حرف الواو / الوكيل

           

قال ابن فارس: «الواو والكاف واللام: أصل صحيح يدل على اعتمادِ غيرك في أمرك ومنه التوكل، وهو إظهار العجز في الأمر والاعتماد على غيرك»[1].
والوكيل اسم فاعل على وزن (فعيل) من الوكالة، مأخوذ من الأصل الثلاثي (وكل) الدال على اعتماد غيرك في أمرك، يقال: وَكَل يَكِل وِكالة ووَكالة، والوَِكالة: أن يعهد إلى غيره أن يعمل له عملاً.
والتَّوَكُّل: إظهار العجز عن الأمر والاعتماد فيه على غيرك، يقال: توكّل يتّكل توكّلاً فهو متوكل، إذا أسلم أمره إلى غيره واعتمد عليه وفوضه إليه، والاسم التُّكلان: الاعتماد على الغير.
وواكل وتواكل؛ إذا ضيّع الأمر واتّكل على غيره[2].


[1] مقاييس اللغة (2/643) [دار الكتب العلمية، 1420هـ].
[2] انظر: تهذيب اللغة (10/371، 372) [الدار المصرية، ط1، 1387هـ]، والصحاح (5/1844، 1845) [دار العلم للملايين، ط4، 1990م]، ومفردات ألفاظ القرآن (882) [دار القلم، ط2، 1418]، والقاموس المحيط (1381) [مؤسسة الرسالة، ط5، 1416هـ]، والمعجم الوسيط (2/1054، 1055) [دار الدعوة، ط2].


الوكيل : هو الكفيل بأرزاق عباده والقائم عليهم في جميع شؤونهم، والمعتمد عليه في جلب كل خير ودفع كل شر في العاجل والآجل؛ وحده دون سواه[1].
قال الخطابي: «وحقيقته: أنه الذي يستقل بالأمر الموكول إليه، ومن هذا قول المسلمين: {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ *} [آل عمران] ؛ أي: نعم الكفيل بأمورنا والقائم بها»[2].
وقال السعدي: «الوكيل: المتولي لتدبير خلقه بعلمه وكمال قدرته وشمول حكمته، والذي تولى أولياءه فيسَّرهم لليسرى وجنَّبهم العسرى وكفاهم الأمور، فمن اتخذه وكيلاً كفاه»[3].


[1] انظر: شأن الدعاء (77) [دار الثقافة، ط3، 1412هـ]، والأسماء والصفات للبيهقي (1/212) [مكتبة السوادي، ط1، 1413هـ]، والحجة في بيان المحجة (1/149) [دار الراية، ط1، 1411هـ]، وتفسير أسماء الله الحسنى للسعدي (243، 244) [مجلة الجامعة الإسلامية، عدد 112، 1423هـ].
[2] شأن الدعاء (77).
[3] تفسير أسماء الله الحسنى للسعدي (243، 244).


يجب الإيمان بهذا الاسم: الوكيل، وما دل عليه من الصفة؛ لدلالة القرآن والحديث عليها، ويجب إثباته لله تعالى كما يليق بجلاله وكبريائه وعظمته سبحانه، وإثبات ما دل عليه من الصفة من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تمثيل. كما يجب أن يفوض العبد أموره كلها لله ويتوكل عليه في قضاء حوائجه وتحصيل مقاصده الدينية والدنيوية، قال ابن القيم رحمه الله: «فإن التوكل يجمع أصلين: علم القلب وعمله. أما علمه: فيقينه بكفاية وكيله، وكمال قيامه بما وكله إليه، وأن غيره لا يقوم مقامه في ذلك. وأما عمله: فسكونه إلى وكيله، وطمأنينته إليه، وتفويضه وتسليمه أَمره إليه، وأن غيره لا يقوم مقامه في ذلك. ورضاه بتصرفه له فوق رضاه بتصرفه هو لنفسه. فبهذين الأصلين يتحقق التوكل، وهما جماعه، وإن كان التوكل دخل في عمل القلب من عمله، كما قال الإمام أحمد: التوكل عمل القلب، ولكن لا بد فيه من العلم، وهو إما شرط فيه، وإما جزءٌ من ماهيته»[1].


[1] طريق الهجرتين (257) [الدار السلفية، القاهرة، ط2، 1394هـ].


