النبوة : للنبوة في اللغة معان ثلاثة؛ الأول: الإتيان بالخبر، من النبأ وهو الخبر. الثاني: الارتفاع، من النَّبْوة وهي الارتفاع. الثالث: الطريق، فمن النبيّ كغنيّ بمعنى الطريق، والأنبياء طُرُق الهدى[1]. ومن «النبأ: الخبر؛ لأنه يأتي من مكان إلى مكان، ومَنْ همَزَ النبيَّ؛ فلأنه أنبأ عن الله تعالى»[2].
[1] انظر المعاني الثلاثة في: تهذيب اللغة (15/486) [دار الكتاب العربي، 1967م]، والقاموس المحيط (1227) [دار إحياء التراث العربي، ط2، 1424هـ].
[2] مقاييس اللغة (1010).
الإيمان بنبوة الأنبياء واجب بل ركن من أركان الإيمان، وأنها مِنّةٌ، ورحمة، وفضل من الله تفضل بها على عباده لشدة حاجتهم إليها، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ *} [الأنبياء] ، وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إنما أنا رحمة مهداة»[1].
[1] أخرجه البزار (16/122) [مكتبة العلوم والحكم، ط1]، والحاكم (كتاب الإيمان، رقم 100)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. لكن أخرجه الدارمي (كتاب دلائل النبوة، رقم 15) مرسلاً، وصوَّب الإرسال: البزارُ، والدارقطني في العلل (10/105) [دار طيبة، ط1].
حقيقة النبوة : أنها «واسطة بين الخالق والمخلوق في تبليغ شرعه، وسفارة بين الملك وعبيده، ودعوة من الرحمن الرحيم تبارك وتعالى لخلقه ليُخرجهم من الظلمات إلى النور، وينقلهم من ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، فهي نعمة مهداة من الله تبارك وتعالى إلى عبيده، وفضل إلهيّ يتفضّل بها عليهم. هذا في حقّ المرسَل إليهم، أما في حقّ المرسَل نفسه، فهي امتنان من الله يمنّ بها عليه، واصطفاء من الربّ له من بين سائر النّاس، وهبة ربانيّة يختصّه الله بها من بين الخلق كُلّهم. والنبوة لا تنال بعلم ولا رياضة، ولا تدرك بكثرة طاعة أو عبادة، ولا تأتي بتجويع النفس أو إظمائها كما يظنّ من في عقله بلادة، وإنّما هي محض فضل إلهيّ، ومجرّد اصطفاء ربانيّ، وأمر اختياريّ؛ فهو كما أخبر عن نفسه: {يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ *} [آل عمران] ، فالنبوة إذًا لا تأتي باختيار النبيّ، ولا تنال بطلبه»[1].
[1] مقدمة محقق كتاب النبوات (19) [الجامعة الإسلامية، أضواء السلف، ط1، 1420هـ].
تظهر أهمية النبوة في أمور؛ منها:
1 ـ العباد لا يدركون بعقولهم الأمور الغيبية التي هي من أصول إيمانهم، وفي النبوة إخبار بها.
2 ـ الخلق بحاجة إلى القدوة حسنة في معاشهم، وحاملو النبوات قدوة حسنة للخلق.
3 ـ في النبوة تبصير الناس بما خلقوا له من عبادة الله وحده، {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ *} [الذاريات] .
دلَّت أدلة كثيرة على إرسال الله الأنبياء والرسل؛ منها: قوله تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ} [البقرة: 213] ، وقوله تعالى: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ} [الحج: 75] .
وقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أعطيت خمسًا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي: نُصرت بالرعب مسيرة شهر، وبُعثت إلى الناس كافة، وأُعطيت الشفاعة»[1].
[1] أخرجه البخاري (كتاب الصلاة، رقم 438)، ومسلم (كتاب المساجد ومواضع الصلاة، رقم 521).
المسألة الأولى: صفات الأنبياء:
إن الأنبياء عليهم السلام وإن كانوا من البشر يأكلون ويشربون ويصحون ويمرضون، وتعتريهم العوارض التي تمر على البشر إلا أنهم يتصفون بأوصاف جليلة هي بالنسبة لهم من ألزم اللوازم؛ كالصدق، والأمانة، والفطانة، والعفة، والشجاعة، والسلامة من العيوب المنفرة، والعصمة عن الكبائر وفي التبليغ، قال الله تعالى عن الأنبياء: {وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ *} [الأنعام] ، وقال تعالى: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ} [الحج: 75] .
