يوم : قال ابن فارس: «الياء والواو والميم كلمة واحد، وهي اليوم واحد الأيام، ثم يستعيرونه في الأمر العظيم»[1]. واليوم: هو النهار، وقيل: «مقداره من طلوع الشمس إلى غروبها»[2]. القيامة: مصدر من قام يقوم، ودخلها التأنيث للمبالغة على عادة العرب[3]، والقيام ضد الجلوس[4].
[1] مقاييس اللغة (1111) [دار الفكر، ط2، 1418هـ].
[2] تهذيب اللغة (15/645) [الدار المصرية للتأليف والترجمة، 1387هـ].
[3] التذكرة (2/547) [دار المنهاج، ط1، 1425هـ].
[4] لسان العرب (7/544) [دار الحديث ط1423هـ].
قال السيوطي في سبب تسمية يوم القيامة بهذا الاسم: لقيام الخلق من قبورهم، وقيامهم لرب العالمين، ولقيام الروح والملائكة صفًّا[1]، وقيل في تسمية يوم البعث والحشر يوم القيامة أربعة أقوال: « الأول: لوجود هذه الأمور فيها [أي: المحشر والوقوف ونحوهما]. الثاني: لقيام الخلق كلهم من قبورهم إليها، قال تعالى: {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ سِرَاعًا} [المعارج: 43] ، والثالث: لقيام الناس لرب العالمين، كما روى الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ *} [المطففين] قال: «يقوم أحدهم في رَشْحِه إلى أنصاف أذنيه»[2] ، قال ابن عمر: يقومون مائة سنة، ويروى عن كعب: يقومون ثلاثمائة سنة، والرابع: لقيام الروح والملائكة صفًّا، قال تعالى: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلاَئِكَةُ صَفًّا} [النبأ: 38] »[3].
[1] البدور السافرة (143) [دار الكتب العلمية، ط1، 1416هـ].
[2] أخرجه البخاري (كتاب الرقاق، رقم 6531)، ومسلم (كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، رقم 2862).
[3] التذكرة للقرطبي (2/547)، والبحور الزاخرة للسفاريني (1/621) [دار غراس، ط1، 1428هـ].
تظهر أهمية يوم القيامة في أنه يوم الجزاء، قال تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ *} [البقرة] . وقال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ *} [آل عمران] .
الأدلة على قيام يوم القيامة كثيرة جدًّا، منها قول الله تعالى: {أَلاَ يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ *لِيَومٍ عَظِيمٍ *يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ *} [المطففين] ، وقوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ *} [آل عمران] ، وقوله سبحانه: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا *} [الإسراء] ، وقوله سبحانه: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى *} [طه] .
ومن السُّنَّة قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره»[1].
[1] أخرجه مسلم (كتاب الإيمان، رقم 8)، من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، واللفظ له. وأخرجه البخاري (كتاب الإيمان، رقم50)، و(كتاب التفسير، رقم 4777)، ومسلم (كتاب الإيمان، رقم 9)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
قال القاضي عياض: «من أنكر الجنة أو النار، أو البعث أو الحساب، أو القيامة فهو كافر بالإجماع للنص عليه، وإجماع الأمة على صحة نقله متواترًا»[1].
وقال السفاريني: «قد دلَّ على قيام الناس من الأجداث الكتاب والسُّنَّة وإجماع الأمة»[2].
[1] الشفا (2/290) [دار الكتب العلمية].
[2] البحور الزاخرة (1/607) [شركة غراس، ط1].
المسألة الأولى: تسمية يوم القيامة بيوم الحسرة:
سمي بذلك؛ لأن الكافر يتحسر على ما فرط ويندم على ما قدم[1].
والحسرة: أشد الندامة، والتلهف على الشيء الذي فات ولا يمكن تدراكه. وهي الغم الذي يصيب الكافر على ما فاته، والندم على عصيانه[2].
وأضيف اليوم إلى الحسرة؛ لشدة ندم الكفار فيه على التفريط، ولكثرة ما يحدث فيه من تحسر المجرمين على ما أضاعوا فيه من أسباب النجاة، فكان ذلك اليوم كأنه مما اختصت به الحسرة، فهو يوم حسرة بالنسبة إليهم، وإن كان يوم فرح بالنسبة إلى الصالحين[3].
