حرف الياء / اليقين

           

قال ابن فارس رحمه الله: «الياء والقاف والنون اليَقن، واليقين: زوال الشك؛ يقال: يَقِنت، واستيقنت، وأيقنت»[1].
اليقين: هو العلم، وإزاحة الشّكّ، وتحقيق الأمر، يقال من ذلك: أيقن يوقن إيقانًا فهو موقن، ويقن ييقن يقنًا فهو يقن، واستيقنَه: علمه وتحققه، واليقين: نقيض الشّكّ[2].


[1] مقاييس اللغة (6/157) [دار الجيل، بيروت، 1420هـ].
[2] انظر: تهذيب اللغة (9/245) [دار إحياء التراث العربي، ط1، 2001م]، ولسان العرب (13/457)، وترتيب القاموس المحيط (4/680) [دار عالم الكتب، ط1، 1422هـ].


اليقين : هو العلم التام، الواصل إلى القلب، الذي ليس فيه أدنى شك، الموجب للعمل والداعي إليه[1].
قال ابن تيمية رحمه الله: «اليقين: استقرار الإيمان في القلب علمًا وعملاً»[2].


[1] تفسير السعدي (30، 704) [دار السلام، ط2، 1422هـ].
[2] جامع المسائل لابن تيمية (3/260) [دار عالم الفوائد، ط4، 1417هـ].


اليقين بالله فرض لازم على كل مؤمن في كل ما يشترط له، كمسائل التوحيد، والإيمان باليوم والآخر، ونحوه، لا يتحقق الإيمان إلا به، وهو رأس العبادات القلبية، وهو قلب الإيمان ولبّه، وهو أعلى درجات الإيمان[1].
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «اليقين: الإيمان كله»[2].


[1] الفوائد (1/86).
[2] أخرجه البخاري معلقًا بصيغة الجزم (كتاب الإيمان، 1/10) [دار طوق النجاة، ط1]، ووصله الحافظ في التغليق (2/21، 22) [المكتب الإسلامي ودار عمار، ط1] من طرق عدة، وصحح إسناده.


حقيقة اليقين: هو الإيمان بالله تعالى، وبأسمائه وصفاته، وبأمره ونهيه، وباليوم والآخر، واستقرار ذلك في القلب، والعمل بموجب ذلك.
قال ابن القيم رحمه الله: «اليقين هو الوقوف على ما قام بالحق من أسمائه وصفاته، ونعوت كماله، وتوحيده. وهذه الثلاثة أشرف علوم الخلائق: علم الأمر والنهي، وعلم الأسماء والصفات والتوحيد، وعلم المعاد واليوم الآخر»[1].


[1] مدارج السالكين (2/379) [دار الكتاب العربي، بيروت، ط5، 1419هـ]. وانظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (3/313، 314)، وبيان تلبيس الجهمية (8/454، 455) [مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، ط 1426هـ]، والقول المفيد على كتاب التوحيد، لابن عثيمين (2/78) [دار ابن الجوزي، ط3، 1419هـ].


اليقين من الإيمان بمنزلة الرّوح من الجسد، وبه تفاضل العارفون، وفيه تنافس المتنافسون، وإليه شمّر العاملون، وعمل القوم إنّما كان عليه، وإشاراتهم كلّها إليه، وإذا تزوّج الصّبر باليقين؛ ولد بينهما حصول الإمامة في الدّين. قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ *} [السجدة] ، وخصّ سبحانه وتعالى أهل اليقين بالانتفاع بالآيات والبراهين، فقال: {وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ *} [الذاريات] ، وخصّ أهل اليقين بالهدى والفلاح بين العالمين، فقال سبحانه: {...وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَى هُدَىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ *} [البقرة] . فاليقين روح أعمال القلوب الّتي هي أرواح أعمال الجوارح وهو حقيقة الصّدّيقيّة، وقطب هذا الشّيء الّذي عليه مداره[1]، واليقين هو أعلى درجات الإيمان[2].


[1] مدارج السالكين (2/375) [دار الكتاب العربي، بيروت، ط5، 1419هـ].
[2] القول المفيد (2/78).


قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ *} [البقرة] ، وقال تعالى: {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ *} [النمل] ، وقال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ *} [السجدة] .
ومن السُّنَّة ما رواه أبو بكر رضي الله عنه، قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «سلوا الله العفو والعافية، واليقين في الآخرة والأولى»[1].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنّا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقام بلال ينادي، فلمّا سكت؛ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من قال مثل هذا يقينًا دخل الجنّة»[2].
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «إن الله تبارك وتعالى بقسطه وحلمه جعل الروح والفرح في اليقين والرضا، وجعل الهم والحزن في الشك والسخط»[3].