المسألة الثانية: دلائل النبوة:
دلائل النبوة لكل نبي تختلف عن نبي آخر وهي تدل على صدق ذلك النبي، ومن أبرز تلك الدلائل الآيات التي يجريها الله على يديه ويعجز عن الإتيان بها غير نبي، ومن الدلائل كذلك إخبار النبي بأمور مستقبلية تحققت في حياة نبي أو بعد وفاته، أو أمور حسية تتحقق في الحال من استجابة الدعاء ونحوها، ودلائل نبوة الأنبياء كثيرة، وقد خص بعض العلماء لذكر بعض دلائل نبوة محمد صلّى الله عليه وسلّم مؤلفات ذوات أجزاء عديدة؛ كأبي نعيم الأصفهاني، وأبي بكر البيهقي، وأبي بكر الفريابي وغيرهم.
المسألة الثالثة: خصائص الأنبياء كثيرة؛ منها:
ـ الوحي : قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ} [النحل: 43] .
ـ العصمة في التبليغ : ولذا ألزم الأمم بطاعتهم، قال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7] .
ـ التخيير عند الموت : لحديث: «ما من نبي يمرض إلا خيّر بين الدنيا والآخرة»[1] . ومنها: أن الأرض لا تأكل أجسادهم، قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إن الله عزّ وجل قد حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء»[2].
ـ أنهم أحياء في قبورهم يصلُّون : لحديث: «الأنبياء أحياء في قبورهم يصلُّون»[3].
ـ أن أموالهم لا تورث بل هي صدقة : لحديث: «لا نورث ما تركناه صدقة»[4].
ـ أنهم يقبرون حيث يموتون : لحديث: «ما قبض الله نبيًّا إلا في الموضع الذي يحب أن يدفن فيه»[5].
المسألة الرابعة: عددهم:
ورد حديث في عدد الرسل: أنهم ثلاثمائة وخمسة عشر، وأن عدد الأنبياء مائة ألف وعشرون ألفًا[6]. وضعفه بعض العلماء، منهم الشيخ ابن باز، حيث قال: وجميع الأحاديث في هذا الباب ضعيفة، بل عدّ ابن الجوزي حديث أبي ذر من الموضوعات، والمقصود أنه ليس في عدد الأنبياء والرسل خبر يعتمد عليه، فلا يعلم عددهم إلا الله سبحانه وتعالى، لكنهم جمّ غفير[7].
المسألة الخامسة: التفضيل بين الأنبياء:
التفضيل بين الأنبياء ثابت، قال الله عزّ وجل: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [البقرة: 253] ، وقال تعالى: {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعَضٍ} [الإسراء: 55] ، وأما ما ورد في بعض الأحاديث الصحيحة من النهي عن تفضيل بعض الأنبياء على بعض، فقد جمع العلماء بين تلك الأحاديث والنصوص القرآنية بأوجه متعددة، منها ما نقله القرطبي فقال: «إن المنع من التفضيل إنما هو من جهة النبوة التي هي خصلة واحدة لا تفاضل فيها، وإنما التفضيل في زيادة الأحوال والخصوص والكرامات والألطاف والمعجزات المتباينات، وأما النبوة في نفسها فلا تتفاضل، وإنما تتفاضل بأمور أخر زائدة عليها، ولذلك منهم رسل، وأولو عزم، ومنهم من اتُّخذ خليلاً، ومنهم من كلَّم الله، ورفع بعضهم درجات... وهذا قول حسن؛ فإنه جمع بين الآي والأحاديث من غير نسخ»[8].
