حرف النون / نزول عيسى عليه السلام

           

النزول : الهبوط من علو إلى سفل[1].


[1] ينظر: مفردات ألفاظ القرآن (799) [دار القلم، ط1]، وعمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ (4/188) [عالم الكتب، ط1، 1414هـ].


ينزل نبي الله عيسى عليه السلام في آخر الزمان من السماء إلى الأرض حكمًا عدلاً، لا رسولاً، فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق، ويصلي وراء الإمام منّا؛ تكرمة من الله تعالى لهذه الأمة، ثم يتوجه لبيت المقدس، ويقتل الدجال عند باب لُدّ، ويحكم بشريعة الإسلام، ويكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ولا يقبل من أحد إلا الإسلام، ثم يموت، ويصلي عليه المسلمون، ويدفنونه[1].


[1] ينظر: تهذيب الأسماء واللغات (2/44 ـ 47) [دار الكتب العلمية]. وسيأتي ذكر الأحاديث ضمن الأدلة.


يجب الإيمان بنزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان، وقتله للدجال. وظهوره من العلامات الكبرى للساعة، والإيمان بها يدخل ضمن الإيمان باليوم الآخر الذي هو ركن من أركان الإيمان.



عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «والذي نفسي بيده، ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم، حكمًا عدلاً، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد، حتى تكون السجدة الواحدة خيرًا من الدنيا وما فيها» ، ثم يقول أبو هريرة: «واقرؤوا إن شئتم: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا *} [النساء] »[1]. وعن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: «ذكر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الدجال ذات غداة» الحديث، وفيه قصة نزول عيسى عليه السلام وقتله للدجال: «فبينما هو كذلك؛ إذ بعث الله المسيح ابن مريم، فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق، بين مهرودتين، واضعًا كفيه على أجنحة ملكين، إذا طأطأ رأسه قطر، وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ، فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات، ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه، فيطلبه حتى يدركه بباب لد فيقتله»[2]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم»[3].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «ليس بيني وبينه نبي ـ يعنى: عيسى ـ وإنه نازل؛ فإذا رأيتموه فاعرفوه؛ رجل مربوع إلى الحمرة والبياض، بين ممصرتين، كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل، فيقاتل الناس على الإسلام، فيدق الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويهلك الله في زمانه المِلل كلها إلا الإسلام، ويهلك المسيح الدجال، فيمكث في الأرض أربعين سنة، ثم يتوفى فيصلي عليه المسلمون»[4].


[1] أخرجه البخاري (كتاب البيوع، رقم 2222)، ومسلم (كتاب الإيمان، رقم 155).
[2] أخرجه مسلم (كتاب الفتن وأشراط الساعة، رقم 2937).
[3] أخرجه البخاري (كتاب أحاديث الأنبياء، رقم 3449)، ومسلم (كتاب الإيمان، رقم 155).
[4] أخرجه أبو داود (كتاب الملاحم، رقم 4324)، وأحمد (15/398) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وابن حبان (كتاب التاريخ، رقم 6814)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة رقم (2182).


قال ابن بطة: «ثم الإيمان بأن عيسى ابن مريم عليه السلام ينزل من السماء إلى الأرض، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويكون الدعوة واحدة»[1].
وقال القاضي عياض: «نزول عيسى عليه السلام وقتله الدجال: حق وصحيح عند أهل السُّنَّة؛ للأحاديث الصحيحة فى ذلك. وليس في العقل ولا في الشرع ما يبطله فوجب إثباته»[2].
وقال ابن كثير: «قد تواترت الأحاديث عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه أخبر بنزول عيسى ابن مريم عليه السلام قبل يوم القيامة إمامًا عادلاً، وحكمًا مقسطًا»[3]، وقال السفاريني: «أجمعت الأمة على نزوله، ولم يخالف فيه أحد من أهل الشريعة، وإنما أنكر ذلك الفلاسفة والملاحدة ممن لا يعتد بخلافه، وقد انعقد إجماع الأمة على أنه ينزل ويحكم بهذه الشريعة المحمدية، وليس ينزل بشريعة مستقلة عند نزوله من السماء، وإن كانت النبوة قائمة به، وهو متصف بها»[4].
وقال الغماري: «اعلم أنه تواتر عن النبي صلّى الله عليه وسلّم تواترًا لا خلاف فيه ولا نزاع، بنزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان»[5].
وقال محمد شفيع: «إن مسألة نزول المسيح عليه السلام، وكونه هو عيسى ابن مريم النبي الإسرائيلي بعينه: مما صدعت به النصوص القرآنية، وتواترت فيه الأحاديث النبوية، وأجمعت عليه الأمة، من لدن عهد النبي الكريم صلّى الله عليه وسلّم إلى يومنا هذا بحيث لا يسع فيه التأويل، ولا يسع فيه القال والقيل»[6].


