قيل: إن فرعون بعد أن كان يقتل الذكور في كل عام، عدل إلى قتل الذكور في عام يسمى عام الذبح ويكف عنهم في العام الذي يليه يسمى عام المسامحة، وذلك بعد أن شكى بنو إسرائيل بأن الرجال سيفنون بهذه الطريقة، ويُذكر أن هارون ولد في عام المسامحة وموسى في عام الذبح[1].
[1] انظر: البداية والنهاية (2/35) [دار هجر، ط1، 1418هـ].
دلَّت النصوص الشرعية على نبوة هارون عليه السلام، كقوله تعالى في مخاطبة موسى وهارون حينما أمرهما بالدعوة إلى الله: {اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلاَ تَنِيَا فِي ذِكْرِي *} [طه] ، وقال الله لموسى وهارون لما أرسلهما إلى فرعون: {فَأْتِيَاهُ فَقُولاَ إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ} [طه: 47] . وقال سبحانه: {ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ *} [المؤمنون] . وقال تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا *} [مريم] ، وفي هذه الآية الأخيرة، إشارة إلى قبول الله دعاء موسى بإشراك أخيه هارون معه في النبوة لما أرسله الله إلى فرعون، كما جاء في قوله تعالى: {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي *وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي *وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي *يَفْقَهُوا قَوْلِي *وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي *هَارُونَ أَخِي *اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي *وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي *كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا *وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا *إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا *قَالَ قَدْ أُوتِيْتَ سُؤْلَكَ يَامُوسَى *} [طه] ، وفي قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ *وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ *قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ *} [القصص] .
قوم هارون هم بنو إسرائيل، الذين تسلط عليهم فرعون أعتى رؤساء زمانه، كما قال الله تعالى لهارون وأخيه موسى عليه السلام: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى *} [طه] ، وقال الله في حكاية قول هارون لقومه في مدة ذهاب موسى إلى ميقات ربه: {وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْل ياقَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَانُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي *} [طه] .
مات هارون قبل أخيه موسى عليه السلام عقب صعودهما على الجبل[1]، يدل لذلك ما جاء عن الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قوله عزّ وجل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا} [الأحزاب: 69] ، حيث قال: «صعد موسى وهارون الجبل فمات هارون، فقالت بنو إسرائيل لموسى: أنت قتلته، كان أشد حبًّا لنا منك، وألين لنا منك، فآذوه في ذلك، فأمر الله الملائكة فحملته فمرّوا به على مجالس بني إسرائيل، حتى علموا بموته فدفنوه، ولم يعرف قبره إلا الرخم[2]، وإن الله جعله أصم أبكم»[3]، ومعلوم أن هذا لا مجال للرأي فيه فيكون له حكم الرفع والله أعلم.
وأما حديث: «ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس نبي بعدي» [4]، فهذا استخلاف ليس بعد موته كما توهمه الروافض؛ لأن هارون مات قبل موسى بثلاث سنين[5]، وإنما هو استخلاف في حال غيبته في غزوة تبوك، وقد حصل مثل هذا الاستخلاف لغير علي من الصحابة، ولا قائل بأنه استخلاف بعد الموت، ولم يدّع لهم الإمامة كما ادّعاها الروافض لعلي في وقت خلافة الأئمة الثلاثة قبله، وللحديث سبب يوضح هذه الحقيقة، فعن سعد بن وقاص رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خرج إلى تبوك واستخلف عليًّا، فقال: أتخلفني في الصبيان والنساء؟ فقال صلّى الله عليه وسلّم: «ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس نبي بعدي»[6].
[1] انظر: المنتظم في التاريخ (1/372) [دار الكتب العلمية، ط1]، وقصص الأنبياء لابن كثير (2/172) [دار التأليف، القاهرة ط1، 1388هـ]، وتحفة الأحوذي (10/161) [دار الكتب العلمية]، وقصص الأنبياء للنجار (298) [دار إحياء التراث العربي، ط3]، وجاء النبي المنتظر لعبد الوهاب طويلة (31) [الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، ط2].
