حرف النون / نصوص الصفات

           

النصوص : جمع نص، والنص: أصله من نصّ الشيء إذا رفعه، ومنه: مِنصة العروس بكسر الميم، ويراد بالنص: التوقيف، والتعيين على شيء ما، ويأتي بمعنى: الرفع والظهور. وقيل: نصَّ الحديثَ إلى فلان: رفعه إليه، ونص كل شيء: منتهاه، ومبلغ أقصاه[1].
والصفات : جمع صفة، وهي مشتقة من الفعل: وَصَفَ، فالواو والصاد والفاء أصل واحد وهو تحلية الشيء. ووصفته أصِفُه وصفًا؛ إذا حلَّيتُه ونَعتُه. والصفة: الأمارة اللازمة للشيء. والهاء في الصفة عوض عن الواو، وقيل: الوصف المصدر والصفة الحلية[2]. «والصفة والوصف تارة يراد به الكلام الذي يوصف به الموصوف؛ كقول الصحابي في {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ *} [الإخلاص] : أحبها؛ لأنها صفة الرحمن، وتارة يراد به المعاني التي دل عليها الكلام؛ كالعلم والقدرة»[3].


[1] مختار الصحاح للرازي (312) [المكتبة العصرية، ط5، 1420هـ]، وتهذيب اللغة (12/82) [دار إحياء التراث العربي، ط1، 2001م]، وتاج العروس (18/178 ـ 180)، ولسان العرب (7/97).
[2] انظر: مقاييس اللغة (6/115) [دار الفكر، 1399هـ]، ولسان العرب (9/356) [دار صادر، ط3، 1414هـ].
[3] انظر: مجموع الفتاوى (3/335) [مجمع الملك فهد لطباعة المصحف، ط 1416هـ].


نصوص الصفات : هي الأدلة الشرعية التي جاء فيها الإخبار عن ما قام بالذات الإلهية من صفات لا تنفك عنها، كالوجه واليدين والحياة والعلم والقدرة والحكمة والسمع والبصر. أو من صفات فعلية تتعلق بمشيئة الله تعالى؛ كالمجيء والنزول، والرضا والغضب، والفرح، والضحك، والاستواء، والخلق، ونحو ذلك. مع وجوب اعتقاد مفهوم تلك النصوص المتبادر إلى أذهان عامة الأمة[1].


[1] انظر: رسالة في الصفات الاختيارية ضمن جامع الرسائل لابن تيمية (2/1) [دار العطاء، ط1، 1422هـ]، ومدارج السالكين لابن القيم (2/84) [دار الكتاب العربي، ط3، 1416هـ]، والكواشف الجلية عن معاني الواسطية لعبد العزيز السلمان (429) [ط18، 1413هـ]، وأسماء الله وصفاته وموقف أهل السُّنَّة منها لابن عثيمين [دار الشريعة، ط1، 1424هـ]، والصفات الإلهية في الكتاب والسُّنَّة النبوية لمحمد أمان الجامي (203) [الجامعة الإسلامية بالمدينة، ط1، 1408هـ].


أدلة الصفات، أخبار الصفات.



إن باب صفات الله تعالى يُعد عند أهل السُّنَّة والجماعة من الأبواب التوقيفية، فلا يحِلّ لأحد من المخلوقين أن يصف الله عزّ وجل بغير ما وصف به تعالى نفسه؛ بل يجب عليهم جميعًا: أن يؤمنوا بصفات الله تعالى التي وصف بها نفسه في آياته وتنزيله، أو على لسان رسوله صلّى الله عليه وسلّم، من غير زيادة عليها، ولا نقص منها[1].
ويجب الإيمان بنصوص الصفات الواردة في القرآن والسُّنَّة الصحيحة وإثباتها على الوجه اللائق بالله تعالى من غير تكييف ولا تمثيل ومن غير تحريف ولا تعطيل. كما يجب حفظ حرمة نصوص الصفات بإجراء أخبارها على ظواهرها، وهو اعتقاد مفهومها المتبادر إلى أذهان العامة.
ويجب الإيمان بأن هذه النصوص معلومة المعنى مفهومة الدلالة، مع وجوب العمل بظواهر النصوص إلا بدليل يصرفه عن الظاهر؛ لأن هذه طريقة السلف، ولأنه أحوط وأبرأ للذمة، وأقوى في التعبد والانقياد[2].


