قال ابن فارس: «الواو والدال: كلمة تدل على محبة. وَدِدْتُه: أحببته»[1]. وقال الجوهري: «وَدِدت الرجل أوَدُّه وُدًّا؛ إذا أحببته، والوُدُّ والوَدُّ والوِدُّ: المودة، تقول: بودِّي أن يكون كذا، والودود: الْمُحِبُّ»[2]. والودود اسم فاعل ومفعول من الوِدّ، مأخوذ من الأصل الثلاثي (و ـ د ـ د) الدال على المحبة، يقال: وَدِدْته أَوَدُّه وِدًّا ومَوَدَّة فهو مودود؛ فاعلاً ومفعولاً؛ إذا أحببته، والودّ أيضًا التمني، وهو اشتهاء وقوع ما توده وتحبه، يقال: وددت لو تفعل كذا، أودُّ وَدًّا ووُدًّا ووِدادَة وودادًا: تمنَّيت، ومنه قوله تعالى: {وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ} [آل عمران: 69] ، وفلان وديد فلان: حبيبه، ووادّه ودادًا؛ إذا أحبه، وتودّد إليه: تحبّب واجتلب ودّه، والودود: كثير الحبّ[3].
[1] مقاييس اللغة (2/617) [دار الكتب العلمية، ط1420هـ].
[2] الصحاح (1/198) [دار العلم للملايين، ط4].
[3] انظر: تهذيب اللغة (14/234 ـ 236) [الدار المصرية، ط1، 1387هـ]، والصحاح (2/549) [دار العلم للملايين، ط4]، ومفردات ألفاظ القرآن (860، 861) [دار القلم، ط2، 1418هـ]، والقاموس المحيط (414، 415) [مؤسسة الرسالة، ط5]، والمعجم الوسيط (2/1020) [دار الدعوة، ط2، 1972م].
الودود هو المحِب المحْبوب، بمعنى اسم الفاعل الوادّ، وبمعنى اسم المفعول المودود[1]؛ فالله عزّ وجل يحب أنبياءه ورسله وأتباعهم ويحبونه، فهو أحب إليهم من كل شيء، قد امتلأت قلوبهم من محبته، ولهجت ألسنتهم بالثناء عليه، وانجذبت أفئدتهم إليه ودًّا وإخلاصًا وإنابة من جميع الوجوه[2].
ويدخل في معناه أنه يوددهم إلى خلقه، كقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَانُ وُدًّا *} [مريم] [3].
[1] انظر: اشتقاق أسماء الله (152) [مؤسسة الرسالة، ط2، 1406هـ]، وشأن الدعاء (74) [دار الثقافة، ط3، 1412هـ]، والنبوات (1/365) [أضواء السلف، ط1، 1420هـ]، وجلاء الأفهام (447) [دار ابن الجوزي، ط3، 1420هـ]، وتفسير أسماء الله الحسنى للسعدي (242) [مجلة الجامعة الإسلامية، عدد 112، 1423هـ].
[2] انظر: شأن الدعاء (74)، وجلاء الأفهام (447)، وتفسير أسماء الله الحسنى للسعدي (242).
[3] انظر: شأن الدعاء (74).
ورد اسم الودود في موضعين من القرآن الكريم، في قوله تعالى: {إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ *} [هود] ، وقوله تعالى: {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ *} [البروج] .
أقوال أهل العلم:
قال الإمام البخاري: «قال ابن عباس: {الْوَدُودُ *}: الحبيب»[1].
وقال ابن قتيبة: «ومن صفاته (الودود)، وفيه قولان: يقال: هو فَعُول بمعنى مفعول، كما يقال: رجل هيوب؛ أي: مَهِيبٌ، يراد به مودود. ويقال: هو فَعُول بمعنى فاعل، كقولك: غفور بمعنى غافر؛ أي: يَوَدُّ عبادَه الصالحين»[2].
وقال ابن تيمية: «والله تعالى في القرآن يثبت الصفات على وجه التفصيل، وينفي عنه ـ على طريق الإجمال ـ التشبيه والتمثيل، فهو في القرآن يخبر أنه بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير، وأنه عزيز حكيم، غفور رحيم، وأنه سميع بصير، وأنه غفور ودود، وأنه تعالى ـ على عظم ذاته ـ يحب المؤمنين، ويرضى عنهم، ويغضب على الكفار، ويسخط عليهم، وأنه خلق السماوات والأرض في ستة أيام، ثم استوى على العرش، وأنه كلم موسى تكليمًا، وأنه تَجَلَّى للجبل فجعله دكًّا؛ وأمثال ذلك»[3]. وقال أيضًا: «وهو سبحانه ـ كما ثبت في الحديث الصحيح ـ أرحم بعباده من الوالدة بولدها، وقد بيّن الحديث الصحيح أنّ فرحه بتوبة التائب أعظم من فرح الفاقد ماله ومركوبه في مهلكة إذ وجدهما بعد اليأس، وهذا الفرح يقتضي أنّه أعظم مودّة لعبده المؤمن من المؤمنين بعضهم لبعض. كيف، وكلّ وُدِّ في الوجود فهو من فعله. فالذي جعل الودّ في القلوب هو أولى بالودّ»[4].
