المولد : مشتق من الولادة، والولادة هي: حدوث الشيء عن الشيء وحصوله عنه، وهو دليل النجل والنسل[1].
قال الجوهري: «وميلاد الرجل: اسم للوقت الذي ولد فيه. والمولد: الموضع الذي ولد فيه»[2].
[1] انظر: مقاييس اللغة (6/143) [دار الجيل، 1420هـ]، وتهذيب اللغة (14/176) [الدار المصرية للتأليف، ط1، 1384هـ]، والقاموس المحيط (327) [مؤسسة الرسالة، ط7، 1424هـ].
[2] الصحاح (2/554) [دار العلم للملايين، ط4].
تخصيص يوم مولد النبي صلّى الله عليه وسلّم باحتفال أو عبادة وجعله مناسبة وعيدًا: بدعة ضلالة محدثة في الشرع؛ إذ لا دليل على مشروعيتها من كتاب ولا سنة ولا عمل صحابي ولا أُثِر عن أحد من السلف أصحاب القرون الثلاثة المفضلة، ولم تخترع هذه المحدثة إلا في القرن الرابع الهجري على أيدي العبيديين القرامطة الغلاة الباطنية؛ تشبهًا بالنصارى الذين يحتفلون بمولد المسيح عليه السلام؛ وتظاهرًا من العبيديين بحب النبي صلّى الله عليه وسلّم مخادعةً للمسلمين، وتحسينًا لصورتهم عندهم، ولجعل هذه الموالد وسيلة لجذب الرعايا إليهم، ونشر خصائص مذهبهم الباطني الإسماعيلي وعقائده الباطلة[1].
[1] انظر: اقتضاء الصراط المستقيم (2/123) [دار إشبيليا، ط2، 1419هـ]، والمواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار للمقريزي (1/332 ـ 334) [دار الكتب العلمية، ط1، 1418هـ]، والإبداع في مضار الابتداع لعلي محفوظ (126) [المكتبة العلمية، ط5، 1391هـ]، وحكم الاحتفال بالمولد النبوي لابن باز، ضمن رسائل في حكم الاحتفال بالمولد لمجموعة من العلماء (1/61) [إدارة البحوث العلمية والإفتاء، ط2، 1424هـ]، والقول الفصل في حكم الاحتفال بمولد خير الرسل، ضمن رسائل في حكم الاحتفال بالمولد لمجموعة من العلماء (2/394) [إدارة البحوث العلمية والإفتاء، ط2].
المولد يشمل: مولده المكاني، ومولده الزماني وهو يوم الاثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول من عام الفيل على المشهور، وفيه أقوال أخرى، الموافق لشهر أغسطس/آب من عام 570 من تاريخ ميلاد المسيح عليه السلام[1].
وقد يطلق المولد على غير مولد النبي صلّى الله عليه وسلّم، ولكن مقيدًا باسم من يحتفل بمولده؛ كموالد الأولياء المحدثة من قبل الباطنية العبيديين وأشباههم من الرافضة والصوفية القبورية، ومنها: مولد علي، ومولد الحسن، ومولد الحسين، ومولد الزهراء، ومولد الخليفة الحاضر، ومولد البدوي، وغيرها[2].
وحقيقة الاحتفال بالمولد: تعظيم ليوم مولد هذا المعظم واحتفاء به تقربًا إلى الله تعالى، وهذا بدعة محدثة لم يشرعها الله ولا فعلها رسوله صلّى الله عليه وسلّم ولا السلف الكرام، ولا أمروا بها مع قيام المقتضي لذلك وعدم المانع[3].
[1] انظر: المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوى علماء إفريقية والأندلس والمغرب (7/100) [دار الغرب الإسلامي، ط1401هـ]، والبداية والنهاية (3/375) [دار هجر، ط1، 1417هـ]، والمواهب اللدنية بالمنح المحمدية للقسطلاني (1/131) [المكتب الإسلامي، ط1، 1412هـ]، ووفيات الأعيان (1/437) [دار صادر]، والإنصاف فيما قيل في المولد من الغلو والإجحاف، ضمن رسائل في حكم الاحتفال بالمولد لمجموعة من العلماء (1/361) [إدارة البحوث العلمية والإفتاء، ط2].