[1] أخرجه الترمذي (أبواب الدعوات، رقم 3558) وحسَّنه، وأحمد (1/185) [مؤسسة الرسالة، ط1، 1421هـ] واللفظ له، والحاكم (كتاب الدعاء، رقم 1938) وصححه.
[2] أخرجه النسائي (كتاب الأذان، رقم 674)، والحاكم (كتاب الصلاة، رقم 735) وصححه، وحسنه الألباني في تحقيق المشكاة (رقم 676) [المكتب الإسلامي، بيروت، ط3، 1985م].
[3] أخرجه ابن المبارك في الزهد (503) [دار الكتب العلمية]، وابن أبي الدنيا في الرضا عن الله (111) [الدار السلفية، بومباي، ط1، 1410هـ] واللفظ له.


قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «اليقين: يتضمن اليقين في القيام بأمر الله، وما وعد الله أهل طاعته، ويتضمن اليقين بقدر الله وخلقه وتدبيره، فإذا أرضيتهم ـ يعني: الناس ـ بسخط الله لم تكن موقنًا لا بوعده ولا برزقه؛ فإنه إنما يحمل الإنسان على ذلك: إما ميل إلى ما في أيديهم من الدنيا: فيترك القيام فيهم بأمر الله؛ لما يرجوه منهم، وإما لضعف تصديق بما وعد الله أهل طاعته من النصر والتأييد والثواب في الدنيا والآخرة»[1].
وقال ابن القيم رحمه الله: «فاليقين: روح أعمال القلوب، التي هي أرواح أعمال الجوارح، وهو حقيقة الصديقية، وهو قطب هذا الشأن الذي عليه مداره، ومتى وصل اليقين إلى القلب امتلأ نورًا وإشراقًا، وانتفى عنه كل ريب وشك وسخط، وهم وغم، فامتلأ محبة لله، وخوفًا منه، ورضًا به، وشكرًا له، وتوكلاً عليه، وإنابة إليه، فهو مادة جميع المقامات، والحامل لها»[2].
وقال السعدي رحمه الله عند تفسيره لقوله تعالى: {وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ *} [النمل] : «أي: بلغ معهم الإيمان إلى أن وصل إلى درجة اليقين، وهو العلم التام الواصل إلى القلب، الداعي إلى العمل، ويقينهم بالآخرة يقتضي كمال سعيهم لها، وحذرهم من أسباب العذاب، وموجبات العقاب، وهذا أصل كل خير»[3].
وقال ابن عثيمين رحمه الله: «واليقين أعلى درجات الإيمان، وقد يراد به العلم، كما تقول: تيقنت هذا الشيء؛ أي: علمته يقينًا لا يعتريه شك»[4].


[1] مجموع الفتاوى (1/51).
[2] مدارج السالكين (2/375).
[3] تفسير السعدي (704).
[4] القول المفيد (2/78).


مراتب اليقين ثلاث، منصوص عليها في القرآن الكريم: علم اليقين، وعين اليقين، وحق اليقين.
فعلم اليقين : ما علمه بالسماع، والخبر، والقياس؛ مثل من علم بالإيمان، أو أخبره به من يصدقه، أو وجد من آثار أحوال أهل الإيمان ما يدله عليه.
وعين اليقين : هو ما شاهده وعاينه بالبصر؛ مثل من يعاين أحوال أهل الإيمان واليقين والصدق، ما يعرف به مواجيدهم، وأذواقهم، وإن كان هذا في الحقيقة لم يشاهد ما ذاقوه ووجدوه، ولكن شاهد ما يدل عليه، لكن هو أبلغ من المخبر، والمستدل بآثارهم.
وحق اليقين : ما باشره، ووجده، وذاقه، وعرفه بالاعتبار، فيحصل له من الذوق والوجد في نفسه ما كان سمعه[1].


[1] انظر: مجموع الفتاوى (10/645) [مجمع الملك فهد لطباعة المصحف، ط2]، ومدارج السالكين (2/377).