[2] الرخم نوع من الطير. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (2/508) [المكتبة العلمية، بيروت، 1399هـ].
[3] أخرجه الطبري في تفسيره (20/334) [مؤسسة الرسالة، ط1]، والحاكم (كتاب تواريخ المتقدمين، رقم 4110) وصححه، وصححه ابن حجر في المطالب العالية (14/257) [دار العاصمة، ط1].
[4] أخرجه البخاري (كتاب المغازي، رقم 4416)، ومسلم (كتاب فضائل الصحابة، رقم 2404).
[5] انظر: تفسير ابن كثير (3/79).
[6] تقدم تخريجه.
المسألة الأولى: قصة هارون عليه السلام مع السامري:
وهي أن موسى لما استخلف أخاه في قومه وذهب إلى ميقات ربه، خرج من بين القوم السامريُّ فصنع عجلاً ودعا إلى عبادته، فافتتن به الناس، ولما نهاهم هارون لم يستجيبوا له.
المسألة الثانية: مكان هارون عليه السلام في السماوات:
لما عرج بالنبي صلّى الله عليه وسلّم ليلة الإسراء والمعراج، وجد هارون عليه السلام في السماء الخامسة، فقد ثبت في حديث مالك بن صعصعة رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم وفيه: «فأتينا السماء الخامسة قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قيل: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبًا به ولنعم المجيء جاء، فأتينا على هارون فسلمت عليه، فقال: مرحبًا بك من أخ ونبي»[1].
المسألة الثالثة: إحسان موسى إلى أخيه عليه السلام بأن يكون نبيًّا:
لقد أحسن موسى إلى أخيه هارون عليه السلام إحسانًا عظيمًا، حين سأل الله الكريم بأن يمن على أخيه هارون بالنبوة، ويبعثه معه إلى بني إسرائيل نبيًّا ورسولاً وبشيرًا ونذيرًا، فقام متوجهًا إلى ربه بهذا الطلب العظيم: {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي *وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي *وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي *يَفْقَهُوا قَوْلِي *وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي *هَارُونَ أَخِي *اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي *وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي *كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا *وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا *إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا *قَالَ قَدْ أُوتِيْتَ سُؤْلَكَ يَامُوسَى *} [طه] . وقال كما ذكره الله عنه: {وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ *} [القصص] . قال ابن كثير: «فلما سأل ذلك قال الله تعالى: {سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ} [القصص: 35] ؛ أي: سنقوي أمرك، ونعز جانبك بأخيك، الذي سألت له أن يكون نبيًّا معك. كما قال في الآية الأخرى: {قَالَ قَدْ أُوتِيْتَ سُؤْلَكَ يَامُوسَى *} [طه] ، وقال تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا *} [مريم] ؛ ولهذا قال بعض السلف: ليس أحد أعظم منة على أخيه، من موسى على هارون، عليه السلام؛ فإنه شفع فيه حتى جعله الله نبيًّا ورسولاً معه إلى فرعون وملئه»[2].
[1] أخرجه البخاري (كتاب بدر الخلق، رقم 3207)، ومسلم (كتاب الإيمان، رقم 164).
[2] تفسير ابن كثير (6/236).
1 ـ «قصص الأنبياء المسمَّى بالعرائس»، للثعلبي.
2 ـ «المنتظم في تاريخ الملوك والأمم» (ج1)، لابن الجوزي.
3 ـ «البداية والنهاية» (ج2)، لابن كثير.
4 ـ «قصص الأنبياء» (ج2)، لابن كثير.
5 ـ «الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل» (ج1)، لمجير الدين العليمي.
6 ـ «تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي» (ج10)، للمباركفوري.
7 ـ «الأحاديث الصحيحة من أخبار وقصص الأنبياء»، لإبراهيم بن محمد العلي.
8 ـ «فبهداهم اقتده: قراءة تأصيلية في سير وقصص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام»، لعثمان الخميس.
9 ـ «قصص الأنبياء»، للنجار.
10 ـ «وجاء النبي المنتظر»، لعبد الوهاب طويلة.