قال ابن فارس: «الواو واللام والياء أصل صحيح يدل على قرب، من ذلك الوَلْيُ: القُرْبُ، يقال: تباعد بعد ولْيٍ؛ أي: قربٍ»[1]، والوَليّ صيغة مبالغة من اسم فاعل (الوالي) من الولاية، مأخوذ من الأصل الثلاثي (ولي) الدال على القرب والدنو، يقال: ولي وتولى يتولى ولاية فهو وليّ ومولى، والوَلْيُ: القرب، يقال: جلس مما يليني؛ أي: بقربي.
والوَلاء والوَلاية والمُوَالاة: النصرة، والتأييد، وتولاه: اتخذه وليًّا.
وتولى الأمر يتولاه وِلاية: ملكه وقام به، من الولاية: الملك والسلطان، واستولى عليه: ظهر وغلب عليه، وتمكن منه.
والوَلي : المحب والصاحب والحليف والناصر والمعتق، وكل من تولى أمرًا فقام به وتعاهده[2].
[1] مقاييس اللغة (2/645) [دار الكتب العلمية، ط 1420هـ].
[2] انظر: تهذيب اللغة (15/447 ـ 454) [الدار المصرية، ط1، 1387هـ]، ومقاييس اللغة (1104) [دار الفكر، ط2، 1418هـ]، والصحاح (6/2528 ـ 2530) [دار العلم للملايين، ط4، 1990م]، ومفردات ألفاظ القرآن (885 ـ 887) [دار القلم، ط2، 1418]، والقاموس المحيط (1732) [مؤسسة الرسالة، ط5]، والمعجم الوسيط (2/1057، 1058) [دار الدعوة، ط2، 1972م].
الوليّ : المتولي لجميع شؤون خلقه والقائم بذلك، والناصر لعباده المؤمنين الذي يتولى نصرهم وإرشادهم في الدنيا، ويتولى يوم الحساب جزاءهم وثوابهم[1].
[1] انظر: تفسير أسماء الله الحسنى للزجاج (55) [دار الثقافة العربية، ط1، 1974م]، واشتقاق أسماء الله (113) [مؤسسة الرسالة، ط2، 1406هـ]، وشأن الدعاء (78) [دار الثقافة، ط3، 1412هـ]، والمنهاج في شعب الإيمان (1/204) [دار الفكر، ط1]، والأسماء والصفات للبيهقي (1/174) [مكتبة السوادي، ط1، 1413هـ]، الحجة في بيان المحجة (1/150) [دار الراية، ط1، 1411هـ].
ورد اسم الولي في قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ *} [الشورى] ، وقوله تعالى: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ *} [الشورى] ، وقوله : {إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ *} [الجاثية] .
ذكره البيهقي في الأسماء والصفات، وفي الاعتقاد[1].
وقال قوام السُّنَّة الأصبهاني: «ومن أسمائه: الولي؛ ومعناه: الناصر لعباده المؤمنين، وقيل: المتولي للأمور كلها»[2].
وذكره ضمن الأسماء الحسنى الشيخ ابن عثيمين في القواعد المثلى[3].
[1] انظر: الأسماء والصفات للبيهقي (1/174)، والاعتقاد له (62).
[2] انظر: القول المفيد على كتاب التوحيد (3/126، 127) [دار ابن الجوزي، الدمام، ط1، 1418هـ].
[3] الحجة في بيان المحجة (1/150).
الولاية تنقسم إلى قسمين[1]:
القسم الأول: ولاية مطلقة، وهذه لله عزّ وجل، لا تصلح لغيره، كالسيادة المطلقة.
القسم الثاني: ولاية مقيدة، وهذه تكون لغيره الله، قال تعالى: {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ} [التحريم: 4]
وعن زيد بن أرقم رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «من كنت مولاه، فعلي مولاه»[2].
وتكون هذه الولاية بمعنى النصرة والمتولي للأمر والسيد والعتيق ونحو ذلك.
[1] انظر: القواعد المثلى ضمن مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين (3/277).
[2] أخرجه الترمذي (أبواب المناقب، رقم 3714) وحسَّنه، وأحمد (32/29) [مؤسسة الرسالة، ط1]، والحاكم (كتاب معرفة الصحابة، رقم 4576) وصححه، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (4/330).
ولاية الله عزّ وجل لعباده وتوليه لهم نوعان:
الأول: ولاية عامة، وهي إثبات جميع معاني الملك لله عزّ وجل على خلقه، وتصريفه سبحانه وتدبيره لجميع الكائنات وشؤونهم، وأنهم جميعًا طوع تدبيره، ولا خروج لأحد منهم عن نفوذ مشيئته وشمول قدرته، وهذا يشمل المؤمن والكافر والبر والفاجر، والجماد والنبات، وسائر الموجودات، قال تعالى: {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ *} [الأنعام] ، وقال تعالى: {هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ *} [يونس] ، ومعنى كونه سبحانه وتعالى مولى الكافرين: أنه المالك لهم المتصرف فيهم بما يشاء، المتولي لهم الولاية العامة.
