حرف النون / النُّشرة

           

قال ابن فارس رحمه الله: «النون والشين والراء أصل صحيح يدل على فتح شيء، وتشعبه»[1].
والنُّشرة : بالضم: ضرب من الرقية يعالج به من كان يُظن أن به مسًّا من الجن، أو المرض، يقال: قد نشر عنه، وانتشر: انبسط. ونشره بـ{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ *}؛ أي: رقاه. وكذلك إذا كتب له النشرة. والتنشير من النُّشرة، وهي كالتعويذ والرقية[2].


[1] مقاييس اللغة (5/430) [دار الجيل، ط1420هـ].
[2] انظر: الصحاح (2/828) [دار العلم للملايين، ط3، 1404هـ]، ولسان العرب (14/142) [دار إحياء التراث العربي، ط3، 1419هـ]، وترتيب القاموس (4/372) [دار عالم الكتب، ط4، 1417هـ].


حل السحر عن المسحور، وهو ضرب من الرقية والعلاج، يعالج به من كان مصابًا بالجن، أو بالسحر، ينشر بها ـ أي: يحل ـ عنه ما خامره من الداء[1].


[1] انظر: أعلام الحديث (3/1504) [جامعة أم القرى، ط1، 1409هـ]، ومعالم السنن (4/220) [المطبعة العلمية، حلب، ط1، 1352هـ]، وشرح السُّنَّة للبغوي (12/159) [المكتب الإسلامي، ط2، 1403هـ]، والقول السديد لابن سعدي ـ ضمن المجموعة الكاملة له (3/30) [مركز صالح بن صالح الثقافي، ط2، 1412هـ].


سميت نشرة؛ لأنه ينشر بها عنه ما خامره من الداء؛ أي: يحل عنه، ويكشف ويزال[1].


[1] انظر: معالم السنن للخطابي (4/220)، والنهاية في غريب الحديث والأثر (5/54) [دار إحياء التراث العربي]، ولسان العرب (14/142).


النشرة : هي حل السحر عن المسحور، وهي نوعان؛
أحدهما: حل بسحر مثله، وهو محرم، وهو من عمل الشيطان، وعليه يُحمل قول الحسن: «لا يحل السحر إلا ساحر»[1]، فيتقرب الناشر والمنشور إلى الشيطان بما يحب فيبطل عمله عن المسحور.
الثاني: النُّشرة بالرقية الشرعية، والأدوية والدعوات المباحة، فهذا جائز[2].


[1] ذكره ابن الجوزي في جامع المسانيد (2/82) [مكتبة الرشد، ط1، 1426هـ].
[2] انظر: إعلام الموقعين (4/369).


عن عائشة رضي الله عنها قالت ـ في قصة سحر النبي صلّى الله عليه وسلّم ـ: فأتى النبي البئر حتى استخرجه فقال: «هذه البئر التي أريتها، وكأن ماءها نقاعة الحنَّاء، وكأنَّ نخلها رؤوس الشياطين» . قال: فاستخرج، قالت: قلت: أفلا؟ ـ أي: تنشَّرت ـ. فقال: «أما والله فقد شفاني وأكره أن أثير على أحد من الناس شرًّا»[1].
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: سئل النبي صلّى الله عليه وسلّم عن النشرة فقال: «هي من عمل الشيطان»[2].
وقد جاء النهي عن التداوي بالأمور المحرمة؛ كالخمر، ونحوه، فعن طارق بن سويد الجعفي سأل النبي صلّى الله عليه وسلّم عن الخمر فنهاه أو كره أن يصنعها. فقال: إنما أصنعها للدواء، فقال: «إنه ليس بدواء ولكنه داء»[3].


[1] أخرجه البخاري (كتاب الطب، رقم 5765) واللفظ له، ومسلم (كتاب السلام، رقم 2189).
[2] أخرجه أحمد في مسنده (22/40) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وعنه أبو داود (كتاب الطب، رقم 3868)، وحسَّن ابن حجر إسناده في فتح الباري (10/233) [دار المعرفة]، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (رقم 2760).
[3] أخرجه مسلم (كتاب الأشربة، رقم 1984).