[1] الشرح والإبانة (147) [دار الأمر الأول، ط1، 1432هـ].
[2] شرح صحيح مسلم (18/100) [مؤسسة قرطبة، ط1، 1412هـ].
[3] تفسير ابن كثير (7/236) [دار طيبة، ط4].
[4] لوامع الأنوار البهية (2/94، 95) [المكتب الإسلامي]، ونحوه: البحور الزاخرة في علوم الآخرة (2/512) [دار غراس، ط1، 1428هـ].
[5] إقامة البرهان على نزول عيسى في آخر الزمان (25) [عالم الكتب، ط3، 1410هـ].
[6] في تقديمه لكتاب: التصريح بما تواتر في نزول المسيح (48) [دار السلام، ط4، 1402هـ].


المسألة الأولى: نزول عيسى عليه السلام من أشراط الساعة، ودلالة على قربها:
قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلاَ تَمْتَرُنَّ بِهَا} [الزخرف: 61] ، قال ابن كثير: «أي: أمارة ودليل على وقوع الساعة، قال مجاهد؛ أي: آية للساعة خروج عيسى ابن مريم قبل يوم القيامة. وهكذا روي عن أبي هريرة، وابن عباس، وأبي العالية، وأبي مالك، وعكرمة، والحسن وقتادة، والضحاك، وغيرهم»[1]. وأنه عليه السلام إذا نزل يقضي على الدجال، ويقتل الخنزير، ويكسر الصليب، ويضع الجزية فلا يقبل من أحد إلا الإسلام، ويؤمن به أهل الكتاب، كما قال تعالى: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا *} [النساء] ، ويبقى ما شاء الله له أن يعيش، ثم يتوفاه الله الوفاة الكبرى، وهذا يدل على أنه لا يزال حيًّا عليه السلام حين رفعه الله تعالى، وأن وفاته وفاة منامية.
المسألة الثانية: المنارة التي ينزل عليها عيسى عليه السلام:
لم يثبت حديث صحيح في تحديد المنارة التي ينزل فيها عيسى عليه السلام، وإن رجح بعضهم أن المقصود بها منارة الجامع الأموي، قال ابن كثير: «هذا هو الأشهر في موضع نزوله: أنه على المنارة البيضاء الشرقية بدمشق، وقد رأيت في بعض الكتب: أنه ينزل على المنارة البيضاء شرقي جامع دمشق فلعل هذا هو المحفوظ، وليس بدمشق منارة تعرف بالشرقية سوى التي إلى شرق الجامع الأموي بدمشق من شرقيِّه، وهذا هو الأنسب والأليق؛ لأنه ينزل وقد أقيمت الصلاة»[2].
المسألة الثالثة: مدة مكثه:
يمكث في الأرض أربعين سنة، كما دلَّ عليه حديث أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «فيمكث في الأرض أربعين سنة، ثم يتوفى فيصلي عليه المسلمون» [3]. وجاء في حديث عند مسلم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يخرج الدجال في أمتي فيمكث أربعين، فيبعث الله عيسى ابن مريم كأنه عروة بن مسعود فيطلبه فيهلكه، ثم يمكث الناس سبع سنين، ليس بين اثنين عداوة، ثم يرسل الله ريحًا باردة من قبل الشام؛ فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرة من خير أو إيمان إلا قبضته، حتى لو أن أحدكم دخل في كبد جبل؛ لدخلته عليه حتى تقبضه» [4]. وقد وفَّق بعض العلماء بين الروايتين بأن حملوا رواية السبع سنين على مدة إقامته بعد نزوله، ويكون ذلك مضافًا إلى مكثه في الأرض قبل رفعه إلى السماء وكان عمره إذ ذاك ثلاثًا وثلاثين سنة[5]. وهذا القول متوجه إذا صح أن عيسى عليه السلام رفع وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة، إلا أن ابن القيم رحمه الله، قال: «وأما ما يذكر عن المسيح أنه رُفعَ إلى السماء وله ثلاث وثلاثون سنة، فهذا لا يعرف له أثر متصل يجب المصير إليه»[6]. كما أنه جاء في حديث عائشة رضي الله عنها؛ أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «حتى يأتي فلسطين باب لُدّ، فينزل عيسى عليه السلام فيقتله، ثم يمكث عيسى عليه السلام في الأرض أربعين سنة إمامًا عدلاً، وحكمًا مقسطًا» [7]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ينزل عيسى ابن مريم فيمكث في الناس أربعين سنة» [8]، وهذان الحديثان يدلان دلالة ظاهرة أن الأربعين سنة تكون بعد قتله للدجال[9]. وقيل للتوفيق بين الروايتين: إن السنين السبع هي مدة مكثه مع الإمام المهدي، وبعد تمام سبع سنين يتوفى الإمام، ويبقى عيسى صلّى الله عليه وسلّم بعد ذلك ثلاثًا وثلاثين سنة[10]، ويشهد لهذا القول حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المهدي مني أجلى الجبهة، أقنى الأنف، يملأ الأرض قسطًا وعدلاً كما ملئت جورًا وظلمًا، يملك سبع سنين» [11]. وقيل: إن المقصود بقوله صلّى الله عليه وسلّم: «ثم يمكث الناس سبع سنين» هو الكثرة لا الحصر[12]، والله أعلم.