المسألة الثانية: سبب حسرة الكفار:
في ذلك أقوال، أشهرها ما يأتي:
القول الأول: لأن الكفار يرون أعمالهم الخبيثة التي استحقوا بها العقوبة من الله، ومعاصيهم وآثامهم حسرة وندامة يوم القيامة، ويتحسرون لم عَملوها؟ وهلا عملوا بغيرها مما يُرضي الله تعالى ذكره؟ فندموا على ما فرط منهم من أعمالهم الرديئة، إذ رأوا عقابها وجزاءها من الله؛ لأن الله أخبر أنه يريهم أعمالهم ندمًا عليهم، كما قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّأُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ *} [البقرة] وقد نقل هذا القول أبو جعفر الطبري رحمه الله عن جماعة من المفسرين، ومال إليه[4].
القول الثاني: أن يوم الحسرة حين يرى الكفار مقاعدهم من الجنة لو كانوا مؤمنين؛ لأن الله يريهم أعمالهم التي فرضها عليهم في الدنيا فضيَّعوها ولم يعملوا بها، حتى استوجب غيرُهمْ بطاعته ربَّه ما كان الله أعدَّ لهم، لو كانوا عملوا بها في حياتهم، من المساكن والنِّعم. فصار ما فاتهم من الثواب ـ الذي كان الله أعدَّه لهم عنده لو كانوا أطاعوه في الدنيا، إذ عاينوه عند دخول النار أو قبل ذلك ـ أسًى وندامةً وحسرةً عليهم. فأورثت مساكنهم من الجنة أهل الإيمان بالله والطاعة له، وأدخلوهم مساكن أهل الإيمان بالله من النار، وأيقن الفريقان بالخلود الدائم، والحياة التي لا موت بعدها، فيا لها حسرة وندامة[5].
ومما استدل به أصحاب هذا القول ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يدخل أحد الجنة إلا رأى مقعده من النار لو أساء؛ ليزداد شكرًا. ولا يدخل النار أحد إلا أري مقعده من الجنة لو أحسن؛ ليكون عليه حسرة»[6].
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ـ في قصة ذكرها ـ فقال: «فليس نَفْسٌ إلا وهي تنظر إلى بَيتٍ في الجنة وبَيتٍ في النار، وهو يومُ الحسرة. قال: فيرى أهلُ النار الذين في الجنة، فيقال لهم: لو عَملتم! فتأخذهم الحسرة. قال: فيرى أهلُ الجنة البيتَ الذي في النار، فيقال: لولا أن منَّ الله عليكم»[7].
القول الثالث: يوم الحسرة هو يوم ذبح الموت، فاستيقن الكفار عندئذ الخلود في النار، فلو مات أحد فرحًا مات أهل الجنة، ولو مات أحد حزنًا مات أهل النار. وهو قول الجمهور. ويدل عليه حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح، فينادي مناد: يا أهل الجنة فيشرئبون وينظرون، فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم هذا الموت، وكلهم قد رآه، ثم ينادي: يا أهل النار فيشرئبون وينظرون، فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم هذا الموت، وكلهم قد رآه، فيذبح، ثم يقول: يا أهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل النار خلود فلا موت، ثم قرأ: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ} [مريم: 39] »[8].
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا صار أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار جيء بالموت حتى يجعل بين الجنة والنار ثم يذبح ثم ينادي مناد يا أهل الجنة لا موت ويا أهل النار لا موت فيزداد أهل الجنة فرحًا إلى فرحهم ويزداد أهل النار حزنًا إلى حزنهم»[9] . قال الآلوسي رحمه الله عند تفسير قوله تعالى: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ} [مريم: 39] : «إن ظاهر الحديث... كما لا يخفى على المتتبع قاض بأن يوم الحسرة يوم يذبح الموت وينادى بالخلود. ولعل التخصيص لما أن الحسرة يومئذ أعظم الحسرات لأنه هناك تنقطع الآمال وينسد باب الخلاص من الأهوال»[10]. ومما يقوي هذا القول: نص حديث أبي سعيد رضي الله عنه المذكور سابقًا، كما أن قراءة النبي صلّى الله عليه وسلّم الآية بعد ذكره ذبح الموت تدل على أن المراد بيوم الحسرة هو يوم ذبح الموت[11].
القول الرابع: قيل يوم الحسرة المراد بذلك يوم القيامة مطلقًا، وهو مروي عن بعض السلف منهم ابن عباس رضي الله عنهما[12]، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم[13].
وذلك أن أهل النار من أول أمرهم وهم في سخط الله، فهم في حال حسرة لكثرة الحسرات والتأسف على ما فرطوا، وهذه الحسرات تقع لهم في مواطن عديدة. ومن هنا قيل: المراد بالحسرة جنسها، فيشمل ذلك حسرتهم فيما ذكر وحسرتهم عند أخذ الكتب بالشمائل وغير ذلك[14].
