسلام كلهم مجمعون على الإيمان والتصديق بذلك، إلا أنهم لا يتكلفون فيه شيئًا، ولا ينكره إلا أهل البدع»[4].
[1] أخرجه الترمذي (أبواب الجنائز، رقم 1071) وحسنه، وابن حبان (كتاب الجنائز، رقم 3117)، وجوَّد إسناده الألباني في السلسلة الصحيحة (رقم 1391).
[2] أخرجه مسلم (كتاب الإمارة، رقم 1913).
[3] أخرجه البخاري (كتاب العلم، رقم 86)، ومسلم (كتاب الكسوف، رقم 905).
[4] الاستذكار لابن عبد البر (2/423) [دار الكتب العلمية، ط1، 1421هـ]، والتمهيد له (22/247) [وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية، 1387هـ].
وهذا المعتقد ثابت بالتواتر والإجماع، قال ابن عبد البر: «وأما قوله: «إنكم تفتنون في قبوركم» فإنه أراد فتنة الملكين منكر ونكير حين يسألان العبد: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فالآثار بذلك متواترة، وأهل السُّنَّة والجماعة وهم أهل الحديث والرأي في أحكام شرائع الإسلام كلهم مجمعون على الإيمان والتصديق بذلك، إلا أنهم لا يتكلفون فيه شيئًا، ولا ينكره إلا أهل البدع»[1].
وقال ابن القيم: «أما أحاديث عذاب القبر ومساءلة منكر ونكير فكثيرة متواترة»[2].
[1] الاستذكار لابن عبد البر المالكي (2/423)، والتمهيد له (22/247).
[2] الروح (52).
ـ عدد ملائكة السؤال:
تنوعت الروايات الحديثية الصحيحة في ذكر عدد ملائكة السؤال، فروايات جاء فيها أن الإنسان يأتيه ملك[1]، وفي روايات: يأتيه ملكان[2]، وفي بعضها: يأتيه آت[3]، أو يؤتى، أو يُسأل، أو يقال له دون ذكر للملك أو الملكين[4].
ولا تعارض بين روايات «ملك» و«ملكين» والحمد لله؛ بل كل ذلك صحيح المعنى بالنسبة إلى الأشخاص، فرب شخص يأتيه ملكان فيسألانه في آن واحد عند انصراف الناس؛ لتكون الفتنة في حقه أشد وأعظم، بحسب ما اقترف من الآثام، ورب شخص يأتيانه متفرقين، فيأتيه أحدهما قبل انصراف الناس عنه، ويأتيه الآخر بعد انصرافهم عنه؛ لتكون الفتنة في حقه أخف وأقل لما عمله من صالح الأعمال، ويحتمل أن يأتيه الملكان معًا، ويكون السائل أحدهما، فتحمل رواية مجيء الملك الواحد على هذا، وكذا يقال في الروايات التي جاءت بنحو: «يأتيه آت»، أو: «يؤتى»[5].
ولا يصح القول بأن القائم على فتنة القبر ثلاثة أو أربعة؛ إذ لا دليل عليه[6].
ولا يصح تسمية ملائكة الفتنة بناكور، ورومان، ومبشر، وبشير؛ إذ لا دليل عليها[7].
[1] أخرج هذه الرواية: أبو داود (كتاب السُّنَّة، رقم 4751)، وأحمد (21/119) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وصححها الألباني في صحيح الجامع (رقم 1930).
[2] أخرجها البخاري (كتاب الجنائز، رقم 1338)، ومسلم (كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، رقم 2870).
[3] أخرجه أحمد (30/576) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وحسنه المنذري في الترغيب والترهيب (4/197) [دار الكتب العلمية، ط1]، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3/219) [مكتبة المعارف، ط5].
[4] انظر: رسائل الآخرة (2/375 ـ 392).
[5] انظر: التذكرة (128، 129) [دار قباء للنشر]، وشرح الصدور (198) [دار ابن كثير، ط2، 1413هـ]، ولوامع الأنوار البهية (2/7) [المكتب الإسلامي، ط3، 1411هـ]، ورسائل الآخرة (2/375 ـ 392).
[6] انظر: الآثار الواردة في ذلك في الموضوعات لابن الجوزي (3/243 ـ 235) [مكتبة ابن تيمية، ط2، 1407هـ]، واللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة (2/436، 437) [دار المعرفة].
[7] انظر: اللآلئ المصنوعة (2/437)، وتنزيه الشريعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة (2/372) [دار الكتب العلمية، ط2، 1401هـ]، وشرح الصدور (200).
خالفت المعتزلة؛ إذ قالت بالمجاز، والرافضة والباطنية؛ إذ قالت بالتأويل الباطني.
وكلاهما مجانب الصواب، إذ تأولا المنكر والنكير بما يقتضي التحريف، ولمخالفتهما ظاهر النص، ولكون النبي صلّى الله عليه وسلّم قد فسَّر المراد بالمنكر والنكير، وكل قول بعد قوله فضلال.
قال إمام أهل السُّنَّة أحمد بن حنبل لما سئل عن عذاب القبر ومنكر ونكير: «نؤمن بهذا كله، ومن أنكر واحدة من هذه فهو جهمي»[1].
ويلحق بهؤلاء: المخالفون في عذاب القبر والذي ينكرونه، فلا شك أنهم ينكرونه إجمالاً وتفصيلاً.
[1] انظر: المسائل والرسائل المروية عن الإمام أحمد في العقيدة (2/177) [دار طيبة، ط1، 1412هـ]، والروح لابن القيم (57، 58) [دار الكتب العلمية]، ولوائح الأنوار السنية (2/149، 159، 160) [مكتبة الرشد، ط1، 1415هـ]، ورسائل الآخرة (2/394 ـ 399). وانظر في أقوال الطوائف: معالم الدين (172) [وزارة التراث القومي والثقافة، ط1407هـ]، والتبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين (112) [عالم الكتب، ط1، 1983م]، ومنهج الطالبين (518)، وعقائد الثلاث والسبعين فرقة (1/416) [مكتبة العلوم والحكم، ط1، 1414هـ]، والإسماعيلية المعاصرة (95) [ط1، 1414هـ]، والإسماعيلية تاريخ وعقائد (453، 457، 458) [إدارة ترجمان السُّنَّة، ط1، 1406هـ].
1 ـ «الاستذكار»، لابن عبد البر.
2 ـ «تأويل مختلف الحديث»، لابن قتيبة.
3 ـ «التذكرة في أحوال الموتى والآخرة»، للقرطبي.
4 ـ «التمهيد»، لابن عبد البر.
5 ـ «الروح»، لابن القيم.
6 ـ «شرح الصدور»، للسيوطي.
7 ـ «عمدة القاري»، للعيني.
8 ـ «الفتاوى الحديثية»، لابن حجر الهيتمي.
9 ـ «فيض القدير شرح الجامع الصغير»، للمناوي.
10 ـ «لوامع الأنوار البهية»، للسفاريني.
11 ـ «المسائل والرسائل المروية عن الإمام أحمد في العقيدة»، لعبد الله الأحمدي.