المسألة السادسة: سبُّ الأنبياء كفر بالإجماع:
قال القاضي عياض في من استخف بمحمد صلّى الله عليه وسلّم، أو بأحد من الأنبياء، أو أزرى عليهم، أو آذاهم، أو قتل نبيًّا أو حاربه، فهو كافر بإجماع[9]، وقال ابن تيمية في الأنبياء: «المسلمون آمنوا بهم كلهم ولم يفرقوا بين أحد منهم، فإن الإيمان بجميع النبيين فرض واجب، ومن كفر بواحد منهم فقد كفر بهم كلهم، ومن سبّ نبيًّا من الأنبياء فهو كافر يجب قتله باتفاق العلماء، وفي استتابته نزاع»[10].
المسألة السابعة: ختم النبوة:
سلسلة الأنبياء قد ختمت بالنبي محمد صلّى الله عليه وسلّم، قال الله تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: 40] ، فمن ادعى النبوة فهو من أظلم الظالمين وأكفر الكفار، قال الله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [الأنعام: 93] . قال القاضي عياض: «وكذلك [أي: نكفر] من ادعى نبوة أحد مع نبيِّنا صلّى الله عليه وسلّم أو بعده، أو من ادعى النبوة لنفسه، أو جوّز اكتسابها والبلوغ بصفاء القلب إلى مرتبتها، وكذلك من ادعى منهم أنه يوحى إليه وإن لم يدّع النبوة، أو أنه يصعد إلى السماء ويدخل الجنة ويأكل من ثمارها ويعانق الحور العين؛ فهؤلاء كلهم كفّار مكذبون للنبي صلّى الله عليه وسلّم؛ لأنه أخبر صلّى الله عليه وسلّم أنه خاتم النبيين لا نبي بعده، فلا شك في كفر هؤلاء الطوائف كلها قطعًا إجماعًا وسمعًا»[11].
المسألة الثامنة: نبوة النساء:
ذهب جمهور العلماء من أئمة أهل السُّنَّة والجماعة ـ وحكاه غير واحد إجماعًا[12] ـ أنّ الله لم يبعث نبيًّا إلا من الرجال الذكور، وأنَّه عزّ وجل لم يوحِ إلى امرأة من بنات بني آدم عليه السلام وحي تشريع؛ فليس في النساء نبيّة؛ وإنّما فيهنّ صدّيقات.
واحتجوا لذلك بقول الله تعالى في غير موضعٍ من القرآن: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ} [الأنبياء: 7] ؛ «فأثبت الرسالة للرجال الموحى إليهم، وأشعر بنفي ذلك عن غيرهم؛ فلا تكون أنثى نبيّة»[13].
وقد وصف ربنا جلّ جلاله مريم ـ وهي من خير النساء، وممن كمل منهن ـ بالصدِّيقيَّة في أشرف مقاماتها وأعلاها ـ دفعًا لغلوّ النصارى فيها ـ؛ فقال تعالى: {مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ} [المائدة: 75] ، فلو كانت نبيّة لذكر ذلك في مقام التشريف والإعظام؛ فغايتها أنّها صدِّيقة بنص القرآن، ولو كان للمسيح عليه السلام رتبة فوق الرسالة أو لها رتبة فوق الصدّيقيّة لذكرت. وهذا كما يقال لمن ادَّعى في رجل أنَّه ملك من الملوك: ما هو إلا رئيس قرية أو صاحب بستان؛ فيذكر غاية ما له من الرئاسة والمال!
ولم يأت معارضهم بحجة قويّة ودليل صريح على دعواه بثبوت النّبوة للنّساء، بل القول بنبوة النساء لا يعرف عن أحد من السلف والأئمة، فهو خلاف شاذ مسبوق بالإجماع.
هذا فضلاً عن علو مرتبة الذكورة على الأنوثة، وأنّ النّبوة والرسالة تقتضي الإبلاغ والظُّهور للنَّاس والاشتهار بالدَّعوة، والأنوثة تقتضي التستر وتنافي الاشتهار لما بينهما من التمانع! ثم إنّ نفوس الرجال ـ بحسب الطبع ـ تميل في ذواتهنّ؛ فيغفلون عن مقالهنّ![14].
[1] أخرجه البخاري (كتاب التفسير، رقم 4586) واللفظ له، ومسلم (كتاب فضائل الصحابة، رقم 2444).
