اسمان أعجميان، يجمعان على: هواريت ومواريت، ويقال: هوارته وموارته، وزعم بعضهم أنهما مشتقان من الهرت والمرت، وهو الكسر، وقوله فيه نظر، بدليل منعهم الصرف لهما، ولو كانا كما زعم لانصرفا[1].
[1] ينظر: لسان العرب (2/103، 104) [دار صادر، ط3، 1414هـ]، وتاج العروس (5/94، 141) [دار الهداية]، وتفسير البحر المحيط (1/512، 530) [دار الفكر، 1420هـ].
ذكر أهل السير أن قصة هاروت وماروت كانت قبل زمن نوح عليه السلام، قال ابن حجر: «قصة هاروت وماروت كانت من قبل زمن نوح عليه السلام على ما ذكر ابن إسحاق وغيره»[1]. وأغلب ما جاء في قصتهما هو من الإسرائيليات، وليس فيها خبر صحيح يعتمد عليه، إلا ما جاء به القرآن الكريم، قال ابن كثير: «وردت في قصتهما، وما كان من أمرهما آثار كثيرة غالبها إسرائيليات»[2]، وقال: «وظاهر سياق القرآن إجمال القصة من غير بسط ولا إطناب فيها، فنحن نؤمن بما ورد في القرآن على ما أراده الله تعالى، والله أعلم بحقيقة الحال»[3].
[1] فتح الباري (10/223) [دار المعرفة، 1379هـ].
[2] البداية والنهاية (1/109) [دار هجر، ط1].
[3] تفسير ابن كثير (1/364) [دار طيبة، ط4].
قال الله تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اُشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ *} [البقرة] .
قد يستشكل من يقف على قصة الملكين وتعليمهما الناس السحر، وهم ملائكة، والأصل في الملائكة عبادة الله تعالى وعدم عصيانه.
والجواب : أن الله تعالى هو الذي أمرهما بتعليم الناس السحر، ابتلاء منه سبحانه وتعالى لعباده، فتعليم الملكين للناس ليس معصية منهما؛ بل هو بإذن الله تعالى، وذلك بعد أن أرشد سبحانه وتعالى عباده إلى طريق الحق، وأمرهم باتباعه، وبين لهم طريق الضلال ونهاهم عن اتباعه. قال ابن جرير: «إن الله عزّ وجل قد أنزل الخير والشر كله، وبين جميع ذلك لعباده، والسحر أحد تلك المعاصي التي أخبرهم بها، ونهاهم عن العمل بها، فليس في إنزال الله إياه على الملكين، ولا في تعليم الملكين من علماه من الناس إثم؛ إذ كان تعليمهما من علماه ذلك، بإذن الله لهما بتعليمه، بعد أن يخبراه بأنهما فتنة، وينهيانه عن السحر والعمل به والكفر. وإنما الإثم على من يتعلمه منهما ويعمل به، إذ كان الله ـ تعالى ذكره ـ قد نهاه عن تعلمه والعمل به، فالله ـ جل ثناؤه ـ عرَّف عباده جميع ما أمرهم به وجميع ما نهاهم عنه، ثم أمرهم ونهاهم بعد العلم منهم بما يؤمرون به وينهون عنه. ولو كان الأمر على غير ذلك، لما كان للأمر والنهي معنى مفهوم. فالسحر مما قد نهى عباده من بني آدم عنه، فغير منكر أن يكون ـ جل ثناؤه ـ علمه الملكين اللذين سماهما في تنزيله، وجعلهما فتنة لعباده من بني آدم فيمحص المؤمن بتركه التعلم منهما، ويخزي الكافر بتعلمه السحر والكفر منهما. ويكون الملكان في تعليمهما من علّما ذلك لله مطيعين؛ إذْ كانا ـ عن إذن الله لهما بتعليم ذلك من علماه ـ يعلمان، فالملكان غير ضائرهما سحر من سحر ممن تعلم ذلك منهما، بعد نهيهما إياه عنه، وعظتهما له؛ إذ كانا قد أديا ما أمر به بقيلهما ذلك»[1].
[1] تفسير الطبري (2/422 ـ 427) [مؤسسة الرسالة، ط1، 1420هـ].
ذهب ابن حزم إلى أن هاروت وماروت، إما أن يكونا من الجن، وإما أن يكونا ملكين من الملائكة أتيا بشريعة من الله، ونهيا عن الكفر بالله، ثم نسخ ذلك الذي أنزل على الملكين فصار كفرًا بعد أن كان إيمانًا، كما نسخ تعالى شرائع التوراة والإنجيل، فتمادت الجن على تعلم ذلك المنسوخ[1].
وما ذهب إليه ابن حزم رحمه الله اجتهاد لا يقر عليه؛ وتوجيه بعيد كل البعد عن الصواب، وتكلف في حمل الآية على خلاف ظاهرها. فظاهر النص يفيد أنهما ملكان من الملائكة أنزلهما الله ابتلاء وامتحانًا لعباده.
وذهب آخرون إلى أن هاروت وماروت ملِكان من ملوك الأرض، وليسا من الملائكة، وهذا كلام باطل؛ لأنه لو ثبت لكانت القراءة بكسر اللام وليس بفتحها. والقراءة بالكسر من القراءات الشاذة، فهي على خلاف ما أجمع عليه القُراء العشرة على القراءة بفتح اللام: {عَلَى الْمَلَكَيْنِ}[2].
[1] ينظر: الفصل في الملل والأهواء والنحل (3/305 ـ 306، 4/61 ـ 64) [دار الجيل، 1405هـ].
[2] ينظر: المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها (1/100) [المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، 1420هـ].
1 ـ «أصول الإيمان في ضوء الكتاب والسُّنَّة»، لنخبة من العلماء.
2 ـ «البداية والنهاية» (ج1)، لابن كثير.
3 ـ «تفسير القرآن العظيم» (ج1)، لابن كثير.
4 ـ «جامع البيان» (ج2)، للطبري.
5 ـ «الجامع لأحكام القرآن» (ج2)، للقرطبي
6 ـ «الجامع لشعب الإيمان» (ج1)، للبيهقي.
7 ـ «الحبائك في أخبار الملائك»، للسيوطي.
8 ـ «سحر بابل»، لعبد الباقي أحمد سلامة.
9 ـ «عالم الملائكة الأبرار»، للأشقر.
10 ـ «المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها» (ج1)، لابن جني.
11 ـ «معتقد فرق المسلمين واليهود والنصارى والفلاسفة والوثنيين في الملائكة المقربين»، للعقيل.