حرف الياء / يوشع بن نون عليه السلام

           

هو يوشع بن نون عليه السلام، كذا جاء اسمه في الصحيحين من حديث أبي بن كعب الآتي ذكره. وزاد بعض المؤرخين أن نونًا هو ابن أفرائيم بن يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام[1].
وجاءت الإشارة إلى يوشع في القرآن الكريم بقوله عزّ وجل: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لاَ أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا *} [الكهف] .
وعن أبيّ بن كعب رضي الله عنه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «قام موسى خطيبًا في بني إسرائيل فقيل له: أي الناس أعلم؟ قال: أنا، فعتب الله عليه؛ إذ لم يرد العلم إليه، وأوحى إليه: بلى؛ عبد من عبادي بمجمع البحرين هو أعلم منك، قال: أي رب كيف السبيل إليه؟ قال: تأخذ حوتًا في مكتل، فحيثما فقدت الحوت فاتبعه، قال: فخرج موسى ومعه فتاه يوشع بن نون، ومعهما الحوت، حتى انتهيا إلى الصخرة، فنزلا عندها، قال: فوضع موسى رأسه فنام، قال سفيان وفي حديث غير عمرو قال: وفي أصل الصخرة عين يقال لها الحياة، لا يصيب من مائها شيء إلا حيي، فأصاب الحوت من ماء تلك العين، قال: فتحرك وانسل من المكتل فدخل البحر، فلما استيقظ موسى {...قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا *} [الكهف] الآية، قال: ولم يجد النصب حتى جاوز ما أمر به، قال له فتاه يوشع بن نون: {أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ} [الكهف: 63] الآية، قال: فرجعا يقصان في آثارهما فوجدا في البحر...»[2].


[1] انظر: المعارف لابن قتيبة (44) [الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط2، 1992م]، والمنتظم في التاريخ (1/377)، والكامل في التاريخ (1/174) [دار الكتاب العربي، بيروت، ط1، 1417هـ]، والبداية والنهاية (2/227) [دار هجر، ط1، 1418هـ].
[2] أخرجه البخاري (كتاب التفسير، رقم 4727)، ومسلم (كتاب الفضائل، رقم 2380).


يوشع هو بالعبرية يشوع ولما عرِّب قدمت الواو على الشين فصار يوشع. وأصله بالعبرية: يهوشع ويهوشوع، ومعناه: الله هو الخلاص[1].


[1] انظر: المعرّب للجواليقي (644) [دار القلم، ط1، 1410هـ]، والإعلام بأصول الأعلام الواردة في قصص الأنبياء للدكتور ف عبد الرحيم (203، 204) [دار القلم، ط1، 1413هـ].


دلَّت على نبوة يوشع بن نون عليه السلام السُّنَّة الصحيحة، إذ هو المقصود بما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «غزا نبي من الأنبياء فقال لقومه: لا يتبعني رجل ملك بضع...»[1] . وسيأتي تحت دلائل نبوته التصريح بأن النبي الذي حبست له الشمس هو يوشع بن نون عليه السلام، وأن تلك القرية المشار إليها هي بيت المقدس، وأما القول بأنها أريحا فلم تثبت الرواية في ذلك[2].
وقد بعث الله يوشع بن نون بعد نبي الله موسى عليه السلام[3].
قال ابن جرير: «إن الله عزّ وجل لما انقضت الأربعون سنة بعث يوشع بن نون نبيًّا فأخبرهم أنه نبي، وأن الله قد أمره أن يقاتل الجبارين، فبايعوه وصدقوه فهزم الجبارين واقتحموا عليهم فقتلوهم»[4].


[1] أخرجه البخاري (كتاب فرض الخمس، رقم 3124)، ومسلم (كتاب الجهاد والسير، رقم 1747).
[2] وانظر: المنتظم في التاريخ (1/377)، وسلسلة الأحاديث الصحيحة (1/396، 397) [مكتبة المعارف، ط1، 1415هـ].
[3] انظر: الأخبار الطوال لأحمد الدينوري (12) [دار إحياء الكتب العربي، ط1]، وتاريخ الطبري (1/257) [دار الكتب العلمية، ط1]، والكامل في التاريخ (1/173) والبداية والنهاية (2/199).
[4] تاريخ الطبري (1/258).


