حرف الهاء / الهداية

           

قال ابن فارس: «الهاء والدال والحرف المعتل أصلان؛ أحدهما: التقدم للإرشاد، والآخر: بعثة لَطَف. فالأول قولهم: هديته الطريق هداية؛ أي: تقدمته لأرشده... وينشعب هذا فيقال: الهدى خلاف الضلالة»[1].
وقال الجوهري: «الهُدى: الرشاد والدلالة، يقال: هداه الله للدين هدى، وهديته الطريق والبيت هدايةً؛ أي: عَرَّفْته»[2].
فالهداية معناها في اللغة: الدلالة والإرشاد، ويكون بلطف، وهو عكس الإغواء والإضلال.


[1] مقاييس اللغة (2/603) [دار الكتب العلمية، ط1420هـ].
[2] الصحاح (6/2533) [دار العلم للملايين، ط4، 1990م).


الهداية هي توفيق الله تعالى وإرشاده لما يحب، ويوصف الله عزّ وجل بأنه الهادي، فهو الذي يهدي خلقه وعباده إلى ما شاء[1].


[1] انظر: الأسماء والصفات للبيهقي (1/202) [مكتبة السوادي، ط1، 1413هـ]، ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (1/207) [مجمع الملك فهد لطباعة المصحف، ط 1416هـ]، وتيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (5/631)، ملحق في آخر الجزء بعنوان: أصول وكليات من أصول التفسير وكلياته لا يستغني عنها المفسر للقرآن [مركز صالح بن صالح الثقافي بعنيزة، ط2، 1412هـ].


هي صفة ذاتية من حيث النوع، وفعلية اختيارية من حيث الآحاد، ثابتة لله كما يليق بجلاله وعظمته، ويجب الإيمان بهذه الصفة لدلالة القرآن والحديث عليها، ويجب إثباتها لله تعالى كما يليق بجلاله وكبريائه وعظمته سبحانه، من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل.



قال الله تعالى: {وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا *} [الفرقان] ، وقال تعالى: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلاَ أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأعراف: 43] ، وقال تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ *صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ *} [الفاتحة] ، والآيات في هذا المعنى كثيرة.
وعن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال: «يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرمًا، فلا تظالموا. يا عبادي! كلكم ضال إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم» الحديث[1].
وعن طارق بن أشيم بن مسعود الأشجعي قال: كان الرجل إذا أسلم علَّمه النبي صلّى الله عليه وسلّم الصلاة، ثم أمره أن يدعو بهؤلاء الكلمات: «اللَّهُمَّ اغفر لي، وارحمني، واهدني، وعافني، وارزقني»[2].


[1] أخرجه مسلم (كتاب البر والصلة والآداب، رقم 2577).
[2] أخرجه مسلم (كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، رقم 2697).


قال أبو جعفر الطحاوي: «يهدي من يشاء، ويعصم ويعافي فضلاً، ويضل من يشاء ويخذل ويبتلي عدلاً، وكلهم يتقلبون في مشيئته بين فضله وعدله»[1].
وقال ابن تيمية: «وهدايتُه ودلالتُه من مقتضى اسمه الهادي، وفي الأثر المنقول عن أحمد بن حنبل أنه أمر رجلاً أنْ يقول: يا دليل الحيارى دُلَّنِي على طريق الصادقين، واجعلني من عبادك الصالحين»[2].
وقال السعدي: «الهادي؛ أي: الذي يهدي ويرشد عباده إلى جميع المنافع، وإلى دفع المضار، ويعلمهم ما لا يعلمون، ويهديهم لهداية التوفيق والتسديد، ويلهمهم التقوى، ويجعل قلوبهم منيبة إليه منقادة لأمره»[3].


[1] العقيدة الطحاوية (11) [دار ابن حزم، بيروت، ط1].
[2] مجموع الفتاوى (1/207).
[3] تفسير السعدي (5/631)، ملحق في آخر الجزء بعنوان: أصول وكليات من أصول التفسير وكلياته.


إن الهداية المضافة إلى الله عزّ وجل على أنواع[1]، وفيما يلي ذكرها:
أ ـ الهداية العامة: وهي هداية كل نفس إلى مصالح معاشها وحياتها وما يقيمها ويصلحها، وهذه الهداية شاملة لجميع الحيوانات من البهائم والطيور والدواب وغيرها، قال تعالى: {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى *} [طه] .
ب ـ هداية الإرشاد والبيان للمكلفين: وهي حجة الله على خلقه التي لا يعذب أحدًا منهم إلا بعد إقامتها عليه، قال تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ} [التوبة: 115] .
ج ـ هداية التوفيق والإلهام وشرح الصدر لقبول الحق والرضا به، قال تعالى: {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ *} [المائدة] .
د ـ هداية المؤمنين في الآخرة إلى الجنة وإلى منازلهم فيها: قال تعالى: {سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ *وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ *} [محمد] .
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يخلص المؤمنون من النار، فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار، فيقص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا، حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة، فوالذي نفس محمد بيده! لأحدهم أهدى بمنزله في الجنة منه بمنزله كان في الدنيا»[2].


[1] انظر: معجم ألفاظ العقيدة (445، 446) [مكتبة العبيكان، ط2]، وفقه أسماء الله الحسنى (115 ـ 117).
[2] أخرجه البخاري (كتاب الرقاق، رقم 6535).


