إلياس بن تسبي، ويقال: إلياس بن ياسين بن فنحاص بن العيزار بن هارون بن عمران، وقيل: إلياس بن العازر بن العيزرا بن هارون بن عمران[1].
[1] انظر: تاريخ الرسل والملوك للطبري (1/461) [دار المعارف، مصر، ط2]، والمنتظم في تاريخ الملوك والأمم لابن الجوزي (1/382) [دار الكتب العلمية، ط1]، والبداية والنهاية لابن كثير (2/272) [دار هجر، ط1].
إلياس: اسم أعجمي عبراني، ويعرف عند أهل الكتاب بإيليا، أو إلياس التشبي. ويسمى أيضًا: ياسين، وإلياسين أو إل ياسين. والعرب يتصرفون في النطق به على ما يناسب أبنية كلامهم؛ فيقولون مثلاً: إبراهيم وإبراهام وإبرهام، وإسرائيل وإسرائين، وهكذا؛ فكذلك إلياس وإلياسين هو واحد[1].
[1] انظر: الهداية إلى بلوغ النهاية للقيسي (9/6157) [جامعة الشارقة، ط1]، وتفسير القرطبي (7/32، 15/118) [دار إحياء التراث العربي، بيروت]، والدُّرّ المصون للسمين الحلبي (9/326) [دار القلم، دمشق]، وتفسير ابن كثير (7/37) [دار طيبة، ط2]، وفتح الباري لابن حجر (6/373) [دار المعرفة، بيروت، 1379هـ].
قال الله تعالى: {وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ *}، ثم قال الله عزّ وجل بعد ذلك عنهم: {أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ} [الأنعام] ، وقال عزّ وجل: {وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ *إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلاَ تَتَّقُونَ *أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ *اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ *فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ *إِلاَّ عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ *وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ *سَلاَمٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ *إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ *إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ *} [الصافات] .
بعث إلياس عليه السلام إلى أهل بعلبك غربي دمشق، فدعاهم إلى عبادة الله عزّ وجل وحده، وأن يتركوا عبادة صنم لهم كانوا يسمونه بعلاً؛ كما قال عزّ وجل: {وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ *إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلاَ تَتَّقُونَ *أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ *اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ *} [الصافات] .
المسألة الأولى: الاختلاف في اسمه عليه السلام:
وقع خلاف بين أهل العلم حول اسمه عليه السلام[1]:
فقيل: إن إلياس هو نبي الله إدريس عليه السلام[2]، وله اسمان، مثل: يعقوب وإسرائيل. وهذا غير صحيح؛ بل هو غيره؛ لأن الله تعالى ذكر إلياس في ولد نوح، فهو من ذريته، قال الله تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ *وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ *} [الأنعام] ، أما إدريس عليه السلام ـ على قول المؤرخين ـ فهو جد أبي نوح، فهما اثنان وليسا بواحد.
وقيل: هو اليسع عليه السلام. وليس كذلك؛ لأن الله تعالى أفرد كل واحد منهما بالذكر. وقيل: بل هو ابن عمه.
وقيل: بل إلياس الوارد في الحديث غير إلياس النبي عليه السلام.
المسألة الثانية: بطلان دعوى أن إلياس عليه السلام لم يمت:
خالف في القول بموت نبي الله إلياس عليه السلام: الصوفية والشيعة؛ فقالوا ببقائه حيًّا إلى الآن، وأنه لم يمت؛ فأما الصوفية: فقالوا بأنهم يلقونه في الفلوات؛ ليؤكدوا مزاعمهم ومزاعم شيوخهم الباطلة في الاجتماع به والأخذ والتلقي عنه!
وأما الشيعة: فتمسكوا بهذا القول لتعليل طول أمد غيبة إمامهم (مهديهم) المنتظر، والذي تجاوزت مدة غيابه الألف ومائة سنة! فيقولون: إن بقاء مهديهم كبقاء إلياس[3].
وأدلة موته عليه السلام[4] كثيرة؛ منها: قول الله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ *} [الأنبياء] ، وإلياس عليه السلام بشر من ذرية نوح عليه السلام؛ فهو داخل في هذا العموم لا محالة.
وقال الله عزّ وجل: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ *} [آل عمران] ؛ فإلياس عليه السلام ـ كغيره من الأنبياء ـ داخل في هذا الميثاق؛ لئن بعث محمد صلّى الله عليه وسلّم وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه، فلما لم يكن إلياس عليه السلام من أتباعه صلّى الله عليه وسلّم؛ دل ذلك على أنه ميت غير حي.
