قال ابن فارس: «الواو والسين والطاء: بناء صحيح يدل على العَدل والنَّصف. وأعدل الشيء أوسطه ووسطه»[1]. والتَّوسيط أن تجعل الشيء في الوسط. والتَّوسط بين الناس من الوَسَاطة[2]. ووسَطُ الشيء ما بين طرفيه[3].
[1] مقاييس اللغة (6/108) [دار الجيل، ط1، 1411هـ].
[2] انظر: الصحاح (3/1167) [دار العلم للملايين، ط3، 1404هـ].
[3] انظر: لسان العرب (7/426) [دار صادر].
الواسطة لفظ مجمل؛ قد يراد به الرسل في تبليغهم أمر الله؛ لأن الخلق لا يعلمون ما يحبه الله ويرضاه، وما أمر به وما نهى عنه، وما أعده لأوليائه من كرامته، وما وعد به أعداءه من عذابه، إلا بالرسل الذين أرسلهم إلى عباده، فهم واسطة في التبليغ.
وقد يراد بالواسطة أنه لا بد له من التوسط في جلب المنافع ودفع المضار؛ بأن يكون واسطة في رزق العباد ونصرهم وهداهم؛ يسألونه ذلك ويرجعون إليه فيه، وهذا من أعظم الشرك الذي كفر الله به المشركين، حيث اتخذوا من دون الله أولياء وشفعاء، يجتلبون بهم المنافع ويجتنبون المضار[1].
[1] انظر: مجموع الفتاوى (1/121 ـ 123) [مكتبة النهضة الحديثة، 1404هـ] بتصرف.
الأدلة التي تنهى عن اتخاذ واسطة بين العبد وربه، وتدعو إلى التوجه إلى الرب بالدعاء كثيرة، ومنها قوله سبحانه وتعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ *} [التوبة] .
وقوله سبحانه وتعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ *} [البقرة] .
وقوله سبحانه وتعالى: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ *وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ *} [الشرح] .
وقوله سبحانه وتعالى: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ} [الإسراء: 67] .
1 ـ الواسطة الشرعية: وهي واسطة الرسل في تبليغهم أمر الله؛ لأن الخلق لا يعلمون ما يحبه الله ويرضاه، وما أمر به وما نهى عنه، إلا بالرسل الذين أرسلهم إلى عباده. فهم واسطة في التبليغ[1]، وهذه لا غنى للبشر عنها، ومن نفى هذه الواسطة وزعم الأخذ مباشرة عن الله كملاحدة الصوفية فهو كافر[2].
2 ـ الواسطة الشركية: كمن أثبت وسائط بين الله وبين خلقه، كالوسائط التي تكون بين الملوك والرعية وهذا شرك[3]. وكذلك من جعل الملائكة والأنبياء أو غيرهم وسائط يدعوهم ويتوكل عليهم، ويسألهم جلب المنافع ودفع المضار، مثل أن يسألهم غفران الذنب، وهداية القلوب، وتفريج الكروب، فهو كافر بإجماع المسلمين[4].
[1] انظر: مجموع الفتاوى (1/121، 122) بتصرف.
[2] انظر: بغية المرتاد (399) [مكتبة العلوم والحكم، ط1، 1408هـ]، وشرح الطحاوية (2/744) [مؤسسة الرسالة، ط1، 1408هـ].
[3] مجموع الفتاوى (1/135).
[4] المرجع السابق (1/124).
المخالفون في الواسطة على طرفين:
الأول: نفاة الواسطة الشرعية، ومنهم ملاحدة الصوفية، الذين يرون أن الولي يأخذ من الله بلا واسطة أحد من الأنبياء، وهذا كفر أكبر[1].
الثاني: مثبتة الواسطة الشركية، ومنهم عبَّاد القبور الذين يتوجهون بالدعاء والسؤال لمن يقدسونه من الموتى وغيرهم، ويسمونهم الوسائط، وفعلهم شرك أكبر[2].
والوسائط التي بين الملوك وبين الناس تكون على أحد ثلاثة وجوه يتنزه الرب عنها:
الأول: إما لإخبارهم من أحوال الناس بما لا يعرفونه، ومن قال إن الله لا يعلم أحوال عباده حتى يخبره بذلك بعض الملائكة أو الأنبياء أو غيرهم فهو كافر، بل هو سبحانه وتعالى يعلم السر وأخفى.
الثاني: أن يكون الملك عاجزًا عن تدبير رعيته ودفع أعدائه إلا بأعوان يعينونه، فلا بد له من أنصار وأعوان لذُلِّه وعجزه، والله سبحانه وتعالى ليس له ظهير ولا ولي من الذل. وكل ما في الوجود من الأسباب فهو خالقه وربه ومليكه.
الثالث: أن يكون الملك ليس مُرِيدًا لنفع رعيته والإحسان إليهم إلا بمحرك يحركه من خارج؛ فإذا خاطب الملك من ينصحه ويُعظمه أو من يدل عليه بحيث يكون يرجوه ويخافه، تحركت إرادة الملِك وهِمَّتُهُ في قضاء حوائج رعيته، والله سبحانه وتعالى هو رب كل شيء ومليكه، وليس كملوك الدنيا[3].
[1] انظر من كتبهم: فصوص الحكم (1/63) [دار الكتاب العربي]، ورد أهل السُّنَّة عليهم: بغية المرتاد (399)، وشرح الطحاوية (2/744).
[2] انظر عنهم: الرد على البكري لابن تيمية، وهو بكامله رد عليهم، ومجموع الفتاوى (1/126، 127).
[3] مجموع الفتاوى (1/126، 127).
1 ـ «بغية المرتاد»، لابن تيمية.
2 ـ «تلخيص كتاب الاستغاثة»، لابن كثير.
3 ـ «الضوابط الشرعية لسؤال المخلوق»، لعبد الله الغطيم [بحث منشور].
4 ـ «الفرقان بين أولياء الرحمن»، لابن تيمية.
5 ـ «قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة»، لابن تيمية.
6 ـ «مجموع الفتاوى» (ج1)، لابن تيمية.
7 ـ «الواسطة بين الحق والخلق»، لابن تيمية.
8 ـ «الواسطة بين الله وخلقه عند أهل السُّنَّة ومخالفيهم»، للمرابط الشنقيطي.