حرف الألف / الإنجيل

           

الإنجيل : اسم عربي مشتقٌّ من (نجَلت الشيء): استخرجته؛ كأنه أمر أُبرِز وأُظهِر بما فيه. وهو يؤنَّث ويُذَكَّر: فمَن أنَّث أراد الصحيفة، ومَن ذكَّر أراد الكتاب.
وقيل: بل هو معرَّب من اليونانية، ومعناه: الخبر الطَّيِّب أو البشارة، وقيل غير ذلك[1].


[1] انظر: الصحاح (5/1826) [دار العلم للملايين، ط4، 1990م]، ومقاييس اللغة (5/396) [دار الفكر، بيروت، ط2، 1418هـ]، وتاج العروس (30/458) [مطبعة حكومة الكويت]، وتهذيب الأسماء واللغات للنووي (3/161) [طبعة إدارة الطباعة المنيرية بمصر].


الإنجيل : هو اسم كتاب الله سبحانه وتعالى الذي أنزله على نبيِّه وعبده عيسى عليه السلام؛ ليكون لبني إسرائيل هدى ونورًا وموعظة للمتقين[1].


[1] راجع: الصحاح (5/1826)، وتاج العروس (30/458)، وتهذيب الأسماء واللغات (3/161)، ومحاضرات في النصرانية (16)، وتخجيل من حرَّف التوراة والإنجيل لصالح بن الحسين الجعفري (1/99) [مكتبة العبيكان، ط1، 1419هـ]، ودراسات في الأديان اليهودية والنصرانية (136).


ليس بين المعنى اللغوي ـ على القول بأنه عربي أصيل ـ والشرعي للإنجيل تباين واختلاف؛ فقد أبرز عيسى عليه السلام الإنجيل لبني إسرائيل وأظهره لهم؛ ليؤمنوا بما فيه من الهدى والنور، ويلتزموا بأحكامه وأوامره.
وهذا المعنى وإن كان مشتركًا بين جميع الكتب السماوية فلا مانع من تخصيص الإنجيل به؛ فالتسمية تكون لأدنى ملابسة ولا يراعى فيها الاشتقاق والمعنى، كما هو معروف.



الإنجيل: هو كتاب عيسى عليه السلام، وكتاب النصارى، والكتاب المقدس عندهم.



يجب على المسلم أن يعتقد أن الله سبحانه وتعالى أنزل على نبيّه وعبده عيسى عليه السلام كتابًا اسمه: الإنجيل، فهو كلام الله تعالى غير مخلوق. أنزله عليه جملة واحدة في شهر رمضان؛ كباقي الكتب السماوية.
ويعتقد المسلم أيضًا: أن إنجيل عيسى عليه السلام قد فقد واندثر من زمن مبكر من تاريخ النصارى، أو انطمست آثاره ومعالمه بما وقع فيه من التحريف والتبديل والكتمان والإهمال والنسيان؛ فاختلط فيه الحق بالباطل؛ فالأناجيل التي بأيدي النصارى اليوم ـ وهي: متى، ومرقص، ولوقا، ويوحنا، وهي ضمن كتب العهد الجديد ـ وقع فيها التحريف والتبديل، ولم يسلم منها شيء؛ فليس واحدًا منها هو الإنجيل الصحيح الذي نزل على عيسى عليه السلام[1].


[1] انظر: الجواب الصَّحيح لابن تيمية (1/116، 2/259، 5/72، 351) [دار العاصمة، ط1]، ومجموع الفتاوى (16/43، 19/184)، وجلاء الأفهام (224) [عالم الفوائد، ط1]، ومدارج السالكين (2/458) [دار الكتاب العربي، ط2]، وتفسير ابن كثير (2/44، 45، 3/126، 6/243، 7/302) [دار طيبة، ط2]، ومحاضرات في النصرانية لمحمد أبو زهرة (16)، وتعليق محقِّق كتاب تخجيل من حرَّف التوراة والإنجيل (1/99)، ودراسات في الأديان اليهودية والنصرانية (136).