المسألة الرابعة: زمن عيسى ابن مريم بعد نزوله زمن رغد ورخاء، وأمن وسلام:
دلَّ على ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «والله لينزلن ابن مريم حكمًا عادلاً، فليكسرن الصليب، وليقتلن الخنزير، وليضعن الجزية، ولتتركن القلاص؛ فلا يسعى عليها، ولتذهبن الشحناء والتباغض والتحاسد، وليدعون إلى المال فلا يقبله أحد» [13]. قال النووي: «وإنما ذكرت القلاص؛ لكونها أشرف الإبل، التي هي أنفس الأموال عند العرب»[14]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «ثم تقع الأمنة على الأرض حتى ترتع الأسود مع الإبل، والنمار مع البقر، والذئاب مع الغنم، ويلعب الصبيان بالحيات، لا تضرهم» [15]. وجاء في حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم؛ أنه قال في زمن عيسى عليه السلام: «ثم يرسل الله مطرًا لا يَكُنُّ منه بيت مدر ولا وبر؛ فيغسل الأرض حتى يتركها كالزَّلَفة[16]، ثم يقال للأرض: أنبتي ثمرتك، وردي بركتك. فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة، ويستظلون بقحفها، ويبارك في الرسل[17]؛ حتى أن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس، واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس، واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ من الناس» [18].
المسألة الخامسة: أن الوحي ينزل على عيسى عليه السلام في ذلك الزمن[19]:
دلَّ على ذلك حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: «ذكر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الدجال ذات غداة» الحديث، وفيه قصة نزول عيسى عليه السلام وقتله للدجال: «فبينما هو كذلك؛ إذ أوحى الله إلى عيسى: إني قد أخرجت عبادًا لي لا يدان لأحد بقتالهم فحرِّز عبادي إلى الطور. ويبعث الله يأجوج ومأجوج»[20].
المسألة السادسة: هل يرتفع التكليف بنزول عيسى عليه السلام؟
قال القرطبي: «ذهب قوم إلى أن بنزول عيسى عليه السلام يرتفع التكليف؛ لئلا يكون رسولاً إلى أهل ذلك الزمان يأمرهم عن الله تعالى وينهاهم، وهذا أمر مردود بالأخبار التي ذكرناها من حديث أبي هريرة، وبقوله تعالى: {وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: 40] ، وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا نبي بعدي» [21]، وقوله: «وأنا العاقب» [22]، يريد آخر الأنبياء وخاتمهم. وإذا كان ذلك: فلا يجوز أن يتوهم أن عيسى ينزل نبيًّا بشريعة متجددة غير شريعة محمد نبينا صلّى الله عليه وسلّم؛ بل إذا نزل فإنه يكون يومئذ من أتباع محمد صلّى الله عليه وسلّم، وقد روى أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق إلى يوم القيامة. قال: فينزل عيسى ابن مريم عليه السلام فيقول أميرهم: تعالَ صل لنا. فيقول: لا؛ إن بعضكم على بعض أمراء؛ تكرمة الله لهذه الأمة» [23]. فعيسى عليه السلام إنما ينزل مقررًا لهذه الشريعة ومجددًا لها؛ إذ هي آخر الشرائع، ومحمد صلّى الله عليه وسلّم آخر الرسل، فينزل حكمًا مقسطًا، وإذا صار حكمًا فإنه لا سلطان يومئذ للمسلمين، ولا إمام ولا قاضي ولا مفتي، قد قبض الله العلم، وخلا الناس منه. فينزل وقد علم بأمر الله تعالى له في السماء قبل أن ينزل ما يحتاج إليه من علم هذه الشريعة؛ للحكم بحكمه بين الناس، والعمل به في نفسه، فيجتمع المؤمنون عند ذلك إليه، ويحكمونه على أنفسهم، إذ لا أحد يصلح لذلك غيره؛ ولأن تعطيل الحكم غير جائز. وأيضًا فإن بقاء الدنيا إنما يكون بمقتضى التكليف إلى أن لا يقال في الأرض: الله الله»[24].
المسألة السابعة: أن عيسى عليه السلام عندما ينزل سيحج ويعتمر:
كما دلَّ عليه حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «والذي نفسي بيده، ليهلن ابن مريم بفج الروحاء حاجًّا أو معتمرًا أو ليثنينهما» [25]، وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ينزل عيسى ابن مريم، فيقتل الخنزير، ويمحو الصليب، وتجمع له الصلاة، ويعطى المال حتى لا يقبل، ويضع الخراج، وينزل الروحاء، فيحج منها أو يعتمر، أو يجمعهما»[26].


