حرف الألف / الإله

           

الإله: من أَلَهَ يَأْلَهُ؛ بمعنى: عبدَ. قال الزجّاجي: «إله: فِعَال بمعنى مفعول؛ كأنه مألوه؛ أي: معبود مستحق للعبادة، يعبده الخلق ويؤلّهونه، ومعنى قولنا: إله إنما هو الذي يستحق العبادة، وهو الله تعالى المستحقّ لها دون ما سواه».
فالإله: على وزن: فِعال، يقال: أَلِهَ يَأْلَه إِلَهَةً وأُلوهِيَةً وأُلْهانية، فهو إلاه بمعنى مألوه، فِعال بمعنى مفعول؛ أي: معبود، والتَأَلُّه التَعَبُّد، فلما دخلت عليه الألف واللام حُذفت الهمزة تخفيفًا؛ لكثرته في الكلام، وقُطعت الهمزة في النداء للزومها تفخيمًا لهذا الاسم[1].


[1] انظر: العين (4/90) [دار ومكتبة الهلال، ط1]، وتهذيب اللغة (6/422) [الدار المصرية، ط1، 1387هـ]، والصحاح (6/2223) [دار العلم للملايين، ط4].


الإله: هو المألوه المعبود، المستحق لإفراد بالعبادة، لما اتصف به من صفات الكمال والجلال[1].
وقال الطبري: «إن الألوهية هي العبادة، وإن الإله هو المعبود»، ثم نقل أثرًا عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه قرأ: {ويذرك وإلهتك} [الأعراف: 127] قال: «عبادتك»[2].


[1] انظر: قاعدة حسنة في الباقيات الصالحات (46 ـ 47) [أضواء السلف، ط2]، وقاعدة جامعة في توحيد الله وإخلاص الوجه والعمل له عبادةً واستعانةً (66) [دار العاصمة، ط1]، ومنهاج السُّنَّة النبوية (3/334 ـ 335) [جامعة الإمام، ط1، 1406هـ]، وبدائع الفوائد (2/212) [دار الخاني ودار الخير، ط1، 1414هـ].
[2] تفسير الطبري (1/123) [مؤسسة الرسالة، تحقيق: أحمد محمد شاكر، ط1، 1420هـ].


دلَّ الكتاب العزيز والسُّنَّة النبوية على أن (الإله) بمعنى المألوه المعبود، قال تعالى: {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا} [آل عمران: 64] . حيث اتفق المفسرون على أن قول: {أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ} تفسير لقوله: {كَلِمَةٍ}.
وقال تعالى: {وَمَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً} [يس] ، وقوله تعالى: {أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَانِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ *} [الزخرف] .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه في قصة سؤال جبريل عليه السلام للنبي صلّى الله عليه وسلّم حين قال: ما الإسلام؟ قال: «الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به شيئًا»[1].
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «ولما عبَّر بالعبادة احتاج إلى أن يوضحها بقوله: «ولا تشرك به شيئًا»، ولم يحتج في رواية عمر رضي الله عنه لاستلزامها ذلك»[2].
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه؛ أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لما بعثه إلى اليمن قال: «فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله»[3].
والأحاديث في بيان أن الإله بمعنى المألوه المعبود المطاع كثيرة جدًّا، يطول ذكرها.
ولم ينقل عن الصحابة رضي الله عنهم لمعنى «الإله» معنى آخر سوى أنه المعبود، وقد بيَّن ابن عباس رضي الله عنهما أن اسمه تعالى (الله) بقوله: ذو الألوهية والمعبودية على خلقه أجمعين[4]. وقد قرأ قوله تعالى: {ويذرك وإلاهتك} بكسر الهمزة؛ أي: وعبادتك.
ونقل الشيخ سليمان بن عبد الله في شرحه لكتاب «التوحيد» عن عدة من أهل العلم من السلف والخلف تفسير الإله بأنه المعبود، ثم قال: «وهو إجماع منهم أن الإله هو المعبود، خلافًا لما يعتقده عبّاد القبور وأشباههم في معنى (الإله) أنه الخالق أو القادر على الاختراع أو نحو هذه العبارات!»[5].
وجماع القول: أن الكتاب العزيز والسُّنَّة النبوية وإجماع الصحابة رضي الله عنهم فمن بعدهم من أهل العلم واضح تمامًا في تفسير (إله) بأنه المعبود، وأن التفاسير الواردة بخلافه تفاسير ومعان مخترعة مبتدعة لا مستند لها من كتاب ولا سُنَّة ولا قول صاحب وإمام لغة معتبر.


