هود بن شَالَخ بن أرْفَخَشَد بن سام بن نوح عليه السلام. وقيل: هو عابر بن شالخ بن سام بن نوح عليه السلام. وقيل: هو هود بن عبد الله بن رباح بن الجارود بن عاد بن عوض بن إِرم بن سام بن نوح عليه السلام[1].
وقد ورد في حديث أبي ذر رضي الله عنه المشهور أن هودًا عليه السلام من جملة الأنبياء العرب، ففي الحديث أنه قال رضي الله عنه: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا أبا ذر، أربعة ـ يعني: من الرسل ـ سريانيون: آدم، وشيث، ونوح، وأخنوخ، وهو أول من خط بالقلم، وأنزل الله تعالى على أخنوخ ثلاثين صحيفة، وأربعة من العرب: هود، وشعيب، وصالح، ونبيك محمد صلّى الله عليه وسلّم»[2].
[1] انظر: تاريخ ابن جرير الطبري (1/216) [دار المعارف، مصر، ط2]، والمنتظم في التاريخ (1/252) [دار الكتب العلمية، ط1، 1412هـ]، والبداية والنهاية لابن كثير (1/282) [دار هجر، ط1، 1417هـ].
[2] أخرجه ابن جرير في تاريخه (1/171) [دار التراث، ط2]، وابن حبان في صحيحه (كتاب البر والإحسان، رقم 361)، وأشار إلى ضعفه ابن كثير في التفسير (2/470) [دار طيبة، ط2]، وقال الألباني: «ضعيف جدًّا». التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان (1/387) [دار باوزير، ط1، 1424هـ].
أرسل الله تعالى هودًا عليه السلام إلى عاد الأولى، وهم عادُ إِرَمَ، وقد ذُكر في القرآن في سياق بيان إرسال الرسل ودعوتهم، فقال تعالى: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ *} [الأعراف] ، وقال تعالى: {وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ *} [الأعراف] ، وقال تعالى: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَال ياقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [هود: 50] ، وقال تعالى: {كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ *إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلاَ تَتَّقُونَ *إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ *} [الشعراء] .
فهذه الآيات وأمثالها تدلّ على أن هودًا عليه السلام كان نبيًّا مرسلاً.
من آيات هود عليه السلام الخاصة: أنه تفرد في دعوة قومه، وتسفيه أحلامهم، وتضليلهم، والقدح في آلهتهم، وهم أهل بطش وقوة وجبروت، وقد خوفوه بآلهتهم إن لم ينته؛ أن تمسه بجنون أو سوء، فتحدَّاهم، وقال لهم جهارًا: {...إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنْظِرُونِ *إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ *} [هود] ، فلم يصلوا إليه بسوء، فأي آية أعظم من هذا التحدي لهؤلاء الأعداء الحريصين على إبطال دعوته بكل طريق[1].
قال ابن كثير رحمه الله: «وهذا وحده برهان قاطع على أن هودًا عبد الله ورسوله، وأنهم على جهل وضلال في عبادتهم غير الله؛ لأنهم لم يصلوا إليه بسوء، ولا نالوا منه مكروهًا، فدل على صدقه فيما جاءهم به، وبطلان ما هم عليه، وفساد ما ذهبوا إليه»[2].
وقد أنكر قومه أنه جاءهم ببيِّنة، كما قال تعالى: {قَالُوا ياهُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ} [هود: 53] ، وهذا إن كان قصدهم بالبيِّنة: البيِّنة التي يقترحونها فهذه غير لازمة للحق، بل اللازم أن يأتي النبي بآية تدل على صحة ما جاء به، وإن كان قصدهم أنه لم يأتهم ببيِّنة تشهد لما قاله بالصحة، فقد كذبوا في ذلك؛ فإنه ما جاء نبي لقومه إلا وبعث الله على يديه من الآيات ما يؤمن على مثله البشر، ولو لم يكن له آية إلا دعوته إياهم لإخلاص الدين لله وحده لا شريك له، والأمر بكل عمل صالح، وخُلق جميل، والنهي عن كل خُلق ذميم من الشرك بالله، وأنواع المنكرات، مع ما هو مشتمل عليه هود عليه السلام من الصفات التي لا تكون إلا لخيار الخلق وأصدقهم لكفى بها آيات وأدلة على صدقه، ومن آياته وبيناته الدالة على صدقه أنه شخص واحد، ليس له أنصار ولا أعوان، وهو يصرخ في قومه ويناديهم ويعجزهم[3].
[1] انظر: قصص الأنبياء للسعدي (36).
[2] البداية والنهاية (1/290).
[3] انظر: تفسير السعدي (441، 442) [دار السلام، الرياض، ط2، 1420هـ].
دعا هود عليه السلام قومه إلى توحيد الله تعالى، وإفراده بالعبادة دون غيره، وترك ظلم الناس، وأمرهم بتقوى الله تعالى، وبالتوبة والاستغفار، بالترغيب تارة وبالترهيب تارة؛ وذكرهم بنعم الله عليهم، وخوَّفهم من عقابه وانتقامه، قال تعالى: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ *} [الأعراف] ، وقال تعالى: {أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلاَءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ *} [الأعراف] ، وقال تعالى: {وَيَاقَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا ويَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ *} [هود] ، وقال تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ *وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ *أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ *وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ *إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ *} [الشعراء] .