الاستقلال بأمر الموكول فيما توكل عليه من جميع الوجوه، والله عزّ وجل كاف عباده وحده في جميع حاجاتهم وشؤونهم على وجه العموم وكاف وحده لحماية عباده المؤمنين المتوكلين عليه من غير حاجة إلى ظهير ونصير[1].
والوكيل : معناه: الكافي الكفيل، وهو عام وخاص:
أما العام : فيدل عليه قوله تعالى: {وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ *} [الأنعام] ؛ أي: المتكفل بأرزاق جميع المخلوقات وأقواتها، القائم بتدبير شؤون الكائنات وتصريف أمورها.
والخاص : يدل عليه قوله تعالى: {...وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً *} [النساء] ، وقوله: {وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ *} [آل عمران] ؛ أي: نعم الكافي لمن التجأ إليه، والحافظ لمن اعتصم به، وهو خاص بعباده المؤمنين به، المتوكلين عليه[2].
فالله سبحانه له الوكالة التامة، وهذه الصفة تجمع العلم المحيط الشامل والقدرة الكاملة لله عزّ وجل؛ لأن الوكالة تقتضي علم الوكيل بما هو وكيل عليه وإحاطته بتفاصيله، وقدرته التامة عليه ليتمكن من التصرف فيه، وحفظ ما هو وكيل عليه، مع حكمة ومعرفة بوجوه التصرفات، ليصرفها ويدبرها على ما هو أصلح وأنسب وأفيد وأليق، والله عزّ وجل هو الأحق بهذا الاسم وبهذه الصفة على الإطلاق[3].


[1] انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (5/221) [المكتبة العلمية، بيروت].
[2] انظر: فقه الأسماء الحسنى (239) [دار التوحيد، ط1، 1429]، وطريق الهجرتين (257).
[3] انظر: أسماء الله الحسنى لماهر مقدم (202، 203) [مكتبة الإمام الذهبي، الكويت، ط4، 1431هـ].


قال تعالى: {إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ *} [هود] ، وقال تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً *} [النساء] ، وقال تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ *} [آل عمران] ، وقال تعالى: {وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ *} [هود] ، وقال تعالى: {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً *} [المزمل] .



قال ابن جرير الطبري: «يعني بقوله: {حَسْبُنَا اللَّهُ} كفانا الله؛ يعني: يكفينا الله: {وَنِعْمَ الْوَكِيلُ *} يقول: ونعم المولى لمن وليه وكفله، وإنما وصف الله تعالى نفسه بذلك؛ لأن الوكيل في كلام العرب هو: المسند إليه القيام بأمر من أسند إليه القيام بأمره، فلما كان القوم الذين وصفهم الله بما وصفهم به في هذه الآيات قد كانوا فوضوا أمرهم إلى الله، ووثقوا به، وأسندوا ذلك إليه؛ وصف نفسه بقيامه لهم بذلك، وتفويضهم أمرهم إليه بالوكالة، فقال: ونعم الوكيل الله تعالى لهم»[1].
وقال البيهقي: «الوكيل: هو الكافي، وهو الذي يستقل بالأمر الموكل إليه، وقيل: هو الكفيل بالرزق والقيام على الخلق بما يصلحهم»[2].
وقال ابن الأثير: «في أسماء الله تعالى (الوكيل): هو القيم الكفيل بأرزاق العباد، وحقيقته أنه استقل بأمر الموكول إليه»[3].
وقال السعدي: «الوكيل: المتولي لتدبير خلقه بعلمه وكمال قدرته وشمول حكمته، الذي تولى أولياءه، فيسَّرهم لليسرى، وجنَّبَهم العسرى، وكفاهم الأمور، فمن اتخذه وكيلاً كفاه»[4].
وأورد هذا الاسم معظم من اعتنى بجمع الأسماء الحسنى وشرحها من أهل العلم.


[1] تفسير الطبري (3/2064) [دار السلام، القاهرة، ط3، 1429هـ].
[2] الاعتقاد والهداية للبيهقي (47) [رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء، الرياض، ط2، 1424هـ].
[3] النهاية في غريب الحديث والأثر (5/221) [المكتبة العلمية، بيروت].
[4] تفسير السعدي (5/626)، ملحق في آخر الجزء بعنوان: أصول وكليات من أصول التفسير وكلياته [مركز صالح بن صالح الثقافي، عنيزة، ط2، 1412هـ].