[2] انظر: المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار للمقريزي (1/332 ـ 334).
[3] انظر: اقتضاء الصراط المستقيم (2/123).
يمكن تصنيف الأدلة على تحريم هذه الموالد على ما يلي:
أولاً: أدلة النهي عن الابتداع والإحداث في الدين.
وهي كثيرة منها:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد»[1].
وفي رواية لمسلم[2]: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد».
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه... ويقول: «أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدى هدى محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة»[3].
وفي حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه قوله صلّى الله عليه وسلّم: «أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبدًا حبشيًّا فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة»[4].
ثانيًا: الأدلة الآمرة بمتابعة النبي صلّى الله عليه وسلّم وصحابته الكرام رضي الله عنهم والتحذير من مخالفة سبيلهم، وهي كثيرة، ومنها:
قوله عزّ وجل: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7] .
وقال سبحانه وتعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ *} [النور] .
وقال سبحانه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا *} [الأحزاب] .
ثالثًا: أن الله عزّ وجل قد أكمل لنا الدين، ورسوله صلّى الله عليه وسلّم قد بلَّغ الأمة البلاغ المبين، وليس في كتاب الله ولا في سُنَّة رسول الله ما يدل على مشروعية الاحتفال بهذه الموالد، ولذلك لم يفعله أحد من الصحابة رضي الله عنهم ولا أحد من السلف أصحاب القرون الثلاثة المفضلة. والله سبحانه وتعالى قد قال في محكم التنزيل: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً} [المائدة: 3]
فـ«إحداث مثل هذه الموالد يفهم منه: أن الله سبحانه لم يكمل الدين لهذه الأمة، وأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم لم يبلِّغ ما ينبغي للأمة أن تعمل به، حتى جاء هؤلاء المتأخرون فأحدثوا في شرع الله ما لم يأذن به، زاعمين: أن ذلك مما يقربهم إلى الله، وهذا بلا شك فيه خطر عظيم، واعتراض على الله سبحانه، وعلى رسوله صلّى الله عليه وسلّم، والله سبحانه قد أكمل لعباده الدين، وأتم عليهم النعمة. والرسول صلّى الله عليه وسلّم قد بلَّغ البلاغ المبين، ولم يترك طريقًا يوصل إلى الجنة ويباعد من النار إلا بيَّنه للأمة، كما ثبت في الحديث الصحيح عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما بعث الله من نبي إلا كان حقًّا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم» رواه مسلم في «صحيحه»[5]. ومعلوم أن نبيَّنا صلّى الله عليه وسلّم هو أفضل الأنبياء وخاتمهم، وأكملهم بلاغًا ونصحًا، فلو كان الاحتفال بالموالد من الدين الذي يرضاه الله سبحانه لبيَّنه الرسول صلّى الله عليه وسلّم للأمة، أو فعله في حياته، أو فعله أصحابه رضي الله عنهم، فلما لم يقع شيء من ذلك علم أنه ليس من الإسلام في شيء؛ بل هو من المحدثات التي حذر الرسول صلّى الله عليه وسلّم منها أمته»[6].
رابعًا: أن في إقامة هذه الموالد وجعلها عيدًا تشبهًا ومضاهاةً بالنصارى في احتفالاتهم بعيد ميلاد المسيح، وقد نهينا عن التشبه بالكفار وأمرنا بمخالفتهم[7].
خامسًا: ما أدى إليه إحداث هذه الموالد من البدع الأخرى والغلو والاعتقادات الباطلة والمنكرات المصاحبة؛ لأن «البدعة: إفراز لمرض الشبهة، والشبهة باب البدعة، والبدعة: بريد الكفر، وشَرَك الشرك»[8]. فكل مُبْتَدَع مُحدَث يتولد منه أمور محدثة، وهكذا تبدو المحدثات صغارًا ثم تنمو، حتى تتقطع السبيل إلى سبل، وتغاب السنن[9].
