حرف الواو / الوهاب

           

قال ابن فارس: «الواو والهاء والباء: كلماتٌ لا ينقاس بعضُها على بعض. تقول: وهَبْتُ الشَّيءَ أهَبُهُ هِبَةً ومَوْهِبًا. واتَّهَبْتُ الهبة: قَبِلتُها. والمَوْهِبَة: قَلْتٌ يَسْتنقِعُ فيه الماء؛ والجمع مَواهب. ويقال: أوْهَبَ إليَّ من المال كذا؛ أي: ارتفع. وأصبح فلانٌ مُوهَبًا لكذا؛ أي: مُعَدًّا له»[1]. والوهاب مبالغة من الهبة، مأخوذ من الأصل الثلاثي (و ـهـ ب) الدال على إعطاء الشيء بلا عوض، يقال: وهب يهب وهبًا وهبة وموهبة فهو واهب ووهّاب وموهوب، والهبة: أن تجعل ملكك لغيرك بغير عوض، ورجل وهّاب ووهّابة: كثير الهبة لأمواله[2].


[1] مقاييس اللغة (6/146) [دار الجيل، ط2].
[2] انظر: تهذيب اللغة (6/463، 464) [الدار المصرية، ط1، 1387هـ]، والصحاح (1/235) [دار العلم للملايين، ط4]، ومفردات ألفاظ القرآن (884، 885) [دار القلم، ط2، 1418]، والقاموس المحيط (182، 183) [مؤسسة الرسالة، ط5]، والمعجم الوسيط (2/1059) [دار الدعوة، ط2، 1972م].


الوهاب : الذي شمل الكائنات بأسرها ببره وهباته وكرمه، فهو مولى الجميل، ودائم الإحسان، وواسع المواهب، يجود بالنوال قبل السؤال، المتفضل بالعطايا التي عمّ بها جميع الوجود بحسب ما تقتضيه حكمته، من غير أن يتوقع عوضًا[1].
وجاءت صيغة هذا الاسم على وزن (فَعّال) من صيغ المبالغة؛ لكثرة مواهب الله عزّ وجل وعطاياه وترددها، وتنوعها، وسعتها[2].


[1] انظر: تفسير الطبري (21/201) [الرسالة، ط1، 1420هـ]، واشتقاق أسماء الله (126) [مؤسسة الرسالة، ط2، 1406هـ]، وشأن الدعاء (53) [دار الثقافة، ط3، 1412هـ]، والمنهاج في شعب الإيمان (1/206) [دار الفكر، ط1]، والأسماء والصفات للبيهقي (1/191) [مكتبة السوادي، ط1، 1413هـ]، وتفسير أسماء الله الحسنى للسعدي (173) [مجلة الجامعة الإسلامية، عدد 112، 1423هـ]، وفقه الأسماء الحسنى (119) [دار التوحيد، ط1].
[2] انظر: اشتقاق أسماء الله (126)، وفقه الأسماء الحسنى (119).


يجب إثبات اسم الوهاب، وما دل عليه من الصفة: (الوهب) لله تعالى، على الوجه اللائق بالله تعالى، كما دلت عليه نصوص الكتاب والسُّنَّة[1].


[1] انظر: شأن الدعاء للخطابي (53) [دار الثقافة العربية، ط3، 1412هـ]، وشرح القصيدة النونية لأحمد بن إبراهيم (2/234) [المكتب الإسلامي، ط3، 1406هـ].


أن الله عزّ وجل هو الوهاب كثير العطايا، يهب ما لا يمكن أن يهبه سواه، فهو واهب الحياة وواهب كل نعمة ابتداءً من رزق وولد ومال وهداية بلا ثمن ولا مقابل، وفوق ذلك يهب الجنة لمن أطاعه وليست الجنة ثمنًا مقابلاً للطاعة، وهذا العطاء منه سبحانه هو حقيقة ومقتضى اسمه الوهاب واتصافه عزّ وجل بذلك.



ورد اسم الوهاب في مواضع عدة من القرآن الكريم، منها قوله تعالى: {أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ *} [ص] ، وقوله تعالى: {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ *} [آل عمران] .