[2] أخرجه أبو داود (كتاب الصلاة، رقم 1047)، والنسائي (كتاب الجمعة، رقم 1374)، وابن ماجه (كتاب إقامة الصلاة والسُّنَّة فيها، رقم 1085)، وأحمد (26/84) [مؤسسة الرسالة، ط1]، والدارمي (كتاب الصلاة، رقم 1613)، وصححه النووي في الأذكار (115) [دار الفكر، 1414هـ]، والألباني في السلسلة الصحيحة (رقم 1527).
[3] أخرجه البزار (13/299) [مكتبة العلوم والحكم، ط1]، وأبو يعلى (6/147) [دار المأمون، ط1]، وصححه المناوي في فيض القدير (3/184) [المكتبة التجارية الكبرى، ط1]، وجوَّد الألباني إسناده في السلسلة الصحيحة (2/189).
[4] أخرجه البخاري (كتاب فرض الخمس، رقم 30923)، ومسلم (كتاب الجهاد والسير، رقم 1757).
[5] أخرجه الترمذي (أبواب الجنائز، رقم 1018)، وقال: (هذا حديث غريب، وعبد الرحمن بن أبي بكر المليكي يضعف من قبل حفظه)، لكن ذكر له الألباني شواهد، وقواه بها. انظر: أحكام الجنائز (137) [المكتب الإسلامي، ط4].
[6] أخرجه أحمد في مسنده (35/432) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وابن حبان في صحيحه (كتاب البر والإحسان، رقم 361) [مؤسسة الرسالة، ط2، 1414هـ] واللفظ له، والطبراني في المعجم الكبير (8/217) [مكتبة العلوم والحِكَم بالموصل، ط2، 1404هـ]، من حديث أبي ذرٍّ رضي الله عنه، وفيه: قال: قلتُ: يا رسول الله؛ كم الأنبياء؟ قال: «مائة ألف وعشرون ألفًا» ، قلت: يا رسول الله؛ كم الرُّسُل من ذلك؟ قال: «ثلاث مائة وثلاثة عشر جمًّا غفيرًا» ... الحديث. قال الهيثمي في موارد الظمآن (1/54) [دار الكتب العلمية]: «فيه إبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني، قال أبو حاتم وغيره: كذَّاب». وأما إسناد أحمد والطبراني ففيه المسعودي، وقد اختلط، كما ذكر الهيثمي في المجمع (1/160) [مكتبة القدسي]. لكن صحَّحَه الألبانيُّ بمجموع طرقه وشواهده؛ كما في السلسلة الصحيحة (6/ القسم الأول/ 363/ رقم 2668) [مكتبة المعارف بالرياض، ط1، 1416هـ]. وقد وردَ في تعدادهم أحاديث أخرى؛ من رواية: أبي أمامة وأنس بن مالك وأبي سعيد الخدري وجابر رضي الله عنهم وغيرهم. وقد ضعَّف الأحاديث الواردة في عَدَدهم: الإمامُ أحمدُ بنُ حنبل ومحمدُ بنُ نصر المروزي وغيرهما.
[7] مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (2/66، 67).
[8] تفسير القرطبي (4/255) [البقرة: 253].
[9] الشفاء (2/283) [دار الكتب العلمية].
[10] الصفدية (555) [أضواء السلف، ط1، 1423هـ].
[11] الشفاء (2/285، 286).
[12] انظر: الأذكار للنووي (100) [دار الملاح، 1391هـ]، ومجموع الفتاوى (4/396، 11/364، 18/266)، والصَّفديَّة لابن تيميَّة (1/198) [ط2، 1406هـ]، وتفسير ابن كثير (3/159، 4/423) [دار طيبة، ط2، 1420هـ].
[13] لوامع الأنوار البهيَّة للسَّفاريني (2/265) [المكتب الإسلامي، بيروت].
[14] انظر: المُفْهِم للقرطبي (6/314، 332) [دار ابن كثير، دمشق، ط1، 1417هـ]، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي (4/83، 13/250) [دار إحياء التراث العربي، 1405هـ]، والجواب الصَّحيح لمَن بدَّل دينَ المسيح (2/349) [دار العاصمة، ط1، 1414هـ]، ومجموع الفتاوى لابن تيمية (4/396، 11/364، 18/266)، والصَّفديَّة له (1/198)، والبداية والنهاية لابن كثير (2/70) [دار إحياء التراث العربي، ط1، 1408هـ]، وفتح الباري لابن حجر (6/447، 470، 473) [دار المعرفة ببيروت، 1379هـ]، ولوامع الأنوار البهيَّة للسَّفاريني (2/265)، والرُّسُل والرِّسالات للأشقر (86) [دار النفائس بالأردن، ط12، 1423هـ].
