حرف الواو / الوارث

           

الوارث اسم فاعل من الإرث، مأخوذ من الأصل الثلاثي (ورث) الدال على أن الشيء يكون لقوم ثم يصير لآخرين بنسب أو سبب، يقال: وَرِث يَرِث إِرْثًا ووِرْثًا وميراثًا فهو وارث، فاعلاً ومفعولاً، والإرث والورث: انتقال قِنْيَة إليك عن غيرك من غير عقد، ولا ما يجري مجرى العقد، ويطلق الوارث على من بقي بعد موت غيره، والتراث: الإرث والموروث.
وأورث يُوْرث: جعل غيره يرث، وورثّه بمعنى واحد، وتوارثوا الشيء ورثه بعضهم من بعض[1].


[1] انظر: تهذيب اللغة (15/117) [الدار المصرية، ط1، 1387هـ]، ومقاييس اللغة (1089) [دار الفكر، ط2، 1418هـ]، والصحاح (1/295) [دار العلم للملايين، ط4، 1990م]، ومفردات ألفاظ القرآن (863) [دار القلم، ط2، 1418هـ]، والقاموس المحيط (227) [مؤسسة الرسالة، ط5، 1416هـ]، والمعجم الوسيط (2/1024) [دار الدعوة، ط2، 1972م].


الوارث هو الباقي بعد فناء الخلق[1]، والمسترد أملاكهم بعد موتهم، ولم يزل الله باقيًا مالكًا لأصول الأشياء كلها، يورّثها من يشاء ويستخلف فيها من أحب[2].


[1] انظر: تفسير الطبري (17/89) [مؤسسة الرسالة، ط1، 1420هـ]، وتفسير أسماء الله الحسنى للزجاج (65) [دار المأمون، ط5، 1406هـ]، واشتقاق أسماء الله (173) [مؤسسة الرسالة، ط2، 1406هـ]، وشأن الدعاء (96) [دار الثقافة، ط3، 1412هـ]، والمنهاج في شعب الإيمان (1/189) [دار الفكر، ط1، 1399هـ]، الأسماء والصفات للبيهقي (1/47) [مكتبة السوادي، ط1، 1413هـ]، وتفسير القرطبي (10/18) [دار عالم الكتب، 1423هـ]، وأضواء البيان للشنقيطي (16/45) [دار الفكر، 1415هـ]، وفقه الأسماء الحسنى (258) [دار التوحيد، ط1، 1429هـ].
[2] انظر: شأن الدعاء (96، 97).


يجب الإيمان بأن الله تعالى يَرث الأرض ومَن عليها، وأنه خير الوارثين.



إن الله سبحانه وتعالى هو الأول والآخر، وهو خير الباقين، يرث الأرض ومن عليها، وما بيد العباد فإنه كله يرجع إليه سبحانه وتعالى وهو خير الوارثين.



استدل من أثبت هذا الاسم من أهل العلم بقوله تعالى: {وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ *} [الحِجر] ، وفي دعاء زكريا عليه السلام في قوله تعالى: {رَبِّ لاَ تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ *} [الأنبياء] .



قال الأزهري: «الوارث: صفة مِن صفات الله عزّ وجل، وهو الباقِي الدّائم، والله عزّ وجل يَرث الأرض ومَن عليها، وهو خير الوارثين؛ أي: يَبقى ويَفْنى مَن سواه، فيرجع ما كان ملك العباد إليه وَحْده لا شريك له»[1].
وذكره من الأسماء الحسنى ابن خزيمة في التوحيد، والبيهقي في الأسماء والصفات وفي الاعتقاد، وابن عثيمين في القواعد المثلى[2].


[1] تهذيب اللغة (15/85) [دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط1، 2001م].
[2] انظر: التوحيد لابن خزيمة (1/80)، والأسماء والصفات للبيهقي (1/47)، والاعتقاد له (66)، القواعد المثلى لابن عثيمين ـ ضمن مجموع فتاواه (3/277).


خير الوارثين؛ ومعناه: أن الله هو الباقي الدائم، بعد فناء الخلق كلهم، وهو اسم من أسماء الله الحسنى؛ لوروده في النص، وثبوت الدعاء به، قال الله تعالى: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لاَ تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ *فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ *} [الأنبياء]
قال ابن كثير رحمه الله في قوله: {وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ *}: «دعاء وثناء مناسب للمسألة»[1].
نص بعض أهل العلم على أن (خير الوارثين) اسم من أسماء الله، حيث ذكروه ضمن الأسماء الحسنى؛ كابن منده[2] وابن الوزير[3].
وهذا الاسم (خير الوارثين) من الأسماء المضافة، ولأهل العلم كلام في عدِّها من الأسماء الحسنى، وممَّن يعدُّها شيخ الإسلام ابن تيمية، إذ يقول: «وكذلك أسماؤه المضافة مثل: أرحم الراحمين، وخير الغافرين، ورب العالمين، ومالك يوم الدين، وأحسن الخالقين، وجامع الناس ليوم لا ريب فيه، ومقلب القلوب، وغير ذلك، مما ثبت في الكتاب والسُّنَّة، وثبت في الدعاء بها بإجماع المسلمين»[4].
ومن الملاحظ أن (خير الوارثين) جاء في سياق الدعاء، قال الله تعالى: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لاَ تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ} [الأنبياء: 89، 90] .


[1] تفسير ابن كثير (9/439) [مؤسسة قرطبة، ط1، 1421هـ].
[2] انظر: كتاب التوحيد لابن منده (2/204) [الجامعة الإسلامية، ط1، 1413هـ].
[3] انظر: إيثار الحق على الخلق (160) [دار الكتب العلمية، بيروت، ط2، 1987م].
[4] مجموع الفتاوى (22/485).


حثَّ الله عباده المؤمنين على النفقة في سبيله من المال الذي منّ عليهم به، وجعلهم مستخلفين فيه، مذكرًا لهم بأنه الوارث سبحانه، قال تعالى: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ *} [الحديد] ، إلى أن قال: {وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ *} [الحديد] [1].


[1] انظر: فقه الأسماء الحسنى (258).


1 ـ «تفسير أسماء الله الحسنى»، للزجاج.
2 ـ «اشتقاق أسماء الله»، للزجاجي.
3 ـ «شأن الدعاء»، للخطابي.
4 ـ «الأسماء والصفات»، للبيهقي.
5 ـ «فقه الأسماء الحسنى»، لعبد الرزاق البدر.
6 ـ «كتاب التوحيد»، لابن منده.
7 ـ «إيثار الحق على الخلق»، لابن الوزير.
8 ـ «معتقد أهل السُّنَّة والجماعة في أسماء الله الحسنى»، للتميمي.
9 ـ «مجموع الفتاوى»، لابن تيمية.
10 ـ «الاعتقاد»، للبيهقي.