[1] أخرجه البخاري معلقًا مجزومًا (كتاب التفسير، 9/124) [دار طوق النجاة، ط1]، ووصله الطبري في التفسير (24/283) [دار هجر، ط1].
[2] تفسير غريب القرآن (18) [دار الكتب العلمية، بيروت، طبع عام 1398هـ].
[3] مجموع الفتاوى (6/37) [مجمع الملك فهد لطباعة المصحف، 1416هـ].
[4] النبوات (1/367) [أضواء السلف، ط1، 1420هـ].
المسألة الأولى: صفة الود لله تبارك وتعالى:
دلَّت النصوص الشرعية على إثبات صفة الود لله تعالى، قال تعالى: {إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ *} [هود] ، وقال سبحانه: {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ *} [البروج] ، فالله يَوَدُّ عبادَه الصالحين، ويحبهم ويتولاهم بالنصر والتأييد، ويكرمهم في الدنيا والآخرة.
المسألة الثانية: بعض الحِكَم والأسرار من اقتران هذا الاسم باسمَيه: (الغفور) و(الرحيم):
الله عزّ وجل يغفر للعبد ويرحمه إذا تاب وأناب إليه؛ بل إنه يحبه ويودُّه، «فهو سبحانه الموصوف بشدة البطش، ومع ذلك هو الغفور الودود، المتودد إلى عباده بنعمه، الذي يودّ من تاب إليه وأقبل عليه، وهو الودود أيضًا؛ أي: المحبوب، قال البخاري في صحيحه: «الودود: الحبيب»، والتحقيق أن اللفظ يدل على الأمرين: على كونه وادًّا لأوليائه ومودودًا لهم، فأحدهما بالوضع، والآخر باللزوم، فهو الحبيب المحب لأوليائه يحبهم ويحبونه، وقال شعيب عليه السلام: {إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ *} [هود] . وما ألطف اقتران اسم الودود بالرحيم وبالغفور، فإن الرجل قد يغفر لمن أساء إليه ولا يحبه، وكذلك قد يرحم من لا يحب، والرب تعالى يغفر لعبده إذا تاب إليه ويرحمه ويحبه مع ذلك، فإنه يحب التوابين، وإذا تاب إليه عبده أحبه ولو كان منه ما كان»[1].
قال ابن القيم: «الوداد وهو صفو المحبة وخالصها ولبها، و(الودود) من أسماء الرب تعالى وقرنه باسمه (الغفور) إعلامًا بأنه يغفر الذنب ويحب التائب منه ويودّه»[2].
[1] التبيان في أقسام القرآن (124) [دار إحياء العلوم، ط1، 1409هـ].
[2] مدارج السالكين (3/22).
ـ من معاني اسم الله الودود ولطفه وتعلقه بظاهر العبد وباطنه، أن العبد يكون في حال اشتغال حب وشوق ولذة مناجاة لا أحلى منها ولا أطيب، بحسب استغراقه في شهود معنى هذا الاسم.
ـ إن الودود يأتي بمعنى المودود كما قال البخاري في صحيحه: «الودود: الحبيب»، فإذا استغرق العبد في مطالعة صفات الكمال التي تدعو العبد إلى حب الموصوف بها، أثمر له صفاء علمه بها وصفاء حاله في تعبده بمقتضاها.
ـ كما يأتي الودود بمعنى الوادّ وهو المحب، أثمر ذلك للعبد مطالعة ذلك حالاً تناسبه؛ فإنه إذا شاهد بقلبه غنيًّا كريمًا جوادًا عزيزًا قادرًا، كل أحد محتاج إليه بالذات وهو غني بالذات عن كل ما سواه، وهو مع ذلك يودّ عباده ويحبهم ويتودد إليهم بإحسانه إليهم وتفضله عليهم، كان له من هذا الشهود حالة صافية خالصة من الشوائب.
ـ يجب على العبد أن يتودد إلى ربه بامتثال أمره ونهيه، كما تودد سبحانه إليه بإدرار نعمه وفضله، ويحبه كما أحبه، ومن حب العبد لله رضاه بما قضاه وقدره، وحب القرآن والقيام به، وحب الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وحب سُنَّته والقيام بها والدعاء إليها[1].
[1] انظر: الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى (1/429، 430) [دار الصحابة، ط1، 1416هـ]، ومدارج السالكين (3/149، 150) [دار الكتاب العربي، ط2، 1393هـ]، وفقه الأسماء الحسنى (225) [دار التوحيد، ط1].
ذهب بعض أصحاب الطوائف المخالفة لأهل السُّنَّة والجماعة إلى نفي محبة الله عزّ وجل لعباده، وقصروا تفسير اسمه تعالى: (الودود) على أنه مودود؛ أي: اسم مفعول بمعنى أن المؤمنين يحبونه، وهو لا يُحب أحدًا، وذهب بعضهم إلى أنه لا يُحِب ولا يُحَب، ومنهم من نفى أن تكون صفة فعلية لله عزّ وجل، ولهم في ذلك قولان:
أحدهما: أن المحبّة قديمة، فهو يحبّهم في الأزل، إذا علم أنهم يموتون على حال مرضية، ويقولون: إن الله يحبّ الكفار في حال كفرهم، إذا علم أنهم يموتون على الإيمان، ويُبغض المؤمن إذا علم أنه يرتد، هذا قول ابن كلاب ومن تبعه، ثمّ منهم من يفسّر المحبّة بالإرادة. ومنهم من يقول هي صفة زائدة على الإرادة.