الفرق بين النبوة والرسالة:
قيل: يوجد فرق بين النبوة والرسالة، وقيل: هما شيء واحد. والذين قالوا هما مختلفان اختلفوا في الفرق بين الرسول والنبي على أقوال، وأضبطها ـ والله أعلم ـ قول ابن تيمية رحمه الله، إذ يقول: «النبي هو الذي ينبئه الله، وهو ينبئ بما أنبأ الله به، فإن أرسل مع ذلك إلى من خالف أمر الله ليبلغه رسالة من الله إليه فهو رسول، وأما إذا كان يعمل بالشريعة قبله ولم يرسل هو إلى أحد يبلغه عن الله رسالة فهو نبي وليس برسول»[1]، وعلى هذا كل رسول نبي وليس كل نبي رسول[2].
[1] النبوات (1/714).
[2] انظر: الشفاء للقاضي عياض (1/250) [دار الكتب العلمية]، وتفسير القرطبي (14/424) [مؤسسة الرسالة، ط1، 1427هـ]، ومجموع فتاوى ابن تيمية (10/290، 18/7)، وشرح العقيدة الطحاوية (155)، [دار عالم الكتب، ط3، 1418هـ]، وروح المعاني (10/256) [دار الفكر]، وسلسلة الأحاديث الصحيحة (6/364) رقم (2668)، وكتاب التعريفات الاعتقادية (180، 314) [دار الوطن، ط1، 1422هـ].
من الآثار: العلم بسعة رحمة الله تعالى وعنايته بعباده حيث أرسل إليهم الأنبياء ليهدوهم إلى صراط الله العزيز الحميد، ويبينوا لهم كيفية عبادة الله تعالى.
ومنها: شكر الله تعالى على هذه النعمة الكبرى. ومنها: محبة الأنبياء عليهم السلام وتعظيمهم، والثناء عليهم بما يليق بهم؛ لأنهم قاموا بعبادته، وتبليغ رسالته، والنصح لعباده[1].
[1] انظر: شرح أصول الإيمان (146) [ط1 مجمع الملك فهد].
الحكمة من النبوة: إقامة الحجة على الناس وإخراجهم من الظلمات إلى النور، قال تعالى: {الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ *} [إبراهيم] . وبيَّن النبي صلّى الله عليه وسلّم هذه الحكمة لأهل نجران بقوله: «أدعوكم إلى عبادة الله من عبادة العباد، وأدعوكم إلى ولاية الله من ولاية العباد»[1].
قال ابن تيمية رحمه الله: «هذا من جملة إحسانه إلى الخلق بالتعليم والهداية وبيان ما ينفعهم وما يضرهم كما قال تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [آل عمران: 164] ، فبيّن تعالى أن هذا من مِنَنِه على عباده المؤمنين»[2].
[1] أخرجه البيهقي في دلائل النبوة (5/385) [دار الكتب العلمية، ط1، 1408هـ].
[2] مجموع فتاوى ابن تيمية (6/131).
ضلَّت الفلاسفة ولم يعرفوا النبوة على حقيقتها[1]، وجعلوها مكتسبة بعد توفر الشروط التي وضعوها[2]، لكن إنكار النبوات مخالفة لإجماع الأمم. وجعلها مكتسبة تناقض منهم في القول، إذ لم نر منهم ـ حتى الآن ـ نبيًّا اكتسب النبوة.
وزعم غلاة الرافضة أن الإمامة أجل وأعلى درجة من النبوة[3]، ولهذا يقول الخميني: «إن من ضروريات مذهبنا أن لأئمتنا مقامًا لا يبلغه ملك مقرب، ولا نبي مرسل»[4]، وزعمهم هذا باطل بإجماع المسلمين.