المسألة الأولى: تسمية الله عزّ وجل بالهادي:
الهادي اسم من أسماء الله الحسنى، وعَدَّه منها عامة أهل العلم الذين اعتنوا بأسماء الله الحسنى وصنفوا فيها[1].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «وهدايتُه ودلالتُه من مقتضى اسمه الهادي»[2].
المسألة الثانية: الجمع بين قوله: {إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص: 56] وقوله: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقَيمٍ *} [الشورى] :
إن الهداية المنفية عن النبي صلّى الله عليه وسلّم في الآية الأولى هي هداية توفيق، فإن التوفيق بيد الله عزّ وجل، والهداية المثبتة للنبي صلّى الله عليه وسلّم في الآية الثانية هي هداية دلالة وإرشاد إلى الدين الحق والصراط المستقيم[3].


[1] انظر: معتقد أهل السُّنَّة الجماعة في أسماء الله الحسنى (221) [دار إيلاف الدولية، ط1، 1417هـ].
[2] مجموع الفتاوى (1/207) [مجمع الملك فهد لطباعة المصحف، ط 1416هـ].
[3] انظر: أضواء البيان (1/55 و6/504، 505) [دار عالم الفوائد، مكة المكرمة، 1416هـ].


إن الله تعالى أمر عباده في كتابه وعلى لسان رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن يطلبوا الهداية من الله عزّ وجل، فأمرهم أن يسألوه الهداية إلى الصراط المستقيم كل يوم وليلة في الصلوات الخمس وغيرها من الصلوات، وشرع أذكارًا وأدعية كثيرة فيها سؤال الهداية والثبات عليها، وفيها سؤال الوقاية من الزيغ والضلال، وما ذلك إلا لحاجة العباد الشديدة وافتقارهم الدائم إلى هداية الله لهم في جميع شؤونهم الدينية والدنيوية واضطرارهم إليه سبحانه وتعالى في كل وقت ولحظة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «ولما كان العبد في كل حال مفتقرًا إلى هذه الهداية في جميع ما يأتيه ويذره، من أمور قد أتاها على غير الهداية؛ فهو يحتاج إلى التوبة منها، وأمور هُدي إلى أصلها دون تفصيلها أو هدي إليها من وجه؛ فهو محتاج إلى تمام الهداية فيها ليزداد هدى، وأمور هو محتاج إلى أن يحصل له من الهداية فيها في المستقبل مثل ما حصل له في الماضي، وأمور هو خالٍ عن اعتقادٍ فيها؛ فهو محتاج إلى الهداية فيها، وأمور لم يفعلها؛ فهو محتاج إلى فعلها على وجه الهداية، إلى غير ذلك من أنواع الحاجات إلى أنواع الهدايات فرض الله عليه أن يسأل هذه الهداية في أفضل أحواله، وهي الصلاة مرات متعددة في اليوم والليلة، وقد بَيَّن أن أهل هذه النعمة مغايرون للمغضوب عليهم اليهود والضالين النصارى»[1].


[1] الفتاوى الكبرى (6/6) [دار الكتب العلمية، ط1].


إن هداية الله صفة ذاتية من حيث النوع، وهي صفة فعلية اختيارية من حيث الآحاد، فهي من جملة الصفات التي أنكرتها الفلاسفة والجهمية والمعتزلة الذين ينكرون الصفات بالكلية، ومن جملة الصفات التي أنكرتها الكُلابية ومن وافقهم الذين ينكرون صفات الأفعال الاختيارية[1].
والله عزّ وجل أعلم بنفسه وقد وصف نفسه بهذه الصفة في آيات كثيرة من القرآن الكريم، ورسوله صلّى الله عليه وسلّم أعرف الناس بالله تعالى، وقد وصف النبي صلّى الله عليه وسلّم ربه في أحاديثه الكثيرة بهذه الصفة، ولذا يجب إثبات هذه الصفة لله عزّ وجل كما يليق بجلال الله وعظمته؛ لدلالة القرآن الكريم والأحاديث النبوية على ذلك، والله أعلم.


[1] انظر: من كتب الأشاعرة: أصول الدين لعبد القاهر البغدادي (140، 141) [مدرسة الإلهيات بدار الفنون التركية، إستانبول، ط1، 1346هـ] ومن كتب الماتريدية: التمهيد لقواعد التوحيد للنسفي (337) [دار الطباعة المحمدية، القاهرة، ط1، 1406هـ].


1 ـ «الأسماء والصفات» (ج1)، للبيهقي.
2 ـ «أضواء البيان» (ج1 و6)، للشنقيطي.
3 ـ «تفسير السعدي».
4 ـ «صفات الله عزّ وجل الواردة في الكتاب والسُّنَّة»، لعلوي بن عبد القادر السقاف.
5 ـ «العقيدة الطحاوية»، لأبي جعفر الطحاوي.
6 ـ «الفتاوى الكبرى» (ج6) لابن تيمية.
7 ـ «مجموع الفتاوى» (ج1)، لابن تيمية.
8 ـ «معتقد أهل السُّنَّة والجماعة في أسماء الله الحسنى»، لمحمد بن خليفة التميمي.
9 ـ «معجم ألفاظ العقيدة»، لعالم عبد الله فالح.