حرف النون / النفاق

           

النفاق : هو إخفاء الشيء وإغماضه، وهو مأخوذ من النّافِقاء: موضع يُرقِّقهُ اليَربُوعُ من جُحرِهِ، فإذا أُتِيَ مِن قِبَلِ القاصِعاءِ ضربَ النّافِقاءَ بِرأسهِ فانتفقَ؛ أَي: خرج. فظاهر جحره تراب كالأرض، وباطنه حفر، ومنه اشتقاق النِّفَاق، فالمنافق ظاهره إيمان وباطنه كفر؛ لأنَّه يكتم خلاف ما يُظهر، فكأن الإيمان يخرج منه، أو يخرج هو من الإيمان في خفاء[1]. ولفظ (النفاق) لم تكن العرب تعرفه بهذا المعنى الخاص، وإن كان أصله الذي أخذ منه في اللغة معروفًا[2].


[1] مقاييس اللغة (5/454، 455) [دار الفكر، 1399هـ]. وانظر: القاموس المحيط (926) [مؤسسة الرسالة، ط8، 1426هـ]، والنهاية في غريب الحديث والأثر (5/98) [المكتبة العلمية، 1399هـ]، ولسان العرب (10/358، 359) [دار صادر، ط3]، والإيمان لابن تيميَّة (235) [المكتب الإسلامي، ط5، 1416هـ].
[2] انظر: لسان العرب (10/358، 359)، والإيمان لابن تيميَّة (235).


النفاق : هو إظهار ما يوافق الحق، وإبطان ما يخالفه؛ فمن أظهر أمام الناس ما يدل على الحق، وكان حقيقة أمره أنه على باطل من الاعتقاد، أو الفعل، فهو المنافق، واعتقاده، أو فعله هو النفاق[1].
وقيل: هو اختلاف السر والعلانية في العقائد والواجبات[2].
وقيل: هو القول باللسان أو الفعل بخلاف ما في القلب من القول والاعتقاد[3].


[1] انظر: المدخل لدراسة العقيدة الإسلامية للبريكان (190) [دار ابن عفان، ط1، 1423هـ].
[2] انظر: مجموع الفتاوى (11/140).
[3] انظر: عارضة الأحوذي (10/97).


الزندقة[1].


[1] انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (7/471) [مجمع الملك فهد لطباعة المصحف، ط1416هـ]، وطريق الهجرتين لابن القيم (404) [دار السلفية، ط2، 1394هـ].


النّفاق : إن كان عقديًّا فهو كفر صُراح، بل هو أشدّ منه، ولذلك جُعلت للمنافقين درجة في جهنّم لا يصلاها سواهم لعظم ضررهم، وشدّة خطرهم، أمّا إذا كان النّفاق عمليًّا فهذا من الكبائر، ومن مات عليه فلا يخلد صاحبه في النار.
لذا يجب على المكلف الحذر من الوقوع في النفاق، والبعد عن أسبابه المفضية إليه، واتخاذ الطرق الوقائية اللازمة منه، ومعرفة صفات أهله للبعد عنها، وتحذير الناس منها[1].


[1] انظر: معارج القبول (3/1019، 1020) [دار ابن القيم، ط1، 1410هـ].


النفاق : يحصل بمخالفة السرِّ للعلانية، والظاهر للباطن، مع ملازمة الوصف بالكذب، فمتى كان القول باللسان أو الفعل خلاف ما في القلب من القول والاعتقاد، حصل النفاق.
ويقوم النفاق على الكذب والرياء، ويكون ذلك بسبب ضعف البصيرة والعزيمة، فإذا تمت هذه الأمور استحكم النفاق. والمنافق يسعى إلى طلب العز والجاه بين أهل الإيمان وأهل الكفر، فيرضي هؤلاء ويعزهم ويرضي هؤلاء أيضًا ويعزهم. ومن هاهنا دخل عليه البلاءُ، فإنه أراد العزتين من الطائفتين، ولم يكن له غرض في الإيمان والإسلام ولا طاعة الله ورسوله، بل كان ميله ووجهته إلى الكفار، فقوبل على ذلك بأعظم الذل وهو أن جعل مستقره في أسفل السافلين تحت الكفار[1].


[1] انظر: مدارج السالكين (1/365) [دار الكتاب العربي، ط3، 1416هـ]، وطريق الهجرتين (404).


قال الله تعالى: {يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ *وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ *لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ *} [التوبة] ، وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ *يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ *} [التوبة] ، ولهذا جعلهم الله تعالى شرًّا من الكافرين، قال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا *} [النساء] . والنفاق الذي جاء ذكره في القرآن إنما المراد به النفاق الأكبر الاعتقادي المنافي للإيمان.
أما النفاق الأصغر، فقد ورد ذكره في السُّنَّة، فمن ذلك: حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «أربع من كن فيه كان منافقًا ـ أو: كانت فيه خصلة من أربعة، كانت فيه خصلة من النفاق ـ حتى يدعها: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر»[1].
وحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان» [2]. وعنه رضي الله عنه؛ أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «من مات ولم يغز، ولم يحدث به نفسه، مات على شعبة من نفاق»[3].


