حرف النون / النفَس

           

قال ابن فارس: «النَّفَس: كل شيء يُفَرَّجُ به عن مكروب، وفي الحديث: «لا تسبوا الريح؛ فإنها من نَفَس الرحمن» ؛ يعني: أنها رَوْح يُنَفَّس به عن المكروبين، وجاء في ذكر الأنصار: «أجد نفَس ربكم من قبل اليمن» ؛ يراد أن بالأنصار نُفِّسَ عن الذين كانوا يُؤذَون من المؤمنين بمكة»[1].


[1] مقاييس اللغة (2/574) [دار الكتب العلمية، 1420هـ].


النَّفَس : فعل من أفعال الله تعالى، والله عزّ وجل ينفِّس عمن يشاء بما يشاء سبحانه وتعالى[1].


[1] انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية (6/398) [مجمع الملك فهد لطباعة المصحف، 1416هـ]، والقواعد المثلى لابن عثيمين (51) [الجامعة الإسلامية بالمدينة، ط3، 1409هـ].


يجب الإيمان بتنفيس الله عزّ وجل لدلالة الأحاديث النبوية على ذلك، ويجب إثباته لله تعالى كما يليق بجلاله وكبريائه وعظمته سبحانه، من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل.



النَّفَس : بمعنى: التنفيس، وحقيقته التفريج عن المكروب، وإزالة الشدة والكرب والهم والغم[1].


[1] انظر: تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة (307، 308) [المكتب الإسلامي، بيروت، ط2، 1419هـ]، والقواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى (51).


عن سلمة بن نفيل السكوني رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال ـ وهو مُوَلٍّ ظهره إلى اليمن ـ: «إني أجدُ نَفَسَ الرحمن من هنا»[1].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ألا إنَّ الإيمان يمان، والحكمة يمانية، وأجد نَفَسَ ربكم من قِبَل اليمن»[2].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من نَفَّسَ عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفَّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسَّرَ على معسر يسَّرَ الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهَّل الله له به طريقًا إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفَّتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطَّأ به عمله لم يسرع به نسبه»[3].
أقوال أهل العلم:
قال ابن قتيبة: «ونحن نقول: إنه لم يرد بالنفس ما ذهبوا إليه، وإنما أراد أن الريح من فرج الرحمن عزّ وجل وروحه، يقال: اللَّهُمَّ نَفِّسْ عني الأذى، وقد فرَّج الله عن نبيِّه صلّى الله عليه وسلّم بالريح يوم الأحزاب، وقال تعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} [الأحزاب: 9] ، وكذلك قوله: «إني لأجد نفس ربكم من قبل اليمن» . وهذا من الكناية؛ لأن معنى هذا أنه قال: كنت في شدة وكرب وغم من أهل مكة ففرج الله عني بالأنصار؛ يعني: أنه يجد الفرج من قبل الأنصار وهم من اليمن، فالريح من فرج الله تعالى ورَوْحِه، كما كان الأنصار من فرج الله تعالى»[4].
وقال ابن تيمية: «قوله صلّى الله عليه وسلّم: «من اليمن» يبيِّن مقصود الحديث؛ فإنه ليس لليمن اختصاص بصفات الله تعالى حتى يظن ذلك، ولكن منها جاء الذين يحبهم ويحبونه الذين قال فيهم: {مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: 54] . وقد روي أنه لما نزلت هذه الآية: سئل عن هؤلاء؛ فذكر أنهم قوم أبي موسى الأشعري[5]؛ وجاءت الأحاديث الصحيحة مثل قوله: «أتاكم أهل اليمن أرق قلوبًا، وألين أفئدة؛ الإيمان يماني، والحكمة يمانية» [6] وهؤلاء هم الذين قاتلوا أهل الردة، وفتحوا الأمصار؛ فبهم نَفَّس الرحمن عن المؤمنين الكربات»[7].
وقال ابن عثيمين: «وهذا الحديث على ظاهره، والنَّفَس فيه اسم مصدر نَفَّسَ يُنَفِّسُ تنفيسًا، مثل فَرَّجَ يُفَرِّجُ تفريجًا وفرجًا، هكذا قال أهل اللغة فيكون معنى الحديث: أن تنفيس الله تعالى عن المؤمنين يكون من أهل اليمن»[8].


[1] أخرجه البزار (9/150) [مكتبة العلوم والحكم، ط1]، والطبراني في الكبير (7/60) [مكتبة ابن تيمية، ط2]، والبيهقي في الأسماء والصفات (2/391) [مكتبة السوادي، ط1] وغيرهم، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (7/2/1099، رقم 3367).
[2] أخرجه أحمد (16/576، 577) [مؤسسة الرسالة، ط1]، والطبراني في مسند الشاميين (2/149، 150) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/56) [مكتبة القدسي]: «رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير شبيب وهو ثقة»، لكن تعقبه الألباني، وحكم بنكارة هذه الزيادة في السلسلة الضعيفة (3/217).
[3] أخرجه مسلم (كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، رقم 2699).
[4] تأويل مختلف الحديث (307، 308).
[5] أخرجه الحاكم (كتاب التفسير، رقم 3220) وصححه، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (رقم 3368).
[6] أخرجه البخاري (كتاب المغازي، رقم 4388)، ومسلم (كتاب الإيمان، رقم 52).
[7] مجموع الفتاوى (6/398).
[8] القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى (51).