حقيقة الإنجيل: أن الإنجيل مصدق للتوراة، متبع لها، ومتمم ومكمل لها ولمحاسنها، ومحيي لشريعتها، وناسخ لبعض شريعتها وأحكامها؛ فلم يخالف التوراة إلا في قليل من الأحكام التي كان بنو إسرائيل يختلفون فيها ـ وكان عيسى عليه السلام يحفظ هذا وهذا ـ؛ فليس هو شريعة مستقلة لهم، ولهذا لم يكن بد لمن اتبع المسيح من أن يقرأ التوراة ويتبع ما فيها، وكان النصارى متفقين على حفظها وتلاوتها كما يحفظون الإنجيل.
وكان الإنجيل مشتملاً على الهدى والنور والموعظة للمتقين، وكان عامته مواعظ وترقيقات ووصايا وزهد وأخلاق، وكان التحليل والتحريم فيه قليلاً.
وأنه كان على أهل الإنجيل أن يؤمنوا به ويحكموا بما أنزل فيه.
وكان في الإنجيل البشارة بنبيِّنا محمد صلّى الله عليه وسلّم[1].


[1] راجع: المصادر السابقة في الحكم.


هذا المعتقد ثابت بنص القرآن الكريم، وبعضه ثابت بنص الحديث النبوي:
أما الدليل من القرآن؛ فقول الله تعالى: {وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ *وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ *} [المائدة] ، وقال حكاية عن عيسى عليه السلام: {إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا *} [مريم] .
وثبت في حديث دعاء النوم؛ أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يقول: «اللَّهُمَّ رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء، فالق الحبِّ والنوى، ومنزل التوراة والإنجيل والفرقان؛ أعوذ بك من شر كل شيء...» الحديث[1].
والدليل على إنزال الإنجيل في شهر رمضان: ما ورد في حديث واثلة بن الأسقع رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «أنزلت التوراة لست مضين من رمضان، والإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان...» الحديث[2]. إلى غير ذلك من الأدلة.


[1] أخرجه مسلم (كتاب الذِّكر والدُّعاء والتوبة والاستغفار، برقم 2713)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[2] أخرجه أحمد في مسنده (4/107) [مؤسسة قرطبة بمصر]، والطبراني في المعجم الكبير (22/75) [مكتبة العلوم والحكم بالموصل، ط2]، وقال الهيثمي في المجمع (1/197) [مكتبة القدسي]: (فيه عمران بن داور القطان، ضعفه يحيى، ووثقه ابن حبان، وقال أحمد: أرجو أن يكون صالح الحديث، وبقية رجاله ثقات)، وحسَّنه الألباني في السلسلة الصحيحة (رقم 1575).


قال النووي رحمه الله: « الإنجيل: اسم لكتاب الله تعالى المنزل على عيسى عليه السلام»[1].
وقال ابن تيمية رحمه الله: «عامة ما امتاز به الإنجيل عن التوراة بمكارم الأخلاق المستحسنة، والزهد المستحب، وتحليل بعض المحرمات. وهذا كله في القرآن، وهو في القرآن أكمل»[2].
وقال ابن كثير رحمه الله: «عيسى عليه السلام أنزل عليه الإنجيل، فيه مواعظ وترقيقات، وقليل من التحليل والتحريم، وهو في الحقيقة كالمتمم لشريعة التوراة؛ فالعمدة هو التوراة»[3].


[1] تهذيب الأسماء واللغات للنووي (3/161).
[2] الجواب الصَّحيح (5/73).
[3] تفسير ابن كثير (7/302).


أنواع الأناجيل:
يطلق على إنجيل النصارى اسم العهد الجديد المشتمل على الأناجيل الأربعة وعلى الرسائل الملحقة بها، وهذه الأناجيل الأربعة هي المعتبرة عند النصارى، وهي: (إنجيل متى، إنجيل مرقص، إنجيل لوقا، إنجيل يوحنا). ولم تأخذ هذه الأناجيل الأربعة صفة القداسة عند النصارى إلا في القرن الرابع الميلادي بإقرار مجمع نيقية المنعقد في سنة (325م)، واعتبرت الأناجيل الأخرى غير قانونية؛ كإنجيل برنابا، الذي طبع في زمن متأخر، وهو ما ينكره كثير من النصارى، وذلك لمصادمته لكثير من الاعتقادات الباطلة التي يؤمن بها النصارى، ومنها تقريره لبشرية المسيح ورسالته، ونفيه الألوهية عنه، وأنه لم يصلب، وأن الذبيح هو إسماعيل عليه السلام، والتصريح بنبوة نبيِّنا محمد صلّى الله عليه وسلّم[1].


