حرف الواو / واجب الوجود

           

الوجود من مادة (و ـ ج ـ د)، قال ابن فارس: «الواو والجيم والدال يدل على أصل واحد، وهو الشيء يُلفيه»[1]. و«الوجود خلاف العدم»[2].وأما لفظ (واجب) فيقول الجوهري: «وَجَب الشيء؛ أي: لَزِم، يَجِب وجوبًا، وأَوجبه الله... ووجَب الميت إذا سقط ومات، ويقال للقتيل: وَاجب»[3]. وفي اللسان: «أوجبه هو، أو استوجبه؛ أي: استحقه»[4]. فالوجوب في اللغة هو اللزوم، كما يأتي بمعنى السقوط. ولم يأت في كتب اللغة مصطلح: (واجب الوجود) بهذا التركيب، فهو محدث، وبالنظر لمفرداته فهو يعني لازم الوجود.


[1] مقاييس اللغة (6/86) [دار الجيل، ط1، 1411هـ].
[2] المصباح المنير (2/891) [دار القلم].
[3] الصحاح (1/231، 232) [دار العلم للملايين، ط3، 1404هـ]. وانظر: العين (6/193) [دار مكتبة الهلال].
[4] لسان العرب (1/793) [دار صادر].


واجب الوجود مصطلح استحدثه الفلاسفة، ويعني ضروري الوجود، والذي يستحيل افتراض عدم وجوده، يقول ابن سينا في تعريفه: «إن الواجب الوجود، هو الموجود الذي متى فرض غير موجود عرض منه محال، والواجب الوجود هو الضروري الوجود»[1]. وقال التفتازاني: «الوجوب ضرورة الوجود أو اقتضاؤه أو استحالته العدم»[2].


[1] النجاة (2/77) [دار الجيل، ط1، 1412هـ]، وانظر: معيار العلم (331) [دار الكتب العلمية، ط1، 1410هـ]، المبين (79) [مكتبة وهبة، ط2، 1413هـ]، المطالب العالية (1/134) [دار الكتاب العربي، ط1، 1407هـ].
[2] شرح المقاصد (1/458) [عالم الكتب، ط1، 1409هـ].


المعنيان متقاربان، فلزوم الوجود يعني ضرورة الوجود، ولم يأت هذا المصطلح بهذا التركيب في كتب اللغة.



إن تقسيم الموجودات إلى واجب وممكن مستحدث من ابن سينا ومن جاء بعده[1]. فالفلاسفة المتأخرون غالبًا ما يسمون الرب عزّ وجل: واجب الوجود[2]، وقلدهم في هذه التسمية متأخرو الأشاعرة[3]، وهذا غير صحيح؛ لعدم ورود هذا اللفظ في الكتاب والسُّنَّة، فضلاً عن أن يكون من الأسماء الحسنى.


[1] الصفدية (2/180) [مكتبة ابن تيمية، ط2، 1406هـ]. وانظر: منهاج السُّنَّة (2/132) [مؤسسة قرطبة، ط1، 1406هـ].
[2] انظر: درء التعارض (2/391) [مكتبة ابن تيمية].
[3] انظر: شرح أسماء الله الحسنى (359) [دار الكتاب العربي، ط2، 1410هـ].


يقسم ابن سينا واجب الوجود إلى قسمين واجب الوجود بذاته، وواجب الوجود بغيره. وتابعه على هذا التقسيم بعض متأخري المتكلمين[1]، ويعرف الرازي الواجب بذاته بأنه: «الموجود الذي تكون حقيقته غير قابلة للعدم البتة»[2]. وفي الصحائف: «الواجب بالذات ما يقتضي لذاته وجوده في الخارج»[3]. أما الواجب بغيره فهو الممكن.


[1] انظر: النجاة (2/77)، معيار العلم (331، 332)، المبين (79)، التعريفات (304) [عالم الكتب، ط1، 1407هـ].
[2] المطالب العالية (1/134). وانظر: المباحث المشرقية (1/214) [دار الكتاب العربي، ط1، 1410هـ].
[3] الصحائف الإلهية للسمرقندي (124) [مكتبة الفلاح، ط1، 1405هـ].


ـ هل يطلق واجب الوجود على الله عزّ وجل؟
أهل السُّنَّة قد يطلقون واجب الوجود على الله من باب الإخبار عن الله، وذلك في المناظرات، والمناقشات، مع من يستخدم هذا اللفظ. كما أنهم يرون أن الوجوب الذي دل عليه الدليل هو وجوده عزّ وجل بنفسه، واستغناؤه عن موجد. في حين أن الفلاسفة يضيفون إلى هذا اللفظ معاني أخَر غير صحيحة كنفي الصفات. يقول شيخ الإسلام: «الوجوب الذي دل عليه الدليل، إنما هو وجوده بنفسه، واستغناؤه عن موجد، فحمّل هو[1] هذا اللفظ ما لا دليل عليه، مثل عدم الصفات، وأشياء غير هذه»[2].


[1] أي: ابن سينا.
[2] الصفدية (2/181). وانظر: منهاج السُّنَّة (2/131، 132).


1 ـ «درء التعارض» (ج2)، لابن تيمية.
2 ـ «الصفدية» (ج2)، لابن تيمية.
3 ـ «منهج المتكلمين والفلاسفة المنتسبين للإسلام في الاستدلال على وجود الله»، ليوسف الأحمد [رسالة دكتوراه].
4 ـ «موقف الطوائف المنتسبة إلى الإسلام من وجود الله وإيجاده للمخلوقات»، لسيرين إلمان [رسالة ماجستير].
5 ـ «المباحث المشرقية» (ج1)، للرازي.
6 ـ «موسوعة مصطلحات الإمام الفخر الرازي».
7 ـ «موسوعة مصطلحات الفلسفة عند العرب»، لجيرار جهامي.
8 ـ «النجاة في المنطق والإلهيات»، لابن سينا.