[1] أخرجه البخاري (كتاب المظالم والغصب، رقم 2459)، ومسلم (كتاب الإيمان رقم 58).
[2] أخرجه البخاري (كتاب الإيمان، رقم 33)، ومسلم (كتاب الإيمان، رقم 59).
[3] أخرجه مسلم (كتاب الإمارة، رقم 1910).


سأل رجل حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: ما النفاق؟ قال: «أن تتكلم بالإسلام ولا تعمل به»[1].
وقال الحسن البصري: «من النفاق: اختلاف اللسان والقلب، واختلاف السر والعلانية، واختلاف الدخول والخروج»[2].
وقال أبو جعفر الطبري: «معنى النفاق إنما هو إظهار المرء بلسانه قولاً ما هو مستبطن خلافه، فكذلك نفاق المنافق، هو اتخاذه ما يظهر من القول بلسانه بالإيمان؛ خداعًا للمؤمنين بذلك، وهو مستبطن بقلبه غير الذي يظهره لهم بلسانه»[3].
وقال ابن تيمية: «وأساس النفاق الذي بني عليه أن المنافق لا بد أن تختلف سريرته وعلانيته وظاهره وباطنه، ولهذا يصفهم الله في كتابه بالكذب كما يصف المؤمنين بالصدق؛ قال تعالى: {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ *} [البقرة] ، وقال: {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ *} [المنافقون] . وأمثال هذا كثير»[4].


[1] أخرجه الفريابي في صفة النفاق وذم المنافقين (110) [دار الصحابة للتراث، ط1، 1408هـ]، وأبو نعيم في صفة النفاق ونعت المنافقين (147) [دار البشائر الإسلامية، ط1].
[2] أخرجه الفريابي في صفة النفاق وذم المنافقين (90)، والخلال في السُّنَّة (5/72) [دار الراية، ط1، 1410هـ]، وابن بطة في الإبانة الكبرى (2/691) [دار الراية، ط2، 1418هـ].
[3] تهذيب الآثار (2/643) [مطبعة المدني، القاهرة].
[4] مجموع الفتاوى (7/620).


ينقسم النفاق إلى قسمين:
ـ النفاق الأكبر ، ويسمى بـ(النفاق الاعتقادي):
بأن يخفي تكذيب الرسول، أو جحود بعض ما جاء به، أو بغضه، أو عدم اعتقاد وجوب اتباعه، أو المسرة بانخفاض دينه، أو المساءة بظهور دينه، ونحو ذلك مما لا يكون صاحبه إلا عدوًّا لله ورسوله. وهذا يكون صاحبه في الدرك الأسفل من النار؛ كنفاق عبد الله بن أبي وغيره، وهو المعنى المتبادر عند إطلاق لفظ النفاق دون تقييد.
ـ النفاق الأصغر ، ويسمى بـ(النفاق العملي): وهو التخلق ببعض أخلاق المنافقين الظاهرة ويكون في الأعمال ونحوها: مثل أن يكذب إذا حدث، ويخلف إذا وعد، ويخون إذا اؤتمن، أو يفجر إذا خاصم، ويتكاسل عن الصلاة[1].


[1] انظر: شرح السُّنَّة للبغوي (1/76) [المكتب الإسلامي، ط2، 1403هـ]، ومجموع الفتاوى لابن تيمية (28/434، 435)، ومدارج السالكين (1/354 ـ 367)، وتفسير ابن كثير (1/176) [دار طيبة، ط2، 1420هـ]، وجامع العلوم والحكم (2/481) [مؤسسة الرسالة، ط7، 1422هـ].


