قال ابن فارس: «الواو والسين واللام: كلمتانِ متباينتانِ جِدًّا، الأولى الرَّغْبة والطَّلَب. يقال: وَسَلَ؛ إذا رَغِب. والواسِل: الراغب إلى الله عزّ وجل، ومن ذلك القياس الوَسِيلة»[1]. وقال الجوهري: «الوَسِيلة ما يُتقرب به إلى الغير، والجمع الوَسِيل والوَسائل، والتَّوسيل والتَّوسل واحد، يقال: وَسَل فلان إلى ربه وَسيلة، وتَوَسل إليه بوَسيلة؛ أي: تَقَرب إليه بعمل»[2].
[1] مقاييس اللغة (6/110) [دار الجيل، ط1، 1411هـ].
[2] الصحاح (5/1841) [دار العلم للملايين، ط3].
قال ابن تيمية في تعريف الوسيلة: «هي ما يُتقرَّب إليه من الواجبات والمستحبات»[1]. وقال أيضًا: «فجماع الوسيلة التي أمر الله الخلق بابتغائها هو التوسل إليه باتباع ما جاء به الرسول»[2]. وقيل: الوسيلة هي «كل سبب يوصل إلى المقصود عن طريق ما شرعه الله تعالى، وبينه في كتابه وسُنَّة نبيّه»[3].
وقال الشنقيطي في تفسير قوله سبحانه وتعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} [المائدة: 35] : «اعلم أن جمهور العلماء على أن المراد بالوسيلة هنا هو القربة إلى الله تعالى بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، على وفق ما جاء به محمد صلّى الله عليه وسلّم بإخلاص في ذلك لله تعالى... وأصل الوسيلة: الطريق التي تقرب إلى الشيء، وتوصل إليه وهي العمل الصالح بإجماع العلماء»[4].
والتوسل: هو التقرب إلى الله سبحانه وتعالى بطاعته وعبادته، واتباع أنبيائه ورسله، وبكل عمل يحبه الله ويرضاه[5]. وقيل: التوسل «يراد به التوصل إلى رضوان الله والجنة؛ بفعل ما شرعه وترك ما نهى عنه»[6].
[1] مجموع الفتاوى (1/199) [مكتبة النهضة الحديثة، 1404هـ].
[2] مجموع الفتاوى (1/200).
[3] التوسل أنواعه وأحكامه للألباني (17).
[4] أضواء البيان (1/402) [دار الفكر، 1415هـ].
[5] انظر: التوصل إلى حقيقة التوسل للرفاعي (14).
[6] أصول الإيمان في ضوء الكتاب والسُّنَّة (45).
قال الله سبحانه وتعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} [المائدة: 35] .
وقال سبحانه وتعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا *} [الإسراء] .
وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلُّوا عليَّ، فإنه من صلَّى عليَّ صلاة صلَّى الله عليه بها عشرًا، ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلة فى الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلَّت له الشفاعة» [1]، والوسيلة في هذا الحديث هي منزلة في الجنة لا تنبغي إلا للرسول محمد صلّى الله عليه وسلّم. أقوال أهل العلم:
قال ابن تيمية: «فالوسيلة هي الأعمال الصالحة»[2].
وقال الشنقيطي: «وأصل الوسيلة: الطريق التي تقرب إلى الشيء، وتوصل إليه، وهي العمل الصالح بإجماع العلماء»[3].
[1] أخرجه مسلم (كتاب الصلاة، رقم 384). وانظر: شرح النووي على صحيح مسلم (4/86).
[2] الرد على البكري (1/119).
[3] أضواء البيان (1/402).
الوسيلة في الأحاديث الصحيحة هي منزلة في الجنة لا تنبغي إلا للرسول محمد صلّى الله عليه وسلّم، وهي المذكورة في قوله صلّى الله عليه وسلّم: «من قال حين يسمع النداء: اللَّهُمَّ رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة، آت محمدًا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته؛ حلَّت له شفاعتي يوم القيامة»[1].
وقد فُسِّرت الوسيلة بقوله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلُّوا عليّ فإنه من صلى عليَّ صلاة صلَّى الله عليه بها عشرًا، ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلة فى الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة» [2]. وهذه الوسيلة للنبي صلّى الله عليه وسلّم خاصة[3].
[1] أخرجه البخاري (كتاب الأذان، رقم 614).
[2] سبق تخريجه.
[3] انظر: مجموع الفتاوى (1/200).
المخالفون هم ملاحدة الباطنية الذين لا يوجبون العمل بالشرائع على من وصل إلى حقيقة العلم، وضُلاّل المتصوفة الذين ظنوا أن غاية العبادات هو حصول المعرفة، فإذا حصلت سقطت العبادات عنهم، وكذا كل من وافقهم[1]. قال شيخ الإسلام مبينًا فساد مذهبهم، وحكمهم: «فالمقصود من هذا أن الصلوات الخمس لا تسقط عن أحد له عقل، سواء كان كبيرًا أو صالحًا أو عالمًا، وما يظنه طوائف من جهَّال العبَّاد وأتباعهم، وجهَّال النظَّار وأتباعهم، وجهَّال الإسماعيلية والنصيرية، ـ وإن كانوا كلهم جهالاً ـ من سقوطها عن العارفين أو الواصلين أو أهل الحضرة، أو عمَّن خرقت لهم العادات أو عن الأئمة الإسماعيلية أو بعض أتباعهم، أو عمَّن عرف العلوم العقلية، أو عن المتكلم الماهر في النظر أو الفيلسوف الكامل في الفلسفة، فكل ذلك باطل باتفاق المسلمين، وبما علم بالاضطرار من دين الإسلام، واتفق علماء المسلمين على أن الواحد من هؤلاء يستتاب، فإن تاب وأقر بوجوبها وإلا قتل»[2].
وقال ابن القيم: «فالزنديق يقول الاشتغال بالسير بعد الوصول عيب لا فائدة فيه، والوصول عنده هو ملاحظة عين الجمع، فإذا استغرق في هذا الشهود وفنى به عن كل ما سواه، ظن أن ذلك هو الغاية المطلوبة بالأوراد والعبادات، وقد حصلت له الغاية، فرأى قيامه بها أولى به، وأنفع له من الاشتغال بالوسيلة، فالعبادات البدنية عنده وسيلة لغاية وقد حصلت، فلا معنى للاشتغال بالوسيلة بعدها، وقد اشتد نكير السلف من أهل الاستقامة من الشيوخ على هذه الفرقة وحذروا منهم»[3].
[1] انظر: درء التعارض (3/270 ـ 274)، ومدارج السالكين (3/116).
[2] درء التعارض (3/271).
[3] مدارج السالكين (3/116).