[1] انظر: حكاية المناظرة في القرآن لابن قدامة (44).
[2] انظر: مدارج السالكين (2/85، 86)، وجامع العلوم والحكم (4/57)، والأصول من علم الأصول لابن عثيمين (49، 50) [دار ابن الجوزي، 1426هـ].


نصوص الصفات : تُجرى على ظاهرها اللائق بكمال الله تعالى وجلاله، مع وجوب البعد عن تحريف ألفاظها ومعانيها ونفي حقائقها أو تمثيلها، ومن عرف هذه الحقيقة فقد فارق طائفتي الضلال من المعطلة والممثلة.



نصوص الصفات : ذات منزلة عظيمة ورتبة شريفة؛ لدلالتها على صفات الله تعالى الكاملة التي لا نقص فيها بوجه من الوجوه، فقدر صفات الله عظيم، ومنزلتها رفيعة، أَخذت ذلك من عظمة الله جلّ جلاله؛ لأنه المتصف بها سبحانه، المحيط بكل شيء، المتصف بالكمال المطلق في كل شيء. وكمال عبودية العبد لربه ترجع إلى مقتضى صفاته، فهو إنما تعرف على عباده بصفاته[1].


[1] انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (6/71)، وطريق الهجرتين وباب السعادتين لابن القيم (1/243، 244).


لقد اشتمل القرآن الكريم على نصوص كثيرة دالَّة على إثبات الصفات، قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى} [النحل: 60] ؛ أي: الصفة العليا[1]. وقال تعالى: {وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ} [البقرة: 255] ، وقال تعالى: {فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا} [فاطر: 10] ، وقال: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي *} [طه] ، وغير هذه الآيات كثير.
ومن السُّنَّة : حديث عائشة رضي الله عنها؛ أن النبي صلّى الله عليه وسلّم بعث رجلاً على سرية، وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم بـ{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ *}، فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «سلوه: لأي شيء يصنع ذلك؟» ، فسألوه، فقال: لأنها صفة الرحمن، وأنا أحب أن أقرأ بها، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أخبروه أن الله يحبه» [2]. قال شيخ الإسلام ابن تيمية بعد أن أورد هذا الحديث: «تضمنت هذه السورة من وصف الله سبحانه وتعالى الذي ينفي قول أهل التعطيل وقول أهل التمثيل ما صارت به هي الأصل المعتمد في مسائل الذات»[3].
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن الله لا يخفى عليكم، إن الله ليس بأعور ـ وأشار بيده إلى عينه ـ وإن المسيح الدجال أعور العين اليمنى كأن عينه عنبة طافية»[4].
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما؛ أنه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، يقول: «إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن؛ كقلب واحد، يصرفه حيث يشاء» [5]. وغيرها من الأحاديث.


[1] انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (9/324) [دار الكتب المصرية، ط2، 1384هـ].
[2] أخرجه البخاري (كتاب التوحيد، رقم 7375)، ومسلم (كتاب صلاة المسافرين وقصرها، رقم 813).
[3] أمراض القلوب وشفاؤها (62) [المطبعة السلفية، ط2، 1399هـ].
[4] أخرجه البخاري (كتاب التوحيد، رقم 7407)، ومسلم (كتاب الفتن وأشراط الساعة، رقم 169).
[5] أخرجه مسلم (كتاب القدر، رقم 2654).


قال القاضي أبو يعلى رحمه الله عن نصوص الصفات: «إن الصحابة ومن بعدهم من التابعين حملوها على ظاهرها ولم يتعرضوا لتأويلها، ولا صرفها عن ظاهرها، فلو كان التأويل سائغًا لكانوا أسبق لما فيه من إزالة التشبيه، ورفع الشبهة، بل قد روي عنهم ما دلَّ على إبطاله»[1].
وقال ابن قدامة رحمه الله: «وكل ما جاء في القرآن أو صحَّ عن المصطفى عليه السلام من صفات الرحمن وجب الإيمان به، وتلقيه بالتسليم والقَبول، وترك التعرض له بالرد والتأويل والتشبيه والتمثيل»[2].
وقال ابن رجب رحمه الله: «اتفق السلف الصالح على إمرار هذه النصوص كما جاءت من غير زيادة ولا نقص، وما أشكل فهمه منها، وقصر العقل عن إدراكه وُكل إلى عالمه»[3].
وقال ابن القيم رحمه الله: «إن حفظ حرمة نصوص الأسماء والصفات بإجراء أخبارها على ظواهرها. وهو اعتقاد مفهومها المتبادر إلى أذهان العامة. ولا يعني بالعامة الجهال، بل عامة الأمة»[4].