أعطى الله نبيه يوشع بن نون عليه السلام معجزة عظيمة لم ينلها أحد من الخلق سواه، وهي حبس الشمس له، وذلك حين توجه بالمؤمنين إلى فتح بيت المقدس، وكاد يدركه الليل قبل أن يدخلها، فسأل ربه أن يحبسها فحبست، كما جاء من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن الشمس لم تحبس على بشر إلا ليوشع، ليالي سار إلى بيت المقدس» [1]، قال ابن كثير: «فيه أن هذا كان من خصائص يوشع عليه السلام»[2].


[1] أخرجه أحمد في مسنده (2/325) [مؤسسة قرطبة بمصر (مصورة عن المطبعة الميمنية)]، وصحَّح إسنادَه: ابنُ كثير في البداية والنِّهاية (1/376، و6/313) [دار إحياء التراث العربي، ط2]، وابنُ حجر في فتح الباري (6/221) [دار المعرفة، 1379هـ]، وجوَّد إسنادَه الألبانيُّ في السلسلة الصحيحة (رقم 202).
[2] البداية والنهاية (2/236).


ذكر ابن الجوزي أن يوشع بن نون عليه السلام كان يدعو الناس إلى توراة موسى عليه السلام، ويقيم أحكامها عليهم[1].


[1] انظر: المنتظم في التاريخ (1/377).


قيل: إنه توفي عن عشر ومئة سنة، وقيل: عن عشرين ومئة، وقيل: عن سبع وعشرين ومئة سنة، بعد وفاة موسى عليه السلام بسبع وعشرين سنة[1].


[1] انظر: تاريخ الطبري (1/261)، والمنتظم (1/379).