[1] تفسير ابن كثير، دار طيبة (7/236).
[2] النهاية أو الفتن والملاحم (1/144، 145).
[3] تقدم تخريجه.
[4] أخرجه مسلم (كتاب الفتن وأشراط الساعة، رقم 2940).
[5] ينظر: النهاية أو الفتن والملاحم (1/146) [دار الكتب الحديثة، ط1]، والإشاعة لأشراط الساعة (304) [دار المنهاج، ط1، 1417هـ]. وفتاوى وأحكام في نبي الله عيسى (73) [نشر علي العماري، ط1، 1420هـ].
[6] زاد المعاد في هدي خير العباد (1/84) [دار المؤيد، مؤسسة الرسالة، ط28، 1415هـ].
[7] أخرجه أحمد (41/15) [مؤسسة الرسالة، ط2، 1428هـ]، وابن حبان (كتاب التاريخ، رقم 6822)، وقال الهيثمي في المجمع (7/338) [مكتبة القدسي]: (رجاله رجال الصحيح، غير الحضرمي بن لاحق، وهو ثقة)، وصححه الألباني في قصة المسيح الدجال (60) [المكتبة الإسلامية].
[8] أخرجه الطبراني في الأوسط (5/331) [دار الحرمين]، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/205) [دار الكتاب العربي، ط3/1402هـ]: «رجاله ثقات»، وجوَّد إسناده الألباني في السلسلة الضعيفة (12/871).
[9] ينظر: البحور الزاخرة في علوم الآخرة (2/517).
[10] ينظر: فيض الباري على صحيح البخاري (3/262، 263) [دار المعرفة].
[11] أخرجه أبو داود (كتاب المهدي، رقم 4285) واللفظ له، وأحمد (17/209) [مؤسسة الرسالة، ط2، 1428هـ]، وابن حبان (كتاب التاريخ، رقم 6826)، والحاكم (كتاب الفتن والملاحم، رقم 8670)، وجوَّد إسناده ابن القيم في المنار المنيف (144) [مكتب المطبوعات الإسلامية، ط1]، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (رقم 6736).
[12] ينظر: التصريح بما تواتر في نزول المسيح (127 ـ 129) الحاشية.
[13] أخرجه مسلم (كتاب الإيمان، رقم 155).
[14] شرح صحيح مسلم (2/253) والقِلاص: «جمع قَلوص، وهي من الإبل كالفتاة من النساء». ينظر: الموضع نفسه.
[15] أخرجه أبو داود (كتاب الملاحم، رقم 4324)، وأحمد (15/153) [مؤسسة الرسالة، ط1] واللفظ له، وابن حبان (كتاب التاريخ، رقم 6814)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (رقم 2182).
[16] الزلفة: المرآة، شبه الأرض بها لاستوائها ونظافتها. والمراد أن الماء يعم جميع الأرض فينظفها. ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (401) [دار ابن الجوزي، ط1، 1421هـ]، وفتح الباري (13/117) [المطبعة السلفية، ط2، 1400هـ].
[17] الرسل: اللبن. وذكر في الحديث؛ لأنه يكثر في حال الرخاء والخصب. ينظر: النهاية في الغريب (401).
[18] تقدم تخريجه.
[19] ينظر: الإعلام بحكم عيسى ـ ضمن الحاوي للفتاوي (2/294 ـ 296) [المكتبة العصرية، 1411هـ]، والإشاعة لأشراط الساعة (310).
[20] تقدم تخريجه.
[21] أخرجه البخاري (كتاب أحاديث الأنبياء، رقم 3455)، ومسلم (كتاب الإمارة، رقم 1842).
[22] أخرجه البخاري (كتاب التفسير، رقم 4896)، ومسلم (كتاب الفضائل، رقم 2354).
[23] أخرجه مسلم (كتاب الإيمان، رقم 156).
[24] التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة (3/1301، 1302) [دار المنهاج، ط1، 1425هـ]. وينظر: الإعلام بحكم عيسى (278 ـ 288).
[25] أخرجه مسلم (كتاب الحج، رقم 1252).
[26] أخرجه أحمد (13/280) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وصححه الألباني في قصة المسيح الدجال (99) [المكتبة الإسلامية].