قال ابن القيم: «والنشرة حل السحر عن المسحور، وهي نوعان: حل سحر بسحر مثله، وهو الذي من عمل الشيطان، فإن السحر من عمله، فيتقرب إليه الناشر والمنتشر بما يحب، فيبطل عمله عن المسحور. والثاني: النشرة بالرقية والتعوذات والدعوات والأدوية المباحة، فهذا جائز، بل مستحب»[1].
وقال ابن عثيمين رحمه الله: «وهذا الحديث بيَّن فيه الرسول صلّى الله عليه وسلّم حكم النشرة، وأنها من عمل الشيطان، وهذا يغني عن قوله إنها حرام، بل هذا أشد من قوله: إنها حرام؛ لأن ربطها بعمل الشياطين يقتضي تقبيحها، والتنفير عنها، فهي محرمة»[2].
وقال الشنقيطي رحمه الله: «التحقيق الذي لا ينبغي العدول عنه في هذه المسألة: أن استخراج السحر إن كان بالقرآن كالمعوذتين، وآية الكرسي، ونحو ذلك مما تجوز الرقية به فلا مانع من ذلك، وإن كان بسحر أو ألفاظ أعجمية أو بما لا يفهم معناه، أو بنوع آخر مما لا يجوز فإنه ممنوع، وهذا واضح، وهو الصواب إن شاء الله تعالى كما ترى»[3].
الأقسام:
النُّشرة نوعان:
النوع الأول: نُشرة جائزة، وهي ما كانت بالرُّقى والتعوذات الشرعية والأدوية المباحة، وهذا ما شرعه الله تعالى لعباده في علاج السحر.
قال موفق الدين ابن قدامة رحمه الله: «وأما من يحل السِّحر: فإن كان بشيء من القرآن، أو شيء من الذكر، والأقسام، والكلام الذي لا بأس به، فلا بأس به»[4].
النوع الثاني: نُشرة ممنوعة، وهي حل السحر بسحر مثله وهي من عمل الشيطان، فإن السحر من عمل الشيطان يتقرب إليه الناشر والمنتشر بما يحب فيبطل عمله عن المسحور.
قال حافظ الحكمي رحمه الله: «النُّشرة: حل السحر عن المسحور، فإن كان ذلك بسحر مثله فهي من عمل الشيطان، وإن كانت بالرقى، والتعاويذ المشروعة فلا بأس بذلك»[5].


[1] إعلام الموقعين (4/301).
[2] القول المفيد (1/554) [دار ابن الجوزي، ط2].
[3] أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (4/57، 58) [دار عالم الفوائد، ط1، 1426هـ].
[4] المغني (12/304) [دار عالم الكتب، ط3، 1417هـ].
[5] أعلام السُّنَّة المنشورة (155) [مكتبة السوادي، ط7، 1418هـ].


ـ دعوى الضرورة في جواز حل السحر بسحر مثله:
زعم بعض من أجاز حل السحر بسحر مثله أن جواز ذلك من باب الضرورة، فالضرورات تبيح المحظورات، وهذا قول مردود، ورأي مطّرح؛ لمعارضته للنصوص الشرعية في تحريم إتيان السحرة والكهنة والعرافين وسؤالهم، والزعم بأن ذلك ضرورة لا يصح؛ لأن المحظور إنما أبيح للضرورة التي يتحقق معها نفعه، كالميتة يأكلها الإنسان المضطر ويتحقق نفعها، بخلاف الشفاء من السحر قد يتحقق وقد لا يتحقق، كما أن الضرورة لا تكون جائزة ببذل الدين والتوحيد عوضًا عنها، والضرورات الخمس التي جاءت بها الشرائع أولها وأعظمها حفظ الدين، وغيره أدنى من مرتبته، فلا يبذل ما هو أعلى لتحصيل ما هو أدنى، والسحر لا يكون إلا بشرك والذي يأتي الساحر ويطلب منه حل السحر فقد رضي قوله وعمله ورضي أن يعمل به ذاك، ورضي أن يشرك ذاك بالله لأجل منفعته وهذا لا يجوز[1].
وحل السحر بالسحر فيه مفاسد خطيرة وظاهرة، والقاعدة الشرعية: دفع المفاسد أولى من جلب المصالح، يبيِّنها الشيخ حافظ الحكمي رحمه الله بقوله: «أما حل السحر عن المسحور بسحر مثله: فيحرم؛ فإنه معاونة للساحر، وإقرار له على عمله، وتقرب إلى الشيطان بأنواع القرب ليبطل عمله عن المسحور ولهذا ترى كثيرًا من السحرة الفجرة في الأزمان التي لا سيف فيها يردعهم، يتعمد سحر الناس، ممن يحبه أو يبغضه؛ ليضطره بذلك إلى سؤاله حلَّه؛ ليتوصل بذلك إلى أموال الناس بالباطل، فيستحوذ على أموالهم ودينهم»[2].


[1] انظر: التمهيد لشرح كتاب التوحيد (331، 332) [دار التوحيد، ط1، 1424هـ].
[2] معارج القبول (2/711، 712) [دار ابن الجوزي، ط6، 1430هـ].


1 ـ «أضواء البيان»، للشنقيطي.
2 ـ «أحكام الأدوية في الشريعة الإسلامية»، لحسن الفكي.
3 ـ «أحكام الرُّقى والتمائم»، لفهد السحيمي.
4 ـ «إعلام الموقعين»، لابن القيم.
5 ـ «إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد»، للفوزان.
6 ـ «التمهيد لشرح كتاب التوحيد»، لصالح آل الشيخ.
7 ـ «السحر بين الحقيقة والخيال»، لأحمد الحمد.
8 ـ «الشرك ومظاهره»، لمبارك الميلي.
9 ـ «فتح الباري»، لابن حجر.
10 ـ «قواعد ومسائل في توحيد الإلهية»، لعبد العزيز الريس.