[1] أخرجه البخاري (كتاب الصلح، رقم 2697)، ومسلم (كتاب الأقضية، رقم 1718).
[2] أخرجه مسلم في الموضع السابق.
[3] أخرجه مسلم (كتاب الجمعة، رقم 866).
[4] أخرجه أبو داود (كتاب السُّنَّة، رقم 4607)، والترمذي (أبواب العلم، رقم 2676) وقال: «هذا حديث حسن صحيح»، وابن ماجه (المقدمة، رقم 42)، وأحمد (28/367) [مؤسسة الرسالة، ط1]، والدارمي (كتاب العلم، رقم 96)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (رقم 37) [مكتبة المعارف، ط5].
[5] صحيح مسلم (كتاب الإمارة، رقم 1844).
[6] حكم الاحتفال بالمولد النبوي لابن باز ـ ضمن رسائل في حكم الاحتفال بالمولد (1/58، 59).
[7] انظر: اقتضاء الصراط المستقيم (2/123).
[8] الرد على المخالف من أصول الإسلام لبكر أبي زيد، ضمن الردود (9) [دار العاصمة، ط1، 1414هـ]. وانظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (5/552) [مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، 1415هـ].
[9] انظر: تصحيح الدعاء لبكر أبي زيد (316)، وحكم الانتماء له أيضًا (107، 159).
من أقوال أهل العلم في إنكار بدعة الموالد:
قال تاج الدين الفاكهاني رحمه الله: «لا أعلم لهذا المولد أصلاً في كتاب ولا سُنَّة، ولا ينقل عمله عن أحد من علماء الأمة، الذين هم القدوة في الدين، المتمسكون بآثار المتقدمين، بل هو بدعة، أحدثها البطَّالون، وشهوة نفسٍ اغتنى بها الأكَّالون»[1].
وعقد ابن الحاج المالكي رحمه الله في كتابه «المدخل» فصلاً عن المولد، سرد فيه جملة من المفاسد والمنكرات التي تفعل في الموالد ثم قال: «وهذه المفاسد مركبة على فعل المولد إذا عمل بالسماع، فإن خلا منه وعمل طعامًا فقط ونوى به المولد ودعا إليه الإخوان وسلم من كل ما تقدم ذكره فهو بدعة بنفس نيته فقط؛ إذ إن ذلك زيادة في الدين وليس من عمل السلف الماضين، واتباع السلف أولى بل أوجب من أن يزيد نية مخالفة لما كانوا عليه؛ لأنهم أشد الناس اتباعًا لسُنَّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وتعظيمًا له ولسُنَّته صلّى الله عليه وسلّم، ولهم قدم السبق في المبادرة إلى ذلك، ولم ينقل عن أحد منهم أنه نوى المولد، ونحن لهم تبع فيسعنا ما وسعهم وقد علم أن اتباعهم في المصادر والموارد، كما قال الشيخ الإمام أبو طالب المكي رحمه الله في كتابه: «وقد جاء في الخبر لا تقوم الساعة حتى يصير المعروف منكرًا والمنكر معروفًا» انتهى. وقد وقع ما قاله صلّى الله عليه وسلّم بسبب ما تقدم ذكره وما سيأتي بعد؛ لأنهم يعتقدون أنهم في طاعة ومن لا يعمل عملهم يرون أنه مقصر بخيل، فإنا لله وإنا إليه راجعون»[2]
وقال ابن تيمية رحمه الله: «أما اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية؛ كبعض ليالي شهر ربيع الأول الذي يقال: إنها ليلة المولد، أو بعض ليالي رجب، أو ثامن عشر ذي الحجة، أو أول جمعة من رجب، أو ثامن شوال الذي يسميه الجهال (عيد الأبرار) فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف ولم يفعلوها»[3].