[1] إبطال التأويلات (1/71) [دار إيلاف، الكويت].
[2] لمعة الاعتقاد (20). وانظر أيضًا: كلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (3/46 ـ 47) و(6/355) و(13/296)، وكلام ابن رجب في فضل علم السلف على الخلف (139) [الدار السلفية].
[3] فتح الباري لابن رجب (2/334) [دار ابن الجوزي].
[4] مدارج السالكين لابن القيم (2/84، 85).


المسألة الأولى: ظاهر النص:
ظواهر نصوص الصفات معلومة لنا باعتبار ومجهولة لنا باعتبار آخر، فهي باعتبار المعاني معلومة مفهومة، وباعتبار الكيفية التي عليها فغير معقولة، إذ تَعَقُّل الكيفية: فرع العلم بكيفية الذات وكنهها[1].
ثم نقول: إن ظاهر النصوص هو ما يتبادر منها إلى الذهن من المعاني وهو يختلف بحسب السياق، وما يضاف إليه الكلام، فالكلمة الواحدة يكون لها معنى في سياق ومعنى آخر في سياق، وتركيب الكلام يفيد معنى على وجه ومعنى آخر على وجه.
فلفظ (القرية) مثلاً يراد به القوم تارة، ومساكن القوم تارة أخرى. فمن الأول: قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا} [الإسراء: 58] ، ومن الثاني: قوله تعالى عن الملائكة ضيف إبراهيم: {إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ} [العنكبوت: 31] . وتقول: صنعت هذا بيدي، فلا تكون اليد كاليد في قوله تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75] ؛ لأن اليد في المثال أضيفت إلى المخلوق فتكون مناسبة له، وفي الآية أضيفت إلى الخالق فتكون لائقة به، فلا أحد سليم الفطرة صريح العقل يعتقد أن يد الخالق كيد المخلوق، أو بالعكس.
إذا تقرر هذا فظاهر نصوص الصفات ما يتبادر منها إلى الذهن من المعاني[2].
ثم نقول أيضًا: إنه يلزم من يقول في بعض الصفات: «الظاهر مراد أو ليس بمراد» أن يقول ذلك في سائر الصفات الأخرى؛ لأن جنسها واحد. وبيان ذلك من وجهين:
الأول: إن كان القائل يعتقد أن ظاهر النصوص المتنازع في معناها من جنس ظاهر النصوص المتفق على معناها، والظاهر هو المراد في الجميع، فإن الله تعالى لما أخبر أنه بكل شيء عليم، وأنه على كل شيء قدير، واتفق أهل السُّنَّة وأئمة المسلمين على أن هذا على ظاهره، وأن ظاهر ذلك مراد كان من المعلوم أنهم لم يريدوا بهذا الظاهر أن يكون علمه كعلمنا، وقدرته كقدرتنا.
الثاني: إن كان يظن أن ظاهر الصفات تماثل صفات المخلوقين، لزمه أن لا يكون شيء من ظاهر ذلك مرادًا، وإن كان يعتقد أن ظاهرها هو ما يليق بالخالق ويختص به، لم يكن له نفي هذا الظاهر، ونفي أن يكون مرادًا إلا بدليل يدل على النفي. وليس في العقل ولا في السمع ما ينفي هذا إلا من جنس ما ينفي به سائر الصفات، فيكون الكلام في الجميع واحدًا. وبيان هذا، أن صفاتنا منها ما هي أعيان وأجسام، وهي أبعاض لنا؛ كالوجه واليد، ومنها ما هي معان وأعراض، وهي قائمة بنا، كالسمع والبصر والكلام والعلم والقدرة. ثم إن من المعلوم أن الربَّ لما وصف نفسه