لعل الحكمة من نزول عيسى عليه السلام دون غيره من الأنبياء عليهم السلام ما يلي:
أولاً: الرد على اليهود في زعمهم أنهم قتلوه وصلبوه؛ فبيَّن الله تعالى كذبهم، وأنه ينزل عليه السلام قبل يوم القيامة إمامًا عادلاً حكمًا مقسطًا، كما ثبت في الأحاديث.
ثانيًا: الردُّ على النصارى واليهود في زعمهم أن المسيح عليه السلام قُتل وصُلب، قال الله تعالى: {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً *بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا *} [النساء] .
ثالثًا: إبطال عقيدة النصارى في زعمهم أن المسيح ابن الله، وذلك أنه بعد نزوله وقتله للدجال فإنه يموت مثل البشر، كما مات غيره من الأنبياء عليهم السلام.
رابعًا: بيان فساد عقيدة النصارى في تعظيمهم للصليب بزعمهم أن المسيح مات على الصليب فداء للبشر عن خطيئة أبيهم آدم ـ بزعمهم ـ فأصبح الصليب علامة النصارى وشعارهم ورمزًا لحياتهم. أيضًا بيان فساد عقيدتهم في تحليل لحم الخنزير، مع أن الله حرم أكله في كل الشرائع وخاتمتها شريعة الإسلام.
خامسًا: تكذيب اليهود في زعمهم أنهم شعب الله المختار، إذ إنه عليه السلام ينزل متبعًا لشريعة محمد صلّى الله عليه وسلّم، ومقتديًا بأحد أتباع الرسول محمد صلّى الله عليه وسلّم في الصلاة، كما ثبت في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة ، ـ قال: ـ فينزل عيسى ابن مريم صلّى الله عليه وسلّم فيقول أميرهم: تعال صل لنا. فيقول: لا؛ إن بعضكم على بعض أمراء. تكرمة الله هذه الأمة» [1]. كما أنه ينزل عليه السلام حاكمًا بشريعة الإسلام، ومقاتلاً مع أمة محمد صلّى الله عليه وسلّم اليهود؛ كل هذا وغيره يدل على اصطفاء الله لأمة محمد صلّى الله عليه وسلّم من بين سائر الأمم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «فيقاتل الناس على الإسلام، فيدق الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويهلك الله في زمانه الملل كلها إلا الإسلام»[2].
سادسًا: مقاتلة اليهود الذين حاربوه ووقفوا ضد دعوته؛ وأفسدوا في البلاد والعباد، فيقاتلهم ومعه المسلمون، ويقتل مسيحهم الدجال، كما جاء في حديث أبي أُمامة رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم؛ أنه قال: «فيصلي بهم إمامهم؛ فإذا انصرف قال عيسى: افتحوا الباب. فيفتحون ووراءه الدجال، معه سبعون ألف يهودي كلهم ذو سيف محلى وساج، فإذا نظر إليه الدجال ذاب كما يذوب الملح في الماء، وينطلق هاربًا فيدركه عند باب لُدّ الشرقي فيقتله؛ فيهزم الله اليهود، فلا يبقى شيء مما خلق الله عزّ وجل يتوارى به يهودي إلا أنطق الله ذلك الشيء، لا حجر، ولا شجر، ولا حائط، ولا دابة؛ إلا الغرقدة فإنها من شجرهم لا تنطق؛ إلا قال: يا عبد الله المسلم! هذا يهودي فتعال اقتله»[3].
سابعًا: تحقيق قول الله تعالى في دين الإسلام: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ *} [التوبة] ، وذلك أن عيسى عليه السلام يضع الجزية فلا يقبل من أحد إلا الإسلام.
ثامنًا: إن نزول عيسى عليه السلام من السماء، لدنو أجله، فيدفن في الأرض؛ إذ ليس لمخلوق من التراب أن يموت في غيرها[4].