[1] انظر: الإنجيل والصليب لعبد الأحد داود (15) [طبعة: 1351هـ، القاهرة]، وقاموس الكتاب المقدس (172) [دار الثقافة بالقاهرة، ط9]، ودائرة المعارف الكتابية (2/142) [مطبعة سيويرس، ط2]، والأسفار المقدسة في الأديان السابقة للإسلام (73، 95) [دار نهضة مصر، القاهرة]، وما هي النصرانية (228) [مكتبة دار العلوم، كراتشي، 1403هـ]، وإظهار الحق (1/151 ـ 157، 2/531 ـ 532) لرحمة الله الهندي [رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء، الرياض، ط4]، والمسيح في مصادر العقائد المسيحية لأحمد عبد الوهاب (53 ـ 73) [مكتبة وهبة، القاهرة، ط1]، ومحاضرات في النصرانية (41 ـ 74) [دار الفكر العربي، ط3]، ودراسات في الأديان اليهودية والنصرانية (215 ـ 224) [مكتبة أضواء السلف، ط3].


المسألة الأولى: حكم سب الإنجيل:
يقال في حكم سب أو لعن الإنجيل: «ليس لأحد أن يسب أو يلعن الإنجيل، بل من أطلق سبه أو لعنه فإنه يستتاب، فإن تاب وإلا قتل، وإن كان يعرف أنها منزلة من عند الله، وأنه يجب الإيمان بها؛ فهذا يقتل بشتمه لها، ولا تقبل توبته ـ في أظهر قولي العلماء ـ. وأما إن لعن دين النصارى الذي هم عليه في هذا الزمان فلا بأس به في ذلك؛ فإنهم ملعونون هم ودينهم، وكذلك إن سبَّ الإنجيل الذي عندهم بما يبين أن قصده ذكر تحريفه؛ مثل أن يقال: نسخ هذا الإنجيل مبدلة لا يجوز العمل بما فيها، ومن عمل اليوم بشرائعها المبدلة والمنسوخة فهو كافر؛ فهذا الكلام ونحوه حق لا شيء على قائله. والله أعلم»[1].
المسألة الثانية: حكم قراءة الإنجيل:
حكم النظر والاطلاع على الإنجيل الموجود بين أيدي النصارى اليوم ـ وهي مترتبة على تحريف الإنجيل ـ؛ فيقال: لا يجوز النظر في كتب أهل الكتاب عمومًا؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم غضب حين رأى مع عمر كتابًا أصابه من بعض أهل الكتاب، وقال: «أَمُتهوِّكون فيها يابن الخطاب؟!» الحديث[2].
حتى وإن كانت مشتملة على الحق والباطل؛ لما في ذلك من ضرر فساد العقائد، اللَّهُمَّ إلا لمن كان متضلعًا بعلوم الكتاب والسُّنَّة، مع شدة التثبت وصلابة الدين والفطنة والذكاء؛ وكان ذلك للرد عليهم وكشف أسرارهم وهتك أستارهم[3].
المسألة الثالثة: حكم مس الإنجيل للمحدث:
حكم مس الإنجيل وحمله للمحدث؛ فيجوز ـ عند الجمهور ـ؛ لأنه ليس قرآنًا، والنص ورد في القرآن دون غيره، ثم هي مبدلة منسوخة[4].
المسألة الرابعة: بيان تحريف الأناجيل الموجودة:
أخبر الله سبحانه عن وقوع التحريف في الإنجيل بقوله: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ *} [آل عمران] ، وقال تعالى: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ *} [آل عمران] ، وقال تعالى: {وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} [المائدة: 14] . وغيرها من الآيات.
ووجود التحريف في التوراة والإنجيل هو الصبغة العامة التي يتسم بها، إلا أنه لا تزال فيه بقايا من الوحي الإلهي، ومعرفة ذلك يكون بموافقتها لما ورد في القرآن الكريم والسُّنَّة الصحيحة، وأما أنواع التحريف الواقعة فيه فهي: تحريف بالتبديل، وتحريف بالزيادة، وتحريف بالنقص[5].
المسألة الخامسة: نسخ الأناجيل:
الإنجيل الذي جاء به المسيح عليه السلام؛ بل الأديان السابقة جميعها قد نسخت بالقرآن المنزل على محمد صلّى الله عليه وسلّم، قال عزّ وجل: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ} [المائدة: 48] . وإن كان النسخ في الأصل واردًا على إنجيل عيسى عليه السلام فوروده على ما بأيدي النصارى من الأناجيل المحرفة من باب أولى.
ومما يؤكد نسخ الديانة النصرانية، ما تحويه أناجيلهم الحالية من شهادات وإشارات صادرة عن المسيح عليه السلام وعن غيره، التي تومئ بظهور نبي بعد المسيح عليه السلام يجب اتباعه[6].