النوع الثاني: الولاية الخاصة: الملازمة للمحبة، والتي تقتضي النصر والتأييد، والعناية واللطف، والتوفيق لعباده المؤمنين الموحدين، قال تعالى: {بَلِ اللَّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ *} [آل عمران] ، وقال تعالى: {وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاَكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ *} [الأنفال] ، وقوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لاَ مَوْلَى لَهُمْ *} [محمد: 11] ، فالمنفي هنا عن الكفار الولاية الخاصة المقتضية للنصر والتأييد والتوفيق، لا الولاية العامة المقتضية للملك والتدبير، ولا تعارض بينهما[1].
المسائل المتعلقة:
المسألة الأولى: ولاية الله تعالى:
ولاية الله تعالى صفة من الصفات الفعلية، ثابتة لله كما يليق بجلاله وعظمته، وقد جاء بيان ذلك وإثباته في القرآن الكريم والأحاديث النبوية الصحيحة[2].
والواجب الإيمان بهذه الصفة لدلالة القرآن والحديث عليها، ويجب إثباتها لله تعالى كما يليق بجلاله وكبريائه وعظمته سبحانه، من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف ولا تمثيل. قال تعالى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [البقرة: 257] ، وقال تعالى: {وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ *} [آل عمران] ، وقال تعالى: {وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ *} [الجاثية] ، والآيات في ذلك كثيرة جدًّا.
عن زيد بن أرقم قال: لا أقول لكم إلا كما كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول، كان يقول: «اللَّهُمَّ إني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والبخل والهرم وعذاب القبر، اللَّهُمَّ آت نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللَّهُمَّ إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها»[3].
قال ابن أبي العز الحنفي: «مذهب السلف وسائر الأئمة إثبات صفة الغضب، والرضا، والعداوة، والولاية، والحب، والبغض، ونحو ذلك من الصفات، التي ورد بها الكتاب والسُّنَّة، ومنع التأويل الذي يصرفها عن حقائقها اللائقة بالله تعالى، كما يقولون مثل ذلك في السمع والبصر والكلام وسائر الصفات»[4].
المسألة الثانية: المولى:
المولى اسم من أسماء الله، وهو بمعنى: الناصر والمعين، وهو المأمول منه النصر والمعونة؛ لأنه المالك، ولا مفزع للمملوك إلا مالكه[5].
وقد استدل من أثبت هذا الاسم من أهل العلم بقوله تعالى: {وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاَكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ *} [الأنفال] ، وقوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لاَ مَوْلَى لَهُمْ *} [محمد] . وعن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: لا أقول لكم إلا كما كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول، كان يقول: «اللَّهُمَّ إني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والبخل والهرم وعذاب القبر، اللَّهُمَّ آت نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللَّهُمَّ إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها»[6].
وأورد هذا الاسم معظم من اعتنى بجمع الأسماء الحسنى، ولم يسقطه سوى: الزجاج، وابن منده، والزجاجي، وابن حزم، وابن العربي، وابن الوزير، وصديق خان، والسعدي.
المسألة الثالثة: الوالي:
الوالي هو المالك للخلق، المتولي لجميع شؤونهم والراعي لمصالحهم، والمتصرف بمشيئته فيها، ينفذ فيها حكمه، ويجري فيها حكمه[7].
ولا يصح إطلاق اسم الوالي على الله عزّ وجل؛ لافتقاره إلى دليل يثبت به، وإنما استند من أثبته من أهل العلم إلى وروده في بعض طرق حديث تعيين الأسماء المشهور، والصحيح أن هذا التعيين لا يصحّ رفعه إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم وإنما هو مدرج في الحديث، كما رجح ذلك كثير من أهل العلم الخبيرين بالصناعة الحديثية، والله أعلم[8].
المسألة الرابعة: هل يجوز إطلاق: أن الله وليّ الكافرين؟.
لم يطلق في النصوص أن الله عزّ وجل وليّ الكافرين؛ لأن الله عزّ وجل وإن كان قد أنعم على الكافرين وهو المتولي لجميع شؤونهم المدبر لها إلا أنهم قابلوا ذلك بالكفر والجحود والنكران لهذه النعم، ولم يقروا بها لمسديها عليهم، في حين أن المؤمنين قابلوا نعمه بالشكر والإقرار والطاعة والتوحيد، فاستحقوا بذلك ولاية الله عزّ وجل ظاهرًا وباطنًا.