بأنه حي عليم قدير، لم يقل المسلمون: إن ظاهر هذا غير مراد؛ لأن مفهوم ذلك في حقه مثل مفهومه في حقنا؛ فكذلك لما وصف نفسه بأنه خلق آدم بيديه، لم يوجب ذلك أن يكون ظاهره غير مراد؛ لأن مفهوم ذلك في حقه كمفهومه في حقنا،؛بل صفة الموصوف تناسبه. فإذا كانت نفسه المقدسة ليست مثل ذوات المخلوقين، فصفاته كذاته ليست مثل صفات المخلوقين، ونسبة صفة المخلوق إليه، كنسبة صفة الخالق إليه، وليس المنسوب كالمنسوب، ولا المنسوب إليه كالمنسوب إليه، كما قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ترون ربكم كما ترون الشمس والقمر» [3]، فشبَّه الرؤية بالرؤية، لا المرئي بالمرئي[4].
المسألة الثانية: تأويل النص:
تأويل نصوص الصفات: هو صرف ألفاظها عن ظاهرها اللائق بجلال الله سبحانه، وحقيقتها المفهومة منها إلى معنى يخالف الظاهر[5] طريقة مخالفة لطريقة الصحابة الكرام رضي الله عنهم وأئمة السلف الصالح الذين تلقوا أخبار الصفات وأجروها على ظاهرها دون تأويل ولا تحريف.
وكل من أول نصوص الصفات وصرفها عن ظاهرها فقد وقع في أربعة محاذير:
أحدها: أنه ما صرف النص عن ظاهره إلا بعد أن مثَّل ما فهمه من النصوص بصفات المخلوقين، وظن أن مدلول النصوص هو التمثيل.
الثاني: أنه قد عطل النصوص عما دلت عليه من إثبات الصفات.
الثالث: أنه ينفي تلك الصفات عن الله بغير علم، فيكون معطِّلاً لما يستحقه الرب تعالى.
الرابع: أنه يصف الرب بنقيض تلك الصفات من صفات الأموات والجمادات، أو صفات المعدومات.
فيكون قد عطَّل صفات الكمال التي يستحقها الرب تعالى، ومثَّله بالمنقوصات والمعدومات، وعطَّل النصوص عما دلَّت عليه من الصفات، وجعل مدلولها هو التمثيل بالمخلوقات، فيجمع في الله وفي كلام الله بين التعطيل والتمثيل، فيكون ملحدًا في أسمائه وآياته[6].
المسألة الثالثة: قطعية النص:
إنّ نصوص الصّفات أقسام:
ـ فمنها نصوص القرآن: وهي قطعيّة في ثبوتها وقطعيّة في دلالتها.
ـ ومنها نصوص السُّنَّة: وهذه منها المتواتر المستفيض وهو مفيد للقطع في ثبوته ودلالته.
ـ ومنها خبر الآحاد: الّذي اختلف أهل العلم في إفادته الظّن أو العلم، والصّحيح أنّه يفيد العلم والعمل إذا احتفّت به قرائن، كموافقته لصريح القرآن، أو تلقّته الأمّة بالقبول، أو قام عليه إجماع بلفظه أو معناه أو متضمّنًا له، ولا شكّ أنّ نصوص الأسماء والصّفات الّتي وصلت إلينا بالسّند المتّصل الصّحيح بطريق الآحاد هي من النّوع المفيد للعلم للقرائن العديدة الّتي احتفّت بها، ومن أهمّها تلقّي الأمّة لها بالقبول، وإجماع الصّحابة على تلقّيها بالقبول، وهذا طفحت به نصوص السّلف.
ولو فرض أنّها لم ترق لدرجة القطع فإنّ الشّرع عوّل على خبر الآحاد في العلميات والعمليات على حدٍّ سواء، ولا أدلّ على ذلك من إرساله صلّى الله عليه وسلّم الآحاد من أصحابه بالتّوحيد ليبلّغوه للنّاس، وهذا أمر مشهور لا يحتاج إلى تدليل[7].