ويمكن الجمع بين هذه الأقوال كلها بأن يقال: إن يوم القيامة كله حسرة على الكافرين، وأشده حسرة عليهم يوم يذبح الموت، فيستيقن الكافر يومئذ أن مصيره إلى النار خالدًا مخلدًا فيها، والله أعلم.
المسألة الثالثة: عموم الحسرة للخلق كافة:
ذهب بعض العلماء من المفسرين وغيرهم إلى أن الحسرة يوم القيامة عامة تشمل المؤمن والكافر، فالمؤمن يتحسر على قلة عمله وإحسانه، والكافر يتحسر على تفريطه وعصيانه. قال الرازي: «وقيل: يتحسر أيضًا في الجنة إذا لم يكن من السابقين الواصلين إلى الدرجات العالية والأول هو الصحيح؛ لأن الحسرة غم، وذلك لا يليق بأهل الثواب»[15]. وقد يجاب عن قول الرازي بأن الحسرة تكون في عرصات القيامة قبل أن يدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار؛ ولكن يشكل عليه قوله جلّ جلاله: {إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ} [مريم: 39] ؛ أي: فُرغ من الحساب، وفُصل بين الفريقين، وذهب أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار وذُبح الموت ونُودي كل من الفريقين بالخلود[16]. ويمكن أن يقال: بأن الحسرة تشمل عصاة الموحدين ممن سيدخل النار ثم يخرج منها، أما من دخل الجنة ابتداء فلا، والله أعلم.
المسألة الرابعة: وقت قيام الساعة:
لا يعلم ذلك إلا الله تبارك وتعالى . قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} [لقمان: 34] ، وسأل جبريل عليه السلام النبي صلّى الله عليه وسلّم بقوله: متى الساعة؟ قال: «ما المسؤول عنها بأعلم من السائل» [17]، فإذا كان لا يعلمه أفضل الملائكة وأفضل الرسل، فغيرهما من باب أولى؛ فلا يعلمه إلا الله تعالى، قال ابن رجب: إن الله استأثر بعلم الساعة، ولم يطلع عليه أحدًا من خلقه، وهو من مفاتح الغيب الخمس التي لا يعلمها إلا الله[18].
المسألة الخامسة: مدة يوم القيامة:
ورد في بعض الأحاديث الصحيحة أن مقدار يوم القيامة: خمسون ألف سنة، ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار، فأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار. قيل: يا رسول الله فالإبل؟ قال: ولا صاحب إبل لا يؤدي منها حقها ومن حقها حلبها يوم وردها إلا إذا كان يوم القيامة بُطح لها بقاع قرقر[19] أوفر ما كانت لا يفقد منها فصيلاً واحدًا، تطؤه بأخفافها وتعضه بأفواهها كلما مر عليه أولاها رد عليه أخراها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار . قيل: يا رسول الله فالبقر والغنم؟ قال: ولا صاحب بقر ولا غنم لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة بُطح لها بقاع قرقر لا يفقد منها شيئًا ليس فيها عقصاء ولا جلحاء ولا عضباء[20] تنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها، كلما مر عليه أولاها رد عليه أخراها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار»[21].
[1] ينظر: مفرادت الراغب (234) [دار القلم، ط1، 1412هـ]، ولسان العرب (4/187) [دار صادر].
[2] ينظر: تفسير الطبري (16/87) [دار الفكر، 1405هـ]، ومفرادت الراغب (234)، وأضواء البيان للشنقيطي (4/352) [عالم الفوائد، ط1، 1426هـ].
[3] ينظر: أضواء البيان (4/352).
[4] ينظر: تفسير الطبري (2/73، 75)، والتذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة (2/569) [دار المنهاج، ط1، 1425هـ].
[5] ينظر: تفسير الطبري (2/74، 16/87).
[6] أخرجه البخاري (كتاب الرقاق، رقم 6569).
[7] تقدم تخريجه.
[8] أخرجه البخاري (كتاب تفسير القرآن، رقم 4730)، ومسلم (كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، رقم 2849).
[9] أخرجه البخاري (كتاب الرقاق، رقم 6548)، ومسلم (كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، رقم 2850).
[10] روح المعاني (16/575) [دار الحديث، 1426هـ]. وينظر: البحور الزاخرة في علوم الآخرة (2/479) [غراس للنشر والتوزيع، ط1، 1428هـ].
[11] ينظر: أضواء البيان للشنقيطي (4/354).
[12] أخرجه الطبري في التفسير (15/547) [دار هجر، ط1].
[13] ينظر: تفسير ابن كثير (5/234) [دار طيبة، الإصدار الثاني، ط4، 1428هـ].
[14] ينظر: تفسير ابن كثير (5/234).
[15] تفسير الرازي (21/221).