قال الزجاج: «الوهّاب هو (فعّال) من قولك: وهبت أهب هبة، والهبة تمليك الشيء بلا مثل، والمثل في الشرع على وجهين قيمة وثمن، والله تعالى وهَّاب الهبات كلها»[1].
وقال أبو سليمان الخطابي: «الوهاب: هو الذي يجود بالعطاء عن ظهر يد من غير استثابة، ومعنى الهبة: التمليك بغير عوض يأخذه الواهب من الموهوب له، فكل من وهب شيئًا من عرض الدنيا لصاحبه، فهو واهب، ولا يستحق أن يسمى وهابًا إلا من تصرفت مواهبه في أنواع العطايا فكثرت نوافله ودامت.
والمخلوقون إنما يملكون أن يهبوا مالاً، أو نوالاً في حال دون حال، ولا يملكون أن يهبوا شفاء لسقيم، ولا ولدًا لعقيم، ولا هدى لضلال، ولا عافية لذي بلاء، والله الوهاب سبحانه يملك جميع ذلك، وسع الخلق جوده، ورحمته، فدامت مواهبه واتصلت مننه وعوائده»[2].
وقال ابن القيم رحمه الله:
«وكذلك الوهاب من أسمائه
فانظر مواهبه مدى الأزمان
أهل السماوات العلى والأرض عن
تلك المواهب ليس ينفكان»[3]
وأورد هذا الاسم جميع من اعتنى بجمع الأسماء الحسنى وشرحها من أهل العلم.


[1] تفسير أسماء الله الحسنى (38) [دار المأمون للتراث، ط5، 1406هـ].
[2] شأن الدعاء للخطابي (53) [دار الثقافة العربية، ط3، 1412هـ].
[3] شرح القصيدة النونية لأحمد بن إبراهيم (2/234).


1 ـ الإيمان باسم الله الوهاب يغرس في النفوس محبة الله العظيم، ويدفعها إلى القيام بحمده وشكره، ويقوي رجاءها وتعلقها بربها الكريم، الذي غمر خلقه بهبات عظيمة، وعطايا جسيمة، ومنن جليلة ليست محصورة بعدد، ولا مقصورة على مُدَد، بل يده سحاء الليل والنهار لا تغيضها نفقة.
2 ـ على العبد أن يحمد الله عزّ وجل على جميع مواهبه وعطاياه، وإن كان الحمد نفسه هبة ونعمة منه تستوجب الحمد، ولذا قال الإمام الشافعي رحمه الله: «الحمد لله الذي لا يؤدى شكر نعمة من نعمه إلا بنعمة منه توجب مؤدي ماضي نعمه بأدائها نعمة حادثة يجب عليه شكره بها»[1].
فالعبد دائر في حياته كلها بين الحمد والشكر، فالحمد لله كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، حمدًا لا ينقطع ولا يبيد ولا يفنى عدد ما حمده الحامدون، له الحمد والشكر، وله المنة والفضل، بيده الأمر كله، ولا إله غيره، العزيز الوهاب[2].
3 ـ كما أن العبد مندوب إلى أن يتصف بهذا الوصف، وهو مندرج تحت قوله تعالى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ *} [الحج] ، فكل ما يؤدي العبد من واجب ليس هبة، وكل ما أولى من معروف لم يجب عليه يبتغي به وجه الله تعالى فهو هبة مندوب إليها[3].


[1] الرسالة (7، 8) [دار الكتب العلمية، ط1، 1992م].
[2] انظر: فقه الأسماء الحسنى (121).
[3] انظر: الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى (1/399).


1 ـ «الأسماء والصفات» (ج1)، للبيهقي.
2 ـ «الحجة في بيان المحجة» (ج1)، للأصبهاني.
3 ـ «الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى»، للقرطبي.
4 ـ «تفسير أسماء الله الحسنى»، للسعدي.
5 ـ «فقه الأسماء الحسنى»، لعبد الرزاق البدر.
6 ـ «معتقد أهل السُّنَّة والجماعة في أسماء الله الحسنى»، للتميمي.
7 ـ «النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى»، للحمود النجدي.
8 ـ «شأن الدعاء»، للخطابي.
9 ـ «تفسير أسماء الله الحسنى»، للزجاج.
10 ـ «أسماء الله الحسنى: جلالها ولطائف اقترانها وثمراتها»، لماهر مقدم.