قال ابن فارس رحمه الله: «الهاء والدال والحرف المعتل أصلان؛ أحدهما: التقدم للإرشاد، والآخر: بعثة لَطَفٍ»[1].
والهادي : اسم فاعل من الهداية، يقال: هَدَى يَهْدِي هديًا وهداية فهو هادٍ؛ إذا تقدّم غيره ليرشده، والهداية: الدلالة والبيان بلطف، والهُدَى خلاف الضلالة، والهادي: الدليل، يقال: هداه فاهتدى يهتدي: استرشد، واستهدى: طلب الهدى، والهدي: السيرة والسلوك[2].
[1] مقاييس اللغة (6/42) [دار الجيل، ط1420هـ].
[2] انظر: تهذيب اللغة (6/378 ـ 380) [الدار المصرية، ط1]، ومقاييس اللغة (6/42)، والصحاح (6/2533 ـ 2534) [دار العلم للملايين، ط4]، ومفردات ألفاظ القرآن للراغب (835) [دار القلم، ط2، 1418]، والقاموس المحيط (1733) [مؤسسة الرسالة، ط5، 1416هـ]، والمعجم الوسيط (2/978) [دار الدعوة، ط2، 1972م].
الهادي: المرشد، الذي منّ بهداه على جميع خلقه، فأرشدهم إلى المعارف الفطرية الضرورية لكل مخلوق عاقلهم وحيوانهم، هداية إرشاد ودلالة إلى ما فيه قوامهم ومصالحهم، وألهمهم كيف يطلبون الرزق، ويتقون المضار والمهالك، وخصَّ عباده المؤمنين بهداية التوفيق إلى مسالك الجنان والطرق المفضية إليها، وأكرمهم بنور توحيده، وأخذ بقلوبهم وعقولهم إلى مواضع رضاه بالتوفيق والإلهام والحفظ واللطف، ويرشدهم إلى جميع المنافع، ودفع المضار في الدنيا، وإلى الصراط المستقيم الموصل إلى الجنات، ويزحزحهم عن العذاب الأليم والدركات في الآخرة[1].
[1] انظر: تفسير الطبري (18/680) [مؤسسة الرسالة، ط1، 1420هـ]، وتفسير أسماء الله الحسنى للزجاج (64) [دار الثقافة العربية، ط1]، واشتقاق أسماء الله (187) [مؤسسة الرسالة، ط2، 1406هـ]، وشأن الدعاء (95، 96) [دار الثقافة، ط3، 1412هـ]، وتفسير أسماء الله الحسنى للسعدي (242).
قال ابن تيمية رحمه الله: «ومن أسمائه الهادي»[1].
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ما نصه: « س : إنني اسمي هادي، والهادي الله سبحانه وتعالى، فهل يجوز لي أن أبقى على هذا الاسم، أو أغيره إلى اسم آخر؟
فأجابت : إن أبقيت اسمك الأول فلا حرج؛ لأن لفظ الهادي اسم مشترك، مطلق على الله وعلى غيره من الناس، الذين يهدون غيرهم إلى ما ينفعهم؛ كالرسل؛ كما قال تعالى: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ *} [الرعد] ، ومن المعلوم بأن وصف الله سبحانه بأنه الهادي، لا يشابه وصف المخلوقين، وإن غيَّرت اسمك إلى عبد الهادي فلا بأس بذلك شرعًا»[2].
وقال ابن عثيمين رحمه الله: «أما الهادي فبعض العلماء أثبته من أسماء الله، وبعضهم قال: هذا من أوصاف الله، وليس اسمًا»[3].
[1] مجموع الفتاوى (22/484).
[2] فتاوى اللجنة الدائمة برئاسة العلامة ابن باز رحمه الله (11/467) [دار العاصمة، ط1، 1419هـ].
[3] مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين (1/108).
هداية الله للعبد على أربعة أنواع[1]:
الأول: الهداية العامة المشتركة بين الخلق: وهي إرشاد كل نفس إلى مصالح معاشها وما يقيمها، وهي شاملة للحيوان كله ناطقه وبهيمه، مؤمنه وكافره، طيره ودوابه، فصيحه وأعجمه، وهي المرادة بقوله تعالى: {الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى *} [طه] .
الثانية: هداية الإرشاد والبيان إلى طريقي الخير والشر، على يدي أنبيائه ورسله وما أنزل من كتبه، وبها تقوم الحجة على العباد، وهي المقصودة بقوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} [السجدة: 24] ، وهذه أيضًا يشترك فيها جميع المكلفين، سواء آمنوا، أو كفروا.
الثالثة: هداية التوفيق والإلهام وشرح الصدور لقبول الحق والرضا به، وهي المقصودة بقوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [البقرة: 272] ، وقوله تعالى: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} [التغابن: 11] .
الرابعة: الهداية في الآخرة إلى الجنة، قال تعالى: {سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ *وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ *} [محمد] ، وقال تعالى: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلاَ أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأعراف: 43] .
[1] انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (18/170)، وبدائع الفوائد لابن القيم (2/445) [دار عالم الفوائد، ط1، 1427هـ]، وشفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل (117) [دار الكتب العلمية، ط3].
ـ تسمية غير الله بهذا الاسم:
أطلق الله عزّ وجل هذا الاسم على بعض خلقه من باب الوصف كما في قوله تعالى: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ *} [الرعد] ؛ أي: «داع يدعوهم إلى الهدى من الرسل وأتباعهم، ومعهم من الأدلة والبراهين ما يدل على صحة ما معهم من الهدى»[1].