[16] ينظر: تفسير ابن كثير (5/234).
[17] أخرجه البخاري (كتاب الإيمان، رقم50)، و(كتاب التفسير، رقم 4777)، ومسلم (كتاب الإيمان، رقم 9)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. أخرجه مسلم (كتاب الإيمان، رقم 8)، من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنهما.
[18] فتح الباري لابن رجب (4/70).
[19] أي: بسط لها ومد لها بأرض مستوية.
[20] العقصاء: الملتوية القرون، والجلحاء: التي لا قرون لها، والعضباء: التي انكسر قرنها الداخل.
[21] أخرجه مسلم (كتاب الزكاة، رقم 987).
من آثار الإيمان بيوم القيامة السلوك الحسن، والطمأنينة القلبية والصحة النفسية فيجتنب العبد ما يسخط الله عزّ وجل، ويبذل جهده فيما يرضيه؛ لأن أعمال العباد ليست ضائعة بل سيجزون بما عملوا يوم القيامة، قال تعالى: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمْ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ *} [المجادلة] ، وقال تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَا *وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى *جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى *} [طه] .
من حكمة يوم القيامة أن تجزى كل نفس بما كسبت، ويظهر عدل الله، قال تعالى: {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى *} [طه] ، وقال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ *} [فصلت] ، وقال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ *} [آل عمران] .
1 ـ المنكرون ليوم القيامة، وهم مشركو العرب الذين ردّ الله تعالى على زعمهم فقال: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ *وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ *قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ *} [الجاثية] ، وقد ردّ الله عزّ وجل على زعم مشركي العرب فقال: {قَالُوا أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ *لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ *} [المؤمنون] ، وقال تعالى: {قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا *أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا *} [الإسراء] .
2 ـ المتأولون ليوم القيامة والحشر والنشر والحساب والنعيم والعذاب في القيامة، وهم الباطنية، فإذا ورد ذكر القيامة في كلام الباطنية فهم لا يقصدون بها ما يقصد بها الأنبياء وأتباعهم، بل الباطنية يقصدون بها ما يسمونه قيام القائم المنتظر لديهم[1]، واستدل أحد دعاتهم أن المراد بالقيامة هو قيام المنتظر لديهم بأدلة عقلية وتأويلات باطنية للنصوص، ثم قال: «وأما غيبته ولم يظهر له أثر من وقت غيبته فهذا ما شرطه الله تعالى ذكره في قوله: {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى *} [طه] ، والعلة في خفائها أن دعوته علمية لا عملية كدعوة الرسل، والدعوة العلمية لا تدرك ولا تصاب إلا بجد واجتهاد في الطلب، والدعوة العملية بالقهر والقسر»[2].
وقد صرَّح بعض الإسماعيلية الباطنية أن القيامة هي قيام قائم القيامة الكبرى، صاحب البطشة العظمى، محمد بن إسماعيل[3]، وقال أحد دعاة الإسماعيلية الباطنية: «والقيامة موسومة أيضًا بيوم الفصل؛ لأن الفصل إنما يكون بعد الخصومة والمنازعة، وهكذا القائم يفصل بين أهل الأديان ويظهر، وألزم أهل الأديان الرجوع إلى الحقائق والقرار عليها»[4]، لذا جعلهم الغزالي من الزنادقة وقال عنهم: «فلم يبق عندهم للطاعة ثواب، ولا للمعصية عقاب، فانحل عنهم اللجام، وانهمكوا في الشهوات انهماك الأنعام، وهؤلاء أيضًا زنادقة: لأن أصل الإيمان هو الإيمان بالله وباليوم الآخر، وهؤلاء جحدوا اليوم الآخر»[5].
[1] قال عارف تامر الإسماعيلي الباطني: معنى قيام القيامة لدى إخوان الصفاء: هو ظهور القائم المنتظر. انظر: جامعة الجامعة (88) [دار مكتبة الحياة، ط2].
[2] كتاب الافتخار للداعي الإسماعيلي أبي يعقوب السجستاني (194) [دار الغرب الإسلامي، ط1، 2000م].
[3] الإسماعيلية تاريخ وعقائد (448) [إدارة ترجمان السُّنَّة]، نقلاً بالواسطة عن أحد الإسماعيلية المعاصرين. أصول الإسماعيلية [دار الفضيلة، ط1، 1422هـ].
[4] انظر: إثبات النبوءات لأبي يعقوب السجستاني الإسماعيلي (191) [دار المشرق، ط2]، والإسماعيلية تاريخ وعقائد (452) نقلاً عن إثبات النبوات للسجستاني.
[5] المنقذ من الضلال (77) [دار الأندلس، ط6].