المسألة الأولى: معنى أثر: «لا تسبوا الريح فإنها من نفس الرحمن»[1]:
النَّفَس من التنفُّس الذي هو إخراج الريح من الجوف، فهذا المعنى غير مراد هنا البتة، ولا يليق بكمال الله وغناه وعظمته سبحانه، فإنه تعالى فرد صمد، ولذلك لم يقل به أحد من أهل السُّنَّة والجماعة، وإنما نسب بعض الجهمية هذا المعنى إلى أهل السُّنَّة والجماعة كذبًا وزورًا وافتراء عليهم، وقد ردَّ عليهم أهل السُّنَّة والجماعة وتبرؤوا مما نسب عليهم، قال الدارمي: «تعالى الله عما نحله المبطلون بأن ذلك نفس يخرج من جوف. فممن سمعت أيها المعارض أن هذا نفس يخرج من جوف الله تعالى؟ وهذا الحديث معروف معقول المعنى جهلت معناه فصرفته إلى غيره مما لم نر أحدًا يقوله أو يذهب إليه، إنما فسَّره العلماء على الروح الذي يأتي بها الريح من نحو اليمن؛ لأن مهب الريح من هناك من عندهم، فأما أن يقول أحد هو نفس يخرج من جوف الرحمن فما سمعنا أحدًا يقوله قبلك، وأدنى ما عليك فيه الكذب أن ترمي قومًا مشنعًا عليهم ثم لا تقدر أن تثبته عليهم»[2].
ولو كان المراد به الهواء الذي يدخل الجوف ويخرج منه بالتنفس لقال: (إني أجد رِيْحَ نَفَسِ ربكم)، ويدل على ذلك ما جاء في حديث النبي صلّى الله عليه وسلّم في وصف عيسى عليه السلام بعد نزوله من السماء: «فلا يحل لكافر يجد ريح نَفَسِه إلا مات، ونَفَسُه ينتهي حيث ينتهي طرفه» [3]. فهكذا يوصف من كان له نَفَسٌ يخرج من جوف، فيقال: وجدت ريح نفس فلان، فلما قال: «نفس ربكم» ولم يقل: (ريح نفس ربكم) علم أن المعنى المذكور غير صحيح وغير مراد هنا البتة.
بل معناه: أن الله عزّ وجل ينفِّس بها عمن شاء من خلقه، وهذا الحديث ليس من أحاديث الصفات، قال الألباني: «ليس الحديث من أحاديث الصفات»[4].
وقال عبد المحسن العبّاد: «أهل السُّنَّة والجماعة يثبتون لله ما أثبته لنفسه، وأثبته له رسوله صلّى الله عليه وسلّم من الأسماء والصفات، وهم لا يصفون الله بالنَّفَس؛ لأنه لم يثبت وصفه بهذا الوصف في الكتاب والسُّنَّة»[5].
المسألة الثانية: بطلان ما نقل عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى من تأويل هذا الحديث:
عُزي إلى الإمام أحمد أنه لم يقل بظاهر هذا الحديث، ولكن لا يصح ذلك عنه، قال ابن تيمية: «وأما ما حكاه أبو حامد الغزالي عن بعض الحنبلية: أن أحمد لم يتأول إلا ثلاثة أشياء»، وذكر منها قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إني أجد نفس الرحمن من قبل اليمن» «فهذه الحكاية كذب على أحمد لم ينقلها أحد عنه بإسناد؛ ولا يعرف أحد من أصحابه نقل ذلك عنه. وهذا الحنبلي الذي ذكر عنه أبو حامد مجهول لا يعرف، لا علمه بما قال ولا صدقه فيما قال»[6].


[1] أخرجه عبد الله بن أحمد في السُّنَّة (2/510) [دار ابن القيم، ط1]، والنسائي في الكبرى (كتاب عمل اليوم والليلة، رقم 10706)، والحاكم (كتاب التفسير، رقم 3075) وصححه، عن أُبي بن كعب رضي الله عنه موقوفًا من قوله، ورجاله ثقات.
[2] نقض عثمان بن سعيد على المريسي العنيد (403 ـ 405).
[3] جزء من حديث النواس بن سمعان، أخرجه مسلم (كتاب الفتن وأشراط الساعة، رقم 2937).
[4] سلسلة الأحاديث الصحيحة (7/2/1102) [مكتبة المعارف، الرياض، ط1، 1422هـ].
[5] الانتصار لأهل السُّنَّة والحديث في رد أباطيل حسن المالكي (112).
[6] مجموع الفتاوى (5/398).


إن الله عزّ وجل ينفِّس بما يشاء عمن يشاء، وإيمان العبد بذلك يجعله يلجأ إلى الله عزّ وجل، ولا سيما في أوقات الكروب والمشكلات، فإنه لا ينفسها عنه إلا الله عزّ وجل.



1 ـ «إبطال التأويلات لأخبار الصفات» (ج1)، للقاضي أبي يعلى الفراء.
2 ـ «الأسماء والصفات» (ج2)، للبيهقي.
3 ـ «الانتصار لأهل السُّنَّة والحديث في رد أباطيل حسن المالكي»، لعبد المحسن العبّاد البدر.
4 ـ «تأويل مختلف الحديث»، لابن قتيبة.
5 ـ «سلسلة الأحاديث الصحيحة» (ج7)، للألباني.
6 ـ «صفات الله عزّ وجل الواردة في الكتاب والسُّنَّة»، لعلوي بن عبد القادر السقاف.
7 ـ «القواعد المثلى»، لابن عثيمين.
8 ـ «مجموع الفتاوى» (ج5 و6)، لابن تيمية.
9 ـ «معجم ألفاظ العقيدة»، لعالم عبد الله فالح.
10 ـ «نقض عثمان بن سعيد على المريسي الجهمي العنيد فيما افترى على الله في التوحيد»، للدارمي.