قال ابن فارس رحمه الله: «الواو والسين والعين كلمة تدل على خلاف الضيق، والعسر، يقال: وسُع الشي واتَّسع، والوُسع: الغنى، والله الواسع: الغني»[1].
الواسِع اسم فاعل من الوُسع، بمعنى الغني، والوُسع: الغنى، والوسع: القدرة والطاقة والجِدة، وذو سعة؛ أي: جدة وطاقة وقدرة وغنى، وأوسع الرجل فهو موسَع: إذا كثر ماله، وأوسع الله عليه: أغناه، قال تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: 7] [2].
[1] مقاييس اللغة (6/109) [دار الجيل، ط1420هـ].
[2] انظر: تهذيب اللغة (3/95، 96) [الدار المصرية، ط1، 1387هـ]، والصحاح (3/1298) [دار العلم للملايين، ط4، 1990م]، ومفردات ألفاظ القرآن (870) [دار القلم، ط2، 1418]، والقاموس المحيط (995، 996) [مؤسسة الرسالة، ط5، 1416هـ]، والمعجم الوسيط (2/1031) [دار الدعوة، ط2، 1972م].
الواسع : هو الغني الذي يسع عباده بجوده وكرمه وفضله، كما يدلّ على سعة علمه وقدرته، وحلمه ومغفرته، ونحوها من نعوت الكمال وصفات الجلال[1].
العلاقة بين المعنى اللغوي والشرعي:
العلاقة بين المعنى اللغوي والمعنى الشرعي لاسم الجلال الواسع علاقة مطابقة، فالواسع في اللغة خلاف الضيّق، والله عزّ وجل كذلك لا حدود لكماله وجلاله وعظمته وملكه وسلطانه وقوته وقدرته، وجوده وفضله وكرمه وإحسانه.
[1] انظر: تفسير الطبري (2/537) [مؤسسة الرسالة، ط1، 1420 هـ]، ومختصر الصواعق المرسلة (3/1013، 1014) [أضواء السلف، ط1، 1425هـ]، وتفسير ابن كثير (1/666) [دار طيبة، ط2، 1420هـ].
قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ *} [البقرة] ، وقال: {وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا *} [النساء] ، وقال: {وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الأنعام: 80] .
ومن السُّنَّة حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قام رجل إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فسأله عن الصلاة في الثوب الواحد. فقال: «أوكلكم يجد ثوبين؟» . ثم سأل رجل عمر فقال: «إذا وسَّع الله فأوسعوا»[1].
وورد في دعاء الجنازة عن عوف بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «اللَّهُمَّ اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله ووسع مدخله»[2].
[1] أخرجه البخاري (كتاب الصلاة، رقم 365).
[2] أخرجه مسلم (كتاب الجنائز، رقم 963).
قال أبو القاسم الأصبهاني رحمه الله: «الواسع، وسعت رحمته الخلق أجمعين، وقيل: وسع رزقه الخلق أجمعين، لا تجد أحدًا إلا وهو يأكل رزقه، ولا يقدر أن يأكل غير ما رزق»[1].
قال ابن القيم رحمه الله في سياق كلامه على آية: {وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [البقرة: 116] : «فهذا السياق لا تعرض فيه للقبلة، ولا سيق الكلام لأجلها، وإنما سيق لذكر عظمة الرب، وبيان سعة علمه، وملكه، وحلمه، والواسع من أسمائه»[2].
وقال السعدي رحمه الله: «الواسع الصفات والنعوت ومتعلقاتها، بحيث لا يحصي أحد ثناء عليه، بل هو كما أثنى على نفسه، واسع العظمة، والسلطان، والملك، واسع الفضل، والإحسان عظيم الجود والكرم»[3].
[1] الحجة في بيان المحجة (1/150) [دار الراية، ط1، 1411هـ].
[2] مختصر الصواعق المرسلة (3/1014).
[3] تفسير أسماء الله الحسنى للسعدي (242) [مجلة الجامعة الإسلامية، عدد 112، 1423هـ].
ـ الجمع بين اسمي الواسع والعليم:
أشار الإمام ابن القيم إلى السر في الجمع بين اسمي الجلال (الواسع) و(العليم) في قوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ *} [البقرة] ، فقال: «ثم ختم الآية بإسمين من أسمائه الحسنى مطابقين لسياقها، وهما: الواسع والعليم، فلا يستبعد العبد هذه المضاعفة، ولا يضيق عنها عطاؤه، فإن المضاعف واسع العطاء، واسع الغنى، واسع الفضل، ومع ذلك فلا يظن أن سعة عطائه تقتضي حصولها لكل منفق، فإنه عليم بمن تصلح له هذه المضاعفة وهو أهل لها، ومن لا يستحقها ولا هو أهل لها، فإن كرمه وفضله تعالى لا يناقض حكمته؛ بل يضع فضله مواضعه لسعته ورحمته، ويمنعه من ليس من أهله بحكمته وعلمه»[1].
[1] طريق الهجرتين (540) [دار ابن القيم، ط2، 1414هـ].
الفرق بين الغني والواسع:
قال الزجاجي رحمه الله: «فإن قال قائل: فإذا كان معنى الواسع عندك والغني سواء، فما الوجه في تكرارهما؟
قلنا له: قد مضى القول في هذا شرح قولنا: (عليم وبصير)، وما جاء في كلام العرب من اختلاف اللفظ واتفاق المعاني، اتساعًا وتبسيطًا في الكلام، فبني لمعنى واحد من صفاته لفظتان؛ ليكون ذلك أبلغ في المدح وأكمل في الوصف.
ومع ذلك فالواسع قد يتضمن من المعنى ما لا يتضمنه الغني، ويتصرف فيما لا يتصرف الغني، كقولنا: يا واسع الفضل، يا واسع الرحمة، وكقوله عزّ وجل: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا} [غافر: 7] ؛ أي: عمَّت رحمتك كل شيء، وأحاط علمَّك بكل شيء»[1].
[1] اشتقاق أسماء الله (73).
1 ـ «اشتقاق أسماء الله»، للزجاجي.
2 ـ «الحجة في بيان المحجة» (ج2)، للأصبهاني.
3 ـ «تفسير أسماء الله الحسنى»، للسعدي.
4 ـ «شأن الدعاء»، للخطابي.
5 ـ «شرح أسماء الله الحسنى»، للقحطاني.
6 ـ «فقه الأسماء الحسنى»، لعبد الرزاق البدر.
7 ـ «القواعد المثلى»، لابن عثيمين.
8 ـ «الطريقة المثلى لإحصاء أسماء الله الحسنى»، لغريب بن محمد.
9 ـ «مختصر الصواعق المرسلة»، لابن القيم.
10 ـ «معتقد أهل السُّنَّة والجماعة في أسماء الله الحسنى»، للتميمي.