[1] مجموع الفتاوى (35/200)، بتصرُّف. وكانت الفتوى عن التوراة ودين اليهود، والإنجيل ودين النصارى يأخذان نفس الحُكْم، والله أعلم.
[2] أخرجه أحمد في مسنده (3/387) [مؤسسة قرطبة بمصر]، والدارمي في سننه (كتاب العلم، رقم 449)، قال الهيثمي: «فيه مجالد بن سعيد، ضعفه أحمد ويحيى بن سعيد وغيرهما». مجمع الزوائد (1/174) [مكتبة القدسي]. لكن له شواهد، حسنه بها الألباني في إرواء الغليل (6 / 34) [المكتب الإسلامي ببيروت، ط2].
[3] راجع: فتح الباري لابن حجر (13/525) [دار المعرفة ببيروت]، وكشاف القناع للبهوتي (1/434) [دار الفكر ببيروت]، ومطالب أولي النهى لمصطفى الرحيباني (1/607) [المكتب الإسلامي ببيروت]، وفتاوى اللجنة الدائمة (3/433).
[4] راجع: المجموع شرح المهذب للنووي (2/70) [دار الفكر ببيروت]، وكشاف القناع (1/135).
[5] انظر: إظهار الحق (2/425 ـ 539)، ومجموع الفتاوى (13/104، 105)، والجواب الصحيح (1/356، 367، 2/5، 3/264)، وهداية الحيارى (105) [الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة].
[6] انظر: المصادر السابقة، وانظر أيضًا: دائرة معارف القرن العشرين (1/655) [دار المعرفة، بيروت، ط2]، والموسوعة العربية الميسرة (1/239) [دار القلم ومؤسسة فرانكلين، القاهرة]، ومعجم المصطلحات الدينية لخليل أحمد خليل (36) [دار الفكر اللبناني، ط1].


