قال ابن فارس: «النون والفاء والسين أصل واحد يدل على خروج النسيم كيف كان، من ريح أو غيرها، وإليه يرجع فروعه. منه التنفس: خروج النسيم من الجوف، والنفس: الدم، وهو صحيح؛ وذلك أنه إذا فقد الدم من بدن الإنسان فقد نفسه، ويقال للماء: نفس، وهذا على تسميته الشيء باسم غيره، ولأن قوام النفس به، والنفس قوامها بالنفس. تنفست القوس: انشقت. وشيء نفيس؛ أي: ذو نفس وخطر يتنافس به»[1]. فالنفس هي الذات والعين، وهذا من تسمية الشيء بغيره؛ لأن بقاء تلك العين والذات يكون بالنفس.
وقال الجوهري: «نَفْسُ الشيء: عينه، يؤكد به، يقال: رأيت فلانًا نفسه، وجاءني بنفسه»[2]. وجاء في المعجم الوسيط: «النفس: ذات الشيء وعينه، يقال: جاء هو نفسه أو بنفسه»[3].
[1] الصحاح (3/984) [دار العلم للملايين، ط4].
[2] المرجع السابق.
[3] المعجم الوسيط (940) [دار الدعوة، 1410هـ].
قال تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ *} [آل عمران] ، وقال تعالى: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام: 54] ، وقال تعالى: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي *} [طه] .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يقول الله عزّ وجل: أنا عند ظن عبدي، وأنا معه حين يذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه، وإن اقترب إلي شبرًا تقربت إليه ذراعًا، وإن اقترب إلي ذراعًا اقتربت إليه باعًا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة»[1].
وعن أم المؤمنين جويرية رضي الله عنها؛ أن النبي صلّى الله عليه وسلّم خرج من عندها بكرة حين صلى الصبح وهي في مسجدها، ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة فقال: «ما زلت على الحال التي فارقتك عليها؟» . قالت: نعم. قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن: سبحان الله وبحمده عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته»[2].
[1] أخرجه البخاري (كتاب التوحيد، رقم 7405)، ومسلم (كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، رقم 2675)، واللفظ له.
[2] أخرجه مسلم (كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، رقم 2726).
قال عثمان بن سعيد الدارمي: «فقد أخبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن الله يخفي ذكر العبد في نفسه إذا أخفى ذكره، ويعلن ذكره إذا هو أعلن ذكره، ففرق بين علم الظاهر والباطن والجهر والخفاء، فإذا اجتمع قول الله وقول الرسولين عيسى ومحمد ـ صلى الله عليهما وسلم ـ فمن يكترث لقول جهم والمريسي وأصحابهما. فنفس الله هو الله، والنفس تجمع الصفات كلها، فإذا نفيت النفس نفيت الصفات، وإذا نفيت الصفات كان لا شيء»[1].
وقال ابن تيمية: «غير الله لا يعلم ما في نفس الله من العلم ـ ونفسه هي ذاته المقدسة ـ إلا أن يعلمه الله بذلك، كما قال المسيح عليه السلام: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ *} [المائدة] »[2].
وقال أيضًا: «ويراد بنَفْس الشيء ذاته وعينه؛ كما يقال: رأيت زيدًا نفسه وعينه، وقد قال تعالى: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [المائدة] ، وقال تعالى: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام: 54] ، وقال تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} [آل عمران: 28] ، وفي الحديث الصحيح أنه قال لأم المؤمنين: «لقد قلت بعدك أربع كلمات لو وزن بما قلتيه لوزنتهن: سبحان الله عدد خلقه، سبحان الله زنة عرشه، سبحان الله رضا نفسه، سبحان الله مداد كلماته» ، وفي الحديث الصحيح الإلهي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حين يذكرني، إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم» ؛ فهذه المواضع المراد فيها بلفظ النَّفْس عند جمهور العلماء: الله نفسه، التي هي ذاته، المتصفة بصفاته، ليس المراد بها ذاتًا منفكة عن الصفات، ولا المراد بها صفة للذات، وطائفة من الناس يجعلونها من باب الصفات، كما يظن طائفة أنها الذات المجردة عن الصفات، وكلا القولين خطأ»[3].
وقد سئل الشيخ ابن باز السؤال الآتي: «هل صفة (النفس) لله صفة ذات؟» فكان الجواب: «نعم، قال الله سبحانه عن عيسى عليه السلام إنه قال: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [المائدة: 116] (نفسه)؛ يعني: ذاته»[4].
[1] نقض عثمان بن سعيد على المريسي الجهمي العنيد (546، 547) [أضواء السلف، ط1، 1419هـ].
[2] مجموع الفتاوى (14/196، 197) [مجمع الملك فهد لطباعة المصحف، 1416هـ].
[3] مجموع الفتاوى (9/292، 293).
[4] مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (28/395) [إدارة البحوث العلمية والإفتاء، الرياض، ط3، 1421هـ].
ـ خطأ من يقول: إن النفس صفة من صفات الله تعالى:
إن من قال من السلف بإثبات النفس على أنها صفة زائدة على الذات إنما قالوه ردًّا على الجهمية المنكرين لها، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «المراد بالنفس هو الذات، وهذا هو الصواب، فإن طائفة من متأخري أهل الإثبات جعلوا النفس في هذه النصوص صفة لله زائدة على ذاته، لما سمعوا إدخال المتقدمين لها في ذكر الصفات، ولم يكن مقصود المتقدمين ذلك، وإنما قصدهم الرد على من ينكر ذلك من الجهمية، وزعموا أن ذلك هو ظاهر النصوص، وليس الأمر كذلك، وقد صرح أئمة السُّنَّة بأن المراد بالنفس هو الذات، وكلامهم كله على ذلك»[1]. وقال أيضًا بعد أن ذكر نصوصًا من الكتاب والسُّنَّة ورد فيها ذكر النفس مضافة إلى الله عزّ وجل: «فهذه المواضع المراد فيها بلفظ النَّفْس عند جمهور العلماء: الله نفسه، التي هي ذاته، المتصفة بصفاته، ليس المراد بها ذاتًا منفكة عن الصفات، ولا المراد بها صفة للذات، وطائفة من الناس يجعلونها من باب الصفات، كما يظن طائفة أنها الذات المجردة عن الصفات، وكلا القولين خطأ»[2].
[1] بيان تلبيس الجهمية (7/427) [مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، ط1، 1426هـ].
[2] مجموع الفتاوى (9/292، 293). وانظر للتفصيل: بيان تلبيس الجهمية (7/458 ـ 485).
1 ـ «الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية» (ج6)، لابن بطة العكبري.
2 ـ «بيان تلبيس الجهمية» (ج6 و8)، لابن تيمية.
3 ـ «السُّنَّة» (ج6)، للخلال.
4 ـ «شرح العقيدة الطحاوية»، لابن أبي العز الحنفي.
5 ـ «شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري» (ج1)، لعبد الله بن محمد الغنيمان.
6 ـ «صفات الله عزّ وجل الواردة في الكتاب والسُّنَّة»، لعلوي بن عبد القادر السقاف.
7 ـ «معارج القبول» (ج1 و3)، لحافظ الحكمي.
8 ـ «مجموع الفتاوى» (ج9 و14)، لابن تيمية.
9 ـ «مجموع فتاوى ومقالات متنوعة» (ج28)، لابن باز.
10 ـ «نقض عثمان بن سعيد على المريسي الجهمي العنيد فيما افترى على الله في التوحيد»، للدارمي.