وقال أيضًا عن هذا المولد: «فإن هذا لم يفعله السلف مع قيام المقتضي له وعدم المانع منه لو كان خيرًا، ولو كان هذا خيرًا محضًا أو راجحًا لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا؛ فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم وتعظيمًا له منا، وهم على الخير أحرص، وإنما كمال محبته وتعظيمه في متابعته وطاعته واتباع أمره، وإحياء سُنَّته باطنًا وظاهرًا، ونشر ما بعث به، والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان، فإن هذه طريقة السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان. وأكثر هؤلاء الذين تجدهم حراصًا على أمثال هذه البدع مع ما لهم من حسن القصد والاجتهاد الذي يرجى لهم بهما المثوبة تجدهم فاترين في أمر الرسول عما أمروا بالنشاط فيه، وإنما هم بمنزلة من يحلي المصحف ولا يقرأ فيه، أو يقرأ فيه ولا يتبعه، وبمنزلة من يزخرف المسجد ولا يصلي فيه أو يصلي فيه قليلاً، وبمنزلة من يتخذ المسابيح والسجادات المزخرفة، وأمثال هذه الزخارف الظاهرة التي لم تشرع، ويصحبها من الرياء والكبر والاشتغال عن المشروع ما يفسد حال صاحبها»[4].
[1] المورد في عمل المولد للفاكهاني ـ ضمن رسائل في حكم الاحتفال بالمولد لمجموعة من العلماء (1/8، 9).
[2] المدخل لابن الحاج (2/10) [دار الفكر، 1401هـ].
[3] مجموع الفتاوى (25/298).
[4] اقتضاء الصراط المستقيم (2/123، 124).
المسألة الأولى: الاحتفال برأس السنة الميلادية:
وهو المسمى: الكرسميس، أو تهنئة النصارى فيه؛ فهذا احتفال بدعي محرم لا يجوز فعله ولا تهنئة النصارى فيه؛ لأمرين[1]:
الأول: أن هذا فيه تشبه بالكفار؛ لأنه موافقة للنصارى فيما ليس من ديننا ولا عادة سلفنا، فيكون فيه مفسدة موافقتهم والتشبه بهم، وترك مصلحة مخالفتهم المقصودة للشارع.
الثاني: ما ورد من الأدلة من الكتاب والسُّنَّة والإجماع والاعتبار في النهي عن مشابهة الكفار في أعيادهم خاصة، وما ورد في النهي عن مداهنتهم والرضا بأفعالهم.
يقول ابن التركماني في كتابه «اللمع في الحوادث والبدع»[2] عن هذه الأعياد النصرانية: «فصل: ومن البدعة أيضًا والخزي والبعاد ما يفعله المسلمون في نيروز النصارى ومواسمهم والأعياد من توسع النفقة، وهذه نفقة غير مخلوفة، وسيعود شرّها على المنفق في العاجل والآجل».
المسألة الثانية: الاحتفال بيوم ميلاد الإنسان:
وهذا فرع عن المسألة السابقة، فيكون ذلك محرمًا منهيًّا عنه؛ لما فيه من مشابهة الكفار التي نهينا عنها، وهذا ما أفتت به اللجنة الدائمة، وابن باز وابن عثيمين[3].
المسألة الثالثة: الاحتفال برأس السنة الهجرية:
وهذا أيضًا بدعة محرمة؛ لأن الأعياد مرجعها إلى الشرع وليس إلى العادات؛ فيكون في اختراع أعياد لم يدل الشرع عليها إحداث وابتداع في الدين، وفيه أيضًا: تشبه بالنصارى في احتفالهم برأس السنة الميلادية كما تقدم، وهذا ما أفتت به اللجنة الدائمة، وابن باز وابن عثيمين[4].
المسألة الرابعة: التأريخ بالتاريخ الميلادي:
كان التاريخ الميلادي موجودًا في عهد الصَّحابة رضي الله عنهم، ولكنهم لم يستعملوه، بل عدلوا عنه إلى التاريخ الهجريِّ، وهذا دليل على أنَّ المسلمين يجب أن يستقلُّوا عن عادات الكفَّار وتقاليدهم، لا سيَّما وأنَّ التَّاريخ الميلاديَّ رمز على دينهم؛ لأنه يرمز إلى تعظيم ميلاد المسيح والاحتفال به على رأس السَّنَة، وهذه بدعة ابتدعها النصارى؛ فيجب ألا نشاركهم في ذلك بالتأريخ بتاريخهم حتى لا نقع في التشبه بهم المنهي عنه في شريعتنا. وفي التاريخ الهجري الذي اتفق عليه الصحابة الكرام رضوان الله عليهم كفاية وغناء، وهذا ما أفتت به اللجنة الدائمة، وابن باز وابن عثيمين والفوزان[5].