وزعم ملاحدة الصوفية أن النبوة تنال بالجهد والرياضة، وأن الولاية أفضل من النبوة[5]، حيث ينشد بعضهم: مقام النبوة في برزخ فويق الرسول ودون الولي[6]، و«هذا قلب للحقيقة التي اتفق عليها المسلمون، وهو أن الرسول أفضل من النبي الذي ليس برسول، والنبي أفضل من الولي الذي ليس بنبي، والرسالة تنتظم النبوة والولاية، كما أن النبوة تنتظم الولاية»[7]، كما أجمعوا على أن أفضل الأولياء بعد الأنبياء هو أبو بكر الصديق، ولم يحصل له ذلك الفضل إلا بشدة اتباعه للنبي محمد صلّى الله عليه وسلّم.
قال ابن تيمية فيمن فضَّل غير النبي عليه أو جعل النبوة مكتسبة: «وهؤلاء من جنس القرامطة الباطنية الملاحدة، لكن هؤلاء ظهروا في قالب التصوف والتنسك ودعوى التحقيق والتأله، وأولئك ظهروا في قالب التشيع والموالاة، فأولئك يعظمون شيوخهم حتى يجعلوهم أفضل من الأنبياء، وقد يعظمون الولاية حتى يجعلوها أفضل من النبوة، وهؤلاء يعظمون أمر الإمامة حتى قد يجعلون الأئمة أعظم من الأنبياء والإمام أعظم من النبي كما يقوله الإسماعيلية، وكلاهما أساطين الفلاسفة الذين يجعلون النبي فيلسوفًا، ويقولون: إنه يختص بقوة قدسية، ثم منهم من يفضل النبي على الفيلسوف، ومنهم من يفضل الفيلسوف على النبي، ويزعمون أن النبوة مكتسبة»[8]
[1] النبوات (1/195، 197)، ومنهاج السُّنَّة (2/415، 5/435)، [جامعة الإمام، ط2، 1411هـ]، ودرء التعارض (5/353)، [جامعة الإمام، ط2، 1411هـ].
[2] انظر: الإسماعيلية تاريخ وعقائد (322) [إدارة ترجمان السُّنَّة]، وأصول الإسماعيلية (586) [دار الفضيلة، ط1، 1422هـ].
[3] أصول الكافي (1/175) [دار الكتب الإسلامية طهران، ط3، 1388هـ]، وأصول مذهب الشيعة (2/794 ـ 795) [دار الرضا، ط3، 1418هـ] نقلاً عن ودائع النبوة في الولاية والمقتل (114)، [دار العلم 1391هـ]
[4] الحكومة الإسلامية (52) [منشورات المكتبة الإسلامية الكبرى].
[5] انظر: الفتوحات المكية (2/90) [دار الكتب العربية الكبرى]، وفصوص الحكم (62 ـ 64) [دار الكتاب العربي]، وانظر: إبطال القول بوحدة الوجود (89) [دار ابن عباس، ط1، 2006م] وبمثل قولهم قالت الباطنية. انظر: الإسماعيلية تاريخ عقائد (322)، أصول الإسماعيلية (587).
[6] انظر: الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان (196)، [دار الفضيلة]، ومجموع الفتاوى (2/221)، وشرح العقيدة الطحاوية (743). وانظر: درء التعارض (5/355).
[7] الصفدية (254) [أضواء السلف، ط1 1224هـ].
[8] منهاج السُّنَّة (8/25).
1 ـ «أصول مذهب الشيعة» (ج2)، للقفاري.
2 ـ «إبطال القول بوحدة الوجود»، لعلي القاري.
3 ـ «حقوق النبي صلّى الله عليه وسلّم على أمته» (ج1)، للتميمي.
4 ـ «درء تعارض العقل والنقل» (ج5)، لابن تيمية.
5 ـ «دلائل النبوة» (ج5)، للبيهقي.
6 ـ «زاد المعاد» (ج3)، لابن القيم.
7 ـ «شرح العقيدة الطحاوية»، لابن أبي العز.
8 ـ «الصفدية»، لابن تيمية.
9 ـ «الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان»، لابن تيمية.
10 ـ «منهاج السُّنَّة» (ج1)، لابن تيمية.
11 ـ «النبوات»، لابن تيمية.