كما أنه لما كان من معاني الوليّ المحب والناصر والمعين لم يجز إطلاق أن الله وليّ الكافرين حتى لا يتبادر إلى ذهن السامع أن المراد به الولاية الخاصة التي تقتضي المحبة والنصرة والعون والتأييد والتوفيق[9].
المسألة الخامسة: حصول ولاية الله تعالى:
إن تحقيق ولاية الله عزّ وجل عند أهل السُّنَّة والجماعة من الأمور المكتسبة التي ينالها العبد متى ما حقق قام بأسبابها الموجبة لها، من الإيمان الصادق وتقوى الله عزّ وجل بطاعته فيما أمر واجتناب ما نهى عنه وزجر، كما قال تعالى: {أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ *الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ *} [يونس] .
أما عند أهل البدع وخاصة الصوفية منهم وأهل الحلول والاتحاد ووحدة الوجود بالأخص، فإن الولاية عندهم هبة من الله عزّ وجل يعطيها لمن يشاء من عباده، فنسبوها بهتانًا وزورًا إلى الفسقة والمجانين والزنادقة والملحدين بمجرد حصول بعض الخوارق والشعوذات الشيطانية على يدي هؤلاء المزعومين، والحقيقة أنها أحوال شيطانية، وليست من الكرامات الإلهية التي يجريها الله عزّ وجل على يد بعض أوليائه الذين حققوا الولاية الصحيحة بالتزام كتاب الله عزّ وجل وسُنَّة نبيّه صلّى الله عليه وسلّم، كما أن حصول هذه الكرامات والخوارق ليست شرطًا في نسبة الولاية لمن يستحقها؛ بل إنها من المكافآت التي يمنحها الله عزّ وجل لبعض من يستحق ذلك من عباده عند الحاجة.
فليس كل من تظاهر بالولاية فهو وليٌّ لله صدقًا؛ فإن أولياء الله حقًّا هم المتمسكون بما أوجبه الله عزّ وجل عليهم، المجانبون لما نهاهم عنه، أما من تظاهر بالولاية وادعاها وهو لا يؤدي الفرائض، ولا يتجنب المحرمات، ويدعي سقوط التكاليف عنه، فإنه في حقيقة الأمر وليّ للشيطان وليس وليًّا لله، قال تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ *إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ *} [الجاثية] ، وقال تعالى: {إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ *} [الأعراف] [10].
[1] انظر: دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب (89) [مكتبة ابن تيمية، ط1، 1417هـ]، وفقه الأسماء الحسنى (168، 169) [دار التوحيد، ط1، 1429].
[2] انظر: صفات الله عزّ وجل الواردة للسقاف (374) [دار الهجرة الرياض، ط3، 1426هـ].
[3] أخرجه مسلم (كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، رقم 2722).
[4] شرح العقيدة الطحاوية (685) [مؤسسة الرسالة، بيروت، ط2، 1413هـ].
[5] انظر: شأن الدعاء (101) [دار الثقافة، ط3، 1412هـ]، والمنهاج في شعب الإيمان (1/204) [دار الفكر، ط1، 1399هـ]، والأسماء والصفات للبيهقي (1/175)، والأسنى في شرح أسماء الله الحسنى (1/306).
[6] تقدم تخريجه.
[7] انظر: تفسير أسماء الله الحسنى للزجاج (61)، وشأن الدعاء (89)، الأسماء والصفات للبيهقي (1/174)، الحجة في بيان المحجة (1/161).
[8] انظر: معتقد أهل السُّنَّة والجماعة في أسماء الله الحسنى للتميمي (84 ـ 95) [أضواء السلف، ط1، 1419هـ].
[9] انظر: اشتقاق أسماء الله (114)، والأسنى في شرح أسماء الله الحسنى (1/301، 302) [دار الصحابة، ط1، 1416هـ]، ودفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب (89).
[10] انظر للتفصيل في هذا الموضوع: الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان لابن تيمية، وأولياء الله بين المفهوم الصوفي والمنهج السني السلفي لعبد الرحمن دمشقية.
الفرق بين: الولي، والوالي، والمولى:
كلُّ من الوليّ والوالي والمولى أسماء متقاربة يدور معناها حول الملك والسلطان والقدرة، وهذا بمقتضى الولاية العامة، والمحبة والنصرة والعون والتأييد والتوفيق، وهذا بمقتضى الولاية الخاصة بالمؤمنين، والفرق بينها من جهة الصيغة المستخدمة، وبيانه فيما يلي:
الوليّ أعم متعلقًا؛ إذ إنه أكثر شمولاً لمعاني الولاية بنوعيها العامة والخاصة، والوالي أكثر تعلقًا بالولاية العامة، والمولى أكثر تعلقًا بالولاية الخاصة.