[1] القواعد المثلى لابن عثيمين (34، 35) [الجامعة الإسـلامية، ط3، 1421هـ]، ومـدارج الـسالـكـين (2/84).
[2] القواعد المثلى لابن عثيمين (36، 37).
[3] أخرجه البخاري (كتاب التوحيد، رقم 7437)، ومسلم (كتاب الإيمان، رقم 182).
[4] التدمرية (76 ـ 78).
[5] انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (6/360).
[6] انظر: الرسالة التدمرية (79 ـ 81)، وفتح الباري لابن رجب (7/230، 231) [مكتبة الغرباء، ط1، 1416هـ].
[7] انظر: مجموع الفتاوى (13/351)، ومختصر الصواعق المرسلة (4/1400 وما بعدها).


انقسم المخالفون لأهل السُّنَّة والجماعة حيال مسألة نصوص الصفات إلى مذهبين:
المذهب الأول: من جعل المتبادر من نصوص الصفات معنى باطلاً لا يليق بالله، وهو التشبيه، وأبقوا دلالتها على ذلك. وهؤلاء هم المشبهة، ومذهبهم باطل محرم من عدة أوجه:
الأول: أنه جناية على النصوص، وتعطيل لها عن المراد بها، فكيف يكون المراد بها التشبيه، وقد قال الله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] .
الثاني: أن العقل دلَّ على مباينة الخالق للمخلوق في الذات والصفات، فكيف يحكم بدلالة النصوص على التشابه بينهما؟
الثالث: أن هذا المفهوم الذي فهمه المشبه من النصوص مخالف لما فهمه السلف منها، فيكون باطلاً. فإن قال المشبِّه: أنا لا أعقل من نزول الله ويده إلا مثل ما للمخلوق من ذلك، والله تعالى لم يخاطبنا إلا بما نعرفه ونعقله.
فجوابه من ثلاثة أوجه:
أحدها: أن الذي خاطبنا بذلك هو الذي قال عن نفسه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}، ونهى عباده أن يضربوا له الأمثال، أو يجعلوا له أندادًا فقال: {فَلاَ تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ *} [النحل] ، وقال: {فَلاَ تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ *} [البقرة] . وكلامه تعالى كله حق، يصدق بعضه بعضًا ولا يتناقض.
ثانيها: أن يقال له: ألست تعقل لله ذاتًا لا تشبه الذوات؟ فسيقول: بلى. فيقال له: فلتعقل له صفات لا تشبه الصفات، فإن القول في الصفات كالقول في الذات، ومن فرَّق بينهما فقد تناقض.
ثالثها: أن يقال: ألست تشاهد في المخلوقات ما يتفق في الأسماء ويختلف في الحقيقة والكيفية؟ فسيقول: بلى. فيقال له: إذا عقلت التباين بين المخلوقات في هذا، فلماذا لا تعقله بين الخالق والمخلوق، مع أن التباين بين الخالق والمخلوق أظهر وأعظم، بل التماثل مستحيل بين الخالق والمخلوق.
المذهب الثاني: من جعلوا المعنى المتبادر من نصوص الصفات معنى باطلاً لا يليق بالله، وهو التشبيه، ثم إنهم من أجل ذلك أنكروا ما دلت عليه من المعنى اللائق بالله. وهم أهل التعطيل، سواء كان تعطيلهم عامًّا في الأسماء والصفات، أم خاصًّا فيهما، أو في أحدهما. فهؤلاء صرفوا النصوص عن ظاهرها إلى معانٍ عينوها بعقولهم، واضطربوا في تعيينها اضطرابًا كثيرًا، وسموا ذلك تأويلاً وهو في الحقيقة تحريف. ومذهبهم باطل من وجوه:
أحدها: أنه جناية على النصوص، حيث جعلوها دالة على معنى باطل غير لائق بالله ولا مراد له.
الثاني: أنه صرف لكلام الله تعالى وكلام رسوله صلّى الله عليه وسلّم عن ظاهره. والله تعالى خاطب الناس بلسان عربيٍ مبين ليعقلوا الكلام ويفهموه على ما يقتضيه هذا اللسان العربي، والنبي صلّى الله عليه وسلّم خاطبهم بأفصح لسان البشر، فوجب حمل كلام الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم على ظاهره المفهوم بذلك اللسان العربي، غير أنه يجب أن يصان عن التكييف والتمثيل في حق الله عزّ وجل.
الثالث: أن صرف كلام الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم عن ظاهره إلى معنى يخالفه قول على الله بلا علم، وهو محرم.
الوجه الرابع في إبطال مذهب أهل التعطيل:
أن صرف نصوص الصفات عن ظاهرها مخالف لما كان عليه النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه وسلف الأمة وأئمتها، فيكون باطلاً؛ لأن الحق بلا ريب فيما كان عليه النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه وسلف الأمة وأئمتها[1].


[1] القواعد المثلى لابن عثيمين (37 ـ 41).


1 ـ «أسماء الله وصفاته وموقف أهل السُّنَّة منها»، لابن عثيمين.
2 ـ «التدمرية»، لابن تيمية.
3 ـ «الصفات الإلهية»، لمحمد التميمي.
4 ـ «الصفات الإلهية في الكتاب والسُّنَّة النبوية»، لمحمد أمان الجامي.
5 ـ «صفات الله عزّ وجل الواردة في الكتاب والسُّنَّة»، للسقاف.
6 ـ «القواعد الكلية في الأسماء والصفات»، لإبراهيم البريكات.
7 ـ «القواعد المثلى»، لابن عثيمين.
8 ـ «مختصر الصواعق المرسلة»، للموصلي.
9 ـ «مدارج السالكين» (ج2)، لابن القيم.
10 ـ «منهج ودراسات لآيات الأسماء والصفات»، للشنقيطي.