[1] انظر: اقتضاء الصراط المستقيم (1/478، 479)، ومجموع ورسائل وفتاوى ابن عثيمين (25/495) [دار الثريا، ط1، 1429هـ].
[2] (1/293 ـ 316).
[3] انظر: فتاوى اللجنة الدائمة (28/260)، ومجموع فتاوى ومقالات متنوعة لابن باز (5/176)، ومجموع ورسائل وفتاوى ابن عثيمين (9/376).
[4] انظر: فتاوى اللجنة الدائمة (27/437)، ومجموع فتاوى ومقالات متنوعة لابن باز (17/31)، ومجموع ورسائل وفتاوى ابن عثيمين (16/203، 204).
[5] انظر: فتاوى اللجنة الدائمة (26/398)، والمنتقى من فتاوى الفوزان (1/257) [مكتبة الغرباء، ط2، 1417هـ].
ترتب على إحداث هذه الموالد كثير من المخالفات الشرعية والمناهي الجلية التي تدور بين الشرك والبدعة والمعصية، وهكذا هي خطوات الشيطان. وقد نبَّه أهل العلم قديمًا وحديثًا على هذه المخالفات، فيما يلي جملة منها[1]:
1 ـ الوقوع في الشرك الأكبر المخرج عن ملة الإسلام، وذلك بالإطراء في القصائد والمدائح والغلو في الرسول والأولياء ودعائهم من دون الله، وتقديم النذور والذبائح قربانًا لغير الله.
2 ـ «الاعتقادات الباطلة والظنون الفاسدة؛ كظن بعضهم أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم يحضر المولد!
3 ـ تزايد البدع والمحدثات وتكاثرها، ومن ذلك: جعل الاحتفال بالمولد أيامًا عديدة، أو تكراره كل ليلة جمعة، واختراع موالد أخرى للأولياء والمعظمين، وشد الرحال إلى القبور والمزارات البدعية، واختراع أدعية محدثة مخالفة للشرع تسمى بـ(الأحزاب أو الرواتب).
4 ـ الاستشهاد بالأحاديث المكذوبة والضعيفة، والقصص الواهية، والرؤى والخرافات الوهمية.
5 ـ تعظيم البدع والنشاط فيها، والاستهانة بالسنن؛ بل بالواجبات والكسل عنها.
6 ـ التشبه باليهود والنصارى في أعيادهم واحتفالاتهم بموالد معظميهم.
7 ـ امتهان آيات القرآن العظيم وأحاديث الرسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم، وقلة احترامهم وتعظيمهم لها، حيث يجمعون في احتفالاتهم بينها وبين لهو الحديث ولغو الكلام، وقد يبتدئون بها وقصدهم الغناء والطرب بها.
8 ـ انتهاك حرمة المساجد بهذه المنكرات، وكثرة اللغط ورفع الأصوات المنافية لآداب بيوت الله.
9 ـ الأغاني وما يصاحبها من آلات اللهو من المعازف والمزامير الشيطانية.
10 ـ الشطح، والرقص، والهز والدوران الشديد المسمى بـ(الزار)، وقد يحصل في بعضها شيء من الفجور وتعاطي المسكرات والمفترات.
11 ـ الافتتان بالمردان الذين يغنون ويتراقصون في هذه الاحتفالات.
12 ـ افتتان الرجال بالنساء لما يحصل في بعض اجتماعاتهم من الاختلاط، واطلاع الرجال على النساء، وارتفاع أصوات النساء.
13 ـ خروج النساء إلى المقابر وارتكاب أنواع المحرمات من نياحة ورفع الصوت، واختلاط.
14 ـ الإسراف والتبذير وإضاعة المال في هذه الحفلات التي لا تعود بنفع في دين ولا في دنيا.