وثبت في حديث جابر رضي الله عنه؛ أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال قبل موته بشهر: «ما من نفس منفوسة اليوم تأتي عليها مائة سنة وهي حية يومئذ» [5]؛ وإلياس إن لم يكن قد أدرك زمان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ـ وهذا هو المقطوع به ـ فلا إشكال في إثبات موته، وإن كان قد أدرك زمانه؛ فهذا الحديث يقتضي أنه لم يعش بعد مائة سنة؛ فيكون الآن ميتًا لا حيًّا؛ لأنه داخل في هذا العموم لا محالة.
قال ابن تيمية: «الصواب الذي عليه محققو العلماء: أن إلياس والخضر ماتا»[6].
وقال ابن كثير: «إن الذي يقوم عليه الدليل: أن الخضر مات، وكذلك إلياس عليه السلام»[7].
ويقال أيضًا[8]: «إن القول بحياة إلياس عليه السلام هو في حقيقته قول بإثبات أنبياء بعد نبيِّنا صلّى الله عليه وسلّم ـ الذي جعله الله خاتم أنبيائه ورسله؛ فلا نبي بعده ولا رسول ـ؛ فهذا القول خروج عن عقيدة (ختم النبوة) المعلومة من الدين بالضرورة».
ويقال أيضًا: «إن هذه المسألة لا تثبت إلا بدليل شرعي، والرافضة والصوفية ليس لهم عليها دليل صحيح».
[1] انظر: المعارف لابن قتيبة (51) [دار المعارف، مصر، ط4]، وتاريخ الطبري (1/461) [دار المعارف، مصر، ط2]، وتاريخ دمشق لابن عساكر (9/205) [دار الفكر، بيروت، ط1]، وتفسير البغوي (3/165، 7/52) [دار طيبة، ط4]، وتفسير القرطبي (7/32، 15/115)، وتفسير ابن كثير (7/37)، والبداية والنهاية (1/393) [دار إحياء التراث العربي، ط1]، وفتح الباري لابن حجر (6/373، 375)، والتحرير والتنوير (7/340، 15/364، 23/166) [دار سحنون، تونس، 1997م].
[2] قال البخاري رحمه الله: «يذكر عن ابن مسعود وابن عباس: أن إلياس هو إدريس. صحيح البخاري (587) (كتاب الأنبياء) [مؤسسة الرسالة، ط1].
[3] انظر في قول الصوفية: الفِصَل في الملل والنِّحَل لابن حزم (5/37) [دار الجيل، بيروت، ط2، 1416هـ]. وللشيعة: الغيبة لمحمد بن جعفر الطوسي (79) [مكتبة الألفين، الكويت]، وإلزام الناصب للحائري (1/283) [مؤسسة الأعلمي، بيروت، ط4، 1397هـ].
[4] انظر: مجموع الفتاوى (4/337، 27/18)، والمنار المنيف لابن القيم (67) [مكتبة المطبوعات الإسلامية بحلب، 1403هـ]، والبداية والنهاية (1/390، 394)، وأضواء البيان (4/210) [دار عالم الفوائد، ط1]. والكلام في أكثر هذه المواضع على الاستدلال لموت الخَضِر، ويُستدلُّ بها أيضًا على موت إلياس عليه السلام.
[5] أخرجه مسلم (كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم، رقم 2538).
[6] منهاج السُّنَّة النبوية (1/96) [طبعة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ط1، 1406هـ].
[7] البداية والنهاية (1/394).
[8] انظر: الفِصَل لابن حزم (5/38)، والمفهِم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم للقرطبي (6/219) [دار ابن كثير ودار الكلم الطيب، ط1]، وتفسير القرطبي (11/40)، وأضواء البيان (4/206). والكلام في أكثر هذه المراجع عن الخضر، وما يُقال فيه يُقال في إلياس عليهما السلام.
1 ـ «إكمال المعلم بفوائد مسلم» (ج1)، للقاضي عياض.
2 ـ «البداية والنهاية» (ج1)، لابن كثير.
3 ـ «تحفة النبلاء من قصص الأنبياء» لابن كثير، انتخب كتابه: ابن حجر العسقلاني.
4 ـ «دعوة التوحيد: أصولها، الأدوار التي مرت بها، مشاهير دعاتها»، لمحمد خليل هراس.
5 ـ «قصص الأنبياء المعروف بالعرائس»، لأبي إسحاق الثعلبي.
6 ـ «قصص الأنبياء»، للسعدي.
7 ـ «قصص الأنبياء القصص الحق»، لشيبة الحمد.
8 ـ كتاب «تواريخ المتقدمين من الأنبياء والمرسلين من كتاب المستدرك على الصحيحين» (ج2)، للحاكم النيسابوري.
9 ـ «المعارف»، لابن قتيبة.
10 ـ «معارج القبول» (ج2)، لحافظ حكمي.