ـ حكم قبول توبة الزنديق:
اختلف العلماء في قبول حكم توبة الزنديق، وهذا الخلاف يتوجه إلى ما يتعلق بالأحكام الدنيوية الظاهرة من القتل أو عدمه، وثبوت أحكام الإسلام في حقه، ونحو ذلك من الأحكام.
أما ما يتعلق بأمور الآخرة، وقبول الله تعالى لتوبة الزنديق في الباطن، فذلك راجع إلى الله سبحانه وتعالى، فإذا تاب الزنديق توبةً صادقةً من قلبه، فإن الله عزّ وجل يقبل توبته، وينفعه ذلك في الآخرة، وهذا مما لا خلاف فيه بين العلماء[1].
وقد تعددت أقوال العلماء في حكم قبول توبة الزنديق ما بين القبول والردّ، والتفصيل بين من تاب قبل القدرة عليه ومن تاب بعد ذلك، وبين الداعية وغير الداعية، وغير ذلك من الأقوال الكثيرة[2].
وفيما يلي أهم الأقوال في هذه المسألة وذلك كما يلي:
القول الأول: القول بقبول توبة الزنديق مطلقًا، وإجرائه مجرى المرتد عن دين الإسلام الذي لا يقتل إلا بعد استتابته، وقد نسب ابن حجر هذا القول إلى جمهور العلماء[3].
وقد رجح هذا القول جمع من المحققين منهم: ابن المنذر، والنووي، وابن حجر، والشنقيطي، وغيرهم.
القول الثاني: القول بعدم قبول توبة الزنديق مطلقًا، بل يقتل بكل حال، وقالوا: إن الزنديق لا يطلع على صلاحه؛ لأن الفساد إنما أتى مما أسره، وذلك أن نفاقه الباطل دليل على أن توبته لا تعرف، فقد يظهر التوبة والندم، غير أنه لا يتحقق منه الصدق في ذلك؛ لعدم الاطلاع على صلاحه. وهذا القول هو المشهور عن الإمام مالك وأصحابه.
القول الثالث: القول بالتفصيل فيفرق بين من تاب قبل القدرة عليه، ومن أظهر ذلك بعد القدرة عليه، وهذا القول هو إحدى الروايات في مذهب الحنفية والمالكية والحنابلة، وقد رجح هذا القول وانتصر له شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله تعالى[4].
والحاصل : أن هذا القول هو الذي تؤيده الأدلة، وتجتمع عليه النصوص، فيعمل بها جميعًا من غير إسقاط لشيء منها[5].


[1] انظر: المغني لابن قدامة (12/271).
[2] انظر: دفع إيهام الاضطراب (63).
[3] انظر: دفع إيهام الاضطراب (63)، والرد على الجهمية (185).
[4] انظر: دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب (63)، وإعلام الموقعين (3/142).
[5] انظر: دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب (63)، وإعلام الموقعين (3/144، 145).


ـ الفرق بين الكفر والنفاق[1]:
1 ـ الكفر جحد وإنكار بالظاهر والباطن، وأما النفاق فإنكار وجحد بالباطن دون الظاهر، فيكون الكفر أعم من النفاق من جهة كونه يحصل بالظاهر والباطن، والنفاق أخص من جهة أنه لا يكون إلا بالباطن.
2 ـ الكفر هو أصل النفاق، والنفاق طارئ، فهو إنما ظهر في المدينة النبوية بعد أن كان للإسلام دولة ومنعة وبلاد.
3 ـ النفاق أخطر من الكفر؛ لأن الكفر أمر ظاهر يمكن إدراكه، وأما النفاق فهو أمر خفي دقيق لا يعرف بيسر وسهولة، ولهذا فإن المنافق أخطر من الكافر على كيان الأمة ودينها.
ـ الفرق بين النفاق والزندقة[2]:
1 ـ النفاق: لفظ جاء وروده في الشرع، أما لفظ الزندقة فظهر لما كثرت الأعاجم في المسلمين فتكلموا به، وشاع بعد ذلك في لسان الفقهاء.
2 ـ النفاق هو إظهار الإسلام وإبطان الكفر. أما الزندقة فهي التعطيل والجحود للصانع والمعاد والأعمال الصالحة، أو هي وصف من لا دين له.
3 ـ الزنديق يُظهر كفرَه ويدعو له ويُعرف ذلك عنه، أما المنافق فإنه يبطن كفره ولا يظهره، ولا يدعو له.
4 ـ الزندقة أعم من النفاق، فكل زندقة نفاق وليس العكس[3].


[1] انظر: المدخل لدراسة العقيدة الإسلامية للبريكان (192، 194).
[2] انظر: مجموع الفتاوى (7/471).
[3] انظر: فتح الباري لابن حجر (12/271) [دار المعرفة، 1379هـ].


1 ـ «الإيمان»، لابن تيمية.
2 ـ «حقيقة النفاق وأنواعه في ضوء الكتاب والسُّنَّة بفهم سلف الأمة»، لعلي رمضان أبو العز.
3 ـ «دراسة قرآنية في النفاق وأثره في حياة الأمة»، لعادل بن علي الشدي.
4 ـ «الفسق والنفاق»، لعبد العزيز العبد اللطيف.
5 ـ «مدارج السالكين» (ج1)، لابن القيم.
6 ـ «المنافقون في القرآن الكريم»، لعبد العزيز الحميدي.
7 ـ «النفاق آثاره ومفاهيمه»، لعبد الرحمن الدوسري.
8 ـ «النفاق وأثره في حياة الأمة»، لأحمد جمعة سلاّم.
9 ـ «النفاق وخطره على العقيدة»، لعبد العزيز الشهوان.
10 ـ «نواقض الإيمان الاعتقادية»، لمحمد الوهيبي.