[1] أخرجه البخاري (كتاب الإيمان، رقم 50)، ومسلم (كتاب الإيمان، رقم 9).
[2] فتح الباري لابن حجر (1/119).
[3] أخرجه البخاري (كتاب الزكاة، رقم 1458)، ومسلم (كتاب الإيمان، رقم 19).
[4] أخرجه الطبري في التفسير (1/123) [مؤسسة الرسالة، ط1].
[5] تيسير العزيز الحميد (76).


المسألة الأولى: أن من أسماء الله تعالى الحسنى (الإله):
قال تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَانُ الرَّحِيمُ *} [البقرة] ، وقال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا} [التوبة: 31] ، وقال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [الأنبياء: 108] .
وأجمع وأحسن ما قيل في معنى هذا الاسم ولفظ الجلالة (الله): ما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: الله ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين[1].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في بيان معنى اسم (الإله): «والإله هو المألوه؛ أي: المستحق لأن يؤله؛ أي: يعبد، ولا يستحق أن يؤله ويعبد إلا الله وحده، وكل معبود سواه من لدن عرشه إلى قرار أرضه باطل، وفعال بمعنى مفعول، مثل لفظ الركاب والحمال، بمعنى المركوب والمحمول... فهو الإله الحق لا إله غيره، فإذا عبده الإنسان فقد وحده ولم يجعل معه إلهًا آخر ولا اتخذ إلها غيره. {فَلاَ تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ *} [الشعراء] »[2].
ولفظ الجلالة واسمه تعالى (الله) مشتق من الإله كما قاله ابن عباس رضي الله عنهما.
وقال ابن القيم رحمه الله: القول الصحيح: أن (الله) أصله: (الإله)، كما هو قول سيبويه وجمهور أصحابه إلا من شذ منهم[3].
ولفظ الجلالة (الله) لا يؤخذ منه صفة فعلية ـ كالخلق والرزق ونحو ذلك ـ وإنما يدل على صفة ذاتية هي استحقاقه تعالى للعبادة، وهذا يدل على خطأ فهم أهل الكلام لمعنى (الإله) ولما يدل عليه اسمه تعالى (الله)، حيث فهموا أنه يدل على صفة فعلية هي الخلق والقدرة على الاختراع، وقد بيَّن الخليل بن أحمد رحمه الله تعالى عدم صحة دلالة اسمه تعالى (الله) على صفة فعلية حيث قال: وليس (الله) من الأسماء التي يجوز فيها اشتقاق فعل كما يجوز في (الرحمن الرحيم)[4].
المسألة الثانية: أن تسمية المشركين لمعبوداتهم التي يعبدونها من دون الله (آلهة) لا يمنحها شيئًا من خصائص الألوهية ولا يعطيها حق الألوهية:
كما قال تعالى في شأن اللات والعزى ومناة: {إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} [النجم: 23] ، وحكى عن يوسف عليه السلام قوله لصاحبي السجن: {مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} [يوسف: 40] ، وحكى عن إبراهيم عليه السلام قوله لأبيه آزر: {أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ *} [الأنعام] .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عقب ذكره لهذه الآية: «فالمخلوق ليس بإله في نفسه، لكن عابده اتخذه إلهًا وجعله إلهًا وسماه إلهًا، وذلك كله باطل لا ينفع صاحبه بل يضره... فغير الله لا يصلح أن يتخذ إلهًا يعبد ويدعى، فإنه لا يخلق ولا يرزق، وهو سبحانه لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع ولا ينفع ذا الجد منه الجد... فغير الله لا مالك لشيء ولا شريك في شيء ولا معاون للرب في شيء»[5].
المسألة الثالثة: قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف: 84] :
وهذه الآية ليس فيها دليل للحلولية من الجهمية على أن الله تعالى وتقدس حالٌّ في الأرض، ولا أن الإله متعدد، وإنما معناها: أن الله تعالى معبود في السماء والأرض، وهذا فيه إغراء وحث على الالتزام بالتوحيد لأهل الأرض بأن يعبدوا الله وحده ولا يشركوا به شيئًا كما عبده أهل السماء فلم يشركوا به أحدًا[6].
المسألة الرابعة: كل معبود فهو إله سواء كان بحق أو بباطل:
كما قال تعالى عن آلهة المشركين: {فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ} [هود: 101] ، فسمى الله تعالى معبودات المشركين آلهة، لكنها آلهة باطلة، أما اتصاف الله تعالى بالإلهية فهو الحق[7].


[1] تقدم تخريجه قريبًا.
[2] مجموع الفتاوى (13/202 ـ 205).
[3] بدائع الفوائد (2/782) [دار عالم الفوائد].
[4] كتاب العين (4/91).
[5] مجموع الفتاوى (13/202 ـ 205).
[6] انظر: طلب الحسنى في إحصاء أسماء الله الحسنى (18 ـ 19) [دار ابن الجوزي، ط1، 1429هـ].
[7] لسان العرب (13/467).