والمراد بها هداية إرشاد ودلالة، وبهذا المعنى يجوز إطلاق اسم الهادي على غير الله عزّ وجل، أما هداية التوفيق والإنعام فلا يملكها غير الله تعالى، ولا يجوز إطلاق اسم الهادي على غير الله عزّ وجل بهذا الاعتبار، وهو ما نفاه الله عزّ وجل عن نبيه صلّى الله عليه وسلّم وغيره بقوله تعالى: {إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص: 56] .
الآثار:
يجب على العبد أن يعلم أن الهداية أكبر نعمة ينعم بها الهادي سبحانه على عبده، إذ كل نعمة دونها زائلة مضمحلة، وبقدر هدايته تكون سعادة العبد في الدنيا، وفوزه وعلو درجته في الآخرة.
والأنبياء عليهم السلام ـ وهم أكمل الناس إيمانًا وهداية ـ كانوا يسألون الله الهداية، وكان نبينا صلّى الله عليه وسلّم وهو أفضلهم وأكرمهم يقول في دعائه: «اللَّهُمَّ إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى»[2].
كما أمرت هذه الأمة بأن تسأل الله عزّ وجل الهداية في كل ركعة من صلاتها، قال عزّ وجل: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ *صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ *} [الفاتحة] [3].
[1] تفسير السعدي (414) [مؤسسة الرسالة، ط1]. وانظر: تفسير ابن كثير (4/434) [دار طيبة، ط2، 1420هـ].
[2] أخرجه مسلم (كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، رقم 2721).
[3] انظر: النهج الأسمى (2/275، 276) [مكتبة الذهبي، ط2، 1417هـ].
خالف في تفسير معنى اسم الله الهادي طائفتان من أهل الأهواء والبدع[1]:
الطائفة الأولى: المعتزلة القدرية، ومن وافقهم قالوا: الهدى من الله هو بيان الطريق، ونصب الأدلة، وإرسال الرسل، وزعموا أن العبد هو الذي يهدي نفسه، بناء على أصلهم الفاسد في باب القدر، وهو إنكار قدرة الله تعالى وفعله على خلق أفعال العباد.
الطائفة الثانية: الأشاعرة الجبرية ومن وافقهم، قالوا: الهدى من الله هو التوفيق والإلهام؛ وهو خلق القدرة على الإيمان[2]، وهذا بناء على أصل مذهبهم في القدر، وهو إنكار الأسباب، وقولهم: إن الاستطاعة لا تكون إلا مع الفعل مقارنة له، لا قبله.
وكلا الطائفتين لم تهتدِ إلى نوعَي الهداية معًا: فالقدرية المعتزلة عَموا عن هداية التوفيق والإلهام، والأشاعرة الجبرية عموا عن أسباب الهداية وهي هداية البيان والإرشاد، فلو اهتدوا لمجموع الهدايتين معًا لاهتدوا ووفقوا إلى الصواب.
قال ابن القيم رحمه الله وهو يتكلم عن هداية التوفيق: «وهذه المرتبة أخص من التي قبلها ـ أي: هداية الإرشاد ـ، وهي التي ضل فيها جهال القدرية بإنكارها، وصاح عليهم سلف الأمة ـ وأهل السُّنَّة منهم ـ من نواحي الأرض عصرًا بعد عصر، إلى وقتنا هذا، ولكن الجبرية ظلمتهم، ولم تنصفهم، كما ظلموا أنفسهم بإنكار الأسباب والقوى، وإنكار فعل العبد وقدرته، وأن يكون له تأثير في الفعل البتة، فلم يهتدوا لقول هؤلاء، بل زادهم ضلالاً على ضلالهم وتمسكًا بما هم عليه، وهذه المرتبة تستلزم أمرين:
أحدهما: فعل الرب تعالى: وهو الهدى.
والثاني: فعل العبد وهو الاهتداء، وهو أثر فعله سبحانه وتعالى، فهو الهادي، والعبد المهتدي... فإن الله سبحانه يخبر أنه قسم هدايته للعبد قسمين: قسمًا لا يقدر عليه غيره، وقسمًا مقدورًا للعباد، فقال في القسم المقدور للغير: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقَيمٍ *} [الشورى] ، وقال في غير المقدور للغير: {إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص: 56] ، وقال تعالى: {مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ} [الأعراف: 186] ، ومعلوم قطعًا أن البيان والدلالة قد تحصل له، ولا تنفى عنه»[3].
[1] انظر: مجموع الفتاوى (18/172 ـ 174)، وشفاء العليل لابن القيم (141)، وشرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي (1/137) [مكتبة الذهبي، ط2، 1417هـ].
[2] انظر: الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى للقرطبي (1/382، 383)، وأبكار الأفكار للآمدي.
[3] شفاء العليل (141 ـ 145).
1 ـ «اشتقاق أسماء الله»، للزجاجي.
2 ـ «تفسير أسماء الله الحسنى»، للزجاج.
3 ـ «تفسير أسماء الله الحسنى»، للسعدي.
4 ـ «شأن الدعاء»، للخطابي.
5 ـ «شفاء العليل في مسائل القدر»، لابن القيم.
6 ـ «شرح أسماء الله الحسنى»، للقحطاني.
7 ـ «فقه الأسماء الحسنى»، لعبد الرزاق البدر.
8 ـ «معتقد أهل السُّنَّة والجماعة في أسماء الله الحسنى»، للتميمي.
9 ـ «النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى»، لمحمد حمود النجدي.
10 ـ «معارج القبول»، لحافظ الحكمي.