15 ـ اتخاذ هذه الموالد عند البعض لأغراض دنيوية من أكل لأموال الناس بالباطل، أو طلب جاه أو مدح، أو تعظيم متبوع من سادتهم، ونحو ذلك من الأغراض الدنيئة الخسيسة.
16 ـ اتهام أرباب هذه الموالد غيرهم ممن لا يقيمها بأقبح التهم وأشنعها؛ وهو أنه لا يحب الرسول!
«هذا الذي ذكر بعض المفاسد المشهورة المعروفة، وما في ذلك من الدسائس ودخول وساوس النفوس وشياطين الإنس والجن مما يتعذر حصره، فالسعيد السعيد من أعطى قياده للاتباع وترك الابتداع، وفقنا الله لذلك بمنِّه»[2].
ولما كانت هذه الموالد بهذه الدرجة من الانحراف والضلال والفساد العقدي والأخلاقي سعى الكفار المحتلون لعدد من البلاد الإسلامية وأعوانهم من الحكومات الفاسدة إلى تشجيع هذه البدع ودعم أربابها من الفرق الضالة؛ لتخدير المسلمين، وإلهائهم عن عظائم الأمور، وشغلهم بهذه الرسوم والمواسم عن الإعداد لجهاد الكافرين، وتضييعهم عن دينهم القويم وما فيه من أصول وتعاليم لو تمسكوا بها وأقاموها لسادوا على جميع العالمين، «فقد كانت فرنسا في بلاد المغرب بأقاليمه الثلاثة تساعد حتى بتخفيض تذكرة الإركاب في القطار، وكذلك بلغني أن الحكومات المصرية تفعل نحو ذلك، ومن أغرب ما نسمع عن هذا الوفاق أن حكومة اليمن الجنوبي[3] وهي بلشفية خالصة تشجع هذه الموالد ولو بعدم إنكارها، وهي التي أنكرت الإسلام عقائد وعبادات وأحكامًا. ولهذا دلالة كبرى وهي: أن هذه الموالد ما ابتدعت إلا لضرب الإسلام، وتحطيمه والقضاء عليه. ومن هنا كان حكم الإسلام على هذه الموالد والمواسم والزرد والحضرات المنع والحرمة، فلا يبيح منها مولدًا ولا موسمًا ولا زردة ولا حضرة؛ وذلك لأنها بدع قامت على أساس تقويض العقيدة الإسلامية، وإفساد حال المسلمين، ويدلك على ذلك مناصرة أهل الباطل لها ووقوفهم إلى جنبها ومعها، ولو كان فيها ما يوقظ الروح الإسلامي، أو يحرك ضمائر المسلمين لما وجدت من حكومات الباطل والشر إلا محاربتها والقضاء عليها»[4].
وهذا هو ما أكده المؤرخ المصري الجبرتي عن الاستعمار الفرنسي لمصر حيث قال في كتابه «عجائب الآثار»[5] عن هذه الموالد ودعم الفرنسيين المحتلين لها: «ورخص الفرنساوية ذلك للناس لما رأوا فيه من الخروج عن الشرائع واجتماع النساء واتباع الشهوات والتلاهي وفعل المحرمات».
[1] انظر: المورد في عمل المولد للفاكهاني ضمن رسائل في حكم الاحتفال بالمولد (1/11، 12)، والمدخل لابن الحاج، والمعيار المعرب للونشريسي (7/100، 101، 8/255، 9/252)، وتفسير المنار (9/96) [دار المعرفة، ط2]، وحكم الاحتفال بالمولد النبوي والرد على من أجازه للشيخ محمد بن إبراهيم ـ ضمن رسائل في حكم الاحتفال بالمولد لمجموعة من العلماء (1/37 ـ 43)، والإبداع في مضار الابتداع (126 ـ 128)، وحكم الاحتفال بالمولد النبوي لابن باز ضمن رسائل في حكم الاحتفال بالمولد (1/61 ـ 63)، والإنصاف فيما قيل في المولد من الغلو والإجحاف، ضمن رسائل في حكم الاحتفال بالمولد (1/354 ـ 360، 376)، والقول الفصل في حكم الاحتفال بمولد خير الرسل ضمن رسائل في حكم الاحتفال بالمولد (2/629 ـ 865).