اختلف المخالفون لأهل السُّنَّة والجماعة في تعيين أخص وصف الإله على ثلاثة أقوال[1]:
الأول: مذهب الفلاسفة الذين قالوا: إن أخص وصف الإله هو وجوب الوجود.
الثاني: وهو مذهب المعتزلة القائلين بأن أخص وصف الإله هو القدم، وهذا مبني على مذهبهم في نفي الصفات، وأنه لا يوصف الرب تعالى إلا بالقدم، ومن وصفه بسائر صفاته المثبتة في القرآن والسُّنَّة فإنه قائل بتعدد الإله، فجعلوا القول بالصفات يلزم منه تعدد الآلهة.
الثالث: وذهب المتكلمون من الأشعرية ومن وافقهم إلى أن أخص وصف الإله: هو القدرة على الاختراع، فرتَّبوا عليه القول بأن الإله معناه: القادر على الاختراع، فقد نسب البغدادي إلى أبي الحسن الأشعري أنه اختار هذا القول، فقال: «واختلف أصحابنا في معنى (الإله)، فمنهم من قال: إنه مشتق من الإلهية، وهي قدرته على اختراع الأعيان، وهو اختيار أبي الحسن الأشعري»[2]، وذكر الرازي مذاهب الناس في أصل اشتقاق اسم الله تعالى الله فقال: «القول السابع: الإله من له الألوهية، وهي القدرة على الاختراع، والدليل عليه أن فرعون لما قال: {وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ *}؟ [الشعراء] قال موسى في الجواب: {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [الشعراء: 24] ، فذكر في الجواب عن السؤال الطالب لماهية الإله: القدرة على الاختراع، ولولا أن حقيقة الإلهية هي القدرة على الاختراع لم يكن هذا الجواب مطابقًا لذلك السؤال»[3].
وبهذا التفسير لمعنى إله ظن أهل الكلام أنهم قد أتوا بالتوحيد وحققوا منه غايته وأن عبادة غير الله؛ كدعاء الأموات والاستغاثة بهم في الكربات وسؤالهم قضاء الحاجات، والنذر لهم في الملمات، وسؤالهم الشفاعة عند رب الأرض والسماوات، إلى غير ذلك من أنواع العبادات... لا يتنافى مع هذا التوحيد.
الرد عليهم:
الأول: إن أخص وصف الإله هو ما لا يتصف به غيره[4]، والإله متميز عن غيره بجميع خصائصه، وليس أخص وصف الإله هو شيء واحد؛ بل كل واحد مما ذكر عن المخالفين هو من أخص أوصافه، ومن خصائصه أنه بكل شيء عليم، وأنه على كل شيء قدير، وأنه ربَّ العالمين، وأنه الرحمن الرحيم، ونحو ذلك[5].
قال ابن تيمية: «والرب تعالى متميز عن غيره بجميع خصائصه، والناس تكلموا في أخص وصفه: فقال من قال من المعتزلة هو القدم، وقال الأشعري، وغيره هو القدرة على الاختراع، وقال من قال من الفلاسفة: هو وجوب الوجود. والتحقيق: أن كل وصف من هذه الأوصاف فهو من خواصه، ومن خواصه: أنه بكل شيء عليم، وأنه على كل شيء قدير، وأنه الله الذي لا إله إلا هو، وأنه الرحمن الرحيم»[6].
الثاني: وهو في الرد على الأشاعرة ومن وافقهم، وذلك من عدة أوجه:
أحدهما: الإله في لغة العرب كما تقدم تقريره هو بمعنى المعبود المألوه، المستحق للعبادة، فتفسيره بالقادر على الاختراع هو تفسير باللازم، ومما هو متقرر أن القدرة على الاختراع هي من معاني الربوبية، والرب في لغة العرب بمعنى المالك، والسيد، والمطاع، فالفرق بين المعنيين ظاهر.
فهذا القول الذي ذكروه غير معروف عند أهل اللغة، ولذلك لم يحتج من قال بهذا القول بشاهد من شواهد لغة العرب، ولا بنقل إمام معتبر من أئمة اللغة[7].
وبالجملة؛ فإن تفسير (الإله) بالقادر على الاختراع قول محدث مبتدع لا مستند له من نص شرعي ولا نقل لغوي، فهو في غاية الفساد والبطلان.
الثاني: هذا المعنى الذي ذكروه في تفسير الإله كان مشركو قريش يقرون به في الجملة ولم يكونوا منكرين له، والدليل على ذلك: قوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ *اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ *وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ *} [العنكبوت] ، والآيات في تقرير هذا المعنى كثيرة جدًّا.
فلو كان معنى (إله): القادر على الاختراع، كان معنى (لا إله إلا الله)؛ أي: لا خالق إلا الله، ولا قادر على الاختراع إلا هو، وهذا المعنى كان يقول به المشركون كما تقدم، ولذلك احتج الله عليهم بمعرفتهم هذه بقوله تعالى: {فَلاَ تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ *} [البقرة] ؛ أي: تعلمون أنه لا ربَّ لكم غيره، كما فسره بذلك جمع من المفسرين[8].
ولو كان المعنى ما ذكره هؤلاء المتكلمون لما استقام الإنكار على المشركين الذين يقرون بأن الله هو خالقهم وخالق كل شيء، وإنما كان شركهم في الألوهية[9].
الثالث: وأما استدلالهم لذلك بما جرى بين موسى عليه السلام وفرعون في السؤال عن حقيقة الرب وتفسيرهم لجواب موسى عليه السلام بأن معناه: القادر على الاختراع، فجوابه: أن فرعون كان متظاهرًا بإنكار وجود رب العالمين، بل كان يدعي أنه هو ربُّ العالمين بقوله: {أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى *} [النازعات] ، ولذلك كان سؤاله بقوله: {وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ *}؟ سؤال عن وصف الرب تعالى، وليس سؤالاً عن الماهية، إذ السؤال عن ماهية الشيء فرع عن الإقرار به، وهو لا يقر بالله متظاهرًا، فمن لم يقر بشيء لا يسأل عن ماهيته، فمن سأل عن ماهية الإنسان فقال: ما الإنسان؟ فإن ذلك فرع إقراره بوجوده، وكذلك هنا[10].
ولذلك؛ فإن فرعون لم يكن قد سأل عن حقيقة الإلهية وإنما سأل عن وصف الرب الذي يتظاهر بإنكاره، ويوضح هذا آية أخرى وهي: {قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَامُوسَى *} [طه] ، ومعلوم أن (من) لا يسأل بها عن ماهية الشيء وحقيقته، وإنما حقيقة معنى الإلهية هي: استحقاق الله للعبادة بما له من صفات الكمال وتنزهه عن صفات النقص، وقد دلت الأدلة على ذلك.
وقد ترتب على هذا التفسير مفاسد كثيرة:
منها: أن الإقرار بالربوبية أول واجب على المكلف، وهذا من أعظم الباطل لمخالفته القرآن والسُّنَّة ودعوات الأنبياء لأقوامهم وحال المشركين[11].
ومنها: إغفال توحيد الألوهية وعدم الاعتناء به، وهذا ما أوقع فئامًا منهم في الإشراك بالله، من الاستغاثة بغير الله والذبح لغيره وغير ذلك من صرف حق الله تعالى لغيره من الأنداد.
ومنها: أن الذي قالوه هو الذي فتح باب الشرك على المسلمين؛ لظنهم أن التوحيد هو إفراد الله بالربوبية.