المسألة الأولى: اشتراط اليقين في الاعتقاد:
ما أوجب الله فيه العلم واليقين وجب فيه ما أوجبه الله من ذلك؛ كقوله تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ *} [المائدة] ، وقوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ} [محمد: 19] ، وكذلك يجب الإيمان بما أوجب الله الإيمان به، كاليقين بالوحدانية، والإيمان باليوم الآخر، وأمثالها، لكن مما لا يجب فيه اليقين أمران:
أحدهما: كتفاصيل الثواب والعقاب، ومعاني بعض الأسماء والصفات، ونحوها.
الثاني: ما وقع فيه النزاع من المسائل الدقيقة قد لا يقدر فيه على دليل يفيد اليقين، وليس على المؤمن أن يترك ما يقدر عليه من اعتقاد قوى غالب ظنه، لعجزه عن تمام اليقين، بل ذلك هو الذي يقدر عليه، لا سيما إذا كان مطابقًا للحق[1].
فلا يشترط إذًا اليقين في جميع مسائل الاعتقاد؛ لأن من مسائل العقيدة ما اختلف فيه العلماء، وما كان مختلفًا فيه بين أهل العلم فليس يقينًا؛ لأن اليقين لا يمكن نفيه أبدًا، فمثلاً اختلف العلماء رحمهم الله في عذاب القبر: هل هو واقع على البدن، أو على الروح؟ واختلف العلماء رحمهم الله أيضًا في الذي يوزن؛ أهي الأعمال، أم صحائف الأعمال، أم صاحب العمل؟ فالحاصل: أن مسائل العقيدة ليست كلها مما لا بدَّ فيه من اليقين؛ لأن اليقين أو الظن حسب تجاذب الأدلة، وتجاذب الأدلة حسب فهم الإنسان وعلمه[2].
المسألة الثانية: معنى قوله تعالى: {لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة: 260] .
معنى الآية: ليزداد يقيني، أو ليزداد إيماني، روى ذلك ابن جرير الطبري رحمه الله عن جماعة من أئمة السلف: منهم سعيد بن جبير، وقتادة بن دعامة، والضحاك بن مخلد، والربيع بن أنس، وإبراهيم النخعي، وغيرهم[3].
قال ابن بطة رحمه الله: «يريد لأزداد إيمانًا إلى إيماني، بذلك جاء التفسير»[4].
وقد احتج بها أبو عبد الله البخاري في صحيحه على زيادة الإيمان ونقصانه[5].
قال محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: «وأما قوله: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} الآية...، فمن أعظم الأدلة على تفاوت الإيمان ومراتبه حتى الأنبياء، فهذا طلب الطمأنينة مع كونه مؤمنًا، فإذا كان محتاجًا إلى الأدلة التي توجب له الطمأنينة فكيف بغيره»[6].
المسألة الثالثة: معنى قوله تعالى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ *} [الحجر] .
معنى اليقين: ما يوقن به من الموت، وما بعده باتفاق أئمة السلف[7]؛ ويدل عليه قوله تعالى: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ *قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ *وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ *وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ *وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ *حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ *} [المدثر] .
قال ابن جرير رحمه الله: «يقول تعالى ذكره لنبيه صلّى الله عليه وسلّم: واعبد ربك حتى يأتيك الموت، الذي هو موقنٌ به، ونحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل»[8].
فذكر هذا القول الذي عليه أهل التأويل، ولم يذكر قولاً غيره.
ويدلُّ على ذلك حديث أم العلاء رضي الله عنها أنها قالت: اقتسم المهاجرون قرعة، فطار لنا عثمان بن مظعون فأنزلناه في أبياتنا، فوجع وجعه الذي توفي فيه، فلما توفي وغُسِّل وكُفِّن في أثوابه دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقلت: رحمةُ الله عليك أبا السائب فشهادتي عليك لقد أكرمك الله. فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «وما يدريك أن الله أكرمه» . فقلت: بأبي أنت يا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فمن يكرمه الله؟ فقال: «أما هو فقد جاءه اليقين والله إني لأرجو له الخير، والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي» . قالت: فوالله لا أزكي أحدًا بعده أبدًا[9].
وقد حكى غير واحد من أهل العلم الإجماع على المعنى المذكور؛ منهم ابن القيم حيث قال: «وهو الموت بإجماع أهل العلم كلهم»[10].
وقد خالف القرامطة والباطنية ومن وافقهم من جهال المتصوفة في معنى اليقين، وفسَّروه بسقوط التكاليف والواجبات الشرعية، على من يعتقدونهم من الأولياء الواصلين.
ومن المعلوم أنَّ هذا خلاف دين الإسلام؛ وأنه قد عُلِمَ بالاضطرار من دين الإسلام أن الصلوات الخمس لا تسقط عن أحد من الأولياء، ولا عن شيءٍ من واجباتها إلا لعذر شرعيٍّ، مثل سقوط الطهارة للعجز عن استعمالها لعدمٍ أو خوفِ ضررٍ وسقوطها بالجنون وسقوط فعلها بالإغماء وفي وجوب القضاء نزاع مشهور، ونحو ذلك مما هو معروف في مواضعه[11].