المسألة الأولى: أجاب بعض أهل العلم عن إشكال قد يتوهمه من لا يفهم حقيقة هذا الاسم، قال القرطبي: «فإن قلت: إذا كان الله سبحانه قد توكل وتكفل بأرزاق عباده وإقامة خلقه، فما بال من يموت جوعًا وعطشًا؟
فالجواب : أن الله سبحانه لم يقبض أحدًا حتى يستوفي رزقه الذي ضمن له وتوكل له به، وفي الحديث: «إن نفسًا لن تموت حتى تستوفي رزقها» [1]، وهذا أبين من أن يحتاج فيه إلى إكثار، فيجب على كل مؤمن أن يعلم أن كل ما لا بد له منه، فالله سبحانه هو الوكيل والكفيل المتوكل بإيصاله إلى العبد، إما بنفسه فيخلق له الشبع والريّ، كما يخلق له الهداية في القلوب، أو بواسطة سبب ملك، أو غيره، يوكله به»[2].
المسألة الثانية: جزاء التوكل على الله: إن الله عزّ وجل جعل لكل عمل جزاء من جنسه، وجعل جزاء التوكل عليه نفس كفايته لعبده، قال تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3] ، فهو سبحانه لم يقل نؤته كذا وكذا من الأجر، كما قال في الأعمال، بل جعل نفسه سبحانه كافي عبده المتوكل عليه وحسبه وواقيه، فلو توكل العبد على الله تعالى حق التوكل وكادته السماوات والأرض ومن فيهن لجعل له مخرجًا من ذلك وكفاه ونصره[3].
المسألة الثالثة: من عرف الله حق معرفته توكّل عليه:
ينبغي للعباد أن يعلموا أن الله وكيلهم، وأنه سبحانه غني، عليم قدير فإذا عرفوا الله سبحانه وتعالى بهذا الاسم وبهذه الصفة حق لهم أن يتوكلوا عليه في جميع أمورهم، وأن يفوضوا إليه جميع شؤونهم، وبذلك يصلون إلى مقام التوكل الصحيح الذي هو من أعظم مقامات الدين.
المسألة الرابعة: عدم استبطاء الكفاية من الله عزّ وجل:
لا ينبغي للعبد أن يستبطئ كفاية الله له إذا بذل أسبابها وتوكل عليه سبحانه وتعالى، فإن الله بالغ أمره في الوقت الذي قدره له، قال ابن القيم: «فلما ذكر كفايته للمتوكل عليه فربما أوهم ذلك تعجيل الكفاية وقت التوكل، فعقبه بقوله: {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا *} [الطلاق] ؛ أي: وقتًا لا يتعداه، فهو يسوقه إلى وقته الذي قدره له؛ فلا يستعجل المتوكل ويقول: قد توكلت ودعوت، فلم أر شيئًا ولم تحصل لي الكفاية، فالله بالغ أمره في وقته الذي قدره له»[4].


[1] أخرجه ابن ماجه (كتاب التجارات، رقم 2144)، وابن حبان (كتاب الزكاة، رقم 3239)، والحاكم (كتاب البيوع، رقم 2135) وصححه، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (6/209).
[2] الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى (1/507).
[3] انظر: بدائع الفوائد (3/766، 767) [دار عالم الفوائد، ط1، 1425هـ].
[4] إعلام الموقعين (6/49) [دار ابن الجوزي، الدمام، ط1، 1423هـ].


ـ التوكل على الله وحده، وتفويض الأمور كلها إليه، والاعتماد عليه في جلب النعماء ودفع الضر والبلاء، مقام عظيم من مقامات الدين الجليلة، وفريضة عظيمة من فرائض الله على عباده يجب إخلاصها لله وحده، وهو من أجمع أنواع العبادة وأهمها؛ لما ينشأ عنه من الأعمال الصالحة والطاعات الكثيرة، فإنه إذا اعتمد القلب على الله في الأمور الدينية والدنيوية ثقة به سبحانه بأنه الكفيل الوكيل لا شريك له، صحَّ إخلاصه وقويت معاملته مع الله، وحسن إسلامه وزاد يقينه، وصلحت أحواله كلها.
ـ التوكل هو الأصل لجميع مقامات الدين، ومنزلته منها كمنزلة الرأس من الجسد، فكما لا يقوم الرأس إلا على البدن، فكذلك لا يقوم الإيمان ومقاماته وأعماله إلا على ساق التوكل[1].
ـ ينبغي للعبد أن لا يستكثر ما يسأل؛ فإن الوكيل غني، ولهذا قيل: من علامة التوحيد كثرة العيال على بساط التوكل[2].


[1] فقه الأسماء الحسنى (240).
[2] انظر: الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى (1/508).


1 ـ «الأسماء والصفات»، للبيهقي.
2 ـ «أسماء الله الحسنى: جلالها ولطائف اقترانها وثمراتها في ضوء الكتاب والسُّنَّة»، لماهر مقدم.
3 ـ «الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى»، للقرطبي.
4 ـ «الاعتقاد والهداية»، للبيهقي.
5 ـ «بدائع الفوائد» (ج3)، لابن القيم.
6 ـ «تفسير أسماء الله الحسنى»، للزجاج.
7 ـ «تفسير أسماء الله الحسنى»، للسعدي.
8 ـ «الحجة في بيان المحجة»، للأصبهاني.
9 ـ «شأن الدعاء»، للخطابي.
10 ـ «معتقد أهل السُّنَّة والجماعة في أسماء الله الحسنى»، للتميمي.