[2] المدخل لابن الحاج (2/26).
[3] أي: قبل أن يُوحد شطرا اليمن عام (1990م).
[4] الإنصاف فيما قيل في المولد من الغلو والإجحاف، ضمن رسائل في حكم الاحتفال بالمولد لمجموعة من العلماء (1/355 ـ 356).
[5] (2/306) [دار الجيل، ط2، 1978م].
اتفق المخالفون في المولد مع القائلين بأنه بدعة محدثة لم تفعل في القرون الثلاثة المفضلة؛ لكنهم خالفوهم في جعل هذه البدعة: بدعة حسنة، واستحبوا فعلها مستندين في ذلك إلى أن البدعة تنقسم إلى حسنة وسيئة[1].
والجواب عليهم من وجوه عديدة؛ منها:
الأول: جميع الأدلة القاضية بعموم ضلال كل البدع، وأن كل بدعة ضلالة وليس فيها بدع حسنة.
الوجه الثاني: أن تقسيم البدعة إلى حسنة وسيئة أو إلى الأحكام التكليفية الخمسة تقسيم باطل يقضي بإبطال عموم الأدلة الدالة على إنكار كل البدع المحدثة في الدين، وهو تقسيم مفتعل مخترع متناقض.
ثم إن كلام أي عالم لا يكون مخصصًا أو مقيدًا لعموم كلام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
وأقوال العلماء في إبطال هذا التقسيم المناقض للأدلة كثيرة جدًّا، وردودهم في هذه المسألة بالذات أكثر وأكثر[2].
ومما يحتج به المخالفون: أن هذا الاحتفال تعظيم للنبي صلّى الله عليه وسلّم وإظهار لحبه.
والجواب : أن المولد ليس من تعظيم النبي صلّى الله عليه وسلّم؛ لأن التعظيم عبادة، والعبادات توقيفية باتفاق المسلمين، والنبي صلّى الله عليه وسلّم لم يشرع لنا الاحتفال بمولد آدم أو إبراهيم أو موسى أو غيرهم من الأنبياء عليهم السلام، ثم السلف من الصحابة والتابعين وأئمة المذاهب متفقون على عدم فعله وعدم مشروعيته، فلا يسوغ لنا فعله.
[1] انظر مثلاً: حسن المقصد في عمل المولد للسيوطي ضمن الحاوي للفتاوى (1/189) [دار الكتب العلمية، 1402هـ]، وحول الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، والذخائر المحمدية لمحمد علوي المالكي، وغيرهم. وقد رد عليهم جملة من علماء الأمة.
[2] انظر مثلاً: اقتضاء الصراط المستقيم (2/86 ـ 101)، والاعتصام (1/327 ـ 333).
1 ـ «الإبداع في مضار الابتداع»، لعلي محفوظ.
2 ـ «الاعتصام»، للشاطبي.
3 ـ «اقتضاء الصراط المستقيم» (ج2)، لابن تيمية.
4 ـ «الإنصاف فيما قيل في المولد من الغلو والإجحاف»، للجزائري.
5 ـ «حكم الاحتفال بالمولد والرد على من أجازه»، لمحمد بن إبراهيم آل الشيخ.
6 ـ «حكم الاحتفال بالمولد النبوي»، لابن باز.
7 ـ «الرد القوي على الرفاعي والمجهول وابن علوي وبيان أخطائهم في المولد»، للتويجري.
8 ـ «فتاوى محمد رشيد رضا» (ج4).
9 ـ «القول الفصل في حكم التوسل بخير الرسل»، للأنصاري.
10 ـ «مجموع ورسائل وفتاوى بن عثيمين» (ج9، 16، 25).
11 ـ «المدخل»، لابن الحاج المالكي.
12 ـ «المورد في الكلام على المولد»، للفاكهاني.
13 ـ «المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار» (ج1)، للمقريزي.