[1] انظر: درء التعارض (10/279).
[2] أصول الدين للبغدادي (123).
[3] انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (3/70).
[4] انظر: المصدر نفسه.
[5] انظر: مجموع الفتاوى (3/70)، ودرء التعارض (5/46)، ومنهاج السُّنَّة (2/488).
[6] درء التعارض (10/279).
[7] تيسير العزيز الحميد (76 ـ 81).
[8] جامع البيان لابن جرير (1/390 ـ 395).
[9] تيسير العزيز الحميد (76 ـ 81).
[10] مجموع الفتاوى لابن تيمية (16/334).
[11] حقيقة التوحيد بين أهل السُّنَّة والمتكلمين، لعبد الرحيم السلمي (476 ـ 477).


1 ـ «تجريد التوحيد المفيد»، للمقريزي.
2 ـ «التمهيد لشرح كتاب التوحيد»، لصالح آل الشيخ.
3 ـ «تيسير العزيز الحميد»، لسليمان بن عبد الله.
4 ـ «حقيقة التوحيد بين أهل السُّنَّة والمتكلمين»، لعبد الرحيم السلمي.
5 ـ «حقيقة التوحيد والفرق بين الربوبية والألوهية»، لعلي العلياني.
6 ـ «شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري»، لعبد الله الغنيمان.
7 ـ «الشهادتان معناهما وما تستلزمه كل منهما»، لابن جبرين.
8 ـ «فتح المجيد»، لعبد الرحمن بن حسن.
9 ـ «مجموع الفتاوى»، لابن تيمية.
10 ـ «منهج أهل السُّنَّة والجماعة ومنهج الأشاعرة في توحيد الله تعالى»، لخالد نور.