والقول الثاني: يجعلون هذا من باب الفعل، فالمحبّة عندهم إحسانه إليهم، والإحسان عندهم ليس قائمًا به؛ بل بائن عنه[1].
والنصوص الشرعية واضحة في إثبات الصفة وفيها الرد على هذه الأقوال فإن الله تعالى هو: العزيز، الرحيم، الغفور، الودود، المجيد. والودود (فَعُول) من الودّ، قال الله تعالى على لسان شعيب عليه السلام: {إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ *} [هود] ، وقال تعالى: {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ *} [البروج] ، فقرنه بالرحيم في موضع، وبالغفور في موضع.
وفُسِّر قوله تعالى: {سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَانُ وُدًّا *}، بأنه يحبّهم، ويُحَبَِبهم إلى عباده، كما في الصحيحين عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «إذا أحبّ الله العبد نادى: يا جبريل إني أحبّ فلانًا فأحبّه، فيحبُّه جبريل، ثم ينادي في السماء: إن الله يحبّ فلانًا فأحبّوه، فيحبّه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض» [2]، وقال في البغض مثل ذلك، وعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَانُ وُدًّا *}، قال: «يحبهم ويحببهم»[3]، وعن مجاهد في الآية نفسها، قال: «يحبهم ويحببهم إلى المؤمنين»[4].
وعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَانُ وُدًّا *}، قال: «محبة»[5]. وهذا فيه إثبات حبّه لهم، بعد أعمالهم، بقوله: {سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَانُ وُدًّا *}، وهو نظير قوله: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران] ، فهو يحبّهم إذا اتّبعوا الرسول، ونظير قوله في الحديث الصحيح: «ولا يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنوافل حتى أحبّه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يُبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها»[6].
وكذلك قوله: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ *} [البقرة] ، وقوله: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ *} [البقرة] ، إلى غير ذلك من الآيات.
وهذه الآيات وأشباهها تقتضي أن الله يحبّ أصحاب هذه الأعمال، فهو يحبّ التوابين، وإنما يكونون توابين بعد الذنب، ففي هذه الحال يحبّهم، وهذا مبني على الصفات الاختيارية[7].
والكتاب والسُّنَّة، وأقوال السلف والأئمة، والأدلة العقلية، إنما تدلّ على إثبات هذا الاسم وما تضمنه من صفة الود والمحبة وما يلزم من ذلك كالرحمة والمغفرة[8].
[1] انظر: الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى (1/328، 329).
[2] أخرجه البخاري (كتاب بدء الخلق، رقم 3209)، ومسلم (كتاب البر والصلة والآداب، رقم 2637).
[3] أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (كتاب الزهد، رقم 34787)، والطبري في التفسير (7/137) [دار هجر، ط1]. وانظر: الدر المنثور في التفسير بالمأثور (5/545) [دار الفكر، 1993م].
[4] انظر: تفسير الطبري (16/132، 133).
[5] أخرجه الطبري في التفسير (15/642) [دار هجر، ط1]، وسنده حسن.
[6] أخرجه البخاري (كتاب الرقاق، رقم 6502).
[7] قال شيخ الإسلام في تعريفها: «هي الأمور التي يتصف بها الربّ، فتقوم بذاته بمشيئته وقدرته، مثل: كلامه، وسمعه، وبصره، وإرادته، ومحبته، ورضاه، ورحمته، وغضبه، وسخطه، ومثل: خلقه، وإحسانه، وعدله، ومثل: استوائه، ومجيئه، وإتيانه، ونزوله، ونحو ذلك من الصفات التي نطق بها الكتاب العزيز والسُّنَّة»، رسالة في الصفات الاختيارية، ضمن جامع الرسائل (2/3) [دار المدني، ط2، 1405هـ].
[8] انظر: النبوات (1/352 ـ 369).
1 ـ «أسماء الله الحسنى: جلالها ولطائف اقترانها وثمراتها في ضوء الكتاب والسُّنَّة»، لماهر مقدم.
2 ـ «الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى»، للقرطبي.
3 ـ «الاعتقاد والهداية»، للبيهقي.
4 ـ «التبيان في أقسام القرآن»، لابن القيم.
5 ـ «تفسير أسماء الله الحسنى»، للسعدي.
6 ـ «جامع الرسائل»، لابن تيمية.
7 ـ «جلاء الأفهام»، لابن القيم.
8 ـ «الحق الواضح المبين في شرح توحيد الأنبياء والمرسلين»، للسعدي.
9 ـ «طريق الهجرتين وباب السعادتين»، لابن القيم.
10 ـ «الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية» (ج3)، لابن القيم.
11 ـ «معجم ألفاظ العقيدة»، لعالم عبد الله فالح.