1 ـ جاءت نصوص الكتاب والسُّنَّة مبينة للأسباب التي نال بها المؤمنون من عباده ولاية الله عزّ وجل، منها:
أ ـ «تحقيق الإيمان الصادق والتقوى في السر والعلن، قال تعالى: {أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ *الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ *لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ *} [يونس] .
ب ـ الاجتهاد في التقرب إلى الله عزّ وجل بطاعته، وذلك بأداء فرائض الإسلام، ثم التزود من النوافل ورغائب الدين، كما في الحديث القدسي أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن الله قال: من عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب، وما تقرّب إلي عبدي بشيء أحبّ إليّ مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينّه، ولئن استعاذني لأعيذنّه»[1][2].
2 ـ تقتضي مغفرة الذنوب إذا وقعت من عباد الله المؤمنين، ولا تقتضي العصمة منها، ويدل على ذلك ما جاء في حديث البراء بن عازب رضي الله عنه في غزوة أحد: «أن أبا سفيان قال بعد أن أصيب المسلمون: أفي القوم محمد؟ قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: لا تجيبوه ، فقال: أفي القوم ابن أبي قحافة؟ قال: لا تجيبوه ، فقال: أفي القوم ابن الخطاب؟ فقال: إن هؤلاء قتلوا، فلو كانوا أحياء لأجابوا، فلم يملك عمر نفسه، فقال: كذبت عدو الله، أبقى الله عليك ما يخزيك، قال أبو سفيان: اعل هبل، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: أجيبوه ، قالوا: ما نقول؟ قال: قولوا: الله أعلى وأجلّ ، قال أبو سفيان: لنا العزى ولا عزى لكم، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: أجيبوه ، قالوا: ما نقول؟ قال: قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم »[3].
فمع ما وقع من بعضهم من ذنوب ومخالفة لأمر النبي صلّى الله عليه وسلّم إلا أنه لم ينفِ عنهم أن يكون الله عزّ وجل مولاهم، وأنهم أولياء لله الولاية الخاصة.
كما أن في هذه الحادثة في هذه الغزوة تحذيرًا وتنبيهًا وعبرة لهم ولمن بعدهم، أنه بقدر ما يوافق المسلم كتاب ربه وسُنَّة نبيّه صلّى الله عليه وسلّم قولاً وعملاً واعتقادًا، تكون له النصرة والمعونة من الله جلّ شأنه[4].
3 ـ إذا عرف المسلم ما تقدم جاهد نفسه على ملازمة طاعة الله عزّ وجل وطاعة نبيه صلّى الله عليه وسلّم والعمل بما أمرا به، والانتهاء عما نهيا عنه، حتى تتحقق له ولاية الله عزّ وجل وما يترتب عليها.
[1] أخرجه البخاري (كتاب الرقاق، رقم 6502).
[2] انظر: فقه الأسماء الحسنى (170).
[3] أخرجه البخاري (كتاب المغازي، رقم 4043).
[4] انظر: النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى للنجدي (2/47، 48) [مكتبة الذهبي، ط2، 1417هـ].
ـ الولاية صفة من الصفات الفعلية، فهي من جملة الصفات التي أنكرتها الفلاسفة والجهمية والمعتزلة الذين ينكرون الصفات بالكلية، ومن جملة الصفات التي أنكرتها الكلابية ومن وافقهم الذين ينكرون صفات الأفعال الاختيارية.
والصحيح أنه يجب إثبات هذه الصفة لله كما يليق بجلال الله وعظمته، لدلالة القرآن الكريم والأحاديث النبوية على ذلك.
1 ـ «تفسير أسماء الله الحسنى»، للزجاج.
2 ـ «اشتقاق أسماء الله»، للزجاجي.
3 ـ «شأن الدعاء»، للخطابي.
4 ـ «الأسماء والصفات»، للبيهقي.
5 ـ «الحجة في بيان المحجة»، للأصبهاني.
6 ـ «النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى»، للحمود النجدي.
7 ـ «معتقد أهل السُّنَّة والجماعة في أسماء الله الحسنى»، للتميمي.
8 ـ «فقه أسماء الله الحسنى»، لعبد الرزاق البدر.
9 ـ «أسماء الله الحسنى: جلالها ولطائف اقترانها وثمراتها في ضوء الكتاب والسُّنَّة»، لماهر مقدم.
10 ـ «صفات الله عزّ وجل الواردة في الكتاب والسُّنَّة»، لعلوي بن عبد القادر السقاف.
11 ـ «الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى»، للقرطبي.