[1] تقدم تخريجه.
[2] تقدم تخريجه.
[3] أخرجه ابن ماجه (كتاب الفتن، رقم 4077)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2/447) [دار الراية، ط1]، وتمَّام في فوائده (1/116) [مكتبة الرشد، ط1]، وصححه الألباني في صحيح الجامع (رقم 7875) [المكتب الإسلامي، ط2].
[4] ينظر: التذكرة للقرطبي (3/1302 ـ 1304)، وفتح الباري (6/568).


ذهب بعض المعاصرين إلى إنكار نزول عيسى عليه السلام، وقال: إن المراد بنزوله هو انتصار الحق وانتشاره من جديد[1]. وهذا تأويل باطل مردود، وهو من تحريف الكلم عن مواضعه «ومن جنس تأويلات القرامطة والباطنية، ويلزم على هذا التأويل الباطل تكذيب ما تواتر عن النبي صلّى الله عليه وسلّم من الإخبار بنزول عيسى عليه الصلاة والسلام في آخر الزمان حكمًا عدلاً، ومن كذب بشيء مما ثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم؛ فهو ممن يشك في إسلامه؛ لأنه لم يحقق الشهادة بأن محمدًا رسول الله، بل قد تواترت النصوص الدالة على نزول عيسى صلّى الله عليه وسلّم في آخر الزمان حكمًا عدلاً، وهي أدلة قاطعة على امتداد حياته حتى الآن»[2].


[1] ينظر: إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة (3/140) [دار الصميعي، ط2].
[2] إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة (3/140 ـ 143).


1 ـ «الإشاعة لأشراط الساعة»، للبرزنجي.
2 ـ «أشراط الساعة وذهاب الأخيار وبقاء الأشرار»، لعبد الملك بن حبيب الأندلسي.
3 ـ «أشراط الساعة»، ليوسف الوابل.
4 ـ «الإعلام بحكم عيسى عليه السلام (ضمن الحاوي للفتاوي)» (ج2)، للسيوطي.
5 ـ «إقامة البرهان على نزول عيسى في آخر الزمان»، لعبد الله الغماري.
6 ـ «البراهين والأدلة الكافية في القناعة برفع المسيح وأن نزوله من أشراط الساعة»، لسليمان بن عبد الرحمن بن حمدان.
7 ـ «تحية الإسلام في حياة عيسى عليه السلام ضمن مجموعة رسائل الكشميري» (ج2)، لمحمد أنور الكشميري.
8 ـ «التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة» (ج3)، للقرطبي.
9 ـ «التصريح بما تواتر في نزول المسيح»، لمحمد أنور شاه الكشميري.
10 ـ «رفع عيسى حيًّا ونزوله وقتله الدجال»، لمحمد خليل هراس.
11 ـ «عقيدة الإسلام في حياة عيسى عليه السلام ضمن مجموعة رسائل الكشميري» (ج2)، لمحمد أنور الكشميري.