المسألة الأولى: ما قيل من تحوُّل النبوة من موسى إلى يوشع بن نون:
ذكر بعض العلماء أن نبي الله موسى في آخر عمره حولت النبوة منه إلى يوشع بن نون، ولم تبق عنده حتى الممات، وكان يسأل يوشع عما أحدث الله إليه من الأوامر والنواهي، حتى قال له: يا كليم الله، إني كنت لا أسألك عما يوحي الله إليك، حتى تخبرني أنت ابتداء من تلقاء نفسك. فعند ذلك كره موسى الحياة، وأحب الموت[1].
وهذا القول باطل؛ لخلوِّه عن الحجة والبرهان، ولمناقضته ما ثبت في الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: «أرسل ملك الموت إلى موسى عليه السلام، فلما جاءه صكه ففقأ عينه فرجع إلى ربه، فقال: أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت، قال: فردَّ الله إليه عينه، وقال: ارجع إليه فقل له يضع يده على متن ثور فله بما غطت يده بكل شعرة سنة، قال أي رب ثم مه؟ قال: ثم الموت، قال فالآن، فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: فلو كنت ثم لأريتكم قبره إلى جانب الطريق تحت الكثيب الأحمر »[2]. فهذا يدل على استمرار نبوة موسى عليه السلام حتى الممات. قال ابن كثير في رد هذا الادعاء: «لم يزل الأمر والوحي والتشريع والكلام من الله إليه في جميع أحواله، حتى توفاه الله عزّ وجل، ولم يزل معزَّزًا مكرّمًا مدلّلاً وجيهًا عند الله، كما قدمنا في الصحيح من قصة فقئه عين ملك الموت، ثم بعثه الله إليه إن كان يريد الحياة فليضع يده على جلد ثور، فله بكل شعرة وارت يده سنة يعيشها، قال: ثم ماذا؟ قال: الموت. قال: فالآن يا رب. وسأل الله أن يدنيه إلى بيت المقدس رمية بحجر، وقد أجيب إلى ذلك صلوات الله وسلامه عليه»[3].
المسألة الثانية: فتح بيت المقدس على يدي يوشع بن نون عليه السلام:
لقد ذكر جمهور أهل العلم أن هارون عليه السلام توفي في التيه، وبعده بنحو سنتين توفي نبي الله موسى عليه السلام، ثم بعث الله نبيه يوشع بن نون عليه السلام، وخرج بالقوم من التيه وقصد بهم بيت المقدس[4]. وقد تقدم في حديث أبي هريرة أن نبي الله يوشع بن نون عليه السلام منع أن يكون في جيشه من هو معلق قلبه بأمر يوهن عزمه على الجهاد في سبيل الله، ويشعّب عليه أفكاره، ويعوق تفانيه في قتال أعداء الله ورسوله، حيث قال لهم كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «لا يتبعني رجل ملك بضع امرأة وهو يريد أن يبني بها ولما يبن بها، ولا أحد بنى بيوتًا ولم يرفع سقوفها، ولا أحد اشترى غنمًا أو خلفات وهو ينتظر ولادها، فغزا فدنا من القرية صلاة العصر أو قريبًا من ذلك، فقال للشمس: إنك مأمورة وأنا مأمور، اللَّهُمَّ احبسها علينا فحبست، حتى فتح الله عليه، فجمع الغنائم، فجاءت ـ يعني: النار ـ لتأكلها، فلم تطعمها، فقال: إن فيكم غلولاً فليبايعني من كل قبيلة رجل، فلزقت يد رجل بيده، فقال: فيكم الغلول، فليبايعني قبيلتك، فلزقت يد رجلين أو ثلاثة بيده، فقال: فيكم الغلول فجاؤوا برأس مثل رأس بقرة من الذهب، فوضعوها، فجاءت النار فأكلتها، ثم أحل الله لنا الغنائم، رأى ضعفنا وعجزنا فأحلها لنا»[5]. وقد أمر الله تعالى أتباع يوشع بن نون عليه السلام أن يدخلوا المدينة التي فتحوها بفضل من الله سجّدًا قائلين: حطة؛ أي: حط عنا ذنوبنا التي سلفت، فلم يمتثلوا أمر الله، بل عاندوا وبدلوا كلام الله وحرَّفوه عن مواضعه[6]، كما قال الله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ *فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ *} [البقرة] ، وثبت من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قيل لبني إسرائيل: ادخلوا الباب سجّدًا وقولوا: حطة، فبدلوا فدخلوا يزحفون على أستاههم، وقالوا: حبة في شعرة»[7].


[1] انظر: تاريخ الطبري (1/255)، والبدء والتاريخ للمقدسي (3/96) [مكتبة الثقافة الدينية]، والكامل في التاريخ (1/172)، والبداية والنهاية (2/228).
[2] أخرجه البخاري (كتاب الجنائز، رقم 1339)، ومسلم (كتاب الفضائل، رقم 2372).
[3] انظر: البداية والنهاية لابن كثير (2/228).
[4] انظر: الكامل في التاريخ (1/174)، وصحيح قصص الأنبياء للهلالي (279) [دار غراس، ط1].
[5] تقدم تخريجه.
[6] انظر: صحيح قصص الأنبياء للهلالي (381).
[7] أخرجه البخاري (كتاب أحاديث الأنبياء، رقم 3403)، ومسلم (كتاب التفسير، رقم 3015).


1 ـ «المعارف»، لابن قتيبة.
2 ـ «الأخبار الطوال»، لأحمد الدينوري.
3 ـ «تاريخ الطبري» (ج1).
4 ـ «البدء والتاريخ» (ج3)، لابن طاهر المقدسي.
5 ـ «المنتظم في تاريخ الملوك والأمم» (ج1)، لابن الجوزي.
6 ـ «الكامل في التاريخ» (ج1)، لابن الأثير.
7 ـ «البداية والنهاية» (ج2)، لابن كثير.
8 ـ «صحيح (قصص الأنبياء لابن كثير)» لسليم الهلالي.
9 ـ «سلسلة الأحاديث الصحيحة» (ج1)، للألباني.
10 ـ «الأحاديث الصحيحة من أخبار وقصص الأنبياء عليهم السلام»، لإبراهيم العلي.