كما دعاهم هود عليه السلام إلى الإيمان بالبعث بعد الموت، فردوا عليه بنحو مقالة الزنادقة الدهرية الذين لا يؤمنون باليوم الآخر، وأنكروا قيام الأجسام بعد صيرورتها ترابًا وعظامًا؛ فقالوا: {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ *هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ *إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ *} [المؤمنون] .
فهذه أصول دعوة هود عليه السلام: إفراد الله تعالى بالعبادة، وترك عبادة الأصنام، والإيمان باليوم الآخر، وما يتضمنه من البعث، والنشور، والحساب، ونحوه، وترك الظلم والطغيان والتجبر والتكبر، والتوبة إلى الله تعالى من جميع الذنوب، وأعظمها التوبة من الشرك.
أرسل الله هودًا إلى عاد الأولى، وهم عادُ إِرمَ، وليست هي عاد الآخرة، وكانوا مقيمين بالأحقاف، من رمال حضرموت، وقد وصفهم الله تعالى بقوله: {إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ *الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلاَدِ *} [الفجر] ، وذُكر أنهم أول من عبد الأصنام بعد الطوفان، وكانوا أهل قوة وبطش وظلم وطغيان، مع ما أنعم الله عليهم من النعم، قال تعالى: {أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ *وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ *وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ *} [الشعراء] .
فلما كانوا كذلك تكبروا واستكبروا عن عبادة الله تعالى، وكذبوا هودًا عليه السلام، ورموه بأقبح الأوصاف، قال تعالى: {قَالَ الْمَلأَُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ *} [الأعراف] ، وقال تعالى: {قَالُوا ياهُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ *إِنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ *} [هود] .
واحتجّوا بأنه بشر مثلهم، وهذه حجة كل من استكبر عن اتباع الرسل، ورموه بالكذب والافتراء، وكذبوا باليوم الآخر، وبالبعث والنشور، كما قال تعالى: {وَقَالَ الْمَلأَُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ *وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ *أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ *هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ *إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ *إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ *} [المؤمنون] .
قال ابن كثير: «وهذا هو اعتقاد الدهرية، كما يقول بعض الجهلة من الزنادقة، أرحام تدفع، وأرض تبلع، وأما الدورية فهم الذين يعتقدون أنهم يعودون إلى هذه الدار، بعد كل ستة وثلاثين ألف سنة، وهذا كله كذب وكفر وجهل وضلال وأقوال باطلة وخيال فاسد، بلا برهان ولا دليل، يستميل عقل الفجرة الكفرة من بني آدم، الذين لا يعقلون ولا يهتدون»[1].
فلما لم يستجيبوا أهلكهم الله تعالى بريح عاتية، فيها عذاب أليم، قال تعالى: {وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ *سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ *فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ *} [الحاقة] ، وقال تعالى: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ *تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لاَ يُرَى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ *} [الأحقاف] .
[1] البداية والنهاية (1/291).
لم يذكر شيء عن وفاته، وإنما ورد ذكر مكان قبره؛ فقيل: هو بمكة، بين الحِجر وزمزم. وقيل: هو في بلاد اليمن في حضرموت[1]. وذكر آخرون: أنه بدمشق، وبجامعها مكان في حائطه القبلي يزعم بعض الناس أنه قبر هود عليه السلام[2].
والتحقيق أنه لم يثبت شيء من ذلك، وهذا عام في قبور الأنبياء عليهم السلام، إلا قبر نبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم في المدينة النبوية، وكذلك ما ذكر عن قبر إبراهيم عليه السلام وفيه نزاع معروف.
[1] انظر: أخبار مكة للأزرقي (1/121)، والمستدرك للحاكم (2/662، 663) [دار الحرمين، ط1، 1417هـ].
[2] انظر: البداية والنهاية (1/303).
معنى الأخوّة التي أثبتها القرآن لهود عليه السلام مع قومه:
قال تعالى: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا} [الأعراف: 65] ، قال أهل التفسير: يجوز أن يكون المراد بأنه بشر مثلهم، من ولد أبيهم آدم، وقالوا: ويجوز أن يكون المراد بالأخوّة هنا أخوة النسب والقبيلة والقوم، لا أخوّة الدين؛ إذ لا أخوّة بين المسلم والكافر، ولو كان أقرب قريب، ويقال: هذا كذلك في صالح عليه السلام مع قومه، وشعيب عليه السلام وقومه[1].
[1] ينظر: زاد المسير (3/222) [المكتب الإسلامي، ط3، 1403هـ]، والتسهيل لعلوم التنزيل (1/306) [دار الكتب العلمية، ط1، 1415هـ]، وتفسير السعدي (330).
1 ـ «إكمال المعلم بفوائد مسلم» (ج1)، للقاضي عياض.
2 ـ «البداية والنهاية» (ج1)، لابن كثير.
3 ـ «تحفة النبلاء من قصص الأنبياء» لابن كثير، انتخب كتابه الحافظ ابن حجر العسقلاني.
4 ـ «دعوة التوحيد: أصولها، الأدوار التي مرت بها، مشاهير دعاتها» لمحمد خليل هراس.
5 ـ «قصص الأنبياء المعروف بالعرائس»، للثعلبي.
6 ـ «قصص الأنبياء»، للسعدي.
7 ـ «قصص الأنبياء القصص الحق»، لشيبة الحمد.
8 ـ «كتاب تواريخ المتقدمين من الأنبياء والمرسلين من كتاب المستدرك على الصحيحين» (ج2)، للحاكم النيسابوري.
9 ـ «المعارف»، لابن قتيبة.
10 ـ «معارج القبول» (ج2)، لحافظ حكمي.