الفروق بين أناجيل النصارى:
إنجيل متى: هو أول الأناجيل في العهد الجديد، وهو أطولها؛ إذ يحوي ثمانية وعشرين إصحاحًا. ويزعم النصارى أن (متى) هو أحد الحواريين، وكان قبل اتباعه للمسيح عشارًا (جابي ضرائب). إلا أن النصارى لا يملكون دليلاً على صحة نسبة هذا الكتاب إلى (متى)، فهم لم ينقلوه بالسند.
أما إنجيل مرقص : وهو الثاني في ترتيب الأناجيل لدى النصارى وهو أقصرها؛ إذ إنه يحوي ستة عشر إصحاحًا فقط. ينسبونه إلى مرقص، واسمه يوحنا، ومرقص لقب له، وهو رجل مجهول، لم تتوفر معلومات عن دينه وعلمه وأمانته، سوى أنه كان رفيقًا لبولس في دعوته ثم افترق عنه، فلا يملك النصارى صحة نسبة هذا الإنجيل إلى كاتبه.
أما إنجيل لوقا : فهذا الإنجيل الثالث في ترتيب النصارى للعهد الجديد، ويحوي أربعة وعشرين إصحاحًا، ويزعم النصارى أن كاتبه كان أحد الوثنيين الذين آمنوا بالمسيح بعد رفعه وكان رفيقًا لبولس، فهو يعد أيضًا شخصية مجهولة، ولا يوجد لدى النصارى دليل يعتمد عليه في صحة نسبة الكتاب إليه.
أما إنجيل يوحنا : فهو الإنجيل الرابع في ترتيب العهد الجديد، وهو يختلف عن الأناجيل الثلاثة قبله، إذ تلك متشابهة إلى حد كبير، أما هذا فإنه يختلف عنها؛ لأنه ركز على قضية واحدة، وهي: إبراز دعوى ألوهية المسيح وبنوته لله بنظرة فلسفية، ولذلك فهو يعد الكتاب الوحيد من بين الأناجيل الأربعة الذي صرح بهذا الأمر تصريحًا واضحًا.
وهذا الإنجيل كسابقيه، لا يملك النصارى لإثبات صحته أي دليل، فكاتبه يوحنا كما يذكر النصارى كان يمتهن الصيد، مما يدل على أنه بعيد عن الفلسفة ومصطلحاتها.
وهذه الأناجيل بينها تناقض واختلاف كثير[1].


[1] انظر: دراسات في اليهودية والنصرانية (151 ـ 158).


حرف النصارى الإنجيل المنزل على عيسى عليه السلام عن وجهه الصحيح، إلى وثنية خالصة وعقائد منحرفة لم يعرفها المسيح عليه السلام ولا حواريوه، فأصبح الإنجيل بعد التحريف قائمًا على ثلاثة أسس، وهي: التثليث، والصلب والفداء، ومحاسبة المسيح للناس.
ويدَّعي النصارى أن هذه الأناجيل الموجودة لديهم مقدسة، وأن مؤلفيها كتبوها بوحي وإلهام من الله، وهذا باطل لا مرية فيه؛ إذ لا يملكون أدنى دليل على ما ادعوه، إنما اعتمدوا على كتبهم المحرفة التي اعترفوا هم أنفسهم بانقطاع إسنادها إلى من تنسب إليهم، فضلاً عن نسبتها إلى المسيح عليه السلام وكذلك اليهود لا يؤمنون بنبي الله عيسى عليه السلام ولا بالإنجيل الذي أرسل به، وقد أخبر القرآن عنهم، أنهم قالوا: {لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ} [البقرة: 113] ؛ أي: ليست النصرانية في دينها على صواب، إنما قالوا ذلك لأنهم يكفرون بعيسى، ولا يرون شريعته دينًا. بل قام بعض اليهود بالعمل على تحريف الإنجيل وتبديله، كما فعل بولس (شاؤول اليهودي)[1].


[1] انظر: إسرائيل حرّفت الأناجيل لأحمد عبد الوهاب (41) وما بعدها [مكتبة وهبة، ط2]، والكتب المقدسة بين الصحة والتحريف (53) وما بعدها (177) [دار الوفاء، ط1]، ودراسات في اليهودية والنصرانية (140، 191، 245).


1 ـ «إظهار الحق»، لمحمد رحمت الله الهندي.
2 ـ «تخجيل من حرف التوراة والإنجيل» (ج1)، لصالح الجعفري.
3 ـ «الجواب الصحيح» (ج1، 2، 5)، لابن تيمية.
3 ـ «دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية»، لسعود الخلف.
5 ـ «دعوة التقريب بين الأديان: دراسة نقدية في ضوء العقيدة الإسلامية»، لأحمد القاضي.
6 ـ «شرح العقيدة الطحاوية» (ج1)، لابن أبي العز.
7 ـ «محاضرات في النصرانية»، لمحمد أبو زهرة.
8 ـ «مصادر النصرانية: دراسة ونقدًا»، لعبد الرزاق آلارو.
9 ـ «معارج القبول» (ج2)، للحكمي.
10 ـ «هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى»، لابن القيم.