[1] انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (3/313، 314)، وبيان تلبيس الجهمية (8/454، 455).
[2] شرح العقيدة السفارينية لابن عثيمين (307) [دار الوطن للنشر، ط1، 1426هـ].
[3] انظر: تفسير الطبري (4/260) [دار هجر، ط1، 1422هـ].
[4] الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية (2/833) [دار الراية، ط1، 1409هـ].
[5] صحيح البخاري (60).
[6] مجموع مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب (73) [جامعة الإمام محمد بن سعود].
[7] انظر: الرد على الشاذلي في حزبيه لابن تيمية (51) [دار هجر، ط1، 1422هـ].
[8] تفسر الطبري (14/154).
[9] أخرجه البخاري (كتاب الجنائز، رقم 1243).
[10] بدائع التفسير (2/108) [دار ابن الجوزي، ط1، 1427هـ]. وانظر: الإجماع في التفسير لمحمد الخضيري (334) [دار الوطن].
[11] الرد على الشاذلي (50) [دار عالم الفوائد، ط1، 1429هـ].


يثمر المقامات العلية، كمحبة الله تعالى، والتوكل عليه، والشكر له، والرضا به، والخوف منه، والإنابة إليه، فهو مادة جميع المقامات والحامل بها.
ومن ثمرات اليقين: أنه يورث الطمأنينة والسكينة، وثباتًا في العقيدة، ورسوخًا في الإيمان، فينفي الشك، ويزيل الهم والغم[1].
ومن ثمراته أنه هو والصبر ينال العبد المؤمن بهما الإمامة في الدين؛ كما قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ *} [السجدة] .


[1] مدارج السالكين (2/375) [دار الكتاب العربي، بيروت، ط5، 1419هـ].


أهل الكلام من المعتزلة، والأشاعرة وغيرهم يقولون: إن مسائل العقيدة، أو المسائل الخبرية، وهي ما يسمونها بأصول الدين يجب فيها اليقين القطعي، ولا يجوز عندهم الاستدلال عليها إلا بالأدلة التي يزعمون أنها تفيد القطع كالعقل، وقد يوجبون القطع فيها على كل أحد[1].
وهذا الذي قالوه باطل مخالف للكتاب والسُّنَّة وإجماع سلف الأمة؛ بيانه من وجهين[2]:
أحدهما: أن الأدلة والتي يزعمونها هي كثيرًا ما تكون من الأغلوطات، فضلاً عن أن تكون من الظنيات، فضلاً عن أن تكون من القطعيات.
الثاني: يجب اليقين فيما أمرنا فيه باليقين: كاليقين بالوحدانية، والإيمان بالرسول، والإيمان باليوم الآخر، ونحو ذلك مما أمرنا فيه باليقين مما يمكن إثباته بأدلة يقينية، وأما ما لا يجب علينا فيه اليقين؛ كتفاصيل الثواب والعقاب، ومعاني بعض الأسماء والصفات، أو مما تنازع فيه العلماء من دقائق المسائل، فهذه إذا اعتقدها الإنسان اعتقادًا قوّى غالب ظنه، بحسب طاقته وقدرته فهو اعتقاد ينفع صاحبه، ويسقط به عنه الفرض، إذا لم يقدر على أكثر من ذلك.


[1] انظر: شرح الفقه الأكبر للماتريدي (15) [طبع على نفقة الشؤون الدينية، قطر]، وشرح عقيدة أهل التوحيد الكبرى للسنوسي (11). وانظر: مجموع الفتاوى (3/313)، وبيان تلبيس الجهمية (8/454).
[2] انظر: مجموع الفتاوى (3/313، 314)، وبيان تلبيس الجهمية (8/454، 455).


1 ـ «تيسير العزيز الحميد»، لسليمان بن عبد الله.
2 ـ «الرضا عن الله بقضائه»، لابن أبي الدنيا.
3 ـ «الزهد الكبير»، لأبي بكر البيهقي.
4 ـ «الزهد»، لابن أبي الدنيا.
5 ـ «الصبر والثواب عليه»، لابن أبي الدنيا.
6 ـ «الفوائد»، لابن القيم.
7 ـ «فتح المجيد»، لعبد الرحمن بن حسن.
8 ـ «القول المفيد على كتاب التوحيد»، لابن عثيمين.
9 ـ «مدارج السالكين»، لابن القيم.
10 ـ «نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم»، لمجموعة من الباحثين